ماكرون يسعى للتوسط بين بغداد وأربيل

يستقبل العبادي غداً ويحاول ملء «الفراغ الأميركي» في الأزمة

TT

ماكرون يسعى للتوسط بين بغداد وأربيل

يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال استقباله رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي صباح غدٍ، إلى عرض وساطة بلاده في الأزمة بين بغداد وأربيل. غير أن مراقبين يقللون من قدرة باريس على لعب هذا الدور، خصوصاً في ظل افتقارها إلى أوراق تأثير.
ويرافق العبادي وفد وزاري كبير لا يضم وزيري الخارجية والدفاع، في زيارته التي تستمر 24 ساعة. وإضافة إلى اللقاء مع ماكرون، سيعقد رئيس الوزراء العراقي لقاءات مع مسؤولين فرنسيين آخرين، أبرزهم وزير الخارجية جان إيف لودريان، ووزيرة الدفاع فلورنس بارلي، فضلا عن لقاء رجال أعمال.
وحرصت مصادر قصر الإليزيه، أمس، على تأكيد أن الزيارة «لا علاقة لها بالاستفتاء» الذي أجري في كردستان العراق الأسبوع الماضي، بل إنها «مقررة سلفا»، وتم نقل الدعوة إلى العبادي خلال زيارة وزيري الخارجية والدفاع لبغداد وأربيل في 26 أغسطس (آب) الماضي.
وكان لافتاً أمس حرص مصادر الإليزيه على التقليل من أهمية المساحة التي سيحتلها ملف الاستفتاء الكردي في محادثات العبادي في باريس؛ إذ اكتفت بالقول: إن ماكرون «سيبحث بطبيعة الحال مواضيع الساعة» مع ضيفه الذي يلتقي به أولاً في «اجتماع ضيق» يليه اجتماع موسع بحضور الوفدين.
حقيقة الأمر، أن الحذر الفرنسي مرده إلى رغبة باريس في تلافي تكرار ردة الفعل العراقية السلبية التي تلت بيان قصر الإليزيه عقب الاتصال الهاتفي الذي جرى بين ماكرون والعبادي يوم الجمعة الماضي. وجاء في البيان المذكور، أن ماكرون «أعاد التأكيد على الأهمية التي توليها فرنسا للمحافظة على وحدة الأراضي العراقية وسلامتها، مع الاعتراف بحقوق الشعب الكردي»، منبهاً إلى ضرورة «تلافي أي نوع من أنواع التصعيد».
وبحسب الإليزيه، فإن الرئاسة اقترحت «مساعدة العراق لمنع زيادة التوتر مع كردستان بالنظر إلى علاقات الصداقة» التي تربط باريس بالطرفين. ويبدو أن هذه الفقرة أثارت حفيظة الجانب العراقي الذي رد سريعاً بأن دعوة العبادي إلى باريس «لا علاقة لها بالأزمة الناتجة عن الاستفتاء الكردي غير الدستوري»، وأن الاتصال الهاتفي بين المسؤولين «لم يأت على ضرورة الاعتراف بالحقوق الكردية، ولا على الحاجة إلى وقف التصعيد من جانب بغداد».
لذا؛ فإن مصادر الإليزيه سعت أمس إلى طمس الملف الكردي والتركيز على أهمية الزيارة ثنائياً، وأنها «تتم في وقت يشهد فيه العراق والمنطقة أحداثاً مهمة»، أبرزها النجاحات في الحرب على الإرهاب في العراق وسوريا، و«استعداد فرنسا للعمل» مع العراق ليس فقط في المرحلة العسكرية ضد «داعش»، لكن أيضاً في المراحل اللاحقة، أي مرحلة تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي وبناء مجتمعات تتيح لكل المكونات العيش بسلام ووئام.
ولخصت المصادر الرئاسية توقعات باريس من الزيارة بـ«تطوير علاقات ثنائية على الصعد الأمنية والسياسية والاقتصادية والثقافية كافة»، مع التركيز على أهمية الاستمرار في محاربة الإرهاب.
بيد أن هذه التوضيحات لا تعني، وفق مصادر أخرى في باريس، أن الرئيس الفرنسي طوى رغبته في أن يلعب دور «الوسيط» بين بغداد وأربيل، وهي تؤكد أن ملف الاستفتاء وتبعاته سيكون على رأس لائحة المواضيع التي سيتناولها الطرفان. كذلك، فإن باريس «جاهزة وراغبة» في مساعدة الحكومة المركزية وسلطات كردستان على خفض التوتر المتصاعد، ومنع تأجيج النزاع بينهما من جهة والبحث عن «مخارج» من جهة أخرى.
وقالت أوساط الإليزيه أمس: إن باريس «مستمرة بالتشاور» مع الأطراف المعنية بالأزمة الكردية، لكنها قبل ذلك كله «تريد الاستماع إلى ما يقوله العبادي والعراقيون»، وتنتظر لتعرف مصير الدعوات إلى الحوار الصادرة عن العراقيين أنفسهم، في إشارة إلى المبادرات الداخلية لحل الأزمة. وفي أي حال، ترى باريس أن «كل ما يشجع على العودة إلى الحوار أمر إيجابي».
وتركز المصادر الفرنسية في سعيها إلى مد يد المساعدة على «الصداقة» التي تربط باريس ببغداد من جهة وبأربيل من جهة ثانية، وعلى المساعدات التي تقدمها للجانبين عسكرياً واقتصاديا، وعلى قدرتها على اتخاذ موقف «مقبول» تشدد فيه من ناحية على تمسكها بـ«وحدة العراق وسلامته»، ومن ناحية أخرى على «اعترافها بحقوق الشعب الكردي»، لكن مع تمسكها ببقاء العراق بلداً موحداً.
وتدعو باريس إلى الابتعاد عن «التصعيد» بين الجانبين وعلى بقاء العراقيين «موحدين» لمنع إدخال عامل توتر جديد. وتؤكد المصادر الفرنسية، أن «المخارج» تكمن في الالتزام بما ينص عليه الدستور العراقي الذي يتعين العمل ببنوده كافة وتفعيلها من غير استثناء. كذلك تطالب باريس بالعودة إلى الحوار بين بغداد وأربيل، وتستعيد الحجة الأميركية القائلة إن الأولوية اليوم هي لاستكمال الحرب على «داعش»، وأن الاستفتاء يمكن أن يفتح الباب لحروب جديدة.
بيد أن السؤال الذي تطرحه أوساط سياسية وبحثية فرنسية يدور حول قدرة باريس على لعب دور الوسيط، وعلى الأوراق التي في متناول يديها من أجل النجاح في هذا الدور. وفي هذا السياق، يقول نائب مدير «معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية» الأكاديمي ديديه بيون لـ«الشرق الأوسط» إن باريس «تمتلك شبكات اتصال، وربما تأثير لدى أكراد العراق، وبدرجة أقل لدى الحكومة المركزية. لكن الاعتقاد أن الرئيس ماكرون يمكن أن يكون عاملاً حاسما في التأثير على الأزمة العراقية ــ الكردية، وهم».
وإذ ينوه بيون بإرادة ورغبة ماكرون في أن تكون له دبلوماسية «نشطة» في منطقة الشرق الأوسط، مشيراً إلى رغبته في لعب دور في سوريا عبر «مجموعة الاتصال»، وفي ليبيا من خلال الجمع بين قائد «الجيش الوطني الليبي» المشير خليفة حفتر ورئيس حكومة الوفاق فائز السراج، ناهيك عن الملف النووي الإيراني، إلا أنه يستدرك بالقول: إن فرنسا «لا يمكن أن تكون وسيطاً في نزاعات العالم كافة»، إأنها «حتى لو رغبت في ذلك، فإنها لا تتمتع بالتأثير الكافي»، و«الأوراق» التي في حوزتها في الملف العراقي ــ الكردي «لا تكفي».
وسبق لباريس أن حاولت تنسيق الجهود مع تركيا، بقيام سفيرها والسفير التركي بمحاولة مشتركة لدى الحكومة المركزية ولدى سلطات الإقليم. لكن هذه المحاولة جاءت يتيمة ومن غير تأثير. وقبل حدوث الأزمة، قام وزيرا الخارجية والدفاع الفرنسيان أواخر أغسطس بمحاولة استباقية لثني الأكراد عن التسبب بوضع متفجر. وكانت الجهود الفرنسية من ضمن التحرك الدولي. لكنها فشلت في تلافي الوصول إلى طريق مسدود.
غير أن المصادر الفرنسية تلفت إلى أن «القوة الرئيسية» التي يمكن أن تلعب دور «الوسيط»، وهي الولايات المتحدة «غائبة حتى الآن عن المسرح»، ما يترك الباب مفتوحاً لمساعي باريس من أجل «ملء الفراغ».
ويرى الباحث ديديه بيون، أن واشنطن «لا تستطيع اليوم لعب دور الوسيط بعد المواقف الحادة التي عبرت عنها إزاء الأكراد»، مشيراً إلى أن ردة الفعل الكردية «تبين مدى اتساع الهوة» بين الجانبين وحاجة واشنطن لبعض الوقت من أجل إعادة وصل خيوط الحوار مع أربيل التي «لم توفر مظلة دولية لما كانت عازمة على القيام به، الأمر الذي يبين صعوباتها وعزلتها اليوم».
وبالمقابل، فإن نسبة تأثير واشنطن على الحكومة العراقية تبقى «محدودة» بسبب ما يسميه الباحث «القدرة التعطيلية» المتمثلة بإيران ودروها «المؤثر» على بغداد وعلى قراراتها. ووفق بيون، فإن العبادي وبارزاني «ملزمان بالتعبير عن مواقف متشددة لأسباب سياسية داخلية: الأول يخضع لضغوط سياسية من البرلمان ومن القوى التي حملته إلى السلطة، ولا يستطيع المقامرة بانفصال كردستان ولا قبول الأمر الواقع الذي فرضه الاستفتاء. أما الثاني، فإنه أصبح رهينة وعوده ومبادراته، وإذا تراجع فإنه يفقد مصداقيته، خصوصاً أنه أدخل الإقليم في متاهات يصعب الخروج منها، وتراجعه عن الاستفتاء سيكون بمثابة انتحار سياسي له».
وخلص بيون إلى أن «هناك حاجة أساسية إلى وساطة قادرة على دفع الطرفين للجلوس إلى طاولة المفاوضات، وطرح المسائل الخاصة بعلاقات المركز مع الإقليم كافة، واقتراح أفكار جديدة منتجة». ومن هذه الزاوية، يمكن اعتبار «مبادرة» ماكرون «مفيدة، كونها تسعى إلى سد بعض الفراغ، لكن من غير وجود ضمانات بالتوصل إلى نتائج ملموسة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».