لاجئون سوريون في فرنسا يشكون من «دوامة البيروقراطية ومتاهة الأوراق»

لاجئون سوريون لدى وصولهم إلى ميناء بيراوس قرب أثينا أمس (إ.ب.أ)
لاجئون سوريون لدى وصولهم إلى ميناء بيراوس قرب أثينا أمس (إ.ب.أ)
TT

لاجئون سوريون في فرنسا يشكون من «دوامة البيروقراطية ومتاهة الأوراق»

لاجئون سوريون لدى وصولهم إلى ميناء بيراوس قرب أثينا أمس (إ.ب.أ)
لاجئون سوريون لدى وصولهم إلى ميناء بيراوس قرب أثينا أمس (إ.ب.أ)

تقدمت اللاجئة السورية بسمة عبد العزيز (60 عاماً) بطلب إلى صندوق المساعدة الاجتماعية في باريس (كاف) المسؤول عن تقديم مساعدات مادية لمن ليس لديهم دخل، بعدما قضت وقتاً طويلاً في تأمين الأوراق السبع المطلوبة.
وكانت تطلب أسبوعياً معرفة مصير ملفها المنتظر، لكنها فوجئت بعد ثلاثة أشهر أن ملفها ضاع في أروقة هذه المؤسسة، حيث علمت أن عليها تقديم الملف من جديد، وهذا يعني تأخر حصولها على المساعدة المالية، ومعاودة تنظيم نسخ جديدة من الأوراق الواجب تقديمها.
ولا يختلف حال السيدة بسمة عن كثير من اللاجئين الذين يدخلون منذ وصولهم إلى الأراضي الفرنسية في متاهات الإدارات وتسيير المعاملات الورقية المعقدة، وبعضهم كان يقع في مطب ضياع ملف أو بطاقة إقامة طالما انتظرها طويلاً.
«لدى فرنسا روتين قاتل مثل سوريا، لكن الرشوة غير موجودة. فالموظفون الفرنسيون يحبون الأوراق ومعتادون على كثرتها، وخاصة الموظفين القدماء الذين لديهم عقود دائمة، لأن الدولة لا تستطيع تسريحهم. وأصبحنا نرى الموظف الذي في الخمسينات والستينات من عمره (سن التقاعد في فرنسا 65 عاماً) يعمل إلى جانب موظف عمره عشرين عاماً، والموظف المسن اعتاد الأوراق والطابع والختم، ما يجعل حتى الخدمات الإلكترونية الموجودة غير فعالة»، بحسب قول المستشار القانوني المقيم في باريس باسم سالم.
ويشير سالم إلى أنه من الممكن أن يتقدم طالب الإقامة بشهادة إثبات السكن عن طريق طباعتها على الإنترنت، لكن موظف قسم الشرطة المسؤول عن الإقامات والأوراق، لا يتردد في طلب فاتورة ورقية صادرة عن شركة الكهرباء أو الغاز. كما أنه من المفترض عادة أن يتلقى المركز نسخة عن قرار لجوء أي شخص من «المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين» (أوفبرا) لكن الموظف الذي لا يريد بذل مجهود في التفتيش عن نسخة القرار، يطلب نسخة من المتقدم بطلب إقامة.
وأوضح سالم أن موضوع ضياع الملفات والإقامات هو أمر نسبي في فرنسا، وقد يكون أكثر وجودا في المدن الكبيرة مثل باريس وليون وأقل حدوثاً في مدن صغيرة مثل مونبيلييه، لكن من الضروري أن يكون صاحب المعاملة الإدارية وخاصة اللاجئ على دراية بالقوانين، فكثير من الموظفين يجهلون القانون، ويتشبثون برأيهم، والعارف بالقانون يمكنه تفادي جهل الموظف وتذكيره بالقانون المتماشي مع طلبه.

عام للأوراق الأولية
اللاجئ السوري رسمي أمين (50 عاماً) القادم عبر برنامج إعادة التوطين يروي أن: «أوراقه الأولية للإقامة في فرنسا احتاجت أكثر من عام كامل للحصول عليها... ففي البداية حصل هو وعائلته على إقامة مؤقتة لثلاثة أشهر تم تجديدها مرتين، وقبل حصوله على بطاقة الإقامة المحددة بمدة عام، كان عليه الالتزام بدورة الاندماج في المجتمع الفرنسي ودورة اللغة الفرنسية. ويشير أمين إلى أن ابنته حصلت على بطاقة إقامة مؤقتة باسم مختلف (أمان)، وتم تسجيل شهر ميلادها أبريل (نيسان) بدلاً من مايو (أيار) ما اضطرهم للانتظار شهرين لتغيير الاسم وتاريخ الميلاد والحصول على إقامة جديدة. وأضاف أمين أن اللاجئ يبقى في مرحلة كمون حتى يحصل على بطاقة الإقامة الرئيسية الضرورية لفتح حساب مصرفي جار، ولتقديم طلب للحصول على الإنترنت في المنزل وغيرها من الأمور المهمة. وأكد أن حجم الأوراق التي أصبحت لديه يحتاج لصندوق ضخم، وأنه يستعين ببعض الأصدقاء ممن يتقنون الفرنسية لمعرفة معنى الأوراق والفواتير التي تصل إليه بشكل مستمر، وأهمية الاحتفاظ بها أو رميها.
ستيفاني نوغييه المساعدة الاجتماعية في المنظمة المسؤولة عن استقبال اللاجئين، تشرح لـ«الشرق الأوسط» أن «فرنسا استقبلت وما زالت تستقبل عددا كبير من اللاجئين، ما خلق ضغطا على المؤسسات التي تهتم بأوراقهم وإجراءاتهم، وأصبح الحصول على الأوراق يحتاج إلى وقت طويلا، وعلى سبيل المثال، الحصول على موعد لتجديد الإقامة يحتاج إلى 3 أشهر بعدما كان لا يتطلب أكثر من أسبوعين».

صفر ... تاريخ الولادة
خلال أتمتة بعض المعاملات والأوراق في فرنسا، تقدم المقيم في ضواحي باريس بشار الشامي للحصول على بطاقة التأمين الصحي، لكن تبين لاحقاً أن الإدارة أخطأت في تاريخ الولادة. عندما طلب بشار تصحيح البطاقة، وبعد أشهر من الانتظار ارتكب التأمين خطأ أكبر وهو كتابة تاريخ اليوم صفر والشهر صفر على البطاقة. وعند الاعتراض، وبدل أن يصحح مركز التأمين الصحي الخطأ، طلب من الشاب ورقة إخراج قيد تثبت تاريخ ميلاده ومعاملة بطاقة صحية جديدة. وبقيت المعاملة في أروقة الإدارة أكثر من عام حتى حصل المواطن على بطاقة التأمين الضرورية لإنجاز كل أموره اليومية.
وفي حالة أخرى، يروي الشاب السوري عمار سلمان أنه: «طلب تجديد إقامته لكن بعد أشهر من تأخر الإدارة أو قسم شرطة المقاطعة عن الرد على الطلب، اتصل به مركز الأشياء المفقودة وسلمه ملف تجديد إقامته الذي وجد مرمياً في إحدى عربات المترو، علما بأنه يحتوي على كل معلوماته الشخصية، كصور وثائقه المدنية وعقد عمله وصور شخصية له، ويبدو أن الموظفة المسؤولة عن الملف حملت العمل الإضافي إلى منزلها لكنها أضاعته في ميترو».
مارك سوفاجيه رئيس الجمعية الفرنسية «سانتونج سيري» التي تأسست عام 2013 وتهتم باللاجئين، يشير إلى أن بطء المعاملات الإدارية وضياع بعض الملفات يعودان إلى عدم اعتماد المعاملات الإلكترونية حتى الآن، والسبب في ذلك هو عدم وصول كثير من المواطنين وخاصة المقيمين منهم في الريف الفرنسي إلى شبكة الإنترنت. وأوضح سوفاجيه أن اللاجئين الذين وصلوا إلى فرنسا واستقبلتهم جمعية تمد لهم يد العون في الحصول على الأوراق الثبوتية اللازمة، وفي تسيير أمورهم، تبدأ مشكلاتهم الحقيقية بعد أن تتخلى عنهم الجمعية الملتزمة بهم لمدة عام، خاصة أنها تتركهم وهم في المرحلة الأولية لتعلم اللغة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».