في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، خاض منتخب بلجيكا مباراة أمام نظيره الإستوني في بروكسل في إطار التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس العالم 2018 الصيف القادم بروسيا. وانتهت المباراة بفوز بلجيكا بثمانية أهداف مقابل هدف وحيد، وهو ما يعني أن هذه المباراة سوف تظل محفوظة في الذاكرة نتيجة هذه النتيجة الثقيلة. لكن على المدى الطويل، كان هناك شيء أكثر أهمية من تلك النتيجة، وربما من حقيقة أن هذه المباراة قد جعلت بلجيكا هو أول فريق يتأهل رسميا لنهائيات كأس العالم 2018، وكان هذا الشيء يتمثل في أن المدير الفني للمنتخب البلجيكي روبرتو مارتينيز قد دفع بنجم مانشستر سيتي كيفين دي بروين كواحد من محوري خط الوسط في الطريقة التي خاض بها المباراة وهي 3 - 4 - 2 - 1.
وكان المنتخب البلجيكي يواجه فريقا متواضعا نسبيا مثل إستونيا، ولذا فكر مارتينيز في الدفع بدي بروين في هذا المركز لأنه يعرف جيدا أنه لن يواجه ضغطا كبيرا من لاعبي الفريق المنافس. ولعب دي بروين بجانب أكسيل ويتسل خلف دريس ميرتينز وإيدن هازارد، في الوقت الذي كان يقود فيه روميلو لوكاكو خط الهجوم. وكان المنتخب البلجيكي يركز على نقل الكرة بسرعة شديدة ومحاصرة دفاع استونيا وتضييق المساحات بدرجة كبيرة. وعندما عاد دي بروين إلى مانشستر سيتي، أخذه مديره الفني جوسيب غوارديولا جانبا وقال له: «الآن رأيت أنه يمكنك اللعب في هذا المركز. وربما أجربك فيه أيضا».
ومن شبه المؤكد أن يلعب دي بروين في هذا المركز ضد ناديه السابق تشيلسي في مباراة الفريقين اليوم، وربما يكون أخطر لاعب بين الثلاثة لاعبين الذين باعهم تشيلسي في عامي 2014 و2015، والذين يلعبون الآن أدوارا محورية في أندية أخرى من أندية القمة في الدوري الإنجليزي الممتاز. وخلال الموسم الماضي، كان دي بروين أكثر فعالية عندما كان يلعب في الخط الهجومي في عمق الملعب بالطريقة التقليدية. صحيح أنه كان يلعب على أطراف الملعب في بعض الأحيان، لكنه كان يقدم أفضل مستوياته عندما كان يلعب في طريقة 3 - 2 - 4 - 1 التي كان غوارديولا يفضل الاعتماد عليها في بداية الموسم. وفي الوقت الحالي، وبينما يلعب الفريق بطريقة 4 - 3 – 3، يلعب دي بروين دورا بين هذا الدور وذاك، إذ يستحوذ فيرناندينيو على الكرة ويقوم ديفيد سيلفا بصنع اللعب من ناحية الشمال في حين يلعب دي بروين ناحية اليمين وينطلق بسرعة كبيرة بين لاعبي خط المنتصف ويتمتع بحرية أكبر في التحرك حسب متطلبات المباراة.
ويبدو أن غوارديولا قرر أن يعود إلى الأساسيات، في إعادة تفسيره المستمر للمبادئ والقواعد التي وضعها يوهان كرويف، إذ يعتمد في خطته الأساسية خلال الموسم الجاري على شكل معين في منتصف الملعب يشبه تماما ما كان يعتمد عليه المنتخب الهولندي في نهائيات كأس العالم عام 1974، أو المنتخب الأرجنتيني بعد أربع سنوات من هذا التاريخ. وإذا كان فيرناندينيو يلعب الدور الذي كان يقوم به ويم يانسين أو أميريكو غاليغو، في حين يلعب سيلفا دور ويم فإن هانيغيم أو ماريو كيمبيس، فإن دي بروين يلعب دور يوهان نيسكينس أو أوسي أرديليس، ويجمع بين القدرات الفنية والقدرة على التحمل والتوجيه في نفس الوقت.
