داخل كشك «إعلامي» مدمر في مدينة الرقة السورية، يمكن قراءة عبارة «عملية نوعية لجنود الخلافة» على كتيب ملطخ بالدماء على الأرض، وهو عينة من إصدارات دأبت الماكينة الإعلامية التابعة لتنظيم داعش على الترويج لها.
وإلى جانب كونها المعقل الأبرز في سوريا، شكلت الرقة مركزاً لمعظم الإنتاج الإعلامي الصادر عن التنظيم الذي يروج لبياناته واعتداءاته الوحشية من جهة، ويصوّر المدينة بمثابة «جنة» نجح في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية فيها، من جهة ثانية، بحسب تحقيق لوكالة الصحافة الفرنسية من الرقة.
وعلى غرار أحياء المدينة المدمرة بفعل الغارات والمعارك التي خاضتها قوات سوريا الديمقراطية طيلة أربعة أشهر ضد مقاتلي التنظيم داخل الرقة، لم تسلم المراكز التابعة للتنظيم والتي شكلت العمود الفقري لآلته الترويجية من الدمار أيضاً.
في أحياء عدة في المدينة، تنتشر أكشاك إسمنتية مع لافتات كتب عليها «نقطة إعلامية»، تولى عناصر التنظيم من خلالها توزيع إصداراتهم المطبوعة سواء تلك المتعلقة بهجماتهم العسكرية في سوريا والعراق، أو مبادئ توجيهية للصوم في شهر رمضان وصولاً إلى قواعد ارتداء النساء للثياب.
ولا تزال إحدى هذه النقاط موجودة في ساحة الساعة في الرقة، بالقرب من صالة عرض في الهواء الطلق تحت سقف مدمر جزئياً. وتضم ستة صفوف من مقاعد مقسمة بين اللونين الأحمر والأخضر يكسوها الغبار أمام واجهة معدنية يفترض أن شاشة تلفزيون محطمة على الأرض في مكان قريب كانت معلقة عليها.
ويقول المقاتل في صفوف قوات سوريا الديمقراطية المتحدر من المدينة شورش الرقاوي (25 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية وهو يقف قرب هذا الموقع: «هنا كانوا يبثون إصداراتهم حول معاركهم وعقوباتهم وأناشيدهم».
ورغم انسحاب عدد كبير من مقاتلي هذه القوات بعد تحرير المدينة من «داعش»، فإن هذا المقاتل الشاب ما زال موجوداً في المدينة في عداد مجموعة صغيرة تساهم في عمليات رفع الأنقاض من الشوارع ونزع الألغام التي تركها التنظيم المتطرف.
واقتصرت الحركة في الأحياء المدمرة المحيطة بساحة الساعة، السبت، على جرافات وبضع شاحنات بيضاء صغيرة تابعة لسوريا الديمقراطية. ويروي شورش كيف كان عناصر التنظيم الذين عملوا في النقاط الإعلامية يعترضون سبيل الشبان الذين يحملون هواتف جوالة ويعملون على محو الأغاني المسجلة عليها واستبدال أناشيد دينية بها.
ويشرح: «كانوا يحضرون الأطفال الصغار ويطلبون منهم الجلوس هنا. يوزعون لهم السكاكر وأكياس البطاطس والبسكويت ويجعلونهم يشاهدون معاركهم وأناشيدهم».
وأتقن تنظيم داعش منذ نشأته، الترويج لإصداراته عبر آلة دعائية عصرية ومتعددة اللغات، من خلال نشر مجلات عبر الإنترنت وبث نشرات إذاعية وإنتاج مقاطع فيديو توثق عمليات إعدام مرعبة.
قرب الكشك الإسمنتي في ساحة الساعة في الرقة، شاهدت مراسلة الوكالة أسماء وشعارات الكثير من وسائل إعلام التنظيم مكتوبة على لافتات رمادية بينها إذاعة البيان والحياة والفرقان ومجلة النبأ.
وبينما كان معظم العالم يطلع من بعيد على هذه الإصدارات، غالباً ما أجبر شورش ورفيقه في قوات سوريا الديمقراطية خالد أبو وليد (21 عاماً) على مشاهدة هذه الممارسات مباشرة.
في كل ناحية من شوارع الرقة تقريباً، يمكن العثور على قصاصات ورقية صادرة عن التنظيم المتطرف، في مؤشر إلى نظام الإدارة الهائل الذي تمكن من إرسائه خلال سيطرته على المدينة منذ عام 2014.
على إحدى البطاقات، يظهر جدول، على سبيل المثال، عدد المرات التي تلقى فيها صاحبها الزكاة ومساعدات خيرية من آخرين. ويوثق مستند آخر عملية تسليم إدارة الحسبة، وهو الاسم الذي يطلق على جهاز الشرطة التابع للتنظيم، من مسؤول إلى آخر.
قرب دوار النعيم في وسط المدينة، حيث اعتاد التنظيم على تنفيذ عمليات إعدام جماعية وصلب، شاهدت مراسلة وكالة الصحافة الفرنسية، وحدة من ضباط استخبارات أجنبية مدججين بالسلاح ويرتدون زياً برتقالياً فاقعا، أثناء تفتيشهم أحد المنازل بدقة.
وقال مقاتل من سوريا الديمقراطية للوكالة، رافضاً كشف هويته لأنه غير مخول التصريح للإعلام: «يفتشون بيوتاً يعتقدون أنها شكلت مراكز للتنظيم بعدما وفر نازحون من المدينة معلومات عن مقار داعش».
وأضاف: «يبحثون عن جثث (مقاتلين) وهوياتهم ومعلومات استخباراتية أخرى».
في الرقة المدمرة... كتيبات وقصاصات وشعارات من بقايا «داعش»
في أحياء المدينة تنتشر أكشاك مع لافتات كتب عليها «نقطة إعلامية»
في الرقة المدمرة... كتيبات وقصاصات وشعارات من بقايا «داعش»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة