دعوة إيرانية للتقارب مع مصر مغلفة بالانتقاد

القاهرة تتحفظ... وتشدد على تمسكها بأمن الخليج ورفض التدخلات

TT

دعوة إيرانية للتقارب مع مصر مغلفة بالانتقاد

وجهت الخارجية الإيرانية دعوة مُغلفة بالانتقاد إلى مصر لتطوير العلاقات المتوترة بين البلدين، وفيما تضمنت دعوة طهران انتقاداتٍ لسلوك القاهرة في هذا الملف، تفادت مصر التورط في ملاسنة، واكتفت بالتحفظ عن الرد أو مناقشة الأمر.
ودعا المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي في مؤتمر صحافي، أمس، الساسة المصريين إلى «تبني وجهات نظر جديدة تجاه القضايا الإقليمية وتفهم حقائق المجتمع الإيراني». وقال: «في حال الوصول إلى هذه المرحلة ستكون الأرضية متوفرة للمزيد من التفاهم والحوار الثنائي».
وأشار إلى «تاريخ مصر العريق، ومكانتها في العالم العربي، والمشتركات التي تربط الشعبين المصري والإيراني». غير أنه أضاف منتقداً أن «مصر وبسبب سياساتها الخاطئة فقدت دورها السابق، وحان الوقت كي تستعيد دورها، وتتبوأ مكانة أفضل في العالم، وتتحرك نحو حل المشاكل، وهي قادرة على لعب دور أكثر فاعلية في إرساء أسس الأمن والاستقرار في المنطقة».
في المقابل، اعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد أن تصريحات قاسمي «تثير علامات استفهام، خصوصاً ما يتعلق منها بمواقف مصر التاريخية تجاه منطقة الشرق الأوسط وعوامل الاستقرار فيها». وفي حين تجنب التعليق على الدعوة الإيرانية إلى مزيد من «التفاهم الثنائي»، شدد على أن «الحفاظ على الأمن القومي العربي واستقرار الدول العربية وسلامتها، لا سيما دول الخليج، هو ركيزة أساسية من ركائز استقرار المنطقة». وأكد أن «مصر دائماً وأبداً تعتبر استقرار الشرق الأوسط أحد أهم أهداف سياستها الخارجية».
ولفت أبو زيد إلى «دعوة مصر الدائمة إلى ضرورة احترام مبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وعلاقات حسن الجوار، والحفاظ على تماسك الدولة الوطنية، ونبذ الطائفية، ومكافحة أشكال الإرهاب والتطرف كافة، وكلها تصب في أهداف دعم استقرار الشرق الأوسط والعالم العربي والتعايش السلمي بين شعوب المنطقة، على أساس الاحترام المتبادل وتحقيق المصالح المشتركة».
وشهدت العلاقات المصرية ـ الإيرانية توتراً منذ عقد السبعينات من القرن الماضي، في أعقاب إطاحة الثورة الإيرانية حكم الشاه رضا بهلوي الذي استضافه الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، ثم تفاقم الشقاق في أعقاب إبرام القاهرة معاهدة السلام مع إسرائيل في عام 1979.
ولم يشهد الملف تطوراً يُذكر طوال 30 عاماً من حكم الرئيس السابق حسني مبارك، باستثناء لقاء جمعه مع الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي في جنيف على هامش قمة للمعلومات عام 2003، واستقباله رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني في عام 2009. وكان الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي أول رئيس يزور طهران في 2012، ثم حضر الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد إلى القاهرة في 2013، لكن التوتر في علاقات البلدين لم يتراجع.
وبدا أن مصر تريد أن تظل العلاقات بين البلدين تراوح مكانها الراهن، وحين سُئل وزير الخارجية المصري سامح شكري، في مقابلة مع جريدة «الوطن» المصرية نُشرت أول من أمس، عن تطور العلاقات مع طهران، أجاب: «على ما هي عليه»، رافضاً وصفها بأنها «تباعدت». وكرر: «على ما هي عليه». ونفى أن تكون زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى القاهرة، قبل أسبوع، تضمنت حديثاً عن وساطة مع إيران.
وقال الباحث في الشأن الإيراني بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، محمد عباس ناجي، إن تصريحات الناطق باسم الخارجية الإيرانية تتضمن «فرض شروط مسبقة قبل الوصول لتفاهمات مع مصر، أضيف إليها انتقادات للقاهرة، يمكن تفسيرها بموقف إيران الرافض لدور قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، الذي تعد القاهرة أحد أعضائه البارزين».
وأضاف ناجي لـ«الشرق الأوسط» أن «تطوير العلاقات بين البلدين غير مطروح على أجندة السياسة المصرية في الوقت الراهن، خصوصاً في ظل استمرار تدخل إيران في الشأن الخليجي، الذي يعد أحد ثوابت الأمن القومي المصري، فضلاً عن تورط طهران في عرقلة التسوية السياسية في سوريا، ودعم قطر».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».