«الحرّ يأكل من مخلابه»!

«الحرّ يأكل من مخلابه»!
TT

«الحرّ يأكل من مخلابه»!

«الحرّ يأكل من مخلابه»!

يبدأ الفساد من الأعلى، عندما يتم استغلال السلطة لتحقيق مكاسب خاصة، ثم سريعاً يصبح وباءً عاماً في المجتمع، ويتمظهر الفساد في تفشي الرشوة، والابتزاز، وسرقة المال العام، والمحسوبية، والواسطة، والمحاباة وغيرها.
برأي لي كوان يو، مؤسس سنغافورة الحديثة، فإن تنظيف الفساد يشابه تنظيف الدرج... يبدأ من الأعلى نزولاً للأسفل. ولذلك فهو يروي في كتابه «قصة سنغافورة من العالم الثالث إلى العالم الأول»، أنه أصرّ في يونيو (حزيران) 1959 بعد أداء اليمين أن يرتدي هو وفريقه الحكومي قمصاناً خفيفة، وسراويل بيضاء (في إشارة رمزية إلى النقاء والطهارة والأمانة) في سلوكهم الشخصي وحياتهم العامة. ولذلك تمكن أن يبني دولة قوية من قوميات متعددة، عديمة الموارد، ولكنها تعتبر إحدى أغنى دول العالم على الإطلاق، يبلغ دخل الفرد فيها أعلى الدخول في العالم، وناتجها القومي يقارب 350 مليار دولار.
أخطر ما في الفساد أن ينتج «ثقافة» مجتمعية قائمة على ازدراء الكفاءة والجدارة والمساواة، والانحياز للوصولية والمحسوبية والانتهازية، ثقافة تسمي الاختلاس «شطارة»، والرشوة «فهلوة»، والإثراء غير المشروع «مهارة»، ثقافة تسّوغ لخيانة الأمانة، وتبرر السطو على المال العام. هي كارثة تدمر معايير النزاهة والأمانة والضمير. وهي تؤدي لتقويض ثقة الناس بالقانون، وعلاقتهم بالعدالة، وارتباطهم العضوي بمؤسسات الدولة.
خطورة الفساد ليست في تضييع حصيلة الإنتاج، بل في تدمير ثقافة الإنتاج نفسها، فضلاً عن كفاءته وقوته وديمومته. إذا نخر الفساد جسد بلدٍ ما انهدّت أركان الثقة، وضعفت قيم المواطنة والانتماء.
«النهّاب الوهّاب» هي شخصية أسطورية تناولها عالم الاجتماع العراقي علي الوردي في كثير من كتبه بينها: «شخصية الفرد العراقي»، و«لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث»، و«دراسة في طبيعة المجتمع العراقي»؛ هي نموذج للتطبيع الثقافي للشخصية الفاسدة التي تستغل النفوذ والسلطة لتحصيل المغانم ونهب الأملاك العامة، ما دامت تنثر على فئات من المجتمع العطايا والهبات، ولا أحد يسأل في ظل هذه الثقافة من أين لك هذا...؟
برأي الوردي، فإن الثقافة العربية وخصوصاً في البادية والريف، تعظّم من شأن السطو والنهب وتسبغ عليه الرضا والإعجاب، ويشير الوردي إلى مثلٍ طالما كان تعبيراً عن الثقافة العامة: «الحرّ يأكل من مخلابه»، كعنوان للتساهل في الوعي الشعبي لتبرير السطو على المال العام والاعتداء على حقوق الآخرين.
لا يمكن تحصين المجتمع من الفساد، بمجرد ترويج ثقافي، هناك منافذ يلج منها الفساد، لكن من المهم أن يعالج بشكل صحيح، لا بد أن تغلق الحنفية التي يتسرب منها الفساد، ثم تتم محاصرته وتجفيفه، الأكثر أهمية هو الوعي بخطورة فساد الطبقة المتنفذة، لأن فسادها لا يدمر قيم التنافس أو معايير العمل أو شرف الانتماء للجماعة الوطنية فحسب، بل تسهم في إضعاف الدولة نفسها. حيث يرى مايكل جونستون في كتابه «متلازمات الفساد: الثروة والسلطة والديمقراطية» (منشورات العبيكان)، أن فساد النخبة التي تحتمي بالسلطة والقانون والنظام العام، يسهم في إضعاف الدولة وتدمير مؤسسات الرقابة فيها، بالإضافة للمساهمة في خلق بيئة ضعيفة ومهلهلة للمؤسسات يسهل اختراقها.
لمعالجة الفساد لا بد من القانون، القوي الأمين. ترجع منظمة الشفافية الدولية انحسار الفساد في أي بلد إلى وجود نظام فعال في الحوكمة، قائم على الشفافية وسيادة القانون والمساءلة والمشاركة.



فرطُ استخدام الشاشات الإلكترونية يُعكّر مزاج الأطفال

زيادة استخدام الشاشات لدى الأطفال من القضايا المثيرة للقلق (جامعة كولومبيا البريطانية)
زيادة استخدام الشاشات لدى الأطفال من القضايا المثيرة للقلق (جامعة كولومبيا البريطانية)
TT

فرطُ استخدام الشاشات الإلكترونية يُعكّر مزاج الأطفال

زيادة استخدام الشاشات لدى الأطفال من القضايا المثيرة للقلق (جامعة كولومبيا البريطانية)
زيادة استخدام الشاشات لدى الأطفال من القضايا المثيرة للقلق (جامعة كولومبيا البريطانية)

توصّلت دراسة أجراها باحثون من الصين وكندا إلى أنّ الاستخدام المُفرط للشاشات من الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة قد يؤدّي إلى تفاقم المشكلات السلوكية، مثل ضعف الانتباه، وفرط النشاط، وتقلُّب المزاج.

وأوضحوا أنّ هذه النتائج تبرز أهمية فهم تأثير الشاشات في الأطفال خلال هذه المرحلة العمرية الحساسة، خصوصاً فيما يتعلق بمشكلات الانتباه والمزاج. ونُشرت النتائج، الخميس، في دورية «Early Child Development and Care».

وأصبحت زيادة استخدام الشاشات لدى الأطفال، خصوصاً في مرحلة ما قبل المدرسة، من القضايا المثيرة للقلق في العصر الحديث. ومع ازياد الاعتماد على الأجهزة الإلكترونية، مثل الهواتف الذكية والتلفزيونات وأجهزة الكمبيوتر، يعاني الأطفال زيادة كبيرة في الوقت الذي يقضونه أمام الشاشات؛ مما قد يؤثر سلباً في صحتهم النفسية والبدنية، ويؤدّي إلى تعكُّر مزاجهم.

وشملت الدراسة 571 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 3 و6 سنوات من 7 مدارس رياض أطفال في شنغهاي بالصين. وأبلغت الأمهات عن الوقت الذي قضاه أطفالهن يومياً أمام الشاشات (بما في ذلك التلفزيون، والهواتف الذكية، وأجهزة الكمبيوتر، أو الأجهزة الأخرى) خلال الأسبوع السابق.

كما أجبن على أسئلة لتقويم المشكلات السلوكية التي قد يعانيها أطفالهن، مثل صعوبة الانتباه، وفرط النشاط، والأعراض العاطفية (مثل الشكاوى المتكرّرة من التعب)، والمشكلات مع الأقران (مثل الشعور بالوحدة أو تفضيل اللعب بمفردهم). كذلك شمل التقويم جودة نوم الأطفال ومدّته.

ووجد الباحثون أنّ الاستخدام المُفرط للشاشات مرتبط بشكل ملحوظ بزيادة مشكلات الانتباه، والأعراض العاطفية، والمشكلات مع الأقران. كما تبيَّن أنّ وقت الشاشة يؤثر سلباً في جودة النوم؛ مما يؤدّي إلى تقليل مدّته ونوعيته.

وأشاروا إلى أنّ جودة النوم تلعب دوراً وسطاً في العلاقة بين وقت الشاشة والمشكلات السلوكية، فالنوم السيئ الناتج عن الاستخدام المفرط للشاشات قد يعزّز هذه المشكلات، مثل فرط النشاط، والقلق، والاكتئاب.

وقالت الباحثة الرئيسية للدراسة من جامعة «شانغهاي العادية» في الصين، البروفيسورة يان لي: «تشير نتائجنا إلى أنّ الاستخدام المُفرط للشاشات قد يترك أدمغة الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة في حالة من الإثارة؛ مما يؤدّي إلى انخفاض جودة النوم ومدّته».

وأضافت عبر موقع «يوريك أليرت»: «قد يكون هذا النوم السيئ نتيجة لتأخير مواعيده بسبب مشاهدة الشاشات، واضطراب نمطه بسبب التحفيز الزائد والتعرُّض للضوء الأزرق المنبعث منها».

كما أشارت إلى أنّ وقت الشاشة قد يحلّ محل الوقت الذي يمكن أن يقضيه الأطفال في النوم، ويرفع مستويات الإثارة الفسيولوجية والنفسية؛ مما يؤدّي إلى جعله أكثر صعوبة.