أعد برنامج لقاءات حافل للرئيس المصري عبد الفتاح السياسي في زيارته الرسمية إلى فرنسا التي بدأت أمس وتدوم ثلاثة أيام، وهي الأولى منذ وصول الرئيس إيمانويل ماكرون إلى قصر الإليزيه في شهر مايو (أيار) الماضي والثالثة منذ تسلم السيسي الرئاسة. ويلتقي الرئيسان ظهر اليوم في إطار غداء عمل سيتيح لهما تبادل وجهات النظر في مواضيع الحرب على الإرهاب والحرب في سوريا والعراق وتطورات الوضع الليبي والملف الفلسطيني، وصولاً إلى قضايا التعاون الثنائي ومجالاته المتعددة كالتعاون الدفاعي ومشاريع المشتريات المصرية من فرنسا والشراكة الاقتصادية والاستثمارات.
ويدل تشكيل الوفد المصري الذي يضم إلى الرئيس وزراء الخارجية والتجارة والصناعة والمالية والتخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري والنقل ورئيس جهاز المخابرات العامة، فضلا عن المستشارين، على اهتمامات الطرفين ومحاور النقاش التي يبغيان التشاور وإحراز تقدم بشأنها.
وللقاء السيسي وماكرون أهمية خاصة في هذه المرحلة، فحالة الطوارئ قائمة في البلدين بسبب التهديدات الإرهابية. وباريس كما القاهرة تعتبر أن الحرب على الإرهاب «أولوية قصوى» بالنسبة إليها. وقالت مصادر فرنسية رسمية لـ«الشرق الأوسط» أمس إن باريس تعوّل على المؤتمر الذي تنوي استضافته قبل نهاية العام عن الإرهاب وتمويله، والذي سبق لماكرون أن أعلن انعقاده في كلمته للسلك الدبلوماسي الفرنسي نهاية أغسطس (آب) الماضي، من أجل «تجفيف الموارد للتنظيمات الإرهابية». وأشارت إلى أن باريس والقاهرة «قلقتان من تجذر داعش وتنظيمات إرهابية أخرى في ليبيا».
وتتخوف فرنسا من أن تدفع الهزائم العسكرية التي تصيب «داعش» في سوريا والعراق مقاتليه إلى الانتقال إلى أماكن أخرى أو سعيهم للعودة إلى البلدان التي انطلقوا منها. وتتطابق هذه المخاوف مع قلق القاهرة التي تعتبر أن العمليات الإرهابية التي ضربت قواتها في الصحراء الغربية جاءت نتيجة تسلل إرهابيين من ليبيا.
وفيما يخص ليبيا نفسها، فإن المشاورات بين ماكرون والسيسي ستكون مهمة لأنها ستوفر الفرصة للطرفين لتقويم ما توصلت إليه الجهود التي يبذلها الممثل الخاص للأمم المتحدة عقب اختتام الجولة الأخيرة من المفاوضات في تونس بحضور الأطراف الليبية، وما يمكن أن تقوم به باريس والقاهرة للدفع باتجاه تسوية سياسية. وسبق لماكرون أن نجح في جمع قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر ورئيس حكومة الوفاق فائز السراج، وحملهما على قبول «خريطة طريق» للخروج من الأزمة. وبحسب المصادر الفرنسية، فإن باريس «تعوّل على القاهرة لتليين مواقف حفتر وتسهيل إحراز تقدم على طريق التسوية السياسية».
ويأتي الملف السوري - العراقي والحرب على «داعش» وتتماتها التي يشهدها البلدان، بمعنى ما، امتداداً للملف الأول. ومن المنتظر أن يعرض ماكرون ما آلت إليه الخطة الفرنسية الداعية إلى تشكيل «مجموعة اتصال» تكون داعمة لجهود المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا لدى استئناف مفاوضات جنيف. ومن جانبه، سيستمع الرئيس الفرنسي إلى المقاربة المصرية للملف السوري بالنظر إلى المشاورات الوثيقة القائمة بين القاهرة وموسكو وعلاقات الأولى بعدد من مجموعات المعارضة السورية.
كذلك سيحتل الملف العراقي وما آل إليه الوضع في كردستان حيزاً من المحادثات، إذ زار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي القاهرة بعد الرياض كما أن ماكرون استقبله الأسبوع الماضي في باريس. واعتبرت مصادر دبلوماسية فرنسية أن رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني «ارتكب خطأ كبيراً» بالسير في موضوع الاستفتاء «رغم النصائح التي نقلت إليه» ومنها نصائح باريس التي تقيم منذ سنوات طويلة علاقات قوية مع الإقليم.
وفي الملف الفلسطيني، ينتظر أن يعرض الرئيس السيسي اتفاق المصالحة الذي رعته القاهرة بين حركتي «فتح» و«حماس» وردود الفعل التي أثارها ويثيرها في إسرائيل وواشنطن وعواصم أخرى. وكانت باريس رحبت بالاتفاق. ومن المنتظر أن يزورها الرئيس الفلسطيني محمود عباس قريباً جداً.
وبالنظر إلى البرنامج الحافل الذي أعد للرئيس السيسي في باريس، فمن الواضح أن الطرفين يريدان الاستفادة من الزيارة لتحقيق تقدم في المجالات السياسية والدفاعية والاقتصادية. واليوم وغداً، سيلتقي الرئيس المصري برئيس الحكومة إدوار فيليب ورئيسي مجلس الشيوخ والنواب جيرار لارشيه وفرنسوا دو روجي ووزير الخارجية جان إيف لو دريان الذي يعرف المسؤولين المصريين جيداً بسبب مسؤولياته السابقة وزيراً للدفاع طيلة خمس سنوات. وأخيراً وزير الاقتصاد والمال برونو لومير. ومن المقرر أن يلتقي كذلك مجموعة من رجال الأعمال ورؤساء الشركات الفرنسيين المتواجدين في السوق المصرية أو المهتمين بها. وسيكون للوزراء المرافقين لقاءات منفصلة مع نظرائهم الفرنسيين.
وليل أمس، التقى الرئيس المصري وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي التي أتبعت اللقاء بعشاء على شرفه وشرف الوفد المرافق. وأهمية اللقاء، كما تقول المصادر الفرنسية، تكمن في رغبة الطرفين بتعزيز التعاون العسكري الذي حقق قفزة نوعية في العامين الماضيين، إذ بلغت القيمة الإجمالية للعقود الموقعة بينهما نحو 6.85 مليار يورو، وهي تضم 24 طائرة «رافال» فرنسية وفرقاطة وحاملتي مروحيات مع كامل أسلحتها وقمرا صناعيا للأغراض العسكرية.
وترغب القاهرة، في سعيها لتحديث أسلحة القوات البحرية والجوية إلى امتلاك آخر ما توصلت إليه الصناعات الدفاعية الفرنسية. ويرتبط البلدان بـ«شراكة استراتيجية» أعيد التأكيد عليها في العام 2015 الأمر الذي يفسر إلى حد بعيد الرغبة المصرية بالتعويل على هذه الصناعات. وفيما تسعى مصر لشراء 12 طائرة «رافال» إضافية، أشارت صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية في عددها أمس إلى وجود «عدد من العقد» من جانب وزارة المال الفرنسية بسبب مطالب مصرية بالحصول على «تسهيلات للتسديد»، وبسبب استهلاك الشركات الدفاعية الفرنسية لسقف التأمينات الممكنة لمصر التي تقدمها المؤسسة المختلطة المسماة «بي بي فرانس».
لكن صحيفة «لا تريبون» الاقتصادية أكدت أن مصر «لم تخل أبداً في تسديد المستحقات» وأن الخبراء الاقتصاديين يعولون على نسبة نمو قد تصل إلى ستة في المائة ابتداء من العام 2017. يضاف إلى ذلك الواردات الإضافية للخزينة المصرية المنتظرة من اكتشافات جديدة للغاز من حقل «ظهر» في مياه المتوسط، وبالتالي فإن مصر ستكون قادرة على الإيفاء بتعهداتها.
الأمن والدفاع والاقتصاد على طاولة السيسي وماكرون
الأمن والدفاع والاقتصاد على طاولة السيسي وماكرون
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة