موفد صيني يبحث في بيونغ يانغ حل «أزمة النووي»

كوريا الشمالية تستبعد إجراء مفاوضات بشأن أسلحتها النووية

كوريون جنوبيون يطالبون بإزالة منظومة الدفاع الأميركي الجوي الصاروخي (ثاد) في سيول أمس (إ.ب.أ)
كوريون جنوبيون يطالبون بإزالة منظومة الدفاع الأميركي الجوي الصاروخي (ثاد) في سيول أمس (إ.ب.أ)
TT

موفد صيني يبحث في بيونغ يانغ حل «أزمة النووي»

كوريون جنوبيون يطالبون بإزالة منظومة الدفاع الأميركي الجوي الصاروخي (ثاد) في سيول أمس (إ.ب.أ)
كوريون جنوبيون يطالبون بإزالة منظومة الدفاع الأميركي الجوي الصاروخي (ثاد) في سيول أمس (إ.ب.أ)

ناقش موفد صيني كبير أمس المخاوف الإقليمية مع مسؤولين في بيونغ يانغ، كما أفادت وكالة الأنباء الكورية الشمالية، في وقت تضغط الولايات المتحدة على بكين للمساعدة في تخفيف حدة الأزمة المرتبطة بالملف النووي للدولة المعزولة دوليا.
وزيارة سونغ تاو الذي وصفته بيونغ يانغ بأنه الموفد الخاص للرئيس الصيني شي جينبينغ، هي الأولى لمبعوث رفيع من بكين منذ أكثر من عام. وتصاعد التوتر في العلاقات بين البلدين على خلفية تهديدات بيونغ يانغ النووية، ودعم بكين لعقوبات أممية مشددة بحق جارتها.
وأفادت وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية في إشارة إلى المحادثات بين سونغ والقيادي الرفيع في الحزب الحاكم ري سو - يونغ أن «الطرفين تبادلا وجهات النظر بشأن القضايا ذات الاهتمام المتبادل على غرار الوضع في شبه الجزيرة الكورية والمنطقة والعلاقات الثنائية».
وتراجعت العلاقات بين الجارتين الشيوعيتين المقربتين إلى أسوأ درجة لها منذ عقود على خلفية سلوك كوريا الشمالية، في وقت تواجه بكين ضغوطات من الرئيس الأميركي دونالد ترمب للضغط بدورها على بيونغ يانغ.
ووصل سونغ أول من أمس الجمعة، والتقى بتشوي ريونغ - هاي، وهو مسؤول رفيع في الحزب الحاكم بكوريا الشمالية ومساعد مقرب من زعيم نظام بيونغ يانغ كيم جونغ - أون. ونقل الطرفان عن تشوي أنه تحدث عن إصرار البلدين على أهمية علاقاتهما طويلة الأمد.
وأعلن الحزب الشيوعي الصيني في تقريره عن المحادثات التي جرت بين تشوي وسونغ أنهما اتفقا على أن العلاقات الثنائية هي «الكنز المشترك بين الشعبين»، وأن على الطرفين «بذل جهود منسقة» للمحافظة عليها.
وتطالب الولايات المتحدة الصين، التي تشكل 90 في المائة من التجارة الأجنبية الكورية الشمالية، بفرض مزيد من الضغوط الاقتصادية. وقد أشاد ترمب، الذي سبق أن حذّر شي خلال زيارته إلى بكين هذا الشهر من أن الوقت «ينفد سريعا» لحل الأزمة النووية، عبر موقع «تويتر» الخميس بمهمة سونغ. وكتب أنها «تحرك كبير، لنرى ماذا سيحدث!».
ولكن الخبراء أعربوا عن شكوكهم في أن تحقق هذه الزيارة أي اختراقات، مشيرين إلى أن نفوذ بكين السياسي على كيم أقل بكثير مما يعتقد رغم العلاقات الاقتصادية.
وأوضحت خبيرة الشؤون الصينية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن بوني غايزر أن «العلاقات متوترة جدا. وربما هي في أدنى مستوياتها منذ الحرب الكورية. وقد تتمكن (هذه البعثة) من وضع أرضية (مشتركة) للعلاقات بين الصين وكوريا الشمالية، للحؤول دون تدهورها أكثر»، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.
وفرضت الصين قيوداً مصرفية على الكوريين الشماليين، فيما قامت بتطبيق سلسلة من الإجراءات التي فرضتها الأمم المتحدة بما فيها حظر استيراد الفحم والحديد الخام والمأكولات البحرية من جارتها المعزولة. ولكن بكين تخشى من أن تشديد الخناق على بيونغ يانغ قد يؤدي إلى انهيارها.
ويرجّح محللون أن الهدف من زيارة سونغ هو حثّ نظام كيم على الأغلب على عدم التصعيد، بدلا من فرض ضغوط حقيقية عليه لدفعه إلى نزع سلاحه. وفيما ازدادت حدة التوترات النووية، دعا شي إلى إجراء مفاوضات عارضا خطة تجمد الولايات المتحدة من خلالها تدريباتها العسكرية في كوريا الجنوبية فيما تعلق بيونغ يانغ برامجها التسلحية.
وفيما أعلن ترمب هذا الأسبوع أن شي وافق خلال محادثاتهما الأخيرة على التخلي عن هذا المسار، إلا أن بكين نفت ذلك وجددت دفاعها عنه.
ونقلت وكالة «رويترز» عن هان تاي سونغ، سفير كوريا الشمالية لدى الأمم المتحدة، قوله في جنيف إن بلاده ليست مستعدة لخوض مفاوضات نووية، مشيرا إلى العقوبات الجديدة التي قالت إدارة الرئيس دونالد ترمب إنها تعدها بالإضافة إلى احتمال إضافة كوريا الشمالية إلى قائمة أميركية للدول التي ترعى الإرهاب. وقال هان في مقابلته مع «رويترز»: «ما دامت الولايات المتحدة تواصل انتهاج سياسة عدائية ضد بلادي، وما دامت التدريبات الحربية مستمرة على أعتاب بلادنا، لن تُجرى مفاوضات».
ومثّل هان بيونغ يانغ في مؤتمر الأمم المتحدة لنزع السلاح، وكان يتحدث في مقر بعثة كوريا الشمالية في جنيف، حيث توصلت كوريا الشمالية والولايات المتحدة لاتفاق نووي عام 1994 انهار فيما بعد.
وقال إنه لا توجد لديه معلومات بشأن الموعد الذي قد تجري فيه كوريا الشمالية اختبارا جديدا لصاروخ باليستي، بعد الاختبار الأخير الذي جرى قبل شهرين. وقال هان إن «بلادي، جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، ستواصل بناء قدراتها للدفاع عن نفسها التي تمثل القوات النووية والقدرة على توجيه ضربة مظفرة محورها... ما دامت القوات الأميركية والمعادية تواصل التهديد النووي والابتزاز». وشدد: «بلادنا تعتزم استكمال القوة النووية بشكل تام».



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».