تتجه الأنظار اليوم (الثلاثاء) صوب رئيس إقليم كاتالونيا كارليس بوتشيمون، بالتزامن مع كلمة سيلقيها أمام البرلمان المحلي اليوم، ليمضي بذلك في تحقيق حلم طفولته، الاستقلال عن إسبانيا.
ومثل بوتشيمون وجه الحركة الاستقلالية الكتالونية أمام العالم. حيث عمل صحافيا سابقا، وحصل على تأييد 47.7 في المائة من الأصوات في الانتخابات المحلية في 2015.
انفصالي منذ النشأة
وتتحدث الأوساط الاقتصادية عن «مفعول بوتشيمون» بخصوص رحيل شركات من المنطقة. بينما يطالب مدافعون عن الاستقلال بـ«زج بوتشيمون في السجن»؛ إذ يخشى كثيرون أن يعلن الاستقلال من جانبه اليوم.
رجل «صادق ومرن وانفصالي منذ البداية، كما أنه (عنيد)؛ وهي صفة يمكن اعتبارها من الحسنات أو السيئات»... هكذا وصفت كارليس بورتا صديقها بوتشيمون، في سيرة نشرت في العام 2016.
ويقول أحد خصومه في المنطقة، رفض الكشف عن هويته، إن بوتشيمون «لا يتمتع بخلفية ثقافية»، لكنه ومنذ 16 عاما «استقلالي حتى العظم»، ولديه «قناعات راديكالية».
عدو الحكومة الإسبانية
لكن حياته انقلبت في أحد أيام يناير (كانون الثاني) 2016، عندما دعي إلى ترؤس تحالف من الانفصاليين غير المنسجمين والمصممين على تحقيق الاستقلال لسكان الإقليم البالغ عددهم 7.5 مليون نسمة.
وبعد أن كان بوتشيمون رئيسا لبلدة خيرونا (عددها 98 ألف شخص) منذ 2001، عُيّن رئيسا للإقليم خلفا لارتور ماس المحافظ الذي أثار تبنيه الخط الانفصالي حديثا وسياسات التقشف التي ينتهجها استياء اليسار الانفصالي المتطرف.
وأصبح بوتشيمون وريثا عن ماس في دور لا يحسد عليه وهو «العدو الأول» للحكومة الإسبانية، برئاسة المحافظ ماريانو راخوي الذي لم يقم معه أي حوار.
النقطة المشتركة النادرة بين الرجلين هي أنهما تعرضا خلال شبابهما لحوادث سير خطيرة، آثارها لا تزال بادية تحت لحية راخوي بينما تظهر على شفة وجبهة بوتشيمون.
ابن صانع الحلوى
ولد بوتشيمون في العام 1962 في منزل أسرته في أمير البلدة الواقعة في منطقة البيرينيه؛ وذلك على بعد مائة كلم تقريبا من برشلونة.
ويعد بوتشيمون ابنا وحفيدا لصانعي حلوى متواضعين. وهو الثاني بين ثمانية أبناء، ولم يكن عمره يتجاوز تسع سنوات عندما أرسل إلى مدرسة داخلية، حيث «تعلم الكفاح».
بوتشيمون هو رجل متزوج من رومانية، وأب لفتاتين صغيرتين في السن، ويقول عن نفسه «ربما أواجه التوقيف دون خوف»، عقب خطوة الانفصال.
ذكريات القمع
وقد توفي الديكتاتور فرانسيسكو فرانكو، عندما كان بوتشيمون لا يزال في الـ13، والذي حكم إسبانيا بقبضة حديدية، أحكم بها سيطرته على مقاليد الحكم في إسبانيا، وبخاصة كاتالونيا، منذ 1936 وحتى 1975.
وحفظ هذا الشاب المتعلق باللغة الكاتالونية والشغوف بالتاريخ، ذكريات القمع الذي فرض على إقليمه المتمرد بعد الحرب الأهلية (1936 - 1939).
في العام 1980، انضم بوتشيمون إلى حزب التوافق الديمقراطي الكاتالوني (محافظ وقومي) برئاسة جوردي بوجول، الذي تفاوض مع مدريد من أجل الحصول على حكم ذاتي أوسع للمنطقة.
بدأ بوتشيمون العمل مصححا في صحيفة «بونت افوي» القومية في 1982، حتى وصل به الأمر إلى تولي رئاسة التحرير، وكان يمارس نشاطه السياسي إلى جانب عمله الصحافي.
في تلك الفترة، كان الانفصاليون الكاتالونيون مثله نادرين، حتى تغير الأمر بعد ذلك.
انصرف بوتشيمون في صيف 1991 لدراسة حالة جمهورية سلوفينيا، التي أعلنت استقلالها بعد استفتاء محظور عن جمهورية يوغوسلافيا. تلا ذلك نزاع مسلح قصير.
ودعا بوتشيمون في السنوات التالية إلى توسيع القاعدة الاجتماعية للحركة الاستقلالية، واتباع مبدأ اللاعنف مثل غاندي. وكتب بورتا في سيرته إنه كان «يرفض الاستعجال ويريد القيام بالأمور كما يجب».
توظيف الإعلام
لا يواجه بوتشيمون صعوبة في التعامل مع التقنيات الحديثة، كما أنه يتكلم الإنجليزية والفرنسية والرومانية، وأسس وكالة صحافة كاتالونية وصحيفة ناطقة بالإنجليزية حول الإقليم، وترأس جمعية المناطق للمطالبة بالاستقلال.
يقول عالم السياسية أنطون لوسادا «لديه حس مسرحي كبير، ويعرف كيف يوظف وسائل الإعلام» لغاياته.
منذ خمس سنوات، تطالب مظاهرات حاشدة مدريد بإجراء استفتاء لتقرير مصير المنطقة. والتزم بوتشيمون بوعده ونظم في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) استفتاء محظورا شهد أعمال عنف من الشرطة. وكانت النتيجة المعلنة: «90.18 في المائة» يؤيدون إعلان جمهورية كاتالونيا، بينما بلغت نسبة المشاركة 43 في المائة.
في المقابل، ندد قسم من السكان بـ«احتيال ديمقراطي» يهدف إلى إضفاء صفة شرعية على إعلان الاستقلال واعترض على تجاهل النصف الآخر من السكان غير المؤيدين للاستقلال.
ويقول عالم السياسة خوان بوتيلا «هناك هرب إلى الأمام». وأضاف، إن «بوتشيمون يعتقد أن القدر يحتم عليه قيادة الكاتالونيين إلى الأرض الموعودة. لكن من الصعب التكهن بما سيقرره المقربون منه. كما أنه ليس منضبطا جدا إزاء حزبه، حيث يسود شعور بالقلق». وختم بالقول: «ومع ذلك، لا يبدو ذلك الرجل المتعصب كما تصوره مدريد»، بحسب تعبيره.
وتدفع فرضية إعلان أحادي للاستقلال في كاتالونيا رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي، إلى التلويح بتفعيل المادة 155 من الدستور التي تجيز «تسلم إدارة المؤسسات» في الإقليم، وهو أمر غير مسبوق.
لكنه ينص على ضمانات تتيح للحكومة المركزية التدخل مباشرة في شؤون إحدى هذه المناطق عند مرورها بأزمة.
واعتبرت المحكمة الدستورية أن «استفتاء تقرير المصير» الذي نظم في الأول من أكتوبر مخالف للدستور.