وفي الحقيقة، هناك علاقة واضحة بين اللاعب والمدير الفني. قد يكون من الصعب فهم شخصية غوارديولا، ففي بعض الأحيان يوجه انتقادات لما يبدو إيجابيا، وفي أحيان أخرى يكون صاخبا حول ما يبدو عاديا، لكنه في الواقع ليس مناورا مثل المدير الفني لمانشستر يونايتد جوزيه مورينيو. وبدلا من ذلك، فإنه يكون سعيدا للغاية عندما يرى شيئا يطابق الطريقة التي يفضلها في كرة القدم ويريد حقا أن يجعل جمهوره يشاركه السعادة عندما يشاهد كرة القدم المثالية التي يسعى لتقديمها.
وكان غوارديولا قد أعجب للغاية بقدرات وفنيات دي بروين عندما كان يلعب في صفوف فولفسبورغ الألماني بعد رحيله عن تشيلسي. وقال المدير الفني الإسباني: «إنه يمتلك موهبة كبيرة والتزاما خططيا عندما لا تكون الكرة في حوزته وتطلعا دائما، كما أنه لاعب ذكي. إنه لاعب رائع، وكل ما يحتاج إليه هو أن يعرف فقط ما يتعين عليه القيام به. إنه سريع للغاية ويقوم بالكثير من التمريرات ويصنع الكثير من الأهداف، علاوة على أنه يرى المساحات الخالية في الملعب ويتحرك بصورة أسرع من أي لاعب أخر. إنه لاعب جيد للغاية عندما تكون الكرة بين قدميه، كما أنه لاعب متكامل».
لكن ربما يكون الشيء الأكثر أهمية يكمن في أنه لاعب مختلف عن باقي اللاعبين. ويؤمن دي بروين بوجود علاقة تفاهم كبيرة بينه وبين غوارديولا نابعة من حقيقة أن كلا منهما ينظر بنفس الطريقة إلى الكيفية التي يجب أن تُلعب بها كرة القدم. لكن من بين كل المثلثات الهجومية الأخرى، يلعب دي بروين دورا محددا وهو تسريع وتيرة اللعب. وعندما وصف الناس أسلوبه بأنه يلعب الـ«تيكيتاكا»، نفى غوارديولا ذلك واعترف بأن أصول هذه التسمية ترجع إلى إهانة صاغها خافيير كليمنتي خلال فترة عمله كمدير فني لنادي أتلتيك بلباو الإسباني عندما وصف ما رأى بأنه كرة قدم جميلة وتمريرات قصيرة لا جدوى منها بالشكل الذي كان يميز أداء برشلونة في ثمانينيات القرن الماضي. لكن دور دي بروين هو أن يمنع مانشستر سيتي من أن يلعب «تيكي تاكا» بهذا المعنى. ومنذ أن انضم دي بروين لمانشستر سيتي، لم يتفوق عليه أي لاعب آخر في الدوري الإنجليزي الممتاز من حيث صناعة الفرص سوى لاعبين هما مسعود أوزيل وكريستيان إريكسين، لكن الشيء المذهل بالنسبة له خلال الموسم الجاري أنه لم يعد يكتفي بصناعة الفرص فقط الآن، وخير مثال على ذلك الهدف الرائع الذي سجله في مرمى شاختار في دوري أبطال أوروبا يوم الثلاثاء الماضي، والذي يثبت أنه لاعب متكامل، وهو ما جعله لاعبا «قيما» للغاية بالنسبة لغوارديولا.
في الواقع، يمكن لدي بروين أن يسجل ويصنع الأهداف، كما أصبح هو القلب النابض وصمام الأمان لفريقه، لأنه هو الذي يتحكم في إيقاع المباراة وفي زيادة وتقليل الضغط في ضوء متطلبات المباراة. وفي فريق يضم كوكبة من اللاعبين المبدعين، أصبح دي بروين هو اللاعب الأبرز والقادر على التحكم في وتيرة اللقاء ومساعدة زملائه في الفريق على الانطلاق للهجوم من عمق الملعب بسرعة كبيرة.
كيفين دي بروين قلب مانشستر سيتي النابض وصمام أمانه
النجم البلجيكي أصبح هو القادر على التحكم في إيقاع المباريات في فريق يعج بالنجوم والمواهب
كيفين دي بروين قلب مانشستر سيتي النابض وصمام أمانه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة