أفلام من مهرجان قرطاج السينمائي

عن الأرض والإنسان ومتاعب أخرى

TT

أفلام من مهرجان قرطاج السينمائي

من بين أفلام المهرجان العربية العديدة التي يعرضها مهرجان قرطاج في دورته المستمرة حتى مطلع الأسبوع المقبل، هناك عدة أفلام سبق لها أن عرضت في مهرجانات أخرى ونالت استحساناً شاملاً. البعض الآخر منها يبدأ دورته في المهرجانات العربية أو الدولية من هذا المهرجان التونسي العريق.
قسم من هذه الأفلام، مثل فيلم رشيد مشهراوي «كتابة على الثلج» الذي تم افتتاح هذه الدورة به ومثل «وليلي» لفوزي بنسعيد و«مصطفى زاد» لنضال شطا سوف لن يعرض في مهرجانات عربية أخرى هذا العام، بل سيسعى لعروض مهرجاناتية أوروبية لاحقاً.
بالتالي، ليس من بين الجديد من أفلام قرطاج ما سيعرض في مهرجاني القاهرة (بات على الأبواب) أو دبي يتبعه في الشهر المقبل. وإذ كشف كل من هذين المهرجانين عن معظم عروضهما المقبلة، يدرك المرء أن هناك كماً سخياً من الأفلام الجديدة ما يدفع بنا تلقائياً، عند نهاية هذه المهرجانات الثلاث للمقارنة بينها ومعرفة من ذا الذي استحوذ على الأفضل، وليس الأكثر بالضرورة.
من تلك التي شوهدت مسبقاً ويعرضها مهرجان قرطاج ثلاثة على قدر كبير من التباين في الموضوعات كما في الأساليب.
الأفلام الواردة هنا تختبر قدرة المشاهد على النفاذ من خارج الصندوق إلى داخله. أي من الموقع العام المشترك بين المشاهد إلى الصناديق التي تحملها الشخصيات المختلفة خصوصاً في الفيلمين اللبناني والجزائري. كما أنّ الأرض هي فحوى الفيلمين اللبناني والمغربي ولو من ناحيتين مختلفتين تماماً.

ميل يا غزيّـل (لبنان)
في فيلم ليليان الراهب الجديد، لا يوجد اقتلاع بل حالة يأس تدفع البعض لبيع أراضيهم في هجرة يختارها البعض برضى وقبول. وهيكل ميخائيل له الحق في أن يخشى تبدلاً ديموغرافياً تفقد معه المنطقة خاصتها الثقافية والدينية والبيئية المتوارثة.
هيكل، رجل تجاوز منتصف العمر ويعيش في قرية من قرى منطقة عكار على مقربة من الحدود السورية. يرقب قيام جيرانه المسيحيين مثله ببيع أراضيهم للغرباء أو لأبناء طوائف أخرى بامتعاض. يلحظ هذا التغيير شاكياً. المخرجة إيليان الراهب هناك (مع مديرة تصويرها جوسلين إبي جبريل) تناجيه طارحة أسئلة تعلم مدى وقعها عليه. وهي تلتقط كذلك أنفاس المكان الجبلي العالي والمشرف. لكي تفعل ذلك، لا بد أنّها أمضت عدة أشهر التقطت فيها تغير الفصول وتأثير ذلك على النباتات والأشجار وعلى الأرض ذاتها. بذلك يحس المشاهد أنّه يعيش الحالة وما تعنيه كما لو كان موجوداً هناك. وجود إيليان في هذا الفيلم ملموس ومشاهد. هي حاضرة بأسئلتها وبالكيفية التي تطلب من الكاميرا أن تتعامل مع هذا الحضور. بذلك تضع نفسها شريكة في البحث مع وجهة نظر مستقلة. صحيح أنّها تنقل وجهة نظر هيكل لكنّها لا توافقه في كل وجهات نظره وسلوكياته. بذلك وجودها ضروري كمرآة عاكسة وفي الوقت ذاته لا يحوّل العمل إلى حديث عنها (كما حال كم كبير من الأفلام التسجيلية المنجزة في السينما العربية).
العنوان الإنجليزي (Those Who Remain)، أكثر تعبيراً من العنوان العربي المستخدم. هو وفي هذا الصدد يجسد هيكل لنموذجهم على مساحة الجبال والوديان التي حوله. يعكس العنوان الإنجليزي «أولئك الذين بقوا» حالة هيكل منفرداً ضمن الإطار العام. كل ذلك يؤدي بالمخرجة إلى الحفاظ على مسافتها الفكرية المستقلة عما يتبعه هيكل من قناعات (دخل الحرب الأهلية وخرج بها) سياسية أو اجتماعية.

عرق الشتا (المغرب)
فيلم جديد للمخرج المغربي حكيم بلعباس الذي كان عمد إلى طرح القضايا الاجتماعية والاقتصادية للقرويين في جل أعماله التسجيلية منها والروائية. وفيلمه هنا عودة إلى الفيلم الروائي بعد غياب سنوات عنه.
الشخصية التي اختارها المخرج هي لمزارع اسمه مبارك (من قرية بن جعد التي وُلد فيها بلعباس سنة 1961) يحفر في أرضه طالباً بئر ماء ينقذ به المحاصيل في موسم أصابه الجفاف. لديه زوجة حامل وابن معاق. لديه أرواح عليه إطعامها وديون عليه سدادها وآمال صغيرة (تبدو له بحجم جبال عالية) يريد تحقيقها. لكنّ كل شيء في عالمه البعيد عن ملاحظة البشر وعالم القرية الكونية بعيد المنال بدوره.
كان استدان من المصرف وحان وقت السداد، لكن البنوك لا تتعامل والرغبات الإنسانية وظروفها، وعليه يجد الفلاح نفسه منهك بالبحث عن طوق نجاة غير متوفر. البعض ينصحه ببيع الأرض والرحيل وبعض آخر يطلب منه الصبر، لكن لا البيع يروق لمبارك ولا الصبر سيطعمه. يؤم الأرض لعله يجد الماء الذي حبسه الجفاف. يحفر فيها. وفي الوقت ذاته يتحرك فوقها في اتجاهات مختلفة بحثاً عن حلول أخرى.
يركز المخرج على خطوات مبارك التي لا تنقصها العزيمة. إنه يحث الخطى لكن لا شيء تستطيع هذه الخطوات الوصول إليه لإنقاذه مما يعاني منه. في الوقت ذاته لا يفتأ المخرج منح الحالة الشخصية أبعادها العائلية. المشاهد الحميمة بينه وبين زوجته. تلك المتوترة في العمق بينه وبين ابن معاق يتمنى لو لم ينجبه.
في الكثير من المشاهد يصيب المخرج هدفه الإنساني ورسالته الاجتماعية بمجرد الملاحظة. تلاحق الكاميرا بأسلوبها الطبيعي والواقعي هذه الشخصيات وما على المخرج إلّا أن يؤسس لها ما يريده منها. غالباً المشاهد كافية لأن تعبر عن الدور المطلوب منها كمشاهد الحفر التي تبدأ بعمق ظاهر، لكن الحفرة تصبح أعمق وأعمق تماماً كحال مبارك (دور رائع للممثل غير المحترف حميد بلعباس) منزلقاً أكثر وأكثر في بؤسه ويأسه. لا يحتاج حكيم إلى الحوار. ليس أن الفيلم صامت أو بلا حوار، لكن الصورة تعبر عن كل شيء يستطيع الكلام قوله. ملكية المخرج الفنية تجعله واثقا من إيصال الرسالة بوضوح، لكن قبلها هو متمكن من مفرداته وواثق منها بحيث يوظف بساطة كل مشهد في الفيلم لخلق واقع لا يمكن ضحده.

في انتظار عودة الخطاطيف (الجزائر)
ثلاث حكايات في جزائر اليوم: رجل شهد حادثة إجرامية ولم يخبر عنها. شاب يقود عائلة إلى بلدة حيث ستزوّج ابنتها وطبيب كان شهد حادثة اغتصاب ومطالب الآن بتبني الولد.
يعمد المخرج الجزائري كريم موساوي إلى ثلاث قصص كل منها مرتبط بالآخر بخيط نحيف. وهي متباينة من حيث إن المفاد الكامن في كل منها قد يعود إلى اختيارات أبطالها أكثر مما هو فعل زمني، وذلك باستثناء محدود للحكاية الثالثة حيث يعود الماضي إلى الحاضر ويفرض واقعاً جديداً على بطله. الاختيارات التي يجد فيها أبطال هذه القصص لا تتشابه كثيراً.
الاختيار الأول متمثل في رجل يشكو من الوضع السائد في البلاد، لكنّه مشترك فيه. لقد فشل بإبلاغ البوليس عندما شهد جريمة ترتكب على مقربة منه. الاختيار الثاني ينحصر في الفتاة التي رأت بأنّ مستقبلها هو في الزواج المتفق عليه وليس في قصّـة الحب الممكنة.
يتبع المخرج منوالاً فنياً جريئاً في معالجته للحكايات الثلاث دافعاً بالأمكنة إلى المشاركة في أجوائه. ولديه القدرة على تنفيذ طقوس نفسية متعددة ومكانية كذلك. مستوى الحكايات ليس واحداً. الأضعف هي الثانية التي تعاني من فبركة عذر يمنع والد الفتاة من استكمال الرحلة معها ما يسمح لتلك الخلوة بينها وبين السائق الذي يمثل الحب الطارئ. العذر عبارة عن حادثة تسمم تدخله المستشفى لكنّها مكتوبة ومنفذة بإجادة أقل ما يجعلها صدفية وغير مقنعة.


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
TT

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)

نظراً للزخم العالمي الذي يحظى به مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بجدة، اختارت «استديوهات كتارا»، ومقرها الدوحة، أن تكشف خلاله الستار عن أول فيلم روائي قطري طويل تستعد لإنتاجه، وهو «سعود وينه؟»، وذلك في مؤتمر صحافي ضمن الدورة الرابعة من المهرجان، مبينة أن هذا العمل «يشكل فصلاً جديداً في تاريخ السينما القطرية».

ويأتي هذا الفيلم بمشاركة طاقم تمثيل قطري بالكامل؛ مما يمزج بين المواهب المحلية وقصة ذات بُعد عالمي، كما تدور أحداثه حول خدعة سحرية تخرج عن السيطرة عندما يحاول شقيقان إعادة تنفيذها بعد سنوات من تعلمها من والدهما، وهذا الفيلم من إخراج محمد الإبراهيم، وبطولة كل من: مشعل الدوسري، وعبد العزيز الدوراني، وسعد النعيمي.

قصة مؤسس «صخر»

كما أعلنت «استديوهات كتارا» عن أحدث مشاريعها السينمائية الأخرى، كأول عرض رسمي لأعمالها القادمة، أولها «صخر»، وهو فيلم سيرة ذاتية، يقدم قصة ملهمة عن الشخصية العربية الاستثنائية الراحل الكويتي محمد الشارخ، وهو مبتكر حواسيب «صخر» التي تركت بصمة واضحة في عالم التكنولوجيا، باعتبارها أول أجهزة تتيح استخدام اللغة العربية، وأفصح فريق الفيلم أن هذا العمل ستتم معالجته سينمائياً ليحمل كماً مكثفاً من الدراما والتشويق.

«ساري وأميرة»

والفيلم الثالث هو الروائي الطويل «ساري وأميرة»، وهو عمل فنتازي يتناول الحب والمثابرة، يتم تصويره في صحراء قطر، وتدور أحداثه حول حياة قُطّاع الطرق «ساري وأميرة» أثناء بحثهما عن كنز أسطوري في وادي «سخيمة» الخيالي، في رحلة محفوفة بالمخاطر، حيث يواجهان الوحوش الخرافية ويتعاملان مع علاقتهما المعقدة، وهو فيلم من بطولة: العراقي أليكس علوم، والبحرينية حلا ترك، والنجم السعودي عبد المحسن النمر.

رحلة إنسانية

يضاف لذلك، الفيلم الوثائقي «Anne Everlasting» الذي يستكشف عمق الروابط الإنسانية، ويقدم رؤى حول التجارب البشرية المشتركة؛ إذ تدور قصته حول المسنّة آن لوريمور التي تقرر مع بلوغها عامها الـ89، أن تتسلق جبل كليمنجارو وتستعيد لقبها كأكبر شخص يتسلق الجبل، ويروي هذا الفيلم الوثائقي رحلة صمودها والتحديات التي واجهتها في حياتها.

وخلال المؤتمر الصحافي، أكد حسين فخري الرئيس التنفيذي التجاري والمنتج التنفيذي بـ«استديوهات كتارا»، الالتزام بتقديم محتوى ذي تأثير عالمي، قائلاً: «ملتزمون بتحفيز الإبداع العربي وتعزيز الروابط الثقافية بين الشعوب، هذه المشاريع هي خطوة مهمة نحو تقديم قصص تنبض بالحياة وتصل إلى جمهور عالمي، ونحن فخورون بعرض أعمالنا لأول مرة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي؛ مما يعكس رؤيتنا في تشكيل مستقبل المحتوى العربي في المنطقة».