إيران توقف عمليات الإنقاذ بعد الزلزال... والناجون يعانون

إيرانية جالسة فوق حطام منزلها المدمر جراء الزلزال في مدينة سربل ذهاب أمس  (أ.ب)
إيرانية جالسة فوق حطام منزلها المدمر جراء الزلزال في مدينة سربل ذهاب أمس (أ.ب)
TT

إيران توقف عمليات الإنقاذ بعد الزلزال... والناجون يعانون

إيرانية جالسة فوق حطام منزلها المدمر جراء الزلزال في مدينة سربل ذهاب أمس  (أ.ب)
إيرانية جالسة فوق حطام منزلها المدمر جراء الزلزال في مدينة سربل ذهاب أمس (أ.ب)

ذكرت وسائل إعلام رسمية أمس أن مسؤولين إيرانيين أنهوا عمليات الإنقاذ قائلين إنه لا توجد فرص تذكر في العثور على مزيد من الناجين. وتعهد الرئيس الإيراني حسن روحاني لدى وصوله أمس إلى كرمانشاه عاصمة المحافظة التي تحمل الاسم نفسه وضربها زلزال عنيف الأحد بإعادة الإعمار حيث ذكر بأن الدولة ستقف بكل قدراتها «في أسرع وقت ممكن» إلى جانب المنكوبين من جراء هذه الكارثة.
وضرب زلزال قوي محافظة كرمانشاه الحدودية مع العراق مساء الأحد وشعر به سكان كل الجانب الغربي لإيران وصولا إلى طهران وتسبب بسقوط 530 قتيلا وإصابة 7370 شخصا بحسب آخر حصيلة رسمية إيرانية. وفي العراق ذكرت السلطات أن ثمانية قتلوا وأصيب أكثر من 500 بجروح إثر الزلزال.
ويكافح الناجون، الذين تشرد كثير منهم بسبب الزلزال الذي ضرب قرى وبلدات في منطقة جبلية متاخمة للعراق، درجات حرارة تقترب من الصفر خلال الليل وواجهوا يوما قاتما آخر في ظل حاجتهم للطعام والمياه. وذكر التلفزيون الرسمي أن الآلاف يعانون البرد في مخيمات مؤقتة فيما قضى كثيرون ليلة ثانية في العراء خشية المزيد من الهزات الأرضية بعد نحو 193 هزة ارتدادية.
ويقول المسؤولون الإيرانيون إن الوضع تحت السيطرة في المناطق المتضررة إلا أن صحف ووسائل إعلام إيرانية تداولت تسجيلات تظهر مواطنين يشكون بقاءهم في العراء والبرد من دون الحصول على مساعدات ومواد غذائية وطبية.
كما أشارت تقارير إلى نقص المواد الطبية في المنطقة التي لحقت بها خسائر كبيرة في المنطقة. وبهذا العدد من القتلى الذي أعلنته طهران يصبح هذا أسوأ زلزال تشهده إيران منذ أكثر من عشر سنوات وفق ما أوردت وكالة «رويترز».
وقال الرئيس الروحاني عند نزوله من الطائرة في مطار كرمانشاه على بعد 420 كلم جنوب غربي طهران قرابة الساعة 6:00 ت.غ إن «الشعب والقوات المسلحة سيقفان وبكل قدراتهما وإمكانياتهما إلى جانب المتضررين من الزلزال لعودة الأوضاع المعيشية للشعب إلى حالتها العادية».
وفيما يتعلق بإعادة الأعمار، قال روحاني: «أطلب من كل المسؤولين الحكوميين وكل القادة العسكريين وكل المؤسسات الخيرية والمنظمات غير الحكومية مساعدة مؤسسة الإسكان وعدم القيام بأي شيء كل على حدة».
وقال وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إن بلاده ليست في حاجة لمساعدات خارجية في الوقت الحالي. وكتب على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي «نحن ممتنون لما تلقيناه من تعاطف وعرض للمساعدات. وفي الوقت الحالي، يمكننا تدبر أمرنا بمواردنا» وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء الألمانية.
في سياق متصل أصدرت السفارة الإيرانية في موسكو بيانا شددت فيه على ضرورة إعادة النظر في هيكلة مواجهة الأزمات في البلاد بعد الزلزال الأخير حسب ما ذکرت وکالة «تسنيم».
وانتقد بيان السفارة ما وصفه بهيكل الأنظمة لمواجهة الأزمات وتوفير الإمكانيات المطلوبة في حال حدوث كوارث طبيعية مثل الزلزال.
وقالت فتاة في منطقة سربل ذهاب إحدى المدن الأكثر تضررا للتلفزيون الرسمي إن أسرتها نامت ليلتها في العراء والبرد الشديد بسبب نقص عدد الخيام. وأضافت: «نحتاج إلى المساعدة. نحتاج إلى كل شيء. يجب أن تسرع السلطات من المساعدة التي تقوم بها».
وعرض التلفزيون لقطات لعمال الإنقاذ وهم يبحثون وسط أنقاض عشرات القرى فور وقوع الزلزال ولكن مسؤولين قالوا إن فرص العثور على مزيد من الناجين منخفضة للغاية.
وقال بير - حسين كوليوند رئيس خدمات الطوارئ الطبية الإيرانية عبر شاشة التلفزيون الرسمي: «انتهت عمليات الإنقاذ في إقليم كرمانشاه (غرب البلاد)».
وانتشرت قوات الشرطة الإيرانية والحرس الثوري وقوات الباسيج التابعة له في المناطق المتضررة وقال قائد الشرطة إن الانتشار فيما أخبر النائب في البرلمان الإيراني أحمد علي رضا بيغي لوكالة إيسنا عن تعرض قوافل المساعدات إلى «النهب من بعض الأشخاص المنتفعين».
وقالت السلطات المحلية إن فوضى المرور على الطرق بعدما هرع سكان أقاليم قريبة لتقديم المساعدة زادت من صعوبة نقل المساعدات للمناطق المتضررة بالزلزال.
وقال فرامرز أكبري حاكم إقليم قصر شيرين للتلفزيون: «ما زال الناس في بعض القرى بحاجة ماسة للطعام والماء والمأوى».
وذكر نزار باراني رئيس بلدية أزغله التابعة لكرمانشاه أن 80 في المائة من مباني المدينة انهارت وأن الناجين بحاجة ماسة للخيام فيما ينام العجائز والأطفال الرضع في البرد الشديد لليلتين متواصلتين.
وفي مقابلة مع التلفزيون الرسمي طلب باراني من الناس إرسال الوقود والحليب والمياه والطعام لأن خدمات الطوارئ بطيئة للغاية وتقدم حصصا محدودة. وقال أحد السكان المحليين لوكالة أنباء الطلبة: «الناس جوعى وعطشى. لا توجد كهرباء. في الليلة الماضية بكيت عندما رأيت الأطفال من دون طعام أو مأوى».
وكثيرا ما تكون البيوت في القرى الإيرانية مصنوعة من الكتل الإسمنتية أو الطوب اللبن مما يجعلها عرضة للتداعي والانهيار إذا وقع زلزال قوي. ويشعر بعض الناس بالغضب لأن من بين المباني المنهارة مساكن بنتها الحكومة في السنوات الأخيرة ضمن برنامج لتوفير مساكن بأسعار في متناول اليد.
وأظهرت صور نشرتها مواقع إخبارية إيرانية عمال الإنقاذ وهم يخرجون بعض الأشخاص من وسط أنقاض مبان منهارة وسيارات محطمة تحت الأنقاض.
وتقع إيران على خطوط صدع رئيسية وهي عرضة للزلازل بشكل متكرر. وأدى زلزال بلغت قوته 6.6 درجة في عام 2003 إلى تدمير مدينة بم التاريخية الواقعة على بعد ألف كيلومتر جنوب شرقي طهران وقتل نحو 31 ألف شخص.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».