احتشد جمع عند التقاء «25 أفنيو» و«ستينواي ستريت» في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة، ووقفوا يغنون ويرقصون ويصرخون، ملوحين بأعلام، بينما وقفت قوات الشرطة تراقب في هدوء. ولم تكن تلك أعمال شغب، وإنما كانت مظاهر احتفال بتأهل مصر لبطولة كأس العالم للمرة الأولى منذ عام 1990، وداخل ما تعرف باسم «مصر المصغرة داخل نيويورك»، بدا هذا سبباً كافياً للغاية للاحتفال.
في الواقع، دائماً ما تبدو اللحظة خاصة عندما تعود دولة ما إلى البطولة الأولى عالمياً على صعيد كرة القدم بعد فترة غياب طويلة. وتوحد هذه المناسبة صفوف أبناء الوطن الواحد داخله وخارجه، وذلك ما حدث منذ شهر عندما أكد محمد صلاح على مشاركة مصر في بطولة كأس العالم بإسهامه في الفوز على الكونغو بنتيجة 2 - 1 عبر ركلة جزاء نجح صلاح في تسديدها بهدوء داخل مرمى الخصم. واختتمت مصر مباريات التأهل لبطولة كأس العالم خلال عطلة نهاية الأسبوع بمواجهة غانا، وانتهى اللقاء بالتعادل الإيجابي 1 - 1 في غانا، لكن هدف الفوز الذي أحرزه صلاح في الدقيقة 92 كان اللحظة التي لطالما انتظرتها الجماهير المصرية.
يذكر أن مصر لم تشارك في بطولة كأس العالم طيلة 27 عاماً، لكن هذا لم يكن دوماً بسبب افتقارها إلى المهارات المتألقة. في الواقع، نجح المنتخب المصري في حصد بطولة كأس الأمم الأفريقية 4 مرات منذ آخر مشاركة له في كأس العالم. وأحد الأسباب وراء غياب مصر عن البطولة الكروية العالمية يعود إلى الاضطرابات السياسية التي عصفت بالبلاد.
يذكر أنه جرى إلغاء موسمين كرويين محليين في البلاد بين عامي 2011 و2013 في أعقاب كارثة استاد بورسعيد، علاوة على أن الأحداث التي شهدتها البلاد عام 2013 وأسقطت النظام، لم تسهم في استقرار الأوضاع على صعيد كرة القدم.
المؤكد أن المنتخب المصري يعد الفريق الأكثر نجاحاً في تاريخ بطولة كأس الأمم الأفريقية، التي اقتنصها 3 مرات متتالية، 2006 و2008 و2010، لكن أحداث «الربيع العربي» غيرت كل شيء لدرجة أن المنتخب عجز حتى عن التأهل للبطولات الثلاث التي أعقبت اندلاع الثورة في مصر. وبطبيعة الحال، بدا من الصعب الحفاظ على تماسك كرة القدم المصرية في وقت كانت تتداعى فيه الأمة بأكملها.
على امتداد تلك السنوات التي شهدت انتصارات وكوارث، لم تشهد كرة القدم المصرية ثباتاً واستقراراً إلا في عدد محدود للغاية من العناصر، فقد تعاقب المدربون باستمرار، وكذلك المواسم التي كان يجري إنجاز بعضها بينما يتوقف بعضها الآخر، وخاضت مصر مسابقات فازت في بعضها وخسرت في البعض الآخر، وأحياناً لم تكن تشارك من الأساس... ومع هذا، ظل ثمة رجل واحد يقف في قلب الميدان مرتدياً قفازيه الشهيرين وعلى أهبة الاستعداد لخوض التحدي المقبل؛ هذا الرجل هو حارس المرمى عصام الحضري البالغ 44 عاماً.
كانت أول مباراة دولية للحضري عام 1996، في وقت لم يكن فيه بعض زملائه الحاليين في المنتخب قد ولدوا بعد. وكان مشاركاً في الفترة التي هيمنت بلاده خلالها على القارة الأفريقية في العقد الأول من القرن الـ21، وكذلك عندما تراجعت قدرتها على بناء فريق ناجح بعد سنوات قليلة لاحقة. ويبلغ إجمالي مشاركات الحضري في المباريات الدولية 156، وفاز ببطولة كأس الأمم الأفريقية 4 مرات، ووقع عليه الاختيار أحسن حارس مرمى بالبطولة أعوام 2006 و2008 و2010، وفي وقت سابق من هذا العام، تحديداً بعد يومين من عيد ميلاده الـ44، أصبح الحضري أكبر لاعب يشارك في بطولة كأس الأمم الأفريقية.
ومع أنه لم يعد هناك وقت طويل متبق أمام الحضري داخل الملاعب، فإنه يعي جيداً ما يرغب في تحقيقه خلال الفترة القصيرة المتبقية. وعن ذلك قال في وقت سابق من العام: «لقد فعلت تقريباً كل شيء على امتداد مسيرتي الكروية. لقد حصدت 37 بطولة واستمتعت بلحظات لا تنسى، مثل فوزنا على المنتخب الإيطالي في بطولة كأس القارات عام 2009. أما الأمر الوحيد الذي ينقصني فهو المشاركة في كأس العالم». والآن، ضمن الحضري تحقيق ذلك.
يذكر أن الحضري كان يتولى حراسة المرمى عندما سجل صلاح هدف الفوز على استاد برج العرب، الشهر الماضي. وإذا ما نجح في تجنب الإصابة واحتفظ بمكانه داخل المنتخب، فإنه سيصبح بذلك أكبر لاعب سناً يشارك في بطولة كأس العالم على امتداد تاريخها، ليحطم بذلك الرقم القياسي المسجل في الوقت الحالي باسم حارس المرمى الكولومبي فارياد موندراغون عام 2014. ويبدو الحضري عاقداً العزم على تحطيم هذا الرقم القياسي.
في الحقيقة الحضري ليس مجرد أيقونة من الماضي يجري الاستعانة بها لاعتبارات عاطفية، أو لأنه لاعب مخضرم يقدم أداءً جيداً داخل غرفة تبديل الملابس وحول الفندق الذي يقيم فيه المنتخب. لقد شارك الحضري في التشكيل الأساسي وارتدى شارة القائد على امتداد مباريات التأهل التي خاضتها مصر، ولم يتنح جانبا سوى خلال المباراة الأخيرة بعد أن ضمن المنتخب مكانه في روسيا. ولا ينتظر الحضري ليشارك على نحو شرفي في بطولة كأس العالم المقبلة، ثم يعلن اعتزاله، وإنما ينوي الاستمرار في اللعب حتى الخمسينات من عمره.
يعود تاريخ نجاحات الحضري مع المنتخب المصري إلى عام 1998، عندما شارك في الفريق الذي فاز ببطولة كأس الأمم. كما شارك على مقعد البدلاء عام 2000، لكنه كان على أتم الاستعداد للمشاركة داخل الملعب. خلال أول بطولة كأس للأمم الأفريقية يشارك في التشكيل الأساسي بها، عام 2002، تعرضت مصر للهزيمة بصعوبة في دور الثمانية من جانب الكاميرون التي توجت بطلا للبطولة. ومع هذا، تمكن الحضري أخيراً من حمل ميدالية الفوز عام 2006 مثلما فعل لاحقاً عامي 2008 و2010.
ومع قدوم كأس العالم إلى أفريقيا للمرة الأولى عام 2010، كان ينبغي أن تكون مصر بين الفرق المنافسة، لكن بعد وصولها إلى الجولة الثالثة في التصفيات وجدت نفسها محصورة في مواجهة الجزائر، واضطر البلدان لخوض مواجهة حاسمة في السودان. وخسرت مصر بنتيجة 1 - 0 رغم شنها هجوماً كاسحا في أعقاب الهدف الوحيد بالمباراة الذي جاء في وقت مبكر.
أما السنوات القليلة التالية فكانت صعبة بالنسبة لمصر والحضري. أكمل الحضري عامه الـ40 عام 2013 وبدا أنه بدأ في الابتعاد عن صفوف المنتخب. وعندما بدأت مباريات التأهل لكأس العالم الحالية، كان الحضري قد شارك في 5 مباريات دولية فقط على امتداد 3 سنوات، لكنه ظل يعمل ويناضل حتى وقع الاختيار عليه في أول مباريتي تأهل خاضتهما مصر أواخر عام 2016، وفازت مصر في كلتا المباراتين ونجح الحضري في الاحتفاظ بمكانه على امتداد الجزء المتبقي من التصفيات؛ وبطولة كأس الأمم في وقت سابق من العام التي نجح خلالها في تقديم مزيد من الأداء البطولي.
مع خوضه البطولة، كانت شباك الحضري لم تهتز في مباريات كأس الأمم الأفريقية منذ عام 2010، واستمرت هذه الحال خلال دور المجموعات، وحتى دور الثمانية ونصف النهائي أمام بوركينا فاسو عندما نجح أريستيد بانسي في هز شباكه في الدقيقة 73، ليضع نهاية لـ653 دقيقة ظلت شباك الحضري خلالها آمنة على مدار 7 سنوات من المنافسات الأفريقية. إلا أنه لم تحن له فرصة العودة إلى إنجازه السابق، فقد وصلت المباراة إلى ركلات الترجيح، ومع اقتراب مصر من الخسارة وجد الحضري نفسه مضطراً لفعل أي شيء لإنقاذ الموقف. وتمكن الحضري من فعل ما أوكل إليه، وتصدى لركلتين على التوالي ليضمن صعود مصر للنهائي. وفي النهائي هزمت مصر أمام الكاميرون، لكنها لم تخسر كل شيء، فلا يزال أمامها بطولة كأس العالم التي يأمل الحضري في أن يحطم خلالها رقماً قياسياً أو اثنين.
الحضري... أسطورة حمت عرين مصر أكثر من 30 عاماً
اللاعب المخضرم البالغ 44 عاماً سيصبح أكبر حارس مرمى يشارك في بطولات كأس العالم
الحضري... أسطورة حمت عرين مصر أكثر من 30 عاماً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة