صدمة في لبنان ترافق إعلان الحريري استقالة حكومته

عون يُعلن أنه ينتظر الاطلاع على ظروفها «ليُبنى على الشيء مقتضاه»

عون والحريري... والتسوية التي أتت برئيس جمهورية بعد ثلاث سنوات من الفراغ الرئاسي في لبنان (رويترز)
عون والحريري... والتسوية التي أتت برئيس جمهورية بعد ثلاث سنوات من الفراغ الرئاسي في لبنان (رويترز)
TT

صدمة في لبنان ترافق إعلان الحريري استقالة حكومته

عون والحريري... والتسوية التي أتت برئيس جمهورية بعد ثلاث سنوات من الفراغ الرئاسي في لبنان (رويترز)
عون والحريري... والتسوية التي أتت برئيس جمهورية بعد ثلاث سنوات من الفراغ الرئاسي في لبنان (رويترز)

شكلت الاستقالة التي أعلنها رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أمس السبت صدمة على كل المستويات عبّرت عنها مختلف القوى السياسية اللبنانية التي تريثت في إصدار مواقف صريحة منها بانتظار الوقوف عند حيثياتها وظروفها. وأعلنت رئاسة الجمهورية أن الرئيس ميشال عون تلقى اتصالاً هاتفياً من الحريري، الموجود خارج لبنان، وأعلمه باستقالة حكومته. وأشار بيان صادر عن القصر الجمهوري إلى أن «عون ينتظر عودة الرئيس الحريري إلى بيروت للاطلاع منه على ظروف الاستقالة ليُبنى على الشيء مقتضاه».
وفي أول رد فعل له على استقالة الحريري، أبدى رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل أسفه الشخصي، وعلى الصعيد الوطني أيضاً، «على استقالة رئيس الحكومة فيما الحكومة في عز عطائها».
وقال باسيل: «لم نكن على علم بما جرى، لكن كان لدينا شعور وحس بأنه كلما انحسر داعش يصبح هناك سعي لخلق توازن، لكن لبنان سيتخطى هذه الأزمة كما تخطى سواها». وشدد على أننا «سنتخطى الأزمة بالحكمة المطلوبة لتفهم بعضنا، ونعالج هواجس الآخرين، ونقف قرب أخينا اللبناني، وسنتخطى الأزمة بقوتنا، وعلينا أن نصدق أن البلد قوي برئيسه ومؤسساته وجيشه وليرته، والقوة معدية، وكل أزمة نتصدى لها بالقوة والوحدة والقوة».
وأكد باسيل أن من حق اللبنانيين الخوف من حرب على لبنان، لكن إذا حصلت فلبنان سينتصر كما انتصر من قبل؛ ومن حق اللبنانيين الخوف من فتنة داخلية، لكن اللبنانيين أقوى منها، والتجارب أثبتت ذلك، كما حق للبنانيين الخوف من أزمة حكم عندما يسعى أحدهم لاستبعاد غيره، لكن كل ما حصل من خطأ في السابق نقول إنه لن يتكرر، ونحن مع الشراكة.
وبدا رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط متخوفاً من تداعيات الاستقالة، فاعتبر «لبنان أكثر من صغير وضعيف ليحتمل الأعباء السياسية والاقتصادية لهذه الاستقالة». وفي وقت لاحق، شدد على أنه «مهما كانت الصعوبات فإن التضحية من أجل الحد الأدنى من الوفاق والحوار يجب أن تكون الأساس من أجل لبنان»، لافتاً إلى أن «حياة المرء مرهونة بالأقدار». وسأل جنبلاط: «ألم تسمعوا بالآية الكريمة: (يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة)». وأضاف: «على هذا نتابع المسيرة مدركين صعوبتها وتعقيداتها لكن نقول للقاصي والداني نحن أصحاب البيت والقضية وعليه نتوكل على الله ونتابع واجب خدمة البلد».
وبينما لفت ما أعلنه وزير العمل محمد كبارة إلى أن استقالة الحريري «إعلان تحالف عربي لضرب الشر الإيراني في لبنان»، وصف النائب بطرس حرب هذه الاستقالة بـ«الصادمة والمفاجئة في آن»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّها «صادمة بمحتواها وحيثياتها ومفاجئة لأن المسار السياسي لم يكن يوحي بتغيّر سريع وبهذا الحجم». وقال حرب: «كما أن ما أفيد عن ارتباط الاستقالة بعملية لاغتيال الرئيس الحريري أمر مقلق ويدفع لكثير من التساؤل حول مدى نجاح الصفقة السياسية الأخيرة». واعتبر حرب أن «لبنان يمر حالياً بمرحلة دقيقة»، مشيراً إلى أنه «لا إمكانية لتحديد اتجاه الأمور في الأيام المقبلة». وأضاف: «الثابت الوحيد أن في البلد بعض الرجال الحكماء القادرين على حماية لبنان من الوقوع بالمجهول والتصدي لأي خفة في إدارة البلد، مماثلة لتلك التي شهدناها طوال العام الماضي».
بدوره، حيّا الرئيس اللبناني السابق، ميشال سليمان، الحريري على موقفه، واعتبر أن «المطلوب الآن من رئيس الجمهورية هو المباشرة بتحييد لبنان». ورجّح سليمان أن تكون تداعيات استقالة الحريري «إيجابية»، مشدداً على أنه «لا يمكن لدولة أن تبني دولة داخل لبنان ولا يمكن أن يكون هناك جيشان». وطالب الرئيس السابق بـ«سحب (حزب الله) من سوريا، ووضع استراتيجية دفاعية»، معتبراً أن «التسويات يجب ألا تأتي على حساب سيادة لبنان».
وقال زعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية مساء أمس إن استقالة الحريري «لا نعرف سببها ولكننا لن نرضى برئيس حكومة يتحدى المكوّن السني ولا يحظى برضى وطني».
وفضّل حزبا «الكتائب» و«القوات» التروي قبل إصدار مواقف رسمية من استقالة الحريري. وقال مصدر في «القوات» لـ«الشرق الأوسط» إن هناك «تريثاً كبيراً في التعاطي والتعليق على الموضوع». واقتصرت التصريحات الصادرة عن الحزبين على موقف أدلى به النائب أنطوان زهرا عبّر خلاله عن أمله في أن تكون استقالة الحريري «انتفاضة كرامة في وجه كل العراقيل السياسية»، فيما أقر النائب إيلي ماروني (الكتائب) بأن الاستقالة كانت مفاجئة، وقال: «نفضل التريث لأن هذه الخطوة ستكون مزعجة على الصعد كافة».
وقال وزير التربية مروان حمادة، (المقرب من الحريري وجنبلاط) تعليقاً على الاستقالة: «كنا نتوقع هذه النهاية بسبب الضغوطات التي تعرض لها منذ تلك التسوية التي كان من المتوقع أن تكرس النأي بالنفس وتغليب المؤسسات على أي اعتبار آخر. فإذا بالبلد ينحدر على رغم جهود الرئيس الحريري إلى ما هو بعيد وبعيد جداً عن التسوية وخطاب القسم والبيان الوزاري».
أما وزير المهجرين طلال أرسلان المتحالف مع «حزب الله» فاعتبر استقالة الحريري من رئاسة مجلس الوزراء «ليست استقالة طبيعية»، قائلاً: «هناك ضغط معين حصل من الضرورة أن نعرف حيثياته واتجاهاته والأمور كان يجب أن تدار بشكل آخر». ولفت أرسلان إلى أن «في الحكومة كثيرا من الأضداد»، مضيفاً: «ككقراءة أوليّة هناك تساؤلات كثيرة تجول في خاطري على ما يحضّر للبنان».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.