تفاقمت أعداد الضحايا المدنيين عبر مختلف أرجاء سوريا في الأسابيع الأخيرة مع شن قوات موالية للنظام المئات من غارات القصف ضد مناطق تقع تحت مظلة الحماية الدولية. وسجلت منظمات معنية بمراقبة الحرب في سوريا مئات الضربات منذ نهاية الجولة السادسة من محادثات السلام (آستانة) التي جرت بين روسيا وإيران وتركيا في منتصف سبتمبر (أيلول).
وأعلنت منظمة «الخوذ البيضاء» للإغاثة، الجمعة، أن 80 في المائة من مثل هذه الغارات استهدفت مناطق مدنية.
بوجه عام، كان سبتمبر (أيلول) الأكثر دموية بين شهور هذا العام في سوريا، تبعاً لما أعلنه المرصد السوري لحقوق الإنسان، منظمة معنية بمراقبة الوضع داخل سوريا. وذكرت المرصد أن ما يقرب من 1000 مدنيّ لقوا مصرعهم بمختلف أرجاء البلاد.
في هذا الصدد، قال تيم السيوفي، الناشط المنتمي لضاحية دوما المحاصرة داخل دمشق: «عادت الطائرات الآن، وتسود حالة من الرعب الأرجاء طيلة الوقت».
وينظر محللون إلى هذا العنف باعتباره مؤشراً على أن اتفاقات وقف إطلاق النار التدريجية التي أُقِرّت داخل آستانة، عاصمة كازاخستان، لم تفلح في تغيير الأهداف المحورية للنظام السوري. وبدعم من روسيا وإيران، نجد أن نجم المؤسسة العسكرية تحت قيادة الرئيس بشار الأسد في صعود مستمر، وتقف على وشك استعادة معظم الأراضي التي سقطت من قبضتها على امتداد سنوات الحرب الستّ.
ويعتقد هؤلاء المحللون أن النظام السوري أدرك قلة الخيارات الدبلوماسية أمام الولايات المتحدة والدول الأوروبية، التي سبق أن تزعمت من قبل عملية سلام بدعم من الأمم المتحدة لم تحقق جدوى. واليوم، لا تملك هذه الدول نفوذاً يُذكَر على أي من أطراف الصراع الدائر في سوريا.
من ناحيتها، قالت إيما بيلس الخبيرة المقيمة في بيروت والمعنية بمراقبة الحرب في سوريا: «بالنسبة للمجتمع الدولي، الذي أخفق لدرجة كبيرة في متابعة هذه العملية، ربما تترك العودة إلى العنف تداعيات أكبر على محاولاته إقرار حل سياسي ومستدام».
إلى ذلك، جاءت الهجمات التي شنتها طائرات حكومية وروسية، في أعقاب محاولة هجوم فاشلة بقيادة تنظيم القاعدة («النصرة» وحلفاؤها) في محافظة حماة الواقعة غرب البلاد.
وفي محافظة إدلب المجاورة التي تشكل معقلاً للجماعات المسلحة وتجري بشأنها محادثات سلام ترمي لإقرار وقف إطلاق نار، استهدفت طائرات حربية مستشفيات كانت تعج بالجرحى.
وتعطلت كثير من المقابلات التي أجريناها مع مدنيين من المنطقة جراء أصوات الانفجار والقصف الصاروخي. وداخل مستشفى إدلب وكفر تخاريم خلال واحدة من الهجمات الليلية، قال العاملون إنهم صُدِموا بالأعداد الضخمة للضحايا. على سبيل المثال، قال أحد أفراد الفريق الطبي وأشار لنفسه باسم عبد الحميد (34 عاماً): «تعج غرف الطوارئ بالمصابين خلال الليالي الدموية، الأمر الذي يضطرنا لعلاج البعض أثناء جلوسهم على مقاعد. أما القتلى، فتجري تغطيتهم ووضعهم على الأرض بينما نعكف على عملنا في علاج آخرين».
اللافت أنه داخل ضواحي دمشق، تعرضت المناطق التي تشملها الهدنة لهجمات متكررة، مع قصف منازل مدنيين وعيادة لإعادة تأهيل ضحايا تفجيرات سابقة.
من ناحيته، قال السيوفي إنه في ظل التفجيرات وفساد الجماعات المسلحة والتقاتل المشتعل فيما بينها، فقد الناس ثقتهم بالجميع. وأضاف: «يقول الناس إنهم لا يثقون بالنظام ولا بالجماعات المسلحة، ولا يرغبون سوى في ضمان الحصول على الطعام وإنهاء الحصار المفروض عليهم والعيش بسلام بعيداً عن القصف».
وقالت بيلس: «من شأن عملية خفض التصعيد تمكين الأسد من الاستمرار في هذه الاستراتيجية في إطار عملية سياسية تحظى بإقرار دولي».
وعلى ما يبدو، تركزت الضربات الجوية الحكومية والروسية على مناطق حول طريق «إم 5» السريع الاستراتيجي، الذي يعد بمثابة شريان حيوي للنظام السوري يمر من دمشق عبر حماة وإلى حلب، التي استعاد النظام السيطرة عليها من أيدي جماعات مسلحة، ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
إلا أن هناك آخرين رأوا في هذا الوضع بعض المكاسب التي يُمكن اقتناصها.
على سبيل المثال، قال أحمد رحال، العميد ركن الشابق بجيش الأسد، الذي يعمل محللاً عسكرياً حالياً من داخل إسطنبول: «يبدو اتفاق (آستانة) أشبه بنسيج من القماش يجري تمديده على أجزاء من البلاد، فمناطق خفض التصعيد تلك تجمد المشكلة ولا تحلها».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»