في الذكرى الخامسة لاغتيال رئيس شعبة المعلومات... الدولة تعترف بالتقصير

مصدر قضائي لبناني: معطيات التحقيق تحتاج إلى أدلة لتكوين الاتهام

وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق أمام ضريح وسام الحسن في ذكرى اغتياله أمس (الوكالة الوطنية للإعلام)
وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق أمام ضريح وسام الحسن في ذكرى اغتياله أمس (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

في الذكرى الخامسة لاغتيال رئيس شعبة المعلومات... الدولة تعترف بالتقصير

وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق أمام ضريح وسام الحسن في ذكرى اغتياله أمس (الوكالة الوطنية للإعلام)
وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق أمام ضريح وسام الحسن في ذكرى اغتياله أمس (الوكالة الوطنية للإعلام)

انقضت 5 سنوات على اغتيال رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن، من دون أن تمسك التحقيقات القضائية والأمنية بخيوط وأدلة تكشف هوية منفذي هذه الجريمة، ومن يقف خلفهم، في وقت اعترف فيه وزير الداخلية نهاد المشنوق بوجود تقصير في هذه القضية.
الذكرى الخامسة لاغتيال الحسن، التي حلّت أمس، مرّت من دون إحيائها باحتفال رسمي، كما كان يحصل في كلّ عام، واقتصرت هذه المرّة على وضع بعض المسؤولين أكاليل على ضريحه، فيما تتراكم الأسئلة عمّا آلت إليه التحقيقات. ورغم التسريبات التي تتحدّث عن معطيات مهمّة في هذه القضية، فإن التحقيق لم يصل إلى نتيجة قاطعة حاسمة، وفق تعبير مصدر قضائي أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا جديد يمكن تقديمه للرأي العام في هذا الملف»، مشيراً إلى أن «المعطيات الموجودة في الملف ليست بقليلة، ولا يمكن تجاوزها، لكنها تحتاج إلى أدلة مادية لمطابقتها على المعلومات المتوفرة، من أجل التأسيس عليها وتكوين شبهة أو اتهام للأشخاص أو الجهة التي نفذت هذه الجريمة».
إلى ذلك، أوضح مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط» أن «السنوات الماضية لم تساعد في خلق أرضية مواتية، تعطي التحقيق باغتيال الشهيد اللواء وسام الحسن دفعاً قوياً»، مذكراً بأن «الدولة بكل أجهزتها العسكرية والأمنية والقضائية كانت منشغلة بأولوية ملاحقة الشبكات الإرهابية وخطرها الذي كان يتهدد كلّ لبنان»، من دون أن ينفي المصدر أن «جريمة اغتيال اللواء الحسن هي عملية إرهابية بامتياز، لكنها أكثر تعقيداً من التفجيرات التي نفذتها التنظيمات الإرهابية، مثل (داعش) و(النصرة) وغيرهما، وتمّ اكتشاف منفذيها، وتوقيفهم بسرعة قياسية».
وبالمناسبة، غرّد رئيس الحكومة سعد الحريري، على حسابه على «تويتر»، قائلاً: «نستذكرك، يا وسام، يا حسن الصفات، نستذكرك أخاً ورفيقاً في مسيرة بناء الدولة والمؤسسات، ونعاهدك بإكمال الطريق لإحقاق الحق وقيام الدولة».
وكان الحسن قد قضى بتفجير سيارة مفخخة استهدفت موكبه في منطقة الأشرفية، ببيروت، في 19 أكتوبر (تشرين الأول) 2012، وقتل معه سائقه المؤهل أحمد صهيون، وعدد من المدنيين، وأصيب العشرات بجروح مختلفة، وقد ربط مراقبون بين اغتياله وإلقاء شعبة المعلومات، التي كان يترأسها، القبض على الوزير الأسبق ميشال سماحة، المستشار السياسي لرئيس النظام السوري بشار الأسد، الذي ضبط بالجرم المشهود وهو ينقل 25 عبوة ناسفة من دمشق إلى بيروت، ويسلّمها إلى المخبر ميلاد كفوري من أجل تفجيرها بموائد إفطارات رمضانية في منطقة عكار (شمال لبنان)، واغتيال مفتي عكار ونواب وسياسيين ومعارضين سوريين ومواطنين أبرياء، بهدف خلق فتنة طائفية في لبنان.
واعتبرت قوى «14 آذار»، يومذاك، أن جريمة اغتيال الحسن جاءت بمثابة الردّ من النظام السوري على توقيف سماحة، وتوجيه الاتهام لرئيس مكتب الأمن القومي في النظام السوري اللواء علي مملوك، الذي سلّم المتفجرات إلى سماحة وكلّفه بالمهمة.
وظهر أمس، زار وزير الداخلية نهاد المشنوق ضريح اللواء الحسن، في ساحة الشهداء بوسط بيروت، يرافقه وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، ورئيس شعبة المعلومات العقيد خالد حمود، وكبار الضباط في قيادة قوى الأمن. ووضع المشنوق وعثمان وحمود أكاليل من الزهر على ضريح الحسن، وقرأوا الفاتحة على روحه.
ومن أمام الضريح، أدلى المشنوق بتصريح، قال فيه: «في الذكرى الخامسة لاستشهاد اللواء الحسن، لا يغيب عن بالنا احترافه وخبرته وقدرته ووطنيته ولبنانيته وغيرته على كل الشعب اللبناني، كما لا يغيب عن بالنا تصرفه بكل مسؤولية تجاه كل لبناني»، وأضاف: «هذه ليست ذاكرة، بل هي فعل مستمر في قوى الأمن الداخلي، من خلال المدير العام اللواء عماد عثمان، ومن خلال رئيس شعبة المعلومات العقيد خالد حمود، اللذين عملا معه، وأكملا من بعده. والحمد لله، ما أسس له اللواء الحسن أثمر وأنتج وأعطى البلد الكثير، وما زال يعطيه الكثير من الأمن والأمان والاطمئنان لجميع اللبنانيين».
ورداً على أسئلة الصحافيين عن الأسباب التي تبقي المجرم طليقاً، ردّ وزير الداخلية: «اليوم، لا جواب عندي، لأن لا شيء مثبت حتى الآن، فالتحقيق ما زال مستمراً ولم ينته بعد. وإذا أردت جواباً من قلبي، أقول: نحن مقصرون».
كان المشنوق قد أعلن، في كلمة ألقاها في الذكرى الثانية لاغتيال الحسن، في 19 أكتوبر 2014، أن التحقيق قطع شوطاً مهماً، وتوصل إلى خيوط عمّن ارتكب الجريمة، وربط بينها وبين جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، التي يحاكم فيها غيابياً 5 من كبار كوادر الأمن في «حزب الله».
وفي السياق، زار ضريح الحسن رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، وقرأ سورة الفاتحة على روحه. أما وزير العدل السابق أشرف ريفي، فقد زار الضريح، ووضع إكليلاً من الزهر عليه، وخاطب الحسن قائلاً: «استشهادك أمانة في أعناقنا، لن نهدأ، ولن نستكين حتى الاقتصاص من القتلة ومعرفة الحقيقة كاملة». وختم ريفي: «يا رفيق السلاح والنضال، حتّى في شهادتك يهابون منك».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.