رحيل جلال طالباني «العابر للانتماءات»

حداد في كردستان... والعبادي ينعى «أخاً حكيماً»

طالباني يتوسط بعض مؤسسي حزبه في جبال السليمانية عام 1978 وإلى يمينه الرئيس العراقي الحالي فؤاد معصوم
طالباني يتوسط بعض مؤسسي حزبه في جبال السليمانية عام 1978 وإلى يمينه الرئيس العراقي الحالي فؤاد معصوم
TT

رحيل جلال طالباني «العابر للانتماءات»

طالباني يتوسط بعض مؤسسي حزبه في جبال السليمانية عام 1978 وإلى يمينه الرئيس العراقي الحالي فؤاد معصوم
طالباني يتوسط بعض مؤسسي حزبه في جبال السليمانية عام 1978 وإلى يمينه الرئيس العراقي الحالي فؤاد معصوم

أعلن «الاتحاد الوطني الكردستاني»، أمس، وفاة أمينه العام الرئيس العراقي السابق جلال طالباني، في أحد مستشفيات برلين الذي كان يخضع للعلاج فيه بعد تدهور حالته الصحية.
ويعد طالباني أول كردي يتولى رئاسة العراق، إذ استمر في منصبه منذ 2005 وحتى 2014، لولايتين متتاليتين، رغم إصابته في 2012 بجلطة في القلب وأخرى في الدماغ، دخل على أثرها في غيبوبة، ومن ثم أصيب بالشلل. ولطالما وصف بأنه شخصية عابرة للانتماءات العرقية، بسبب علاقاته الطيبة بمختلف أطياف السياسة العراقية.
وكان طالباني يخضع للعلاج في مستشفى ألماني، ثم أعيد إلى معقل حزبه في مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق في 2014، لمواصلة العلاج، وظل فيها حتى نقل مجدداً قبل أشهر إلى ألمانيا، حيث توفي أمس عن 84 عاماً.
ونكست الأعلام في أربيل. وأعلن رئيس الإقليم مسعود بارزاني الحداد أسبوعا على وفاة طالباني التي اعتبرها «خسارة كبيرة لنا جميعاً. لقد خسرت صديقاً وشقيقاً حظيت بفرصة خوض النضال معه».
واعتبر رئيس الوزراء العراقي حيدر وفاة طالباني «نبأ محزناً». وقدم التعازي لعائلته «وشعبنا عامة، ومواطنينا الكرد خاصة، وإخواننا في الاتحاد الوطني الكردستاني». ووصف العبادي طالباني بـ«الشخصية المناضلة وشريكنا في بناء العراق الديمقراطي الاتحادي». وأضاف: «في هذا الظرف كنا بحاجة لعقلانيته وحكمته... ونتذكر عندما وصف الشعب العراقي بأنه باقة ورود متنوعة».
ولد جلال حسام الدين نوري غفور في 1933 في قرية كلكان الواقعة على سفح جبل كوسرت في قضاء كويسنجق بإقليم كردستان العراق. وكان والده شيخ «الطريقة القادرية» وزعيم «التكية الطالبانية» في كويسنجق التي أنهى فيها طالباني تعليمه الابتدائي.
بدأ طالباني بممارسة السياسة منذ نعومة أظافره. وعند بلوغه الرابعة عشرة، انضم إلى «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بقيادة الزعيم الكردي الراحل ملا مصطفى بارزاني (والد رئيس الإقليم الحالي مسعود بارزاني) في 1946، وانتخب في 1954 عضواً في المكتب السياسي للحزب، وكان من المقربين لبارزاني.
تخرج طالباني في كلية الحقوق في إحدى جامعات بغداد في 1959، والتحق بالجيش العراقي ضابطاً، وأصبح مسؤولاً عن كتيبة عسكرية مدرعة. وفي 1961، أصبح رئيساً لتحرير جريدة «كردستان» بعد إغلاق جريدة «خبات» التي كان يشارك في إصدارها، من قبل حكومة عبد الكريم قاسم في بغداد، وتعرض للملاحقة من قبل الأجهزة الأمنية العراقية آنذاك.
لعب طالباني دوراً رئيسياً في «ثورة أيلول» 1961، وشارك كقائد عسكري في معارك طرد القوات العراقية من المناطق والمدن الكردية، وبعد سقوط حكومة قاسم، قاد الوفد الكردي للمحادثات مع رئيس الحكومة الجديد عبد السلام عارف في 1963. ولتعريف العالم بالقضية الكردية، توجه طالباني في العام ذاته إلى مصر، حيث التقى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وزار الجزائر، والتقى الرئيس الراحل أحمد بن بلا، وزار أوروبا أيضا لحشد الدعم للأكراد.
تزوج طالباني في 1970 من هيرو، ابنة الشاعر الكردي إبراهيم أحمد، وأنجب منها ولدين هما بافيل وقباد. وبعد توقيع الأكراد والحكومة العراقية اتفاقية 11 مارس (آذار) 1970، أصبح طالباني ممثلاً للأكراد، وعاش خلال تلك الفترة متنقلاً بين بيروت والقاهرة ودمشق حتى 1975، حين وقعت اتفاقية الجزائر بين شاه إيران وصدام حسين.
وأسس طالباني مع مجموعة من زملائه في يونيو (حزيران) 1975 حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني»، ووضع خريطة لاندلاع «الثورة الكردية الجديدة» التي أعلنها في 1976، وأصبح أميناً عاماً للحزب.
وقاد طالباني بالتنسيق مع «الحزب الديمقراطي الكردستاني» وأحزاب كردية أخرى خلال ثمانينات القرن المنصرم، القتال ضد نظام حزب «البعث» من جبال كردستان، ولعب دوراً بارزاً في تأسيس «الجبهة الكردستانية» مع الراحل إدريس بارزاني في 1986، حتى تمكنت القوى الكردية في ربيع 1991 من السيطرة على محافظات أربيل والسليمانية ودهوك من الجيش العراقي. وشارك مع مسعود بارزاني في تأسيس حكومة الإقليم في العام التالي.
كان لطالباني دور بارز في قيادة المعارضة العراقية إلى حين إسقاط نظام صدام حسين في أبريل (نيسان) 2003، وشارك في تأسيس العراق الجديد، وانتخب في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام ذاته عضواً في مجلس الحكم الذي قاد البلاد خلال الفترة الانتقالية. وكان له دور بارز في توحيد الأطراف المتنازعة، والتقريب بينها لإنجاح العملية السياسية.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.