لبنان في «أزمة حكم» بعد استقالة الحريري... وغياب البدائل

مصادر لـ «الشرق الأوسط»: استخبارات غربية أبلغته بمحاولة الاغتيال

الحريري مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون لدى زيارتهما لجرود رأس بعلبك في أغسطس الماضي (إ.ب.أ)
الحريري مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون لدى زيارتهما لجرود رأس بعلبك في أغسطس الماضي (إ.ب.أ)
TT

لبنان في «أزمة حكم» بعد استقالة الحريري... وغياب البدائل

الحريري مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون لدى زيارتهما لجرود رأس بعلبك في أغسطس الماضي (إ.ب.أ)
الحريري مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون لدى زيارتهما لجرود رأس بعلبك في أغسطس الماضي (إ.ب.أ)

دخل لبنان في أزمة حكم كبيرة، بعد استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، وكلامه «المتفجر» حيال السياسة الإيرانية في المنطقة، وإطلاقه موقفاً لا يقل عنفاً حيال «حزب الله». وقالت مصادر لبنانية قريبة من الحريري لـ«الشرق الأوسط» إنه ما كان ليغادر منصبه «لو كان يشعر أن البقاء سيحافظ على الاستقرار»، كاشفةً أنه تلقى تحذيرات غربية من محاولة اغتيال كان يتم الإعداد لها، ما دفع به إلى مغادرة البلاد وإعلان استقالته. ورجحت المصادر بقاء الحريري خارج لبنان في الفترة المقبلة نتيجة التهديدات الأمنية التي وصفتها بـ«الجدية».
وقالت المصادر إن الحريري سمع كلاماً طيباً من مستشار المرشد الإيراني علي أكبر ولايتي في اللقاء الذي جمعهما في السراي الحكومي أول من أمس، ثم خرج الأخير ليصرح عن «فوز محور المقاومة»، وأن الحريري كان يمارس التهدئة حيال «حزب الله» ليفاجأ بأن ثمة محاولة لاغتياله. وأشارت المصادر إلى أن الحريري بات يشعر في الآونة الأخيرة بأن التنازلات التي يقدمها لصالح التسوية في الداخل، تتحول إلى تنازلات لصالح طرف يحاول وضع يده على البلد. وأوضحت أن الحريري بات مقتنعاً بأن بقاءه في الحكومة «ضرر كامل ولا يخدم عملية الاستقرار»، مشيرةً إلى أنه «لو كان الحريري مقتنعاً أن بقاءه يخدم الاستقرار لما استقال». ونبهت المصادر إلى أن الحريري بات مقتنعاً بأن ثمة شيئاً كبيراً يحضَّر للبلد، وأن «حزب الله» وإيران يستغلان وجوده في الحكومة لأخذ البلد إلى مغامرات كبرى يكون هو فيها ورقة التوت التي تغطي مغامرات الحزب والمشروع الإيراني.
ونبّه مصدر وزاري إلى خطورة الفترة المقبلة في لبنان، قائلاً إن الأخطر من استقالة الحريري، كان البيان الذي تلاه رئيس الوزراء المستقيل، والذي يعتبر بمثابة طلاق نهائي مع «حزب الله» الذي كان شريكه في الحكومة، مرجحاً بقاء البلاد في الفترة المقبلة بوضعية «تصريف الأعمال» بانتظار تبلور صورة المرحلة المقبلة والاتجاه الذي ستذهب إليه الأمور. وقال المصدر إنه «يصعب أن نرى مسار الأمور الطبيعي في حالة استقالة الحكومات. فليس من السهل أن نرى زعيماً سنياً يمكن أن يقبل بتأليف حكومة جديدة، ما يضع الانتخابات البرلمانية المقبلة في دائرة الخطر».
وقد دفعت الأزمة التي خلّفتها استقالة الحريري برئيس الجمهورية ميشال عون إلى إلغاء زيارة كانت مقررة إلى الكويت، حيث أجرى الرئيس عون جملة اتصالات مع القيادات اللبنانية للتشاور في موضوع الاستقالة التي تبلغها هاتقياً من الحريري، كما اتصل برئيس مجلس النواب نبيه بري الموجود في شرم الشيخ، حيث من المقرر أن يلتقي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وقالت مصادر مرافقة لبري، لـ«الشرق الأوسط»، إنه تمنى تقديم موعده مع السيسي ليتمكن من العودة إلى بيروت في أسرع وقت ممكن، مشيرة إلى أن محادثاته مع الرئيس المصري ستتطرق إلى هذا الموضوع «لما للقاهرة من حرص على الاستقرار في لبنان». وقد بادر بري بدوره إلى إجراء اتصالات شملت مفتي لبنان الشيخ عبد اللطيف دريان، ورئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، ووزير الداخلية نهاد المشنوق.
وقال بيان صدر عن الرئاسة اللبنانية، إن الرئيس عون أكد خلال الاتصالات التي أجراها بقيادات رسمية وسياسية وروحية «أهمية المحافظة على الوحدة الوطنية وعلى أجواء الاستقرار الأمني والسياسي وحماية الإنجازات التي تحققت منذ سنة حتى الآن، وتغليب المصلحة العليا على ما عداها». وأكد رئيس الجمهورية أن «التهديدات التي يتعرض لها لبنان لا سيما الإسرائيلية، تحتم وقوف اللبنانيين صفاً واحداً في مواجهتها»، وأن «أي خلل يصيب الوضع الداخلي يؤثر سلباً على المناعة الوطنية ووحدة الصف».
واتصل عون برؤساء وممثلي الأحزاب المشاركة في الحكومة: الوزيرين جبران باسيل وطلال أرسلان، والنواب: وليد جنبلاط وسليمان فرنجية وأسعد حردان وهاغوب بقرادونيان ومحمد رعد، ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع. كما اتصل بالبطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، والمفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان. واتصل أيضاً بوزير المال علي حسن خليل، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وعرض معهما الوضع المالي والمصرفي في البلاد، مشدداً على ضرورة المحافظة على الاستقرار المالي. وشملت اتصالات رئيس الجمهورية وزراء: الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، والعدل سليم جريصاتي، والدفاع يعقوب الصراف، ورئيس جمعية المصارف جوزيف طربيه، وأعطى توجيهاته لقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية اتخاذ الإجراءات اللازمة، حفاظاً على الأمن والاستقرار.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».