طغت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الثالثة إلى طهران على أعمال القمة الثلاثية بين إيران وروسيا وأذربيجان، وتصدر الملفان السوري والنووي الإيراني مشاوراتٍ جَرَت بين بوتين والمرشد الإيراني علي خامنئي ورئيس الجمهورية حسن روحاني.
وقبل التوجه إلى القمة المشتركة الثلاثية أجرى بوتين مشاورات منفصلة مع خامنئي وروحاني، وقال في لقائه مع خامنئي: «أظهرنا للعالم أنه يمكن حل القضايا الإقليمية من دون تدخل الدول الأخرى»، لافتاً إلى أن البلدين «وصلا إلى نتائج جيدة في سوريا» وطالب بضرورة اتباع مسار سياسي جيد في هذا البلد.
وأضاف أن «حفظ وحدة الأراضي السورية ودعم الحكومة والرئيس السوري بشار الأسد من (مبادئ السياسة الخارجية في روسيا)»، معرباً عن اعتقاده أن «أي تغيير وتحول في أي بلد بما فيها سوريا يجب أن يكون من داخل البلد».
في المقابل، قال المرشد الإيراني علي خامنئي إن «التعاون الجيد في سوريا يظهر أن طهران وموسكو بإمكانهما تحقق الأهداف المشتركة في الميادين الصعبة».
وقال خامنئي إن «هزيمة الائتلاف الأميركي في سوريا لا يمكن إنكاره، لكنهم ما زالوا يتآمرون، من أجل ذلك حل القضية السورية بشكل كامل بحاجة إلى استمرار التعاون».
وأعلن خامنئي عن تأييده لموقف بوتين حول ضرورة حل القضايا الإقليمية من دون تدخل أطراف خارجية... وقال: «الأميركيون يريدون التدخل في طل القضايا الإقليمية والعالمية ويعولون على المواقف الضعيفة لمسؤولي بعض البلدان». وتابع خامنئي أن التعاون الروسي الإيراني في سوريا يحمل دلالات كثيرة، لافتاً إلى أن «روسيا أصبحت مؤثرة في منطقة غرب آسيا».
وطالَب خامنئي من بوتين بأن يتخذ من التعاون البلدين في سوريا نموذجاً لتعزيز التعاون في كل المجالات، مضيفاً أن طاقات التعاون الاقتصادي بين البلدين تتجاوز المستوى الحالي.
رغم ذلك، أوضح خامنئي أن «الشعب السوري صاحب القرار الوحيد في هذا البلد»، وقال مخاطباً بوتين: «مثلما قلتُم، يجب أن تنبثق كل القضايا والحلول حول الحكومة السورية من داخل هذا البلد، وألا تتعرض الحكومة السورية للضغوط، وإن كانت المشاريع متعددة الأطراف».
وكان موضوع سوريا محور نقاش بين بوتين وروحاني قبل لقائه خامنئي بساعات. وأكد بوتين استمرار التعاون الروسي التركي الإيراني ودور البلدان الثلاثة في إطار مفاوضات آستانة.
بدوره، شدد روحاني على أهمية استمرار التعاون الروسي الإيراني في الأزمة السورية، خصوصاً فيما يتعلق بمسار مفاوضات آستانة والتعاون الثنائي والإقليمي والدولي في حل القضايا والأزمات الإقليمية، وفق ما نقل موقع الرئاسة الإيرانية.
وقال روحاني إن بلاده تدعم «الاستقرار الإقليمي وتعتبر عدم الاستقرار مضرّاً لجميع الدول»، وقال إن التعاون الإيراني الروسي «أثبت للجميع ضرورة تثبيت الأمن والاستقرار في سوريا عبر الحلول السياسية».
وبموازاة اللقاءات السياسية جرت مشاورات عسكرية بين رئيس الأركان محمد باقري أجرى مشاورات مع نظيره الروسي فاليري غراسيموف حول آفاق التعاون العسكري في سوريا، و«الدبلوماسية الدفاعية»، وفق ما أوردت وكالة «إيرنا».
قال روحاني إن إيران وروسيا بحاجة للتعاون لاستعادة الاستقرار في سوريا والمنطقة. وأضاف خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيريه الروسي والأذربيجاني: «التعاون بين طهران وموسكو ضروري لإرساء الاستقرار والسلام في سوريا... كما أنه ضروري لمحاربة الإرهاب في المنطقة»، وفق ما نقلت «رويترز».
تمسك روسي بالاتفاق النووي
وكان الملف النووي والتعويل الإيراني على الدور الروسي لمواجهة الضغوط الأميركية، ثاني أهم المحاور في مشاورات بوتين وثنائي خامنئي وروحاني. وخرجت الصحف الإيرانية بعنوان يوحي أن إيران تتطلع إلى لعب الورقة الروسية ضد استراتيجية الرئيس الأميركي لاحتواء دور إيران الإقليمي، واعتبرت أغلب الصحف الإيرانية الصادرة أمس أن «روسيا القوية في العالم مرهونة بمواصلة دور إيران الإقليمي». وقالت روسيا وإيران وأذربيجان في بيان مشترك وُقِّع، أمس، إن على كل أطراف الاتفاق النووي الإيراني أن تفي بالتزاماتها.
وقال بوتين خلال لقاء خامنئي إنه «يعارض أي تغيير أحادي الجانب في الاتفاق النووي»، معتبراً القرارات الأحادية الجانب «خرقاً للقوانين الدولية». واتهم بوتين أميركا بالسعي للتدخل في كل قضايا العالم والمنطقة.
وفي إشارة ضمنية إلى مخاوف إيرانية من تغيير موقف روسيا في الاتفاق النووي قال بوتين: «نحن ملتزمون بمبادئنا ونواصل أي عمل نبدأه إلى النهاية». وقبل ذلك، خلال لقائه بروحاني، أعلن بوتين عن رفضه ربط برنامج الصواريخ الباليستية بالاتفاق النووي، معتبراً إياه مهمّاً لـ«السلام والاستقرار العالمي»، كما وصف طهران بـ«الشريك الاستراتيجي» لموسكو، مؤكداً أهمية تطوير العلاقات بين البلدين.
وفي هذا السياق، طالب خامنئي بوضع استراتيجية مشتركة لمواجهة قانون العقوبات الأميركي (كاتسا)، الذي وقَّعَه دونالد ترمب في الثاني من أغسطس (آب) الماضي، ويتضمن عقوبات ضد إيران وروسيا وكوريا الشمالية.
وقال بوتين: «عدم قبول الالتزامات الدولية من قبل بعض الدول غير مقبول إطلاقاً، وأعتقد أن إلغاء الاتفاق النووي من جانب واحد بأي حجة غير مقبول».
على الصعيد ذاته، قال روحاني إن «حفظ الاتفاق النووي مهم للسلام والاستقرار الإقليمي والدولي»، مؤكداً «أهمية الدور الروسي في تثبيت واستمرار الاتفاق النووي وتنفيذ الالتزامات من كل الأطراف التفاوض».
وذكر روحاني أن موسكو بلد شقيق وجار وشريك استراتيجي لبلاده، وشدد على أهمية التوافق بين البلدين في مجالات المختلفة، مثل الطاقة والصناعة النووية والترانزيت، مؤكداً ضرورة استمرار التعاون.
قمة سياسية بمذاق اقتصادي
وإلى جانب الملفات الساخنة بين طهران وموسكو، فإن القمة حملت شعار التنمية الاقتصادية والاستقرار الأمني بين دول غرب بحر خزر، وهيمنت الملفات الاقتصادية على مشاورات جرت بين روحاني ونظيريه الروسي والأذربيجاني. وفي هذا الشأن طالب بوتين بضرورة تفعيل الممر الاقتصادي بين الدول الثلاث. والقمة الثلاثية بين إيران وروسيا وأذربيجان هي الثانية بعد قمة في باكو في 2016.
من المفتَرَض أن يتناول الرؤساء الثلاثة، خصوصاً مشروع بناء سكك حديد بطول 172 كلم بين رشت في إيران وأستارا في أذربيجان، ومشاريع تنقيب مشتركة عن آبار نفط وغاز في بحر قزوين، بالإضافة إلى التعاون الثقافي، وكذلك في مجال الشؤون الإنسانية.
وتأجل موعد القمة الثلاثية من الصيف إلى منتصف الخريف، وقالت وكالة «تسنيم» الناطقة باسم الحرس الثوري في هذا الصدد إن التأجيل سببه «فقدان الظروف المناسبة ووجود بعض المشكلات».
ونقل موقع الرئيس الإيراني عن بوتين ترحيبه بتعزيز الشراكة الاقتصادية في مجالات الطاقة والتعاون الاقتصادي والأنشطة النووية والنقل ومد خط السكك الحديدية.
وأكد بوتين خلال لقائه كبار المسؤولين الإيرانيين «رغبة» الشركات الروسية للمشاركة في مشاريع التنمية الإيرانية، مضيفاً أنه لا توجد محدودية لتعزيز التعاون مع إيران. كما أعرب بوتين عن رضاه تجاه ارتفاع الصادرات الروسية إلى إيران نحو سبعة أضعاف.
وكان وزير الاقتصاد الإيراني مسعود كرباسيان استقبل بوتين، منتصف النهار، في مطار مهر آباد غرب طهران في حين كان يجري روحاني مشاورات مع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف.
أذربيجان «صخرة القبان» في بحر قزوين
وبحسب ما نقلت وكالات أنباء إيرانية فإن روحاني اعتبر علاقات باكو وطهران إلى جانب موسكو نموذج للعلاقات الدولية والإقليمية. وفي السنوات القليلة الماضية التقى علييف الرئيس الإيراني عشر مرات.
وذكرت وكالة أنباء «ترند» الأذربيجانية أن مشكلة قره باغ شكلت بيت القصيد في مشاورات روحاني وعلييف.
وكانت علاقات باكو والدول الغربية مصدر قلق مشتركٍ لطهران وموسكو. واستغلت طهران تراجع العلاقات بين واشنطن وباكو وحاولت الدولتان فتح صفحة جديدة مع أذربيجان عبر إغرائها بمشاركة اقتصادية أوسع.
وتجاور جمهورية أذربيجان أربع محافظات تقطنها أغلبية من الترك الآذريين في شمال غربي إيران، وشكلت المناطق الآذرية على مدى السنوات الماضية هاجساً أساسياً للسلطة الإيرانية بسبب تنامي نشاط الحركات المعارضة التي تطالب بحقوق قومية للترك الذين يشكلون نحو ثلاثين في المائة من 80 مليون إيراني، ويترجم الثقل الآذري في البلاد صعود أول كتلة على أساس قومي في البرلمان الإيراني رافعةً شعار «المساواة في التنمية، ورفع التمييز»، وهي تضم أكثر من 100 برلماني من أصل 290 ويشكل لجنتها المركزية 25 نائباً ويرأس الكتلة نائب رئيس البرلمان، وأبرز الوجوه الإصلاحية مسعود بزشكيان.
كما شملت مشاورات الجانبين تعزيز العلاقات الاقتصادية، واقترح روحاني أن يعتمد التبادل التجاري على العملات الوطنية وعبر البنك المركزي في البلدين.