اتفاق بين الخرطوم وجوبا للعمل على رفع العقوبات الأميركية

وزير عدل جنوب السودان يقر بارتكاب الحكومة والمتمردين انتهاكات ضد حقوق الإنسان

TT

اتفاق بين الخرطوم وجوبا للعمل على رفع العقوبات الأميركية

أعلنت جمهورية جنوب السودان أنها اتفقت مع الحكومة السودانية للعمل معها لضمان رفع العقوبات الأميركية المفروضة على الخرطوم، في وقت يتوقع أن يقوم الرئيس سلفا كير بزيارة إلى السودان في أي لحظة، فيما اعترف وزير العدل في جوبا بارتكاب الحكومة والمتمردين انتهاكات ضد حقوق الإنسان في الحرب الدائرة في البلاد منذ نهاية 2013.
وقال مستشار رئيس جنوب السودان للشؤون الأمنية توت قلواك في تصريحات في جوبا إن الوفد الحكومي الذي بعث به الرئيس سلفا كير إلى الخرطوم أوصل رسالته بالتأكيد على أن بلاده ملتزمة بتنفيذ اتفاق التعاون المشترك الذي تم توقيعه بين البلدين في سبتمبر (أيلول) 2012، وأضاف أن الاتفاقية تشجع الدولتين على العمل سوياً من أجل تعزيز العلاقات وتبادل المنتفع والمصالح المشتركة، وتابع «الحكومة السودانية أكدت أنها مستعدة لاستقبال الرئيس سلفا كير للقاء نظيره عمر البشير ليقف الزعيمان على ما توصلت إليه اللجان الفنية المشتركة وحل كافة القضايا العالقة في اتفاق التعاون إلى جانب تناول الموضوعات ذات الاهتمام المشترك».
ويتوقع أن تنظر الإدارة الأميركية في الثاني عشر من أكتوبر (تشرين الأول) القادم في أمر رفع العقوبات التي فرضتها على السودان منذ العام 1997، والتي كان يفترض أن يتم رفعها في يوليو (تموز) الماضي، ولكن تم تأجيل إلى ذلك التاريخ.
وقال قلواك إن جوبا والخرطوم اتفقتا على العمل معاً على رفع العقوبات الأميركية عن السودان، وأضاف «هذا الاتفاق ليس جديداً بل قد نصت عليه اتفاقية العام 2012 بين البلدين وسيعود بالفائدة لهما»، غير أن مراقبين شككوا في قدرة جنوب السودان في القيام بأي دور في رفع العقوبات الأميركية عن السودان، ويعتقد المراقبون أن جوبا أصبحت علاقاتها ضعيفة مع واشنطن التي فرضت هي الأخرى عقوبات فردية على كبار المسؤولين في جنوب السودان بعد أن حملتهم مسؤولية استمرار الحرب المستمرة منذ أربع سنوات في الدولة الجديدة.
من جانب آخر اعترف وزير العدل والشؤون الدستورية في جنوب السودان فاولينو واناويلا في تصريحات في جوبا عقب عودته من جنيف حيث شارك في اجتماعات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بتورط حكومته والمتمردين في ارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان في الحرب الدائرة منذ أربع سنوات، وقال إن الضحايا يفضلون التحدث إلى المنظمات الدولية أكثر من إبلاغ الحكومة حول الجرائم التي ارتكبت مثل الاغتصاب، وتابع «لا يمكن أن يتم إنكار هذه