على الرغم من أنه كان شيئاً متوقعاً منذ عدة شهور، فإن كشف الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن الاستراتيجية الجديدة إزاء إيران يبدو كأنه قد أخذ النخبة الحاكمة في طهران على حين غرّة، مما أسفر عن اشتداد الصراع على السلطة في البلاد.
وكان فصيل الصقور المقرب من المرشد الأعلى علي خامنئي يتوقع أن يمزق الرئيس الأميركي ما يسمى الاتفاق النووي وبالتالي يحرم الفصيل المنافس، المعروف باسم فصيل «أيتام رفسنجاني» الذي يتزعمه الرئيس حسن روحاني، من ميزتهم الدعائية الرئيسية.
وحرْص الرئيس روحاني على الظهور بمظهر أن الاتفاق النووي لا يزال نافذ المفعول يعد علامة على فشل فصيله في الخروج بأي سياسة بديلة. فإذا ما تخلى عن الاتفاق فسوف يصدق على مزاعم ترمب الدافعة بأن طهران لم تعتزم قط التزام اللعب وفق القواعد المتفق عليها. ومن شأن خطوة كهذه أن تقنع الجانب الأوروبي وربما روسيا والصين أيضاً بالتخلي عن مساندتهما المستمرة لطهران في مواجهة واشنطن.
وصرح الرئيس الإيراني، يوم الجمعة الماضي، قائلاً: «نعتزم الالتزام ببنود الاتفاق النووي، ما دامت الأطراف الأخرى المعنية تحترم الاتفاق».
وهذا من المواقف المثيرة للاستغراب، إذ إن أحد «الأطراف الأخرى المعنية»، وهي الولايات المتحدة الأميركية، قد أعلنت بالفعل عن نيتها عدم الالتزام بالاتفاق كما عليه الأمر الآن.
وقال المستشار السياسي الرئيسي للرئيس الإيراني حسام الدين أشنا: «نأمل في أن الأطراف الأخرى لن تتبع خطى الرئيس ترمب». مما يعني أن «أيتام رفسنجاني» عاقدون العزم على الالتزام بالاتفاق النووي حتى وإن أعلنت الولايات المتحدة أن الاتفاق بلا جدوى أو مغزى.
ولكي يصب الاتفاق في صالح إيران فمن المهم أن تستمر المصارف والشركات الدولية في اعتبار الجمهورية الإسلامية شريكاً تجارياً طبيعياً.
وبعد مرور عامين على إبرام الاتفاق النووي، لم يحدث ذلك حتى الآن. والسبب هو أن الشركات والمصارف الدولية ليست على يقين راسخ بأنه من خلال ممارسات المال والأعمال مع الجانب الإيراني لن تخاطر بالتورط في مشكلات مع القواعد والأنظمة الأميركية. والمخاوف من إعادة فرض العقوبات الاقتصادية التي تم تعليق العمل بها بموجب الاتفاق النووي قد حال دون إيران وبين جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية ذات الأهمية لاقتصاد البلاد.
ولنفس السبب المذكور أخفقت إيران في إمكانية التوصل إلى أسواق رأس المال العالمية والخدمات المصرفية الدولية. واليوم، حتى السفارات الإيرانية في الخارج غير مسموح لها بفتح الحسابات المصرفية، وهي مجبرة وفقاً لذلك على سداد رواتب الموظفين نقداً. كما أن طهران مضطرة إلى سداد الالتزامات المالية للجماعات المسلحة التي تدعمها، مثل «حزب الله» في لبنان، و«الجهاد الإسلامي» في غزة، والحوثيين في اليمن، عن طريق حقائب الدولارات.
ورغم ما تقدم، فإن روحاني وفصيله المقرب، الذي يضم الرئيس الأسبق محمد خاتمي، قد لا يكونون راضين تماماً عن خطوة السيد ترمب الأخيرة، نظراً إلى أن الرئيس الأميركي قد وصف الحرس الثوري الإيراني، الذي يخضع لسيطرة علي خامنئي، بأنه المسؤول الأول والرئيسي. ويحاول الفصيل الموالي للسيد روحاني في الوقت الراهن العزف على وتر أنه لولا الحرس الثوري الإيراني لم يكن يمكن للاتفاق الإيراني أن يحقق أي ثمار حقيقية لإيران.
ومع ذلك، تخير الرئيس ترمب، كما تعتقد صحيفة «كيهان» الإيرانية اليومية وهي من أبواق المرشد خامنئي، سبيلاً أكثر التواء من خلال عدم إدانة الاتفاق النووي رسمياً في حين أنه أوضح أن الولايات المتحدة سوف تشدد من حزمة العقوبات المفروضة ضد إيران. وهذا يعني استمرار الامتثال الإيراني لبنود الاتفاق بينما ترفض الولايات المتحدة الالتزام بتعهداتها حياله، كما أفادت الصحيفة.
ومن الواضح أن الحرس الثوري الإيراني سعيد بأن -على الرغم من شهور من الشائعات- السيد ترمب لم يطالب الكونغرس الأميركي بإدراج «الحرس» على قائمة المنظمات الإرهابية.
ووفقاً لصحيفة «كيهان» الإيرانية أيضاً، لم يجرؤ الرئيس الأميركي على وصم الحرس الثوري الإيراني بصفة «الإرهاب». والسبب وراء ذلك، كما تستطرد الصحيفة، كانت التحذيرات القاسية التي أطلقها قائد قوات الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي عزيز جعفري. كما أشار الجنرال مسعود جزائري، الناطق الرسمي باسم الحرس الثوري الإيراني، إلى رسالة مفعمة بالتحدي، إذ صرح قائلاً: «نعتزم تكثيف دعمنا للشعوب المناضلة التي تحارب من أجل حقوقها المشروعة في كل مكان، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط».
ولقد تضخمت فحوى الرسالة المذكورة على أيدي الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الإيراني، والذي أنهى أسابيع من التكهنات بزيارة أخيرة قام بها إلى العراق، ونشر بعدها صوراً ذاتية ملتقطة ذاع انتشارها عبر مختلف وسائل الإعلام الاجتماعية. وكانت فحوى الرسالة أنه لا يزال يقوم بعمله التقليدي كالمعتاد.
كما حاول الحرس الثوري الإيراني أيضاً استبعاد أمر الرئيس ترمب بفرض العقوبات الاقتصادية على الجناح التجاري للحرس. وهذا الجناح التجاري، والمعروف باسم «تكتل خاتم الأنبياء»، يسيطر وحده على نحو 100 شركة لها وجود فعلي في كلٍّ من النمسا، وقبرص، واليونان، وتركيا وعدد من دول المنطقة. وفي يوم السبت، دشن الجنرال عبد الله عابدي، رئيس التكتل الإيراني، مصنعاً جديداً للحديد والصلب عبر خطاب ناري حول اعتزام الحرس الثوري الإيراني توسيع أنشطته التجارية في جميع أنحاء العالم.
وزعم الجنرال الإيراني في خطابه أنه «على الرغم من محاولات ترمب الواهية فإن الكثيرين من مختلف أرجاء العالم حريصون كل الحرص على إبرام الصفقات التجارية معنا».
وعلى الرغم من التزام علي خامنئي الصمت المطبق، حتى كتابة هذه السطور على أقرب تقدير، فإن المتحدثين باسم الفصائل المتنافسة حاولوا التهوين من آثار خطوة الرئيس ترمب الدراماتيكية بمختلف الطرق.
ويدق روحاني الطبول بشأن وعد من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة طهران العام المقبل، في إشارة إلى استعداد إيران لتجاهل الولايات المتحدة والعمل مع الجانب الأوروبي وغيره من الشركاء الآخرين. ورغم ذلك، فلقد دعا آية الله إبراهيم رئيسي، منافس روحاني في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إلى «الاعتماد الكلي على اقتصاد المقاومة»، الأمر الذي يعني التخلي عن التجارة الخارجية وتبني نموذج كوريا الشمالية من الاكتفاء الذاتي.
وفي الوقت الراهن، فإن الفصائل الإيرانية المتنافسة تتقافز مثل القطط الغاضبة التي يهاجم بعضها بعضاً. ودون أن يدرك ذلك، أو ربما من تحت سطح الأحداث الجارية، ربما قد تسبب الرئيس ترمب في إشعال صراع موجع على السلطة في طهران.
استراتيجية ترمب الإيرانية تشعل صراع السلطة في طهران
استراتيجية ترمب الإيرانية تشعل صراع السلطة في طهران
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة