استيقظت مدينة ترهونة الليبية، ذات صباح، على جريمة قتل جماعي في «حي القانون»، سالت فيها دماء ثمانية أشخاص من عائلة واحدة، رمياً بالرصاص، بجانب هدم وإضرام النيران في منزلها، على أيدي عناصر من ميليشيا «الكاني» التي يقودها أحمد الساعدي، مقرر المؤتمر الوطني السابق، القيادي البارز بتنظيم «الجماعة الليبية المقاتلة». و«الكاني» أو «الكانيات» كما يطلق عليها سكان البلدات المجاورة للمدينة الواقعة جنوب شرقي العاصمة طرابلس، هي واحدة من عشرات الميليشيات المسلحة التي أسس بعضها بهدف إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي في عام 2011، لكنها عقب التخلص منه تتمدد على طول البلاد وعرضها، تحت شعار «الثورة والثوار» بهدف «ضبط الأمن والمحافظة على المنشآت العامة»، وسرعان ما استشرى نفوذها في البلاد في غيبة الجيش والشرطة، وبفضل مساعدة حكومات متعاقبة أغدقت عليها بالرواتب الشهرية، فأصبحت ملاذاً آمناً للطامعين، والعاطلين، والخارجين عن القانون.
على مدار ست سنوات، ترسّخ وجود الميليشيات الليبية، من «سرايا الدفاع عن بنغازي» شرقاً إلى «فجر ليبيا» غرباً، بحسب الانتماءات الجهوية أو الأيديولوجية، حتى أصبح منها الذراع العسكرية لمدن بعينها، أو لجماعات إسلامية بذاتها. وبعضها بات يستخدم في حراسة المسؤولين، وكبار السياسيين، وصولاً إلى نوع أخير يمتهن الخطف والسرقة والحرابة، وفي أحسن الأحوال يتاجر في البشر.
باتت ليبيا غارقة في بحر من الميليشيات ذات الطابع الاقتصادي والأيديولوجي، عوضاً عن الملمح الذي يكتسب خصوصية فريدة والمتعلق بـ«ميليشيات القبائل»؛ وهي جيوش صغيرة متماسكة تختص بحماية القبائل والذود عنها- أو الدفاع عن مصالحها ومهاجمة أعدائها.
المشهد الليبي ضاعت فيه حقوق ودماء كثيرة بين كتيبة «ثوار طرابلس» الموالية للمجلس الرئاسي، و«الجماعة الليبية المقاتلة» الداعمة لحكومة «الإنقاذ الوطني». وبالفعل، باتت هذه الجماعات والزمر المسلحة كابوساً ثقيلاً يجثم على صدور المواطنين، وهو ما دفع هؤلاء في القرة بوللي (شرق العاصمة) للتهديد بالعصيان المدني لحين إخراج التشكيلات المسلحة من مدينتهم.
بحثاً عن حلول
«الشرق الأوسط» حققت في الأزمة، وسألت مسؤولين في المؤسستين العسكرية والأمنية، ومشايخ قبائل، ونشطاء، وإعلاميين، عن الجهة التي تستطيع نزع سلاح الميليشيات، وتفكيك بنيتها؟ ومدى إمكانية دمج أعضائها وكوادرها في الحياة العامة؟
في يوم 29 سبتمبر (أيلول) 2012 انطلقت مبادرة لجمع السلاح من المواطنين و«الثوار» وتسليمه للجيش الوطني الليبي في ساحة الحرية في مدينة بنغازي وميدان الشهداء بالعاصمة طرابلس، تحت إشراف رئاسة الأركان العامة بالجيش، ووزارتي الداخلية والأوقاف والشؤون الإسلامية، ومؤسسات المجتمع المدني. غير أن توترات المشهد السياسي وتعقيداته، ألقت بظلالها على الميليشيات، فكما يسعى كل فريق سياسي إلى تحقيق مكاسب على طاولة المفاوضات حسماً من رصيد الطرف الآخر، يفعل «الميليشياوية». وبالتالي، نجدهم يعملون على حماية «فريقهم السياسي» نهاراً، ويحاربون بعضهم البعض بالمدرعات والمدفعية الثقيلة ليلاً «لكسب أرضٍ جديدة»، وهو ما فعلته كتيبتا «ثوار طرابلس»، التي يقودها هيثم التاجوري، و«النواصي» المواليتان لوزارة الداخلية في حكومة «الوفاق الوطني»، عندما اندلعت بينهما حرب في زاوية الدهماني بالعاصمة، مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لاسترداد مقارٍ استولوا عليها من بعضهما.
الميليشيات الموالية للمجلس الرئاسي لـ«حكومة الوفاق الوطني» برئاسة فائز السراج لا تقتصر على «ثوار طرابلس» و«النواصي» فقط، بل هناك أيضاً ميليشيا «الأمن المركزي» في حي «أبو سليم» بقيادة عبد الغني الككلي الملقب بـ«غنيوة»، و«قوة الردع الخاصة» - وهي الأكثر تسليحاً وعدداً في العاصمة - ويترأسها الشيخ عبد الرؤوف كارة. وهذه الأخيرة تمارس سلطاتها على المنطقة المجاورة لمطار معيتيقة الدولي، وهي المنطقة التي شهدت اشتباكات واسعة في منتصف أكتوبر الفائت بين «قوة الردع الخاصة» وميليشيا مسلحة من منطقة الغرارات، تعطلت على إثرها حركة الملاحة الجوية، فضلاً عن سقوط عديد القتلى والجرحى.
أيضاً تُعدّ ميليشيا «لواء زاوية المحجوب» التابعة للمجلس العسكري في مدينة مصراتة (شمال غرب ليبيا، شرق طرابلس) من أهم داعمي «المجلس الرئاسي» فهي مكلفة بحراسة مبنى رئاسة الوزراء بوسط طرابلس، وتتكوّن من 1200 مسلح وينطق باسمها حمزة بوسنينة. وتُضاف إليها ميليشيات أحمد الدباشي، الشهير بـ«العمو» في مدينة صبراتة (إلى الغرب من طرابلس) المتهم بالاتجار في البشر، قبل أن يباشر بالاعتماد عليه كمناهض للاتجار، والاعتراف بأنه سبق له ممارسة عمليات تهريب البشر لكنه اعتزلها وأصبح يقف ضدها في المدينة. غير أن الناطق باسم غرفة مكافحة «داعش» في صبراتة صالح قريسيعة، اتهم الدباشي خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» بأنه «من أكبر مهرّبي البشر على مستوى ليبيا». وادعى أنه «ضالع في تهريب الوقود، والسيطرة على المصارف في صبراتة وتحويل العملة إلى الخارج».
اتهامات... اتهامات
من جهة ثانية، دائماً ما يوجّه المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، العميد أحمد المسماري، اتهامات للسراج وبعض أعضاء مجلسه، بأنهم «يدعمون الميليشيات» في طرابلس، لكن مسؤولاً عسكرياً كبيراً بحكومة «الوفاق الوطني» قال لـ«الشرق الأوسط» إن «المجموعات المسلحة في العاصمة تتحمل مسؤوليتها الحكومات المتعاقبة، بسبب منحها المال، والإفلات من القانون». وتابع «أن المجلس الرئاسي يتعامل مع الكيانات المسلحة وفقاً للمادة (33) من اتفاق الصخيرات، بدمج المسلحين الراغبين في صفوف المؤسستين العسكرية والأمنية»، وهو ما اتفق عليه السراج وحفتر خلال لقائهما في فرنسا الخامس والعشرين من يوليو (تموز) الماضي.
وفي موازاة الميليشيات التي تقف خلف «المجلس الرئاسي»، تأتي نظيراتها الموالية لـ«المؤتمر الوطني العام» (المنتهية ولايته) وللمفتي الصادق الغرياني، ما يجعل العاصمة تقف على حافة الخطر كل ليلة مع تجدد الاشتباكات من وقت لآخر في معارك يسقط فيها قتلى وجرحى. وعلى الرغم من تفكيك عملية «فجر ليبيا»، وانسلاخ بعض ميليشيا «جبهة المؤتمر»، فإن البعض الآخر منها يتربص بحكومة «الوفاق الوطني» ومنشآته في العاصمة، ومنها «لواء الصمود» بقيادة صلاح بادي و«القوة المتحركة» بقيادة عادل شيتا، وكتيبة صلاح البركي أحد قادة التشكيلات المسلحة، وينتظر هؤلاء «لحظة اقتحام طرابلس».
«الجماعة»... و«الحرس الوطني»
وتظل «الجماعة الليبية المقاتلة» هي الأكثر ارتباطاً بالتطرف في البلاد منذ أعاد عبد الحكيم بالحاج تأسيسها وترتيب صفوفها في عام 1990 وتدريب أعضائها بـالجبل الأخضر (شمال شرقي البلاد)، بعد مشاركاته المسلحة في أفغانستان ضمن تنظيم القاعدة، في حين يسيطر القيادي بالجماعة ذاتها خالد الشريف على قوات تسمى «حرس السجون»، ومع أنه لا يحمل أي رتبة عسكرية إلا أنه كان يشغل منصب وكيل وزارة الدفاع خلال فترة حكومتي عبد الرحيم الكيب، وعلى زيدان، عامي 2012 حتى 2014.
وفي فبراير (شباط) الماضي، أعلن العميد محمود الزقل، بمقر كتيبة الصواريخ بمنطقة صلاح الدين بطرابلس، عن تأسيس «الحرس الوطني الليبي»، مؤكداً أنه سيتعاون مع وزارة الداخلية وكل المؤسسات الأمنية لتحقيق أهدافها. وللعلم، ميليشيا «الحرس الوطني» موالية لـ«حكومة الإنقاذ»، ودار الإفتاء المناوئة للمجلس الرئاسي، وأكثر عناصره من مدن مصراتة وزليتن وترهونة وغريان وطرابلس.
وضع شرق ليبيا
وبعيداً عن العاصمة، وفي شرق البلاد، قال ناصر سوالم، المتحدث باسم كتيبة الاقتحام في الشرطة العسكرية ببنغازي، «لا يوجد لدينا أحد فوق القانون»، وذكر خلال حديث مع «الشرق الأوسط» أن وزارة الداخلية في الحكومة المؤقتة التي يترأسها عبد الله الثني «أطلقت مبادرات توعوية عديدة لجمع السلاح من المواطنين، في المنطقة الشرقية، بالتعاون مع القيادة العامة للجيش والمجتمع المدني». وأضاف سوالم «منطقتنا خالية تماماً من الميليشيات المسلحة»، واستطرد رداً على سؤال عن «مجلس ثوار بنغازي» بالقول «هؤلاء عبارة عن مجموعة من الإرهابيين، استطاع الجيش أن يتغلب عليهم، ويطهر بنغازي منهم... كل الكتائب المسلحة أصبحت تنضوي في المؤسسة العسكرية تحت رئاسة المشير خليفة حفتر».
ولكن، على الرغم من مرور قرابة سنتين على توقيع «اتفاق الصخيرات»، المُوقع في المغرب ديسمبر (كانون الأول) عام 2015، ما زالت الميليشيات المختلفة تستنزف ثروات ليبيا، فضلاً عن هز أمنها بأعمال الخطف والسرقة. بل، بات بعضها «دولة داخل اللا دولة» بحسب بعض الليبيين، الأمر الذي لخّصه الدكتور عبد الرحيم البركي، عضو مجلس مشايخ وأعيان قبائل ترهونة (شمال غربي البلاد)، لـ«الشرق الأوسط» بقوله: إن «جميع المكوّنات المدنية والمسلحة تدّعي أنها الشرعية الوحيدة في البلاد، وغيرها على باطل».
وأردف البركي «لقد أضحت ليبيا مرتعاً لكل أعمال الفساد والإجرام بسبب غياب الدولة بمعناها الحقيقي. ولهذه المشكلة أسباب عدة، بعضها داخلي، والبعض الآخر خارجي، خصوصاً أن معظم التشكيلات المسلحة إفراز طبيعي لحالة الفوضى منذ عام 2011». وأرجع البركي بين أسباب انتشارها إلى «القرارات الصادرة عن المؤتمر الوطني، إبان ولايته، وللأسف استطاعت جماعة الإخوان المسلمين أن توجه هذه القرارات لخدمة مشروعها».
ثم تحدث البركي عما يجب مراعاته في التعامل مع هذه التشكيلات، فقال: «يجب إدراك أنها باتت أمراً واقعياً يحتاج منا إلى التعامل بتؤدة معها، وهذا يعني مزيداً من تعقيد المشهد»، مستدركاً «الجيش الليبي يستطيع نزع سلاح الميليشيات، بعدما ظهر قوياً في المنطقة الشرقية وبعض مناطق الغرب الليبي».
واختتم البركي تشخيصه للوضع بالقول: إن الحل في ليبيا «ينبغي أن يكون عسكرياً بامتياز... فالحوار غير مجدٍ، لأنه غير متكافئ ولا تمارسه كل الأطراف، بل هو مجرد محاصصة سياسية فوضوية... دور القبائل لا يزال ضعيفاً، خصوصاً أن بعض الميليشيات جهوية مناطقية قبائلية».
دور القبائل
من جهته، اقترب جمال أبو فرنة، شيخ قبيلة الفواخر بمدينة سلوق (شرق ليبيا)، من رؤية البركي، إذ قال لـ«الشرق الأوسط» إن «المكوّن الأساسي للميليشيات من أبناء القبائل، باستثناء بعض الدخلاء الذين أتوا إلى ليبيا عقب سقوط نظام القذافي، مستغلين حالة الانفلات الأمني بهدف الاسترزاق من أعمال الحرابة، والسطو المسلح». وأردف «بعض المجرمين، الذين يمارسون أعمالاً محرّمة قانوناً، وهؤلاء يجب التصدّي لهم بقوة».
ورأى أبو فرنة، أن بعض القبائل تتصدّى للميليشيات وتسحب أسلحتها. و«من هذه الميليشيات جماعات تستجيب وتندمج في الحياة العامة مرة ثانية»، قبل أن يتابع: «لكن بالنسبة للدخلاء، فهؤلاء تتولاهم الدولة والجيش، وتخضعهم للقانون»، مطالباً «بدور فعال من جامعة الدول العربية، والأمم المتحدة للتصدي للميليشيات».
ومضى شيخ قبيلة الفواخر موضحاً «لشيخ القبيلة مكانة كبيرة، ويمكنه بالحوار استمالة المسلحين، وإقناعهم بترك السلاح، والانخراط مجدداً في الحراك المجتمعي بعيداً عن العنف». إلا أنه يشترط أن يكون المفاوض «وطنياً محباً لبلاده، ولا يتفاوض من أجل المناصب... هذه مسألة قائمة على الثقة، وفي ليبيا أُناس يتقنون فن التحاور».
وبعيداّ عن الرؤيتين السابقتين، قال إسماعيل بازنكة، أحد نشطاء قبيلة التبو في جنوب ليبيا إن «لا أحد يستطيع نزع سلاح الميليشيات طالما لم تهيأ الأرضية المناسبة ولم توفر البيئة الملائمة». وتابع بازنكة في حوار مع «الشرق الأوسط» شارحاً «هناك ميليشيات تتبع قبائل، وأخرى تنتمي لفصائل سياسية، وثالثة لجماعات دينية، وهذا ناهيك عن ميليشيات تجارة السلاح والمخدرات والهجرة غير الشرعية، وكل هذا بالإضافة إلى المتربصين بحقول النفط، وبالتالي، فما يتوافق مع هذه يختلف عن تلك».
ومضى بازنكة، وهو رئيس «منظمة أمل الجنوب للسلام والتنمية المستدامة» في شرحه ليقول: إن «ميليشيات القبائل لن تسلم سلاحها طالما لم تتوافر ضمانات حقيقية بألا تتعرض لاعتداءات، من ضمنها نزع سلاح خصومها، ونزع شرعية ميليشيات أخرى قد تعتدي عليها». وضرب بازنكة مثلاً على ذلك، عارضاً «نحن لدينا تجارب سابقة مع (المؤتمر الوطني)، فجميع القبائل التي تعرضت للاعتداء عليها في السابق من تشكيلات مسلحة تتبع حكومة الإنقاذ، تتسلح اليوم وتزيد من ترساناتها تحسباً لأي طارئ»، وبناءً عليه فهو يقترح أن «تشكل لجنة أممية بعضوية دول الجوار لدراسة آلية نزع السلاح ووضع خطة مع مراعاة تركيبة كل ميليشيا». واستطرد «ثمة قبائل تخشى العودة إلى المربع الأول من الاضطهاد والتهميش... ولا يمكن لقبائل التبو أن تقنع ميليشياتها بتسليم سلاحها طالما لم تتوافر ضمانات دستورية حقيقية تسهل دمجها في الحياة العامة من خلال عدالة انتقالية، وجبر ضررهم، وبعدها، يمكن أن تتم المصالحة الوطنية».
أما فيما يتصل بالميليشيات الدينية، أو الراديكالية، من بينها، فيرى بازنكة مجابهتها بـ«الفكر، والعمل على توفير فرص عمل للشباب المنخرطين فيها، وتأسيس مؤسسات تنموية تستوعبهم»، ويرى بازنكة أن «معظم مسلحي الجماعات الإرهابية وجدوا إقصاءً وقلة عناية من الدولة فوجدوا في الميليشيات حواضن ملائمة...». وأخيراً، تحدث بازنكة عما سماها «الميليشيات الاقتصادية» وهي التي تتخصص في سرقة المواد البترولية، وتهريب العملة، فقال: «المكافآت والامتيازات المالية التي يحصلون عليها تجعل علاقتهم قوية بآمر الميليشيا... والحل المطلوب لتفكيك هذه الميليشيات يكمن في تجفيف منابع ثرواتها، والتضييق عليها اقتصادياً، وفرض عقوبات على أمرائها».
لا ينقصنا مبادرات
رداً على اقتراح بازنكة بتشكيل «لجنة أممية بعضوية دول الجوار» رد الصحافي الليبي الحسين بن كريم بالقول إن «ليبيا لا ينقصها مبادرات»، مذكّراً في لقاء مع «الشرق الأوسط» بـ«تعدد المبادرات في السابق، عندما قدم عديد من منظمات المجتمع المدني، والأحزاب، والشخصيات، مقترحات تضمنت تصوراً متكاملاً لنزع السلاح وحل الميليشيات». وتابع: «أغلبها اعتمد على فكرة شراء الدولة للسلاح من المواطنين، ودفع قيمة مالية يتفق عليها لمدة 6 أشهر أو سنة، بعدها يصدر قانون بتجريم حمل السلاح أو الاحتفاظ به، وتم إنشاء هيئة شؤون المحاربين للعناية بجميع المسلحين السابقين ومجموعاتهم المسلحة، ومن دون أي تمييز من خلال إعادة دمجهم في المؤسسات الأمنية والعسكرية».
وأردف بن كريم، الذي ينتمي إلى مدينة درنة (شمال شرقي ليبيا) «لكن للأسف دار صراع على الهيئة، وسيطرت عليها شخصيات محسوبة على الإسلام السياسي، ففشلت في مهمتها رغم الجهود التي بذلها بعض القائمين عليها، ما ساهم في ترسيخ الميليشيات التي باتت تمتلك سجوناً، وتطبق قوانين خاصة بها». وتابع: «هنا يجب التأكيد على أنه لم تكن هناك إرادة سياسية حقيقية لجمع السلاح وحل الميليشيات في ليبيا، خصوصاً في فترة ولاية (المؤتمر الوطني العام). ومرجع ذلك أن جماعات وأحزاب الإسلام السياسي كانت قد حسمت أمرها في حال خسرت الانتخابات عبر صندوق الاقتراع، بحيث يكون البقاء في السلطة عبر صندوق الذخيرة، وهو ما يحدث الآن على أرض الواقع، مما يجعل نزع السلاح وجمعه من المواطنين عملية معقدة وبالغ الصعوبة».
بن كريم قال أيضاً إن «ما يزيد من صعوبة نزع السلاح وحل الميليشيات هو تحقيق مصالح اقتصادية كبيرة تصل إلى مئات الملايين من الدولارات لأمراء تلك الميليشيات من عمليات الابتزاز والخطف، والسيطرة على بعض المنشآت الحيوية مثل المنافذ البرية والمطارات والموانئ، فضلاً عن عمليات تهريب العملة الصعبة، والوقود والسلع المدعومة». وينطلق بن كريم من رؤية أوسع، فيقول إن «الاستعانة بالضغط الاجتماعي عبر الأسرة، والعائلة، والقبيلة لتفريغ الميليشيات من المقاتلين، مرهون بالضمانات التي تقدمها الدولة للمواطنين، بالإضافة لإعداد قوات شرطة منضبطة، وجيش موحد يخضع للضبط والربط وفق التسلسل القيادي، ويحترم الدستور والقانون، بالإضافة إلى مؤسسة قضائية نزيهة تعيد الحقوق إلى أصحابها ونجاح المصالحة الوطنية في حل النزاعات التي خلفها الصراع المسلح».
من جانبه، رأى القيادي في «حركة شباب مصراتة» سليمان البيوضي، أن المجموعات المسلحة في ليبيا الآن عبارة عن «بقايا تشكيلات، تمتهن السلب والحرابة، أو فروع لجماعات إرهابية مصنفة بقرارات مجلس الأمن». ورأى أن «(كتائب الثوار) المُنظمة، التي تدخلت في الحرب الأهلية بالبلاد، غالبيتها من المدنيين المنخرطين بالثورة، وفُرض عليهم حمل السلاح، وحتى الحروب التي دخلوها تم شرعنتها ودمج أغلب عناصرها في الأجهزة الموازية التي استحدثت بعد الثورة».
واستطرد البيوضي «غالبية هؤلاء الشباب أصبحوا غير مقتنعين الآن بالمعارك العبثية... التعامل معها يجب أن يكون براغماتياً، من خلال البدائل التنموية، والاستفادة من طاقاتهم في البناء والتنمية، وإعادة تأهيلهم في الحياة المدنية. بإمكان المؤسسة العسكرية نزع سلاح المجموعات المسلحة، شريطة بسط نفوذها على كامل التراب الليبي، وإجراء عمل متوازن مع حكومة وحدة وطنية للخروج من هذه الدوامة».