اليونيسكو أمام أميركا وإسرائيل... مواجهات التسييس الثقافي

المقر العام لـ«اليونيسكو» في العاصمة الفرنسية
المقر العام لـ«اليونيسكو» في العاصمة الفرنسية
TT

اليونيسكو أمام أميركا وإسرائيل... مواجهات التسييس الثقافي

المقر العام لـ«اليونيسكو» في العاصمة الفرنسية
المقر العام لـ«اليونيسكو» في العاصمة الفرنسية

حملت الأخبار مؤخراً قرار الولايات المتحدة الخروج من منظمة اليونيسكو، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، وتصدر الخبر وسائل الإعلام متضمناً أن الخروج كان بسبب مواقف المنظمة تجاه إسرائيل، فيما أشار المندوب الأميركي لدى المنظمة إلى سبب آخر ذكره أولاً كما لو أنه السبب الأهم، وهو الإدارة المالية للمنظمة، لكن الجميع يعلم أن السبب الثاني، موقف المنظمة من الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما احتلالها للقدس، وعبثها بالمواقع الإسلامية، هو السبب الحقيقي.
وليس خافياً على الجميع أن علاقة الولايات المتحدة وإسرائيل بالمنظمة كانت دائماً علاقة مليئة بالصخور والأشواك، علاقة مضطربة أدت في عهد رونالد ريغان إلى انسحاب مماثل إلى أن أعادها جورج بوش الابن. وكانت مواقف المنظمة، أي مواقف الدول الأعضاء فيها، وهم يمثلون أمماً متحدة أخرى، مواقف مزعجة للولايات المتحدة. حكومة ريغان أشارت إلى تحيز المنظمة إلى الاتحاد السوفياتي في الثمانينات، وحكومة ترمب الآن تشير إلى تحيزها ضد إسرائيل. غير أن التقارير الصحافية تشير إلى أمر آخر هو أن الولايات المتحدة تدين للمنظمة بخمسمائة مليون دولار، وأنها كانت على وشك فقدان حقها في التصويت نتيجة لعدم تسديد الديون. لذا يأتي الانسحاب محاولة للتملص من دفع المبلغ لمنظمة تحتاجه حاجة ماسة، حسب ما ذكرت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية.
التملص من دفع ديون منظمة ترعى الثقافة والعلوم والتربية، منظمة تدعم التعليم، وتساعد المبدعين، ومنهم الفقراء، وتحمي المواقع الأثرية والتاريخية، بقدر ما فيه من جرم يحمل أيضاً ازدواجية مخجلة. كيف لمن يتملص من دفع ديونه أن يتهم منظمة بالعجز عن إدارة شؤونها المالية! أعطها حقوقها ثم طالبها بإدارة تلك الحقوق. صحيح أن المنظمة تعاني من مشكلات مالية وربما إدارية، لكن إصلاح تلك المشكلات يتم من خلال العمل من داخل المنظمة وليس بالانسحاب منها. المنظمة تخضع لرقابة أعضائها وهم القادرون على إصلاحها.
لكن على صعيد آخر كيف يمكن لأحد أن يرفع صوته بالشكوى من قرارات ديمقراطية، وهو يدعي الدفاع عن الديمقراطية! الولايات المتحدة تخوض حرباً باسم الديمقراطية وتخسر ليس المليارات، وإنما الترليونات غارقة في ديون غير مسبوقة في التاريخ لتمويل تلك الحروب، ثم تعجز عن دفع مبلغ زهيد نسبياً لمنظمة تعمل بآلية ديمقراطية وتناصر الحقوق البسيطة للإنسان في كل مكان!؟
الحقيقة هي أن موقف أميركا وإسرائيل معها يكشف الوجه الحقيقي للديمقراطية المدعاة، مثلما يكشف الموقف الحقيقي من الثقافة والتعليم. الانسحاب الأميركي من اليونيسكو يؤكد ذلك بقدر ما يؤكده انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية البيئة التي تسير في الاتجاه الإنساني ذاته الذي تسير فيه اليونيسكو. فنحن أمام استراتيجية معادية لكل ما هو إنساني بكل أسف.
قبل خمسة أعوام انضممت إلى مجلس يدير صندوقاً تابعاً لليونيسكو مهمته دعم الثقافة بتلقي طلبات الدعم لمشاريع صغيرة ودراستها لتوفير الدعم لها حسب إمكانات الصندوق. ما فاجأني وأحزنني في الوقت نفسه هو أن الصندوق أنشئ قبل انضمامي له بعدة سنوات بتبرعات من عدة دول، كانت المملكة العربية السعودية إحداها، لكنه جمد فيما بعد. ولم يكن السبب وراء تجميده واضحاً لكن بدا لي ذلك واحداً من الأخطاء التي يمكن أن تحدث في منظمة تؤثر فيها البيروقراطية، وربما سوء الإدارة المالية أيضاً. فاليونيسكو ليست بريئة تماماً من الأخطاء، لكن وجود تلك الأخطاء لا يبرر الانسحاب منها أو التملص من دفع مستحقاتها.
لقد اكتشفت سريعاً بعد سفري إلى باريس لحضور اجتماعات المجلس الذي انضممت إليه الوضع المالي للمنظمة، الذي اتضح في حجم التقشف الذي تفرضه من خلال المصاريف الضئيلة التي توفرها للأعضاء القادمين من خارج فرنسا، ومع أن ذلك لم يكن مريحاً لأنه يفرض على العضو أن يتحمل جزءاً من التكاليف إن هو أراد توفير قدر أدنى من الراحة، فقد شعرت أن تلك المشكلة تتصل بمشكلة أكبر، وهي موقع الثقافة والتربية والعلوم على المستوى الدولي. لاشك أن الدول تتفاوت تفاوتاً كبيراً في دعم هذه المجالات ليس من خلال مقدراتها فحسب، وإنما أيضاً من خلال سياساتها التي تعكس رؤيتها لهذه الأمور وتقديرها لأهميتها. فسيكون من المفارقات الباعثة على الضحك الساخر مقارنة ما تنفقه أكثر الدول فقراً على التسلح بما تنفقه على التربية التعليم، ناهيك عما قد يعد ترفاً أو مرحلة متقدمة من التنمية مثل الثقافة أو العلوم.
إن اليونيسكو من الوجوه المضيئة للأمم المتحدة، ولم يكن اختيار باريس، عاصمة النور، مقراً لها مصادفة. لكن السياسة والمصالح اللاإنسانية أحياناً، كما في شجب مواقف اليونيسكو تجاه الشعب الفلسطيني وحماية حقوقه، تظل من النقاط المظلمة التي لا تفتأ تطفو على السطح لتذكر بأن المشهد الإنساني العالمي قد يكون عالمياً دائماً، ولكنه ليس إنسانياً إلا لماماً. انسحاب الولايات المتحدة تحديداً مؤلم بوصفها القوة الدولية الكبرى اليوم، ولأنها تمثل حضارة عريقة وحاضنة لبعض من أجمل ما أنتجته وتنتجه البشرية من علوم وتقنية وثقافة وفنون، ولأنها تمثل تاريخاً من النضال ضد الظلم والعنصرية. لكن بعض قرارات وأفعال نظامها السياسي يقف ضد ذلك التاريخ ليذكرنا بأن الولايات المتحدة تختزل أيضاً بعضاً من أسوأ ما شهدته البشرية من تفرقة عنصرية وعنف وتدخل ظالم في حياة الشعوب الأخرى باسم الديمقراطية والتقدم. الانسحاب من منظمة ترعى جوانب حضارية في حياة الإنسان من أجل كيان يغتصب مقدرات الإنسان، مقدرات شعب آخر ويحتل أرضه، مثال فاقع على ذلك التخلي عن منجزات كبرى في التاريخ الأميركي تحديداً، وإساءة لكثير من رموز ذلك التاريخ ومنجزاته.



انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
TT

انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

كرمّت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، صباح اليوم (الأحد)، الفائزين بجوائز الدورة الـ19 للجائزة، مع انطلاق هذه الدورة التي حملت اسم مؤسس وراعي الجائزة الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

وأُقيم الاحتفال الذي رعاه أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور (ممثل أمير البلاد) وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري، ومشاركة واسعة من الأدباء والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين وأصحاب الفكر من مختلف أنحاء العالم العربي، كما حضر الحفل أعضاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

جانب من حضور دورة الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

وقال وزير الثقافة والإعلام الكويتي، عبد الرحمن المطيري، في كلمته، إن هذا الملتقى «الذي يحمل في طياته عبق الشعر وأريج الكلمة، ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو تأكيد على أن الثقافة هي الروح التي تحيي الأمم، والجسر الذي يعبر بنا نحو مستقبل زاخر بالتسامح والتعايش والمحبة».

وأضاف: «إن لقاءنا اليوم ليس فقط تكريماً لمن أبدعوا الكلمة وشيَّدوا صروح الأدب، بل هو أيضاً دعوة لاستلهام الإرث الثقافي الكبير الذي تركه لنا الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (رحمه الله)، والذي كان، وسيبقى، قامة ثقافية جمعت بين جمال الكلمة وسمو الرسالة... رسالة تُعبِّر عن القيم التي تجمع بين الحضارات. ومن هنا جاءت مبادراته الرائدة، التي عرَّف من خلالها الشرقَ بالشعر العربي، وقدَّم للغرب بُعدَه الإنساني، جاعلاً من الشعر جسراً يربط القلوب، ومفتاحاً للحوار بين الثقافات».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين يلقي كلمته في افتتاح الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

في حين قال رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية»، سعود البابطين، إن هذه الدورة تأتي احتفاءً «بالشعر، فن العرب الأول على مر العصور، وتكريماً للمبدعين والفائزين مِنَ الشعراءِ والنقاد، ووفاءً ومحبة لشاعر هذه الدورة (عبد العزيز البابطين) الذي أخلص في رعاية الشعر العربي وخدمة الثقافة العربية بصدق ودأب وتفانٍ طيلة عمره كله، بلا ملل ولا كلل».

وفي خطوة لافتة، قدَّم رئيس مجلس الأمناء، أمين عام المؤسسة السابق، الكاتب عبد العزيز السريع، الذي رافق مؤسس الجائزة منذ نشأتها، ليتحدث عن ذكرياته مع راعي الجائزة الراحل، والخطوات التي قطعها في تذليل العقبات أمام إنشاء المؤسسة التي ترعى التراث الشعري العربي، وتعمل فيما بعد على بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات.

وأعلن البابطين، في ختام كلمته عن مضاعفة القيمة المالية للجوائز ابتداءً من هذه الدورة، وفي الدورات المقبلة لـ«جائزة عبد العزيز البابطين».

ونيابة عن الفائزين، تحدَّث الأديب والشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان، مشيداً بـ«جهود (مؤسسة البابطين الثقافية) في دعمها اللامحدود للفعل والنشاط الثقافي داخل وخارج الكويت».

وأضاف: «في هذا المحفل الثقافي البهيج، يمرُّ في الذاكرة شريط لقاءات تمَّت منذ 3 عقود، كان فيها الفقيد العزيز الصديق عبد العزيز البابطين يحمل دائماً هَمّ تراجع الاهتمام بالشعر، ويضع اللَّبِنات الأولى لإقامة مؤسسة تُعنى بكل ما من شأنه خدمة ذلك الفن العظيم، ثم ينتقل عمل المؤسسة إلى الأفق الدولي، من خلال ما يُعنى بقضية حوار الثقافات والحضارات».

وألقى الشاعر رجا القحطاني قصيدة عنوانها «إشعاع الكويت»، من أشعار الراحل عبد العزيز البابطين.

يُذكر أن فعاليات الدورة الـ19 مستمرة على مدى 3 أيام، بدءاً من مساء الأحد 15 ديسمبر (كانون الأول) إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر الحالي. وتقدِّم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي 5 جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها 4 جلسات أدبية يعرض المختصون من خلالها 8 أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتَفَى به، و3 أمسيات شعرية ينشد فيها 27 شاعراً.

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

الفائزون:

* الفائز بالجائزة التكريمية للإبداع الشعري الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.

* الفائزان بجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر «مناصفة»، وقيمتها 80 ألف دولار: الدكتور أحمد بوبكر الجوة من تونس، والدكتور وهب أحمد رومية من سوريا.

* الفائزة بجائزة أفضل ديوان شعر، وقيمتها 40 ألف دولار: الشاعرة لطيفة حساني من الجزائر.

* الفائز بجائزة أفضل قصيدة، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر عبد المنعم العقبي من مصر.

* الفائز بجائزة أفضل ديوان شعر للشعراء الشباب، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر جعفر حجاوي من فلسطين.