ملامح الفن والثقافة العربية في المثلث الذهبي

صقلية كانت قِبلة للمثقفين العرب بكل أديانهم وطوائفهم

ملامح الفن والثقافة العربية في المثلث الذهبي
TT

ملامح الفن والثقافة العربية في المثلث الذهبي

ملامح الفن والثقافة العربية في المثلث الذهبي

على الرغم من أهمية كتاب «العرب وصقليّة: ملامح الفن والثقافة» الصادر عن دائرة الثقافة بالشارقة للفنان والناقد التشكيلي موسى الخميسي فإنه يعاني من بعض الإشكالات المنهجية في التأليف مثل التوطئة، والهدف من البحث، والنتائج المستخلصة من الدراسة. ويبدو أن الخميسي قد اكتفى بالمقدمة الشيّقة التي كتبها الفنان منير العبيدي من دون أن يردفها بمقدمة المؤلف التي تكشف للقارئ عن ثلاثة معطيات أساسية لا غنى عنها وهي: الهدف من كتابة هذا البحث، والطرق التي اتبّعها في مقارباته البحثية، والنتائج المُستخلصة التي توصّل إليها المؤلف في نهاية بحثه الذي عزّزه بعشرات المصادر والمراجع والإحالات المهمة التي أغنت متن البحث على الصعيدين الثقافي والفني على وجه التحديد.
كما تجدر الإشارة إلى أن توطئة الكاتب قد جاءت في نهاية الفصل الأول من البحث متداخلةً مع مادته التي تتحدّث على تاريخ صقلية، خلافاً للتقليد المتبّع في أن يتصدر هذا المُوجز المكثّف فصول الكتاب برمتها لأنه يعطي فكرة عامة عن كل فصل على انفراد، كما يزوِّد القارئ برؤية الباحث لثيماته الرئيسية والفرعية التي يعالجها على مدار الفصول الستة التي تتقصى وجود العرب في صقليّة منذ عام 827 حتى عام 1091م، وتتلمّس بعمق أشدّ ملامح الفن والثقافة على مدى 264 سنة كمرحلة أولى، وما تلاها من قرون لاحقة لم تغب فيها شواهد ومؤثرات الثقافة العربية والإسلامية وفنونها المتعددة التي ظل بعضها شاخصاً حتى الوقت الراهن.
أطلق العرب على جزيرة صقليّة اسم «المثلث الذهبي» واتخذوا من مدينة باليرمو عاصمة لهم بدلاً من سرقوسه. زار الجزيرة الرحّالة والجغرافي المشرقي ابن حوقل، ووصف أسواقها، وحاراتها، ومساجدها التي جاوزت الثلثمائة مسجد. إنّ ما يهمنا في هذا الفصل هو «العنصر الصقلي» كما نراه اليوم «هو عبارة عن مزيج من شعوب الشرق بين يونانيين وكنعانيين وعرب وبربر ولا تينيين وجرمانيين حيث يبلغ عدد سكّان الجزيرة أكثر من ستة ملايين نسمة يتكلمون نوعاً من اللغة الطليانية المحرّفة التي تحمل أكثر من 1500 كلمة عربية» (ص25). ومثلما تمازجت الأعراق والشعوب ببعضها بعضاً تلاقحت الحضارات القديمة الإغريقية والرومانية والبيزنطية التي استوعبها العرب لينجزوا في خاتمة المطاف «فناً مهجناً» ظل قائماً حتى القرن الثامن عشر. لم يقتصر تأثير الفن العربي والإسلامي على صقليّة وبعض المدن الإيطالية مثل فلورنسا والبندقية وإنما امتدّ إلى فرنسا وإنجلترا، لكن حُكْم العرب لم يدم إذ انتزع النورمان السيادة منهم وعاملوهم معاملة حسنة لم تستمر طويلاً إثر النزوح اللومباردي من الشمال الإيطالي حيث ارتكبت بحقهم المجازر، الأمر الذي أجبر بعضهم على الهجرة لكن البعض الآخر ظل متشبثاً بهذه الجزيرة. تُرى، ماذا حلّ بهؤلاء المسلمين؟ هل ضيعوا فجأة ملامح شخصيتهم العربية والإسلامية وذابوا في المجتمع الجديد؟ أم دافعوا عن وجودهم في بلدٍ باتت تُحاصرهم فيه مختلف أشكال العنف والنبذ والكراهية؟
يتتبع الباحث في الفصل الثاني الفنون التشكيلية العربية في صقلية التي تعرضت للمسخ والتدمير على أيدي الرهبان الكبار الذين جاءوا مع روجر الأول ولم يبقَ منها إلاّ النزر القليل على جدران بعض الكاتدرائيات، وبقايا القصور، والقلاع، والمتاحف المحلية. وبما أنّ الخميسي هو فنان وناقد تشكيلي قبل كل شيء فليس غريباً أن يقارن بين ما يرسمه الفنان الصقلي بالفنان البغدادي في العراق أو الفاطمي في مصر، فقد ابتعد الفنان البغدادي عن التطابق مع الطبيعة مهملاً مراعاة النسب التشريحية، الأمر الذي أفضى إلى لوحة مسطّحة لا عمق لها بعكس الفنان الصقلي الذي كان يراعي النسب المتوازنة ما عدا القدمين حيث يرسمهما صغيرتين قياساً ببقية أعضاء الجسد. الالتقاطة النقدية الأخرى التي يقدّمها الخميسي في هذا الصدد هي أن الفنان الصقلي، المتأثر بالمدرسة البيزنطية، مُولع بتجسيد الانفعالات النفسية عاكساً حالات الفرح أو الحزن، والغضب أو الاسترخاء على وجوه الشخصيات المرسومة، خلافاً للفنان البغدادي أو الفاطمي اللذين يرسمان وجوهاً جامدة تكاد تخلو من الانفعالات والمشاعر الداخلية.
يرجّح الخميسي أن تكون الأعمال الفنية الفسيفسائية في قصر باليرمو من إنجاز فنانين عراقيين، معتمداً في ذلك على خلفيات اللون الواحد الذي كان سائداً في مدينة الموصل آنذاك. امتدّ تأثير الفن العربي والإسلامي حتى إلى رداء الملك الذي زيّنته عبارات مكتوبة بالخط الكوفي الصقلي مقل «أبقاه الله» و«جعل الله أيامكَ ولياليكَ مباهجَ متصلة» (ص95).
ينوّه الخميسي في هذا الفصل وفي مواضع أخرى من الكتاب بأن التأثير العربي في الجزيرة ليس إسلامياً فقط وإنما هناك فنانون ومعماريون وشعراء من ديانات أخر مثل المسيحية واليهودية والصابئة المندائية لديهم مساهمات جديّة لا تقل أهمية عن أقرانهم المسلمين وينبغي ألا يُغمط حقهم في الأبحاث والدراسات الأدبية والفنية والتاريخية.
يتناول الخميسي في الفصلين الثالث والرابع شعراء صقلية العرب الذين دبّجوا أشعارهم بحبر المدرسة العباسية، واستلهموا روحها حتى صارت الجزيرة قِبلة للمثقفين العرب بكل أديانهم وطوائفهم، فقد هاجر عدد غير قليل من علماء اللغة والفقه إلى صقلية أمثال النحوي والشاعر القرطبي موسى ابن أصبغ، والعالم اللغوي سعيد بن فتحون، والحسن بن رشيق القيرواني وغيرهم الكثير.
ثمة أفكار جديرة بالمناقشة في هذا الفصل من بينها شيوع الأراجيز أو القصائد الروائية التي تتمحور على المعارك، وغزو المدن، والفتوحات الإسلامية. كما يرصد أوجه التشابه بين قصائد عمر بن الفارض وأشعار بترارك، رغم أن نزعة الأول صوفية بينما كانت مضامين بترارك دنيوية بحتة. كان الشعراء العرب في صقلية حداثيين متتبعين خطى المجدد أبي نواس ومستلهمين روح العصر حتى أن المستشرق الإيطالي غابرييلي قال عنهم: «إن شعراء صقلية العرب نَحوا منحى الشعراء العباسيين وترسموا خطاهم» (ص146). ذلك لأن أشعارهم رجّحت المخيّلة على العقل، والطبع على الصنعة.
أورد الخميسي في الفصل الرابع نماذج شعرية لعشرين شاعراً أبرزهم ابن حمديس الصقلي الملقب بشاعر الغربة والحنين، إضافة إلى شعراء آخرين لما تزل قصائدهم حيّة في ذاكرة محبّي الشعر العربي ومريديه.
يتمحور الفصل الخامس على سمات الفن العربي في صقلية الذي يتجلى في العمارة والزخارف والمخطوطات، لكن الباحث يركِّز على العمارة بوصفها أبرز المعالم الإبداعية دون أن يقلل ذلك من أهمية الفنون الأخرى مثل الرسوم الجدارية، والمنمنمات، والخزف، والسيراميك، والمخطوطات، وما إلى ذلك. وقد نبّه الباحث إلى تأثر بعض فناني عصر النهضة أمثال جيوتو وميساجو بكثير من المظاهر المعمارية والزخرفية للفن العربي التي أدخلوها في سياق أعمالهم الفنية. كما توقف الباحث أمام بعض القصور التي بنيت آنذاك مثل قصر القبّة، والمنصورية، والفوّارة.
يقتصر الفصل السادس والأخيرة على دراسة مفصلة لثلاثة معالم عربية وهي «إمارة باري»، ومدينة «لوتشيرة الإيطالية»، و«معبد مونرياله». ويبدو أنّ ما حلّ بالمورسيكيين في الأندلس قد وقع لأشقائهم في صقلية فثمة أوجه شبه كثيرة بين المدينتين اللتين كانتا بمثابة بوابتين تفضيان إلى القارة الأوروبية لكن ما حصل في صقلية أن فردريك الثاني قام باجتثاث 60 ألف عربي ووطّنهم بعيداً عن أراضيهم وأن البابا إنوسانت الثالث قد أمر بتنصيرهم قسرياً، الأمر الذي أفضى إلى ذوبانهم في المجتمع الصقلي.



العثور على مبلّغ عن مخالفات «أوبن إيه آي» ميتاً في شقته

شعار شركة «أوبن إيه آي»  (رويترز)
شعار شركة «أوبن إيه آي» (رويترز)
TT

العثور على مبلّغ عن مخالفات «أوبن إيه آي» ميتاً في شقته

شعار شركة «أوبن إيه آي»  (رويترز)
شعار شركة «أوبن إيه آي» (رويترز)

تم العثور على أحد المبلِّغين عن مخالفات شركة «أوبن إيه آي» ميتاً في شقته بسان فرانسيسكو.

ووفقاً لشبكة «سي إن بي سي»، فقد أمضى الباحث سوشير بالاجي (26 عاماً)، 4 سنوات في العمل لدى شركة الذكاء الاصطناعي حتى وقت سابق من هذا العام، عندما أثار علناً مخاوف من أن الشركة انتهكت قانون حقوق النشر الأميركي.

وتم العثور على بالاجي ميتاً في شقته بشارع بوكانان سان فرانسيسكو بعد ظهر يوم 26 نوفمبر (تشرين الثاني).

وقالت الشرطة إنها لم تكتشف «أي دليل على وجود جريمة» في تحقيقاتها الأولية.

ومن جهته، قال ديفيد سيرانو سويل، المدير التنفيذي لمكتب كبير الأطباء الشرعيين في سان فرانسيسكو، لشبكة «سي إن بي سي»: «لقد تم تحديد طريقة الوفاة على أنها انتحار». وأكدت «أوبن إيه آي» وفاة بالاجي.

وقال متحدث باسم الشركة: «لقد صُدِمنا لمعرفة هذه الأخبار الحزينة للغاية اليوم، وقلوبنا مع أحباء بالاجي خلال هذا الوقت العصيب».

وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد نشرت قصة عن مخاوف بالاجي بشأن «أوبن إيه آي» في أكتوبر (تشرين الأول)؛ حيث قال للصحيفة في ذلك الوقت: «إذا كان أي شخص يؤمن بما أومن به، فسيغادر الشركة بكل تأكيد».

وقال للصحيفة إن «تشات جي بي تي» وروبوتات الدردشة المماثلة الأخرى ستجعل من المستحيل على العديد من الأشخاص والمنظمات البقاء والاستمرار في العمل، إذا تم استخدام محتواها لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي.

وواجهت «أوبن إيه آي» عدة دعاوى قضائية تتعلَّق باستخدامها محتوى من منشورات وكتب مختلفة لتدريب نماذجها اللغوية الكبيرة، دون إذن صريح أو تعويض مالي مناسب، فيما اعتبره البعض انتهاكاً لقانون حقوق النشر الأميركي.