الفلسطينيون يتهمون إسرائيل مجدداً بـ«اغتيال» عرفات... والتحقيق «بلا أدلة»

مسيرات واسعة في ذكراه بالضفة... و{حماس}: كان لكل الفلسطينيين وداعماً للمقاومة

تجمع كبير في غزة لإحياء الذكرى الـ13 لرحيل عرفات ظهرت فيه صورة له وأخرى لمؤسس {حماس} أحمد ياسين (أ.ب)
تجمع كبير في غزة لإحياء الذكرى الـ13 لرحيل عرفات ظهرت فيه صورة له وأخرى لمؤسس {حماس} أحمد ياسين (أ.ب)
TT

الفلسطينيون يتهمون إسرائيل مجدداً بـ«اغتيال» عرفات... والتحقيق «بلا أدلة»

تجمع كبير في غزة لإحياء الذكرى الـ13 لرحيل عرفات ظهرت فيه صورة له وأخرى لمؤسس {حماس} أحمد ياسين (أ.ب)
تجمع كبير في غزة لإحياء الذكرى الـ13 لرحيل عرفات ظهرت فيه صورة له وأخرى لمؤسس {حماس} أحمد ياسين (أ.ب)

أعادت حركة فتح اتهام إسرائيل بالمسؤولية عن «اغتيال» الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، في وقت أحيا فيه الفلسطينيون الذكرى الـ13 لوفاته بالتأكيد على السير على نهجه، فيما يتعلق بـ«القرار المستقل» و«الوحدة الوطنية»، في إشارة إلى رفض أي تدخلات خارجية وإتمام المصالحة الداخلية.
وقال عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» رئيس مؤسسة ياسر عرفات ناصر القدوة، وهو ابن شقيقته أيضاً، إنه «بعد 13 عاماً من اغتيال القائد الرمز ياسر عرفات، فإنه لا مجال للانتقاص من مسؤولية إسرائيل الكاملة السياسية والجنائية عن عملية اغتيال الشهيد أبو عمار، خصوصاً في ظل التصريحات الإسرائيلية الواضحة المتكررة التي كانت تطالب بإزالة الشهيد ياسر عرفات عن الساحة السياسية الفلسطينية».
وأضاف القدوة: «إن أي شيء آخر يتعلق بعملية الاغتيال، مثل التحقيق في أي اختراق أمني فلسطيني، أو مساعدة في عملية التنفيذ، يعد موضوعاً مهماً، لكنه ليس بديلاً عن الموضوع الأول، وهو تحميل حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة على جريمتها باغتيال ياسر عرفات».
واستبعد القدوة أن تكون إسرائيل قد فوضت أو كلفت مساعدين «عملاء» لتنفيذ قرار بهذه الأهمية السياسية، لأن هذا الأمر «يتعلق بأمن دولة، وبأهم القيادات الفلسطينية. وفي حال وجود متعاونين من الداخل، فمن المؤكد أنه كان في طريق التحضير للقيام بهذه العملية الأمنية، وليس في التنفيذ نفسه».
ويشير حديث القدوة بوضوح إلى عدم وصول لجنة التحقيق الخاصة بظروف وفاة عرفات، التي شكلتها السلطة، إلى دلائل ملموسة، بعد أعوام طويلة على عملها.
كانت لجنة التحقيق التي يرأسها اللواء توفيق الطيراوي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، قد استدعت مقربين ورجال أمن كانوا يحيطون بعرفات واستجوبتهم، كما أخذت عينات من رفاته لتعزيز فرضيات حول موته مسموماً أو نفيها.
وقد توفي عرفات في مستشفى فرنسي في باريس، في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2004، بعد أن تدهورت صحته بشكل مفاجئ. ولم تصدر اللجنة، العام الحالي، أي تصريح أو تلميح حول أي نتائج، وذلك على الرغم من أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) قد قال العام الماضي إنه يعرف «قاتل» الرئيس عرفات، لكنه سينتظر نتائج لجنة التحقيق الفلسطينية المكلفة بمتابعة هذا الملف. وأضاف أبو مازن، في خطاب جماهيري في الذكرى الـ12 لوفاة عرفات آنذاك: «لو سُئلت لقلت إنني أعرف، لكن شهادتي لا تكفي، لا بد للجنة التحقيق أن تنبش لتصل إلى من فعل هذا. وفي أقرب فرصة، ستأتي النتيجة، وستدهشون منها ومن الفاعلين، لكنهم سيكشفون».
وأحيا الفلسطينيون، أمس، ذكرى عرفات التي تصادف السبت بمهرجانات في الضفة الغربية، على أن تقيم حركة فتح مهرجاناً مركزياً في قطاع غزة السبت، لأول مرة منذ أعوام طويلة.
وانطلقت مسيرة حاشدة في رام الله وصولاً إلى ضريح عرفات.
