وثيقة روسية لمؤتمر سوتشي: دستور وانتخابات رئاسية برقابة دولية

خلاف حول الحل السياسي بين موسكو من جهة وطهران ودمشق من جهة ثانية

مظاهر الدمار بعد غارة على دوما أمس (أ.ف.ب)
مظاهر الدمار بعد غارة على دوما أمس (أ.ف.ب)
TT

وثيقة روسية لمؤتمر سوتشي: دستور وانتخابات رئاسية برقابة دولية

مظاهر الدمار بعد غارة على دوما أمس (أ.ف.ب)
مظاهر الدمار بعد غارة على دوما أمس (أ.ف.ب)

بلورت موسكو تصورها لـ«مؤتمر الحوار الوطني السوري» في سوتشي، في ورقة خطية تضمنت موعد المؤتمر والمدعوين، بحيث يتم جمع «جميع المكونات الطائفية والعرقية والدينية والعشائرية» لإطلاق «إصلاح سياسي» وتشكيل «هيئة دستورية» تصوغ دستوراً جديداً لإجراء «انتخابات برلمانية ورئاسية» تحت إشراف الأمم المتحدة، وفق القرار 2254. لكن دمشق وطهران لا تزالان بعيدتين من التصور الروسي، ذلك أن الرئيس بشار الأسد يتمسك بـ«تعديل الدستور الراهن» لإجراء انتخابات برلمانية فقط. كما أن إيران قلقة من إطلاق «عملية سياسية» تضمن «انتقالاً سياسياً»، وهي تركز على البحث عن مدخل لإقامة قواعد عسكرية في إدلب، إلى جانب الوجود التركي.
وبحسب المعلومات المتوفرة لـ«الشرق الأوسط»، انتهت موسكو من وثيقة تقع في صفحتين وربع الصفحة، توضح تصورها لـ«مؤتمر الحوار الوطني السوري»، من حيث الموعد والأهداف والمشاركين. صحيح أن مكانه تغير من قاعدة حميميم إلى منتجع سوتشي، وأن اسمه لم يعد «مؤتمر الشعوب السورية»، كما اقترح الرئيس فلاديمير بوتين على هامش مؤتمر فالداي قبل أيام، وبات «مؤتمر الحوار الوطني»، لتجنب حساسيات رمزية بسبب اسم المؤتمر ومكان انعقاده، لكن الوثيقة تضمنت إشارة إلى ضرورة أن يحضره ممثلو «جميع الأطراف والطوائف والقبائل والأديان»، مع ذكر بالاسم لممثلي «العرب والأكراد والآشوريين والأرمن والسريان والمسيحيين والتركمان»، وغيرهم.
وهي لا تزال تفضل أن يعقد مؤتمر سوتشي بعد مؤتمر المعارضة السورية الموسع في الرياض، الذي تتجه الأمور إلى احتمال عقده بين 11 و15 من الشهر الحالي، لكن الجانب الروسي حسم موعد مؤتمر سوتشي في 18 الشهر الحالي، على أن يمثل النظام بممثلين من «الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية المرخصة»، إضافة إلى المعارضة الداخلية، من دون أي ذكر لـ«حزب الله» وميليشيات تدعمها إيران.
ووضعت الوثيقة جملة من الأهداف للمؤتمر، بينها تسهيل عملية «الإصلاح السياسي»، بناء على التشريعات الحالية، لكن في الوقت نفسه يرمي إلى تشكيل «هيئة دستورية» تصوغ دستوراً جديداً، بدل دستور عام 2012، لاستئناف عملية صياغة الدستور الجديد لـ«إجراء انتخابات ديمقراطية بناء على الدستور الجديد»، بإشراف الأمم المتحدة، وفق القرار 2254.

خلاف بين الأسد وبوتين
هنا، تظهر نقطة خلافية بين موسكو من جهة، ودمشق وطهران من جهة ثانية. وكان لافتاً أنه بعد لقاء الأسد وألكسندر لافرينتييف، مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأسبوع الماضي، لم يشر البيان الرسمي السوري إلى الانتخابات الرئاسية أو القرار 2254 والإشراف الدولي، إذ جاء في البيان تأكيد الأسد على «الاستمرار بالحرب على الإرهاب من جهة، ودعم المسار السياسي من جهة أخرى، عبر رفع وتيرة المصالحات الوطنية، والحوار بين الجميع عبر مؤتمر حوار وطني في سوريا، وصولاً إلى تعديل الدستور وإجراء الانتخابات البرلمانية الجديدة».
وتجاهل البيان النقاط المتفق عليها في اجتماع العمل بين بوتين ولافرينتييف، الذي حضره رئيس مكتب الأمن القومي اللواء علي مملوك، بحسب المعلومات المتوفرة، دفع مبعوث بوتين إلى استعجال تصريح تلفزيوني، قال فيه: «إذا تمكن السوريون من الاتفاق حول تشكيل هيئة دستورية ستعمل على بحث الدستور، وفي حال اعتمدوا الدستور خلال 3 أو 6 أشهر، ومن ثم خلق الظروف لاعتماد هذا الدستور على المستوى اللازم وفقاً للقوانين السورية السارية برعاية الأمم المتحدة، بالتأكيد ستطرح مسألة إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية»، بإشراف دولي بموجب القرار 2254.
وإصرار لافرينتييف على تكرار 3 عناصر في تصريحاته، قبل اجتماعات آستانة وبعدها، هي: «دستور جديد، وانتخابات برلمانية ورئاسية، وإشراف دولي بموجب القرار 2254»، أتى من تفاهم بين موسكو والمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا حول ضرورة استعجال روسيا البحث عن حل سياسي قبل الانتخابات الرئاسية الروسية في مارس (آذار) المقبل، ضمن سياق عملية جنيف وتنفيذ القرار 2254، كي يحصل تحرك موسكو على دعم دولي أو عدم ممانعة أميركية.
واشنطن من جهتها تتابع من قرب التحركات الروسية، حيث شارك مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد في اجتماعات آستانة، ثم زار أول من أمس جنيف للقاء دي ميستورا، ورفع توصيات إلى وزير الخارجية ريكس تيلرسون، وسط تردد محاولات لإجراء لقاء بين بوتين والرئيس دونالد ترمب في فيتنام الأسبوع المقبل، في حال كانت هناك ظروف لـ«اختراق» في سوريا أو أوكرانيا، في خضم توتر العلاقات الأميركية - الروسية، خصوصاً في واشنطن.
وما يهم واشنطن، إضافة إلى أولوية محاربة «داعش» التي أوشكت على النهاية، خفض مستوى العنف، وإيصال مساعدات إنسانية، وتمهيد الأرضية لإطلاق عملية سياسية لتنفيذ القرار 2254، ووضع مؤتمر سوتشي وعملية آستانة ومؤتمر المعارضة في الرياض ضمن سياق عملية جنيف، المقرر استئناف جلساتها في 28 الشهر الحالي.

واشنطن تراقب
لكن البيت الأبيض ليس مستعجلاً، على عكس الكرملين، إذ إن مسؤولين روس يقدمون «إغراءات سياسية»، ويقولون في جلسات مغلقة إنهم «سيواصلون الضغط على الأسد لقبول النقاط الثلاث»؛ دستور جديد، وانتخابات برلمانية ورئاسية، ورقابة أممية، بحسب المعلومات التي تحدثت أيضاً عن «عدم ارتياح» في طهران للطرح الروسي الذي فسره مسؤولون إيرانيون على أنه «يعني عملياً انتقالاً سياسياً».
وأضيف عدم الارتياح الإيراني إزاء الطرح السياسي الروسي إلى «انزعاج» من موافقة موسكو على الوجود العسكري التركي في إدلب، الأمر الذي ظهر في اجتماعات آستانة بإشارتين: الأولى أن موسكو فشلت في تشميل البيان الختامي لاجتماع آستانة الحصول على «دعم» أو «ترحيب» بمؤتمر سوتشي، بل اكتفى البيان بالقول إن «الضامنين» الثلاثة وافقوا على «متابعة النقاشات» حول المؤتمر. والثانية رفض الوفد الإيراني نشر الجيش التركي لنقاط مراقبة وقواعد عسكرية بين حلب وإدلب، بل إن طهران طالبت بنشر نقطتين عسكريتين في إدلب، الأمر الذي رفضه الوفد الروسي، قائلاً إن هذا ليس جزءاً من اتفاق «خفض التصعيد» في إدلب. ولا شك أن هاتين النقطتين كانتا بين ما بحث في لقاء بوتين مع المسؤولين الإيرانيين في طهران، إضافة إلى الدعم الإضافي الذي قدمه «الحرس الثوري الإيراني» لقوات النظام للتقدم إلى مدينة البوكمال، على حدود العراق.
وفي المقابل، تراهن أنقرة على منع حضور «الاتحاد الوطني الديمقراطي» الكردي في مؤتمر سوتشي، وتجميد النيات الأميركية لـ«تسييس» العلاقة مع أكراد سوريا مع قرب انتهاء الحرب ضد «داعش»، مقابل ضمان مشاركة فصائل معارضة سياسية وعسكرية، خصوصاً أن الوثيقة الروسية نصت على دعوة «الهيئة التفاوضية العليا» ومجموعات القاهرة وموسكو وآستانة، لكن معظم فصائل المعارضة هذه رفضت المشاركة، وهي لا تزال تراهن على مؤتمر المعارضة الموسع في الرياض، وبحث «الانتقال السياسي» نهاية الشهر في الجولة المقبلة من جنيف التي يريدها دي ميستورا أن تركز على ملفي الدستور والانتخابات، على أمل جمع نقاط التقاطع بين المؤتمرات والاجتماعات المختلفة في الأسابيع المقبلة.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.