قبل أن يتعرض للطرد بفترة طويلة، تعرض المدير الفني رونالد كومان لانتقادات داخل «إيفرتون» تتهمه بأنه ينظر إلى النادي باعتباره مجرد نقطة انطلاق نحو ناد آخر. من جهته، أشار قائد فريق «إيفرتون» السابق، الويلزي كيفين راتكليف بعد إقالة المدرب الهولندي إلى أن كومان «كان يشير إلينا باستخدام اسم (إيفرتون)، بدلاً عن الحديث بضمير (نحن)».
جدير بالذكر أن طموح كومان النهائي تمثل في تولي تدريب «برشلونة»، حسبما ذكر بوضوح منذ اتخاذه خطواته الأولى بمجال التدريب عام 2000 عندما تولى مهمة تدريب نادي «فيتيس الهولندي». ربما يبدو هذا الطموح سخيفاً ومضحكاً الآن مع مغادرته ملعب «غوديسون بارك» في أعقاب محنة غير مسبوقة عايشها مع «إيفرتون» داخل منطقة الهبوط.
وربما الآن أصبح سجل كومان مفعماً بالإخفاقات والخيبات على نحو يجعل من المتعذر أن ينظر إليه «برشلونة» بجدية كمرشح لتولي تدريب الفريق. ومع هذا، تظل الحقيقة أنه في يوم من الأيام كان من المنافسين بقوة على هذا المنصب، وربما يفلح في استعادة هذه المكانة مرة أخرى، خصوصا أنه يتمتع بالإرث المناسب، الأمر الذي ربما يشكل في حد ذاته جزءاً من المشكلة.
خلال سنواته كلاعب، شارك كومان في صفوف «خرونينغن الهولندي»، لكن انتقل إلى «أياكس» عندما كان في الـ20 من عمره. الحقيقة أن خطوة الانتقال تلك بدت حتمية منذ فترة طويلة، ذلك أن كومان بدا دوماً لاعباً في صفوف «أياكس»، فقد كان يتحدث على نحو يشبه لاعبي النادي ويلعب على النحو المميز لهم. وقد كان مدافعاً يتمتع بقدرة على تمرير الكرة أفضل بكثير عن استعادة الاستحواذ عليها. والواضح أن «أياكس» شكل المدرسة الكروية التي استقى إلهامه منها. وقد تعززت أفكاره المتعلقة بكرة القدم بعدما انضم في أعقاب فترة حقق خلالها نجاحاً مبهراً في صفوف «آيندهوفن»، إلى يوهان كرويف مجدداً داخل «برشلونة». ورغم التوجه البرغماتي الذي لطالما تميز به كومان، ليس هناك أدنى شك في ميوله الفلسفية.
في هذا الصدد، قال المهاجم الهولندي ريان بابل الذي شارك في المباراة الأولى في مسيرته الكروية تحت قيادة كومان في «أياكس» عام 2004: «كان يجسد إلى حد كبير النموذج المميز لـ(أياكس)، فهو يعتمد على أسلوب لعب 4 - 3 - 3 ولاعبي جناح وتمريرات على الأرض وكثير من الحركة والكثير من تغيير المراكز». الملاحظ أنه على امتداد العقد الماضي أصبح هذا الأسلوب مهيمناً على كرة القدم الأوروبية ـ وإن كان نبع بمعدل أكبر من «برشلونة» منه عن «أياكس».
ومن السهل تفهم السبب وراء تركز طموحات كومان على «كامب نو»، ذلك أنه قبل أي شيء اتخذ خطواته الأولى بمجال التدريب داخل «برشلونة»، عندما عمل مساعدا للهولندي الآخر لويس فان غال. في ذلك الوقت، كان جوسيب غوارديولا ولويس إنريكي في الفريق، بينما كان جوزيه مورينيو مشاركاً في فريق التدريب. في وقت لاحق، طرأ تحولاً راديكالياً على أسلوب مورينيو دفع به بعيداً عن الأسلوب المميز لـ«برشلونة» ويبدو بصورة ما أكثر تماشيا مع حقبة ما بعد كرويف عن آخرين أمثال ماوريسيو بوكيتينو مدرب توتنهام ويورغن كلوب مدرب ليفربول ودييغو سيميوني مدرب أتليتكو مدريد، الذين يتعاملون مع كرة القدم انطلاقاً من خلفيات مختلفة تماماً.
وتكمن مشكلة المنتمين لحقبة ما بعد كرويف فيما يواجهونه عندما ينتقلون إلى ناد لا يتبع مدرسة «أياكس» الكروية. من جانبه، تمتع فان غال بقوة الشخصية الكافية لتحويل أسلوب «برشلونة» إلى الصورة التي يرغبها، الأمر الذي مهد الطريق أمام غوارديولا، لكن حتى هناك كان يتعامل مع ناد لا يزال بمقدوره تذكر أسلوب «الكرة الشاملة» الذي مارسه في سبعينات القرن الماضي. في المقابل، فإن آخرين حققوا نجاحاً أدنى بكثير.
وهنا، ربما يجسد فرنك دي بوير النموذج الأبرز على هذا الصعيد: فقد فاز بأربع بطولات للدوري مع «أياكس»، وبلغ إجمالي ما خاضه مع «إنتر ميلان» و«كريستال بالاس» 19 مباراة. أما فرنك ريكارد فيتميز بسجل استثنائي، فبعد أن خسر المنتخب الهولندي تحت قيادته وعلى أرضه بركلات الترجيح خلال مباراة دور قبل النهائي في بطولة «يورو 2000»، قاد «سبارتا روتردام» لأول هبوط في تاريخ النادي وكان في طريقه لتولي تدريب جزر الأنتيل الهولندية عندما تلقى عرضاً لتدريب «برشلونة».
وهناك، وفي قلب أسلوب كروي مألوف له، فاز ببطولة الدوري مرتين وبطولة دوري أبطال أوروبا. بعد ذلك، تولى تدريب «غلطة سراي» والمنتخب السعودي، لكنه حقق نجاحاً أقل معهما. وبالمثل، مر لويس إنريكي بعام مخيب للآمال مع «روما» وعام آخر متوسط مع «سيلتا فيغو» قبل أن يتولى تدريب «برشلونة» ويقوده للفوز ببطولة الدوري مرتين وبطولة «دوري أبطال أوروبا» مرة واحدة.
الواضح أن المدربين المنتمين لحقبة ما بعد كرويف يقدمون أفضل أداء لديهم داخل الأندية التي تعايش هي ذاتها حقبة ما بعد كرويف. والمعروف بوجه عام أن المدربين المختلفين يتسمون بسمات متباينة تجعلهم يزدهرون في مواقف مختلفة. ولا تعني مسألة إخفاق مدرب مع نادي ما بالضرورة أنه ليس باستطاعته النجاح مع ناد آخر قد يكون أكثر توافقاً مع رؤيته. وبالمثل، فإن نجاح مدرب مع ناد ما لا يضمن بالضرورة إمكانية محاكاة هذه التجربة داخل ناد آخر. واللافت هنا أنه على امتداد تاريخ كرة القدم الإنجليزية، لم يفلح سوى أربعة مدربين في الفوز ببطولة الدوري مع ناديين مختلفين.
من زاوية ما، لا يمكن الاعتماد على إخفاق كومان مع «إيفرتون» باعتباره مؤشراً على الأداء الذي كان ليحققه مع «برشلونة». ومع هذا، فإن الإخفاقات تتراكم، ولا بد أن ذلك سيكون له تأثير في نهاية المطاف. وليس من قبيل المصادفة أن كومان بدا في أفضل حالاته على الإطلاق كمدرب داخل «أياكس» عندما فازوا بالدوري عام 2004. في هذا الصدد، من الواضح أن مسيرته المهنية لم تتعاف تماماً بعد من الكرة التي تداخل خلالها زلاتان إبراهيموفيتش مع زميله في «أياكس» رافاييل فان دير فارت أثناء مباراة ودية بين السويد وهولندا في أغسطس (آب) 2004.
بسبب هذا التداخل، أصيب فان دير فارت وألقي باللوم عن ذلك على إبراهيموفيتش، الأمر الذي أثار انقسامات داخل غرفة تبديل الملابس وخلق المزيد من الضغوط على علاقة كومان المتوترة بالفعل مع مدير شؤون الكرة بالنادي، فان غال. نهاية الأمر، جرى بيع إبراهيموفيتش لـ«يوفنتوس» خلال حالة الفوضى التي أعقبت ذلك، ومع غياب المهاجم أصيب «أياكس» بحالة انهيار. وفي فبراير (شباط) التالي، استقال كومان. ورغم فوزه بالدوري مع «آيندهوفن» بعد عامين، بدا الأمر وكأنه يبحث عن «أياكس» جديد منذ ذلك الحين.
وأبدى كومان خيبة أمله إزاء إقالته من منصب المدير الفني لفريق إيفرتون. وكان إيفرتون قد أعلن إقالة كومان بسبب سوء نتائج الفريق، وتراجعه إلى المراكز الثلاثة الأخيرة بجدول الدوري الإنجليزي الممتاز بعد تسع مراحل من بداية الموسم، حيث لم يحقق سوى انتصارين.
وقال كومان عبر حسابه الرسمي بموقع شبكة التواصل الاجتماعي «تويتر» بعد الإقالة إنه يود التقدم بالشكر لمالك النادي بيل كينرايت ومجلس الإدارة على دعمهما له. وأضاف: «بالطبع أشعر بخيبة أمل الآن، ولكنني أتمنى للفريق كل النجاح في المستقبل». وتضم قائمة المرشحين لخلافة كومان في تدريب الفريق بصفة دائمة، ديفيد مويز المدرب الأسبق لإيفرتون وسين دايتش المدير الفني لفريق بيرنلي.
ولم يخف ديفيد أنسورث المدرب المؤقت لإيفرتون رغبته في تولي تدريب قيادة الفريق الأول بشكل دائم لكنه يدرك أن السبيل الوحيد لتحقيق ذلك هو إعادة التشكيلة لطريق الانتصارات. وقال أنسورث (44 عاما) الذي خاض 314 مباراة مع إيفرتون: «لا يهم عدد المباريات. سأقف في فخر وسأقدم كل ما لدي». وأضاف المدافع السابق أن كومان دفع ثمن الفشل في تحقيق الفوز.
وأضاف أنسورث «الحد الأدنى لأي مدرب عندما يفقد منصبه يكون هو السؤال عما إذا كان قد فاز بعدد كبير من المباريات لكن ولسوء الحظ فإن الفريق في مركز يدفع للقول لا...لم نحقق أهدافنا». وأشار أنسورث، الذي تولى منصب المدرب المؤقت في آخر مباراة للفريق في موسم 2015 - 2016 عقب إقالة روبرتو مارتينيز، إلى أنه لا يشعر بأي وخز للضمير لتولي المسؤولية بشكل مؤقت للمرة الثانية. وقال: «كان القرار في غاية السهولة... ليس بالقرار الصعب على الإطلاق أن تتولى تدريب إيفرتون. إذا كنت تنتمي لإيفرتون فإن هذا سيجعلك تشعر بالفخر».
وأضاف: «سأكرر ما قلته في آخر مرة كنت أتولى فيها المسؤولية هنا قبل 18 شهرا. من الذي لا يود شغل هذا المنصب؟»، وتابع: «إنه منصب كبير لأي مدرب كرة قدم بما في ذلك أنا شخصيا... وهي فرصة لخوض سلسلة من المباريات يتم فيها الارتقاء بالمستوى مع تحقيق بعض الانتصارات أيضا». واستطرد «أريد أن أدرب هذا الفريق الرائع وأن أكون مدربه. أعتقد أن الوقت سيثبت ذلك. لا أخفي سرا عندما أعلنها بهذا الشكل».
وبدا في وقت من الأوقات أن الموسم الحالي سيشهد دخول إيفرتون بين الستة الأوائل في الدوري الإنجليزي الممتاز تحت قيادة كومان لكن الفريق بات قابعا في المركز 18 بعد تسع جولات ليغادر المدرب الهولندي من الباب الخلفي.
وبعد الإنفاق الضخم لضم لاعبين جدد في فترة الانتقالات الصيفية ارتفع سقف طموح إيفرتون لكن العروض كانت محبطة مما استدعى رحيل كومان رغم أن الهدف كان تكرار ما فعله في الموسم الماضي على الأقل باحتلال المركز السابع. وخسر إيفرتون 5 - 2 من آرسنال بعد هزيمة بملعبه 2 - 1 أمام ليون في الدوري الأوروبي. وربما كان يمكن تجاوز الهزيمتين لو لم يخسر فريق كومان قبلها وبشكل مخيب بملعبه 1 - صفر من بيرنلي كما شهد شهر سبتمبر (أيلول) الماضي الخسارة 3 - صفر مرتين من توتنهام ومن أتلانتا الإيطالي وهزيمة ساحقة 4 - صفر من مانشستر يونايتد.
ولم يتطور إيفرتون هذا الموسم بل اتخذ خطوات للخلف. وانضم كومان إلى إيفرتون في 2016 بعدما قاد ساوثهامبتون للمركزين السابع والسادس خلال عامين مع الفريق. وقبل وصوله إلى إنجلترا أنهى كومان الدوري الهولندي ضمن الثلاثة الأوائل في كل مواسمه الثلاثة مع فينورد وسبق أن توج باللقب مع أياكس وآيندهوفن.
وكان التعثر الأكبر في سجل المدرب البالغ عمره 54 عاما عندما قضى فترة قصيرة مع فالنسيا تضمنت 22 مباراة وترك الفريق في المركز 16 بالدوري الإسباني. وكان كومان خيارا ممتازا لإيفرتون الساعي للتقدم وذلك بسبب التاريخ الطويل للمدرب الهولندي إضافة لخبراته في تصعيد مواهب شابة في ظل وجود لاعبين واعدين يمتلكون الموهبة في الجيل الحالي. وأنفق النادي 149 مليون جنيه إسترليني (197 مليون دولار) في فترة الانتقالات الأخيرة كما باع هدافه روميلو لوكاكو إلى مانشستر يونايتد مقابل 75 مليون لكن المدرب الهولندي عجز عن تكرار الانطلاقة القوية التي حققها موسمه الأول.
ولم يوجه إيفرتون أمواله بشكل مباشر لتعويض لوكاكو الذي أثبت جدارته بتسجيل نحو 20 هدفا في كل موسم وفضل النادي توزيع المبالغ لضم تسعة لاعبين جدد. وتجلت الأخطاء التي ارتكبها الفريق في فترة الانتقالات خلال هزيمة فادحة أمام آرسنال في وجود لاعبي الوسط المهاجمين جيلفي سيغوردسون ونيكولا فلاسيتش ووين روني بينما كان إدريسا غايي، الذي طرد في الشوط الثاني، الوحيد القادر على تأدية أدوار دفاعية في وسط الملعب.
وكان المهاجم الشاب دومينيك كالفيرت - ليوين المعني بقيادة الهجوم بمفرده وهو ما لا يناسب لاعبا يبلغ من العمر 20 عاما ولا يزال في مرحلة التطور. وظل الوافد الجديد داني كلاسن، لاعب الوسط القادم من أياكس في الصيف الماضي مقابل 24 مليون جنيه إسترليني، على مقاعد البدلاء بعد فشله في إقناع المدرب حتى الآن. ويواجه إيفرتون تحديا صعبا باختيار الشخصية القادرة على قيادة التشكيلة واستبعاد اللاعبين غير المرغوب فيهم وسد الفراغات لكي يخرج على الأقل من منطقة الهبوط.
كومان... مدرب راودته أحلام تدريب برشلونة قبل أن يخرج مطروداً من إيفرتون
قصة النادي تحت قيادة المدرب الهولندي تكشف نقائص حقبة ما بعد كرويف
كومان... مدرب راودته أحلام تدريب برشلونة قبل أن يخرج مطروداً من إيفرتون
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة