صاح ساؤول نيغيز نجم أتلتيكو مدريد وهو يتألم محدثاً طبيبه: «أخرج هذه الكلى... في كل الأحوال، لدي كلى أخرى». في تلك اللحظة، بدا أن اللاعب قد عقد عزمه بالفعل بعدما نال ما يكفي من التعب. جاء ذلك بعدما قضى اللاعب شهوراً في التعب والألم، بلغ حد تبوله دماءً وكانت كليته لا تعمل بصورة مناسبة. ولم تبد في الأفق نهاية واضحة لآلامه، ولم تكن هناك ضمانات، في وقت كان كل ما يوده هو الاستمرار في الشيء الذي لطالما عشقه: لعب الكرة. ورأى نيغيز أنه إذا تطلب ذلك إجراءه جراحة لإزالة الكلى، فلا بأس في ذلك. ولم ير نيغيز أمامه أهم من ذلك، واستحوذت كرة القدم على كامل تفكيره. وظل على هذا الحال حتى اليوم الذي نظر إليه مساعد المدرب في أتلتيكو مدريد، جيرمان إل مونو بيرغوس (كان حارس مرمى سابقا ومغنيا متخصصا بموسيقى «الروك»)، بعمق وعرض عليه نصيحته. وقال ساؤول: «في تلك اللحظة، تكشفت أمامي كل الأمور بوضوح».
وبدا الإنصات لنصيحة بيرغوس أمراً منطقياً، فهو على أي حال تحدث من واقع تجربته الشخصية. عندما شخّص الأطباء إصابته بالسرطان في أحد أيام الخميس من عام 2003، طلب من الأطباء الانتظار حتى الاثنين التالي حتى يجري جراحة إزالة الورم؛ نظراً لأن أتلتيكو مدريد كان مقرراً له خوض مباراة يوم الأحد. إلا أن الأطباء أصروا على ضرورة إجراء الجراحة على الفور. وبعد 12 عاماً، تسبب دخول ساؤول في صدام مع لاعب بايرن ليفركوزن، كيرياكوس بابادوبولوس في أول مباراة له ببطولة دوري أبطال أوروبا في فبراير (شباط) 2015 لنقله إلى المستشفى. وفي وقت لاحق، وصف رئيس نادي أتلتيكو مدريد الوضع الصحي للاعب بقوله إن كليته «مدمرة».
وعن تلك الفترة، قال ساؤول: «أسوأ ما في هذه التجربة لحظة استلقائي على المحفة ورؤية والدي يبكي، لقد نظرت إليه وقلت (لا تحزن يا والدي. كل الأمور على ما يرام. أنا قوي كالثور ويمكنني تحمل هذا الأمر)». ومع هذا، كانت ثمة أوقات عصيبة في انتظار ساؤول.
في وقت لاحق، عاود ساؤول اللعب، معتمداً على قسطرة داخلية. ومع ذلك، استمر شعوره بالألم، وعندما أزيلت القسطرة لم يكن جسده قد شفي تماماً. من ناحيتهم، رغب الأطباء في أن يتوقف ساؤول عن اللعب لتخفيف الضغوط عن جسده، لكن كان هذا آخر شيء يود فعله في العالم.
وعن تجربته، قال: «تمكنك القسطرة من الحركة، لكنها كانت مؤلمة. وكنت أشعر بها تتحرك داخل جسدي، وكنت أتبول دماً. وقد يرى البعض هذا أمراً عاديا، لكنني لم أكن معتاداً على ذلك. ووقعت المشكلة الكبرى عندما تخلصت من القسطرة، ذلك أن كليتي لم تعمل على النحو المناسب. وعرضت أمامي مجموعة من الخيارات: اللعب لمدة شهر والتوقف لشهر آخر... وقلت: (لا، لا. هذا ليس جيداً. أعيدوا لي القسطرة، سأتمكن من اللعب بها). لكنهم أجابوا: (ساؤول، الأمر ليس بهذه البساطة)».
وأضاف اللاعب: شعرت بالإرهاق من الأمر برمته، وقلت للطبيب: «أخرج هذه الكلى من جسدي فحسب. سأغيب عن الملاعب لمدة شهر، لكن بعد ذلك سأعود من جديد. إلا أن الطبيب قال: «لن أستأصل الكلية وجرب هذا العلاج». وقلت: «حسناً، سأجرب كل شيء ممكن، لكن إذا لم يفلح، ماذا سنفعل حينها؟ هل سنستمر في الطريق ذاتها؟ لا، إنني أود العودة إلى اللعب بشكل جيد فحسب، وأن أشعر بصحة جيدة. وقلت لنفسي إن عليّ نسيان كل ما يجري، وأن أحاول التصرف على نحو طبيعي، وأن ألعب كرة القدم بصورة طبيعية. لا يمكن أن أشعر بالخوف إزاء كل ضربة أتلقاها. إنني أرغب في اللعب فقط، أرجوكم استأصلوا هذه الكلية من جسدي».
وأضاف ساؤول: «كان مونو بيرغوس مهماً للغاية بالنسبة لي. وقد قدم نحوي وقال: «يقول الطبيب إنك تتحدث عن استئصال كليتك. أنت في الـ22! عما تتحدث إذن؟ عليك التفكير بتروٍ».
وقال ساؤول: «في ذلك الوقت، كانت كرة القدم مستحوذة على تفكيري، ورأيت أن الأمر كله لا يعدو مجرد استئصال الكلى بحيث أتمكن من معاودة اللعب. وقلت لنفسي: إذا خسرت إحدى كليتي، فلا بأس في ذلك. لدي واحدة أخرى، لكن مونو أخبرني بتجربته الشخصية وما كابده ونظر في عيني وقال: «ساؤول، فكّر في حياتك». ورأيت في عينيه جدية بالغة، ولمحت المستقبل. وقال: ماذا لو تعرضت لمشكلة في الكلية الأخرى، لن يكون أمامك ملاذ حينها. وسنضطر لإعادة القسطرة إليك».
اليوم، تخلص ساؤول من القسطرة، لكن قال ضاحكاً: «في الواقع، لعبت بصورة جيدة للغاية بها». وبدا ساؤول أثناء جلوسه داخل ملعب «سيرو دي إسبينو» الخاص بتدريب أتلتيكو مدريد بصحة جيدة. إلا أنه خلال الفترات السابقة، ورغم كل الألم الذي كان يعانيه والدماء التي كان ينزفها، كان يبدو بصورة جيدة أيضاً ـ ربما بالصورة ذاتها التي يبدو عليها الآن. من ناحيته، قال مدربه دييغو سيموني: «يملك ساؤول جميع السمات التي تؤهله لأن يكون أفضل لاعب خط وسط على مستوى العالم، فهو يملك مهارات جيدة من حيث معدل الجهد واللمسات والقدرة الجيدة على التعامل مع الكرات العالية والتمرير والسرعة». من جهته، قال اللاعب: «ما لا يقتلك يزيدك قوة. بالنسبة لحالتي، لا أعتقد أن هذه مجرد عبارة نسمعها كثيراً، وإنما حقيقة». في الواقع، لطالما بدا ساؤول شخصية قوية تتمتع بقدر كبير من العزيمة والإصرار. كما أن ثمة هالة من الثقة تحيط به، بجانب أسلوبه المباشر الصريح. كما أنه يتمتع بعمق إدراكه حقيقة الأمور من حوله، فعلى سبيل المثال أدرك ساؤول منذ أمد بعيد أن كرة القدم ليست لطيفة طول الوقت. وقد أدرك هذا بمفرده ـ كان ساؤول قد انضم إلى ريال مدريد في سن الـ11، لكن رحل بعد عام بسبب المعاملة السيئة التي تعرض لها من جانب أقرانه الذين كانوا يسرقون ملابسه ويتعمدون خلق مشكلات بينه وبين المدربين.
وبدا ساؤول مستعداً لحياة كرة القدم أيضاً بفضل أسرته، فوالده جوزيه أنطونيو سبق له اللعب لحساب نادي ألش. كما شارك شقيقاه اللذان يكبرانه في لعب كرة القدم أيضاً، ذلك أن جوناثان (32 عاماً) لعب في صفوف نادي جامعة مرسية الذي يشارك في دوري الدرجة الثالثة بإسبانيا، بينما يلعب شقيقه آرون (28 عاماً) في صفوف ريال أوفيدو بدوري الدرجة الثانية. وأشار ساؤول إلى أن شقيقيه دائماً ما حرصا على تقديم النصح له، وأنه يشعر بامتنان بالغ تجاههما، وإن كانت قراراته في النهاية تصدر عنه وحده. وقال: «مثلاً، لم يرغب والدي في انتقالي إلى رايو فايكانو على سبيل الإعارة (في سن الـ19 عام 2013). كان شقيقي قد خاض تجربة الإعارة من قبل ولم يوفق؛ لذا شعر والدي بالقلق إزاء هذه الخطوة. وحذرني من أنه: «لن تعود إلى أتلتيكو مدريد، ووضعي كلاعب سيسوء. لكنني اتخذت قراري، ولم أكن خائفاً من أي شيء».
وأضاف ساؤول: «يكبرني آرون بخمس سنوات. لذا؛ عندما كنت في الرابعة كنت أشارك الأطفال في سن التاسعة اللعب، وأقاتل في مواجهتهم وأنافسهم. وقد ساعدني شقيقاي على ترسيخ أقدامي على الأرض، ومنحاني قدرا هائلا من النضوج. وقد رحلت عن المنزل في سن الـ11 وكنت مدركاً لأن هذا الأمر سيكون عصيباً. وكنت أعلم أنني سأتعرض للجوع أحياناً وسأفقد ملابسي أحياناً. كنت أدرك ما أنا مقبل عليه. إلا أن هذا الأمر كان أشد قسوة على شقيقَي لأنهما سبقاني إليه. أما بالنسبة لي، فلم يكن شاقاً لأني رأيته أمام عيني من قبل».
وعن شقيقه، قال ساؤول: «تحول آرون من كونه واحداً من أفضل لاعبي المنتخب الإسباني لأقل من 21 وأقل من 19 الذين يرتدون القميص رقم 10 إلى الاختفاء الكامل من على خريطة كرة القدم. وكان ذلك بسبب تعرضه لتمزق في أربطة الركبة. كانت مسيرته تبدو مشرقة تماماً، فقد كان يلعب في صفوف فالنسيا، بينما سعى برشلونة لضمه إليه، وكذلك تشيلسي. في الواقع، كان الجميع يسعى لضمه. كان كل شيء رائعاً، وفجأة لم يعد أحد يرغب فيه، وبدأوا ينظرون إليه على نحو مختلف. لقد اختفى. وبعد الإصابة، كنت أقوله له: «يجب أن تعود إلى مستواك الأفضل، آرون». وكان يجيبني: «إنني أشعر بالامتنان لمجرد قدرتي على الجري والهرولة وفعل أي شيء». وكنت أضغط عليه قائلاً: «يمكنك تقديم المزيد»، لكنه كان يقول: «نعم بمقدوري، لكن هذا يستغرق وقتاً». الواضح أن هذا الأمر أصبح ذهنياً أكثر منه بدنياً، فالكثير يدور داخل ذهن الإنسان في هذه الظروف».
ومرت الأيام، وتلقى ساؤول من والده العبارات ذاتها التي كان يلقيها هو على مسامع آرون. وعن هذا، قال: «أدرك مدى الحزن الذي يشعر به المرء عندما يتعرض لانتكاسة، وكيف يؤثر ذلك عليه. عندما أخوض مباراة سيئة، لا أكون الوحيد الذي يؤنب نفسه بقسوة لذلك، وإنما والدي أيضاً يفعل المثل. ويكرر عبارات مثل: «ساؤول، عليك الانتباه إلى لعب الكرة بهذه الطريقة. إذا كنت ترغب حقاً في أن تصبح اللاعب الأفضل، عليك أن تحول قدمك نحو الداخل». وبالفعل، ساعدني ذلك في الارتقاء بمستواي. ووضعت نصب عيني هدف أن أصبح أفضل لاعب خط وسط بالعالم. وأدرك جيداً أنني ربما لا أتمكن أبدأ من بلوغ هذا الهدف، لكن من خلال وضع هدف عظيم كهذا نصب عيني أقول لنفسي: «أود أن أكون الأفضل؛ لذا لا بد أن أصل لأفضل مستوى لدي. وبعد هذا، سأشعر بالرضا».
في الواقع، يتمتع ساؤول بالموهبة اللازمة لتحقيق هذا الهدف، وكذلك التوجه والمزاج العام للشخصية. وعن هذا، قال: «أريد خوض تحديات تشكل اختباراً حقيقياً لي، تحديات بالغة الصعوبة. وكانت لدي الرغبة ذاتها عندما كنت طفلاً: فعندما تلعب مع لاعبين في نفس سنك، لا يساعدك ذلك على تقديم أفضل ما لديك. داخل أتلتيكو مدريد، دائماً ما كنت ألعب في مواجهة لاعبين أكبر سناً، وأحياناً خارج المركز الذي ألفته. وكنت أستمر في مواجهتهم مرة بعد مرة حتى أنجح في التغلب عليهم. إن التجارب الصعبة تخلق داخلي شعوراً بالسعادة، فرغم أنها ربما تثير ضيق الإنسان، فإنها في الوقت ذاته تساعده على بلوغ النضج وتحسين قدراته. وكلما وصلت إلى المستوى التالي الأفضل بالنسبة لك بسرعة، طال أمد استمرارك فيه. وكثيراً ما يقول الناس إن اللاعبين يبلغون ذروة تألقهم في سن الـ28، لكنني أرغب في الوصول لهذه الذروة في سن 22 أو 23».
يذكر، أن ساؤول شارك بأول مباراة له في صفوف الفريق الأول في سن الـ17 و108 يوماً، وكان بإمكانه تحقيق ذلك في سن مبكرة عن هذا. وفي هذا الصدد، قال: «منذ سن صغيرة للغاية، أبدت أندية إنجليزية اهتمامها بي. كان فولهام يرغب في ضمي إليه عندما كنت في الـ15 وأشارك في صفوف ناشئي أتلتيكو مدريد، لم أكن أشارك حينها في مركزي المعتاد طيلة الوقت. كان مارك هيوز المدرب، وكنت على وشك الانتقال إلى فولهام بالفعل. ولاحت أمامي فرصة للمشاركة في الدوري الإنجليزي الممتاز في سن الـ16، وكانت الخطة حينها أن أتدرب لمدة ثلاثة شهور، ثم أشارك في اللعب. وكنت على استعداد لإجراء هذه القفزة، إلا أن الأمور لم تسر على النحو الذي كنت آمله. واليوم، أشعر بالسعادة لأنني بقيت في أتلتيكو. ورغم أن الأمر استغرق مني وقتاً أطول، فإنني في النهاية وصلت إلى ما أنا عليه اليوم».
من ناحية أخرى، كان مانشستر يونايتد أحد الأندية التي طالما تابعت ساؤول عندما كان في رايو فايكانو. ورغم تلقي ساؤول عروضاً ضخمة هذا الصيف ومن المؤكد أنه ستتبعها مزيد من العروض، فإنه يصر على أنه ليس في عجلة من أمره بالنسبة للرحيل والانتقال إلى ناد جديد. بعد رايو فايكانو، رغب سيميوني في انتقاله على سبيل الإعارة من جديد، لكن ساؤول أقنعه بخلاف ذلك. ومع بلوغه الـ22، شارك ساؤول في مباراة نهائي واحدة بدوري أبطال أوروبا، ويتطلع لخوض أخرى. وقد وقّع منذ وقت قريب عقداً جديداً يعتبره سيميوني بالغ الأهمية، في ظل أهداف أتلتيكو مدريد لزيادة قوة الفريق مع تدشين حقبة جديدة في تاريخه داخل الاستاد الجديد الذي يسع 68 ألف متفرج. ومع بداية يناير (كانون الثاني)، سيعود أيضا دييغو كوستا إلى أتلتيكو مقابل 57 مليون جنيه إسترليني، قادماً من تشيلسي.
وعن كوستا، قال ساؤول: «إنه متعطش للانتصارات، فهو يعشق الفوز بطبعه، وهذه سمة بالغة الأهمية. كما أنه شخص راضٍ ومتصالح مع ذاته، ويبث طاقة إيجابية في المجموعة المحيطة به ولا يستسلم أبداً. أحياناً تكون هناك كرة طويلة وتظن أنه لا أمل فيها، وفجأة يظهر ويقاتل للاستحواذ عليه. وإذا ما رأيته يقاتل من أجل كل شيء، سأرغب في التأكيد في القتال أنا الآخر. وسرعان ما تنتشر هذه الروح في صفوف الفريق بأكمله. سيكون من الرائع أن نقتنص لقبا كبيرا، بل ونحقق أفضل من ذلك هذا الموسم أو الموسم التالي عندما نخوض النهائي على أرض استاد واندا ميتروبوليتانو. إننا ندرك جيداً مدى صعوبة المهمة، ناهيك عن الفوز فيه، لكن يبقى هذا تحدياً رائعاً».
ساؤول نيغيز: عشقي لكرة القدم جعلني أنتصر على آلام الكلى
نجم أتلتيكو مدريد ومنتخب إسبانيا حارب للتغلب على المرض الذي كاد أن ينهي مشواره لاعباً
ساؤول نيغيز: عشقي لكرة القدم جعلني أنتصر على آلام الكلى
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة