العاهل المغربي يدعو إلى {مراجعة أولويات} الاتحاد الأفريقي

استعرض مع رئيس المفوضية التحديات التي تواجهها القارة

العاهل المغربي لدى استقباله رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي بالقصر الملكي بالرباط (ماب)
العاهل المغربي لدى استقباله رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي بالقصر الملكي بالرباط (ماب)
TT

العاهل المغربي يدعو إلى {مراجعة أولويات} الاتحاد الأفريقي

العاهل المغربي لدى استقباله رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي بالقصر الملكي بالرباط (ماب)
العاهل المغربي لدى استقباله رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي بالقصر الملكي بالرباط (ماب)

وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس الدعوة للمجتمع الدولي لإعادة رسم أولوياته الاستراتيجية، على ضوء ما أصبحت تقدمه القارة الأفريقية.
وقال الملك محمد السادس، في رسالة وجهها للمشاركين في الدورة العاشرة للاجتماع السنوي لمؤتمر السياسة العالمية، الذي افتتح أمس بمراكش، إنه «اعتباراً للتطورات الحديثة وللخطوات التي خطتها القارة الأفريقية نحو الأمام، والمعترف بها، أصبح من الضروري أن يسمع صوت قارتنا، وأن تصبح متمركزة في خريطة سياسية دولية، بعد إعادة تصميم معالمها».
وذكر العاهل المغربي أن أفريقيا انفتحت على شراكات متعددة الأبعاد، شملت المجالات المؤسساتية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وكذا المجالات المتعلقة بالتصدي للتطرف، ومكافحة الإرهاب، مبرزاً أنه بضم الرصيد الذي وفره التعاون شمال - جنوب إلى التجارب التي اكتسبتها مختلف الأطراف، يستطيع أصحاب القرار بناء تعاون أقوى وأكثر واقعية، وخصوصاً أكثر عدلاً وإنصافاً.
وشددت الرسالة الملكية، التي تلاها على المشاركين مستشار العاهل المغربي ياسر الزناكي، على أن تماسك وقوة وبراغماتية أفريقيا كلها عناصر ستمكنها من احتلال الموقع الأنسب داخل هذا المسار، مشيدة بـ«الإرادة المشتركة التي تحدونا من أجل تحقيق اندماج أكبر بين دول أفريقيا».
وأكد العاهل المغربي أن الزمن الذي كانت فيه أفريقيا قارة موصومة بالسلبية، وبأنها معقدة من محيطها، قد ولى، لتظهر كقارة واعدة متحفزة، تلتزم وتتعهد بالتزاماتها، لتحل محل قارة خاضعة مستكينة، مضيفاً أن القارة الأفريقية تتوجه بخطى ثابتة نحو الازدهار والرخاء، كما أنها تعيش تحولات حثيثة، وفق نموذج خاص بها، وتفتح أبوابها أمام شراكات جد متنوعة.
غير أن بناء مستقبل الأجيال الأفريقية الصاعدة والإعداد له، يضيف العاهل المغربي، يقتضي توجيه الجهود، والتحلي بالحزم من أجل تحقيق الأهداف المسطرة، موضحاً أن التطلع إلى الازدهار والرخاء يعد عملية معقدة تتطلب النفس الطويل. وفي هذا الصدد، أكدت الرسالة الملكية أن تحقيق التطلعات الكبرى للمواطنين، لا سيما الأفارقة، لن يتم إلا عبر برامج التنمية البشرية والاقتصادية الشاملة على الصعيدين الإقليمي والقاري. وجدد الملك محمد السادس الدعوة لمواكبة نهضة القارة الأفريقية، التي استطاعت أن تحدد مصيرها ومستقبلها بنفسها، مشيراً في هذا الصدد إلى أنه «من واجبنا بلورة استراتيجيات مبتكرة، ونهج سياسات طموحة تقوم على استثمار المنجزات التي تم تحقيقها لحد الآن، فضلاً عن الاستفادة من المبادرات العالمية الناجحة التي تتلاءم وتنوع واقعنا الاجتماعي والاقتصادي والثقافي». وبالموازاة مع ذلك، يقول العاهل المغربي: «يتعين علينا كذلك تعزيز أداء المؤسسات، ودعم الحكامة الجيدة، وتحسين طرق استخدام الأموال العامة بصورة جوهرية».
وشددت الرسالة الملكية على أن الثروة الأفريقية، المتمثلة أساساً في رأسمالها البشري، تشكل فرصة فريدة للنمو، موضحاً أن اعتماد سياسات ناجعة وتنفيذها في مجالات التربية والتكوين المهني والصحة، سيساهم في تحقيق اندماج الشباب الأفريقي داخل النسيج الاقتصادي والاجتماعي لبلدان القارة.
وذكر العاهل المغربي بأن القارة الأفريقية تزخر بموارد طبيعية هائلة، ينبغي استثمارها وتثمينها على النحو الأمثل، واستحضر في هذا الإطار مفهوم «الثورة الخضراء» المنشودة التي «تهدف إلى التجديد العميق للتكنولوجيات وأساليب الإنتاج، آخذين بعين الاعتبار خصوصيات واقعنا الأفريقي، والتغيرات المناخية التي تواجهه».
وعبر الملك محمد السادس عن سروره لكون الالتزامات التي أخذها المغرب على عاتقه لتسريع وتيرة النمو الفلاحي، وتحقيق التنمية المستدامة في أفريقيا، تساهم بشكل إيجابي في تغطية الحاجات الغذائية لمجموع المواطنين الأفارقة على الصعيد القاري.
وذكر العاهل المغربي أيضاً بأن الصناعة الأفريقية ما زالت تعاني من نقص في التنافسية، موضحاً أن عليها أن تواجه تحدياً مزدوجاً ذا أهمية كبرى، يكمن في تطوير أنشطة مبتكرة من جهة، وتكوين يد عاملة مؤهلة من جهة أخرى. كما يجب، وبموازاة مع الاستثمارات الخاصة، يؤكد العاهل المغربي، تطوير أنواع جديدة من التمويل والشراكات تدريجياً، قصد تشجيع وتكثيف المشاريع التنموية، مع الرفع من وتيرة تنفيذها، وعدم تجاهل النقص الذي تعاني منه أفريقيا عل مستوى البنيات التحتية، والعمل على إيجاد حل نهائي وواقعي لهذه الإشكالية.
من جانبه، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن انفتاح المغرب على العالم، خصوصاً أفريقيا، يتعزز كل سنة، مضيفاً أن نهج الانفتاح الذي تبنته المملكة يعزز الجهود الفرنسية في خلق اندماج قوي بين أوروبا والقارة الأفريقية.
ودعا الرئيس الفرنسي، في كلمة موجهة للمشاركين في أشغال الاجتماع السنوي لمؤتمر السياسة العالمية بمراكش، تلاها سفير فرنسا لدى المغرب جون فرنسوا جيرولت، إلى «التفكير في الوسائل الكفيلة بإرساء حكامة دولية منفتحة قادرة على استيعاب الصدمات، من خلال تسهيل إحداث التغييرات المرغوب فيها».
وتحتضن مراكش الاجتماع السنوي لمؤتمر السياسة العالمية في دورته العاشرة، بمشاركة شخصيات مرموقة وخبراء من مختلف المجالات.
وعلى مدى 3 أيام، ستتناول أشغال الاجتماع، التي انطلقت أمس تحت رعاية العاهل المغربي، قضايا الرهانات الإقليمية والدولية الكبرى، من خلال مجموعة من الجلسات العامة والورشات حول مواضيع تهم «مستقبل جنوب شرقي أوروبا» و«الاستثمار في أفريقيا» و«الثقة والحقيقة في العهد الرقمي» و«الاقتصاد العالمي» و«مستقبل وسائل النقل: الربط والحكامة» و«أميركا والعالم... سنة بعد انتخاب ترمب» و«الذكاء الاصطناعي ومستقبل العمل البشري» و«مستقبل التجارة والاستثمارات العالمية» و«المالية والاقتصاد» و«الطاقة والمناخ» و«الاتحاد الأوروبي والعالم» و«التنمية بأفريقيا» و«الأمن بآسيا» و«الشباب الرواد» و«وضعية العالم».
يشار إلى أن مؤتمر السياسة العالمية، الذي تأسس سنة 2008، يعتبر منظمة مستقلة تهدف إلى المساهمة في تحسين الحكامة في كل تجلياتها، بغية النهوض بعالم أكثر انفتاحاً وازدهاراً وعدلاً، ويحترم تنوع الدول والأمم.
ومن جهة ثانية، استقبل العاهل المغربي الملك محمد السادس، أمس، بالقصر الملكي بالرباط، موسى فاكي محمد، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، حسب بيان للديوان الملكي.
وخلال هذا الاستقبال، أبرز مفوض الاتحاد الأفريقي الدعم المهم الذي تقدمه المملكة المغربية، منذ عودتها في يناير (كانون الثاني) الماضي إلى حظيرة أسرتها المؤسساتية الأفريقية، لأجندة السلام والاستقرار والتنمية في القارة.
وأشاد فاكي، أيضاً، بعمل العاهل المغربي من أجل تعاون جنوب - جنوب بين الدول الأفريقية، والتزامه بصفته قائداً بخصوص قضية الهجرة داخل الاتحاد الأفريقي. كما تم خلال الاستقبال استعراض التحديات المتعددة التي تواجهها القارة الأفريقية، فضلاً عن الفرص التي يتعين اغتنامها من أجل وضع القارة، بشكل لا رجعة فيه، على طريق الإقلاع الاقتصادي والتنمية الاجتماعية والاستقرار السياسي.
يذكر في هذا الصدد أنه تم خلال قمة العمل الأفريقي، المنعقدة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 بمراكش، على هامش مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 22)، إحداث 3 لجان تحت الرئاسة الفعلية للملك محمد السادس، تهم منطقة الساحل ومنطقة حوض الكونغو والدول الجزرية. كما كانت الاستحقاقات القارية ضمن جدول أعمال هذا الاستقبال. وحضر الاستقبال فؤاد عالي الهمة مستشار العاهل المغربي، وناصر بوريطة وزير الخارجية والتعاون الدولي، ومحمد حسن اللبات كبير المستشارين الاستراتيجيين لرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».