وقال محمود العالول، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح نائب الرئيس محمود عباس وممثله، إن ذكرى عرفات «ضاغطة على مشاعرنا لدرجة كبيرة لأنه قائد استثنائي»، وأضاف أن «ياسر عرفات هو القائد الملهم، ليس للثورة فقط بل لكل حركات التحرر في العالم؛ سيرته نفسها جزء أساسي من مسيره الثورة التي فجرها ياسر عرفات وقادها».
وتابع: «نحن على خطى أبو عمار متمسكون بقرارنا المستقل، ولا يمكننا أن نقبل إلا ما يتناسب مع شعبنا»، مؤكداً أن القيادة الفلسطينية، في ذكرى عرفات، تبذل كل الجهد من أجل استعادة الوحدة الوطنية.
وقد شارك في المسيرة أعضاء كنيست من عرب الداخل. وقال رئيس القائمة المشتركة أيمن عودة إن «الجنازة الشعبية للشهيد ياسر عرفات، التي جرت في رام الله قبل 13 عاماً، تدل على رسوخ هذا القائد في نفس الشعب».
ورفع محبو عرفات صوره، ورددوا هتافات شهيرة له في معظم المسيرات التي جرت في مدن الضفة الغربية، من بينها: «على القدس رايحين شهداء بالملايين»، و«يريدونني أسيراً. وأنا أقول: شهيداً».
وفي غزة، استبق التيار الإصلاحي الديمقراطي، الذي يقوده القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان، المهرجان المركزي يوم السبت، وأقام مهرجاناً خاصاً في ذكرى عرفات، حضره نحو ألفي شخص من العناصر المؤيدة لتيار دحلان، وعوائل 100 فلسطيني قتلوا إبان الاقتتال بين فتح وحماس عام 2007، وتم إعلان الصفح والعفو بينهم، ضمن المصالحة المجتمعية التي بدأتها فصائل بدعم مصري وإماراتي في الأشهر الأخيرة، بعد تفاهمات بين قيادات من حماس وتيار دحلان، جرت في العاصمة المصرية القاهرة.
ورفع المشاركون في الاحتفال أعلام فلسطين وحركة فتح، وصوراً للقيادي دحلان ومسؤولين من تياره، مثل سمير المشهراوي وغيره، إلى جانب أعلام مصر والإمارات. ولوحظ تعليق صورة كبيرة للرئيس الراحل عرفات على يمين المنصة، وصورة أخرى على يسارها للشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة حماس، الذي اغتيل عام 2004 من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وإلى جانبه فتحي الشقاقي، مؤسس حركة الجهاد الإسلامي، وأبو علي مصطفى أمين عام الجبهة الشعبية سابقاً، اللذين تم اغتيالهما في عمليات منفصلة من قبل إسرائيل.
وكان لافتاً حضور مسؤولين من حركة حماس المهرجان، في مقدمتهم خليل الحية وصلاح البردويل، أعضاء المكتب السياسي للحركة، وأحمد بحر نائب رئيس المجلس التشريعي، ومجموعة من نواب الحركة، إلى جانب قيادات من الجهاد الإسلامي والجبهتين الشعبية والديمقراطية، ومختلف الفصائل، ونواب من حركة فتح فصلوا من الحركة على خلفية انتمائهم لتيار دحلان.
وامتدح ماجد أبو شمالة، أحد قادة تيار دحلان عضو المجلس التشريعي عن حركة فتح التي فصل منها، في كلمةً له «التاريخ الثوري الطويل للرئيس الراحل»، ودعوته الدائمة للوحدة الوطنية، وهاجم القيادة الحالية.
وأشار أبو شمالة إلى التفاهمات التي جرت بين قيادة تيار دحلان وحركة حماس، واعتبر أنها أسست لمصالحة حقيقية لطي صفحة الانقسام، وأكد على جهوزية تيار دحلان للدفع باتجاه إنجاح المصالحة الوطنية، والمضي قدماً نحو علاقة وطنية استراتيجية، داعياً إلى أن تكون وثيقة الأسرى أرضية لتكون برنامجاً وطنياً للشعب الفلسطيني.
ومن جهته، أشاد خليل الحية، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، بمراحل السنوات التي قضاها الرئيس الراحل ياسر عرفات في مواجهة الاحتلال، ووصفه بأنه «رمز الوحدة الوطنية»، وأنه لم «يكن فتحاوياً، بل كان فلسطينياً لجميع الفلسطينيين»، مشيراً إلى أنه دفع حياته ثمناً لرفعه لواء المقاومة، بعد أن عاش ثائراً وداعياً للوحدة.
وقال الحية إن الرئيس عرفات كان يحتضن المقاومة ويدعمها، من خلال دفع الأموال وتزويدها بالسلاح، مشيراً إلى أن بعض القيادات الفلسطينية الأسرى في سجون الاحتلال كانوا يتلقون دعمهم من الرئيس الراحل.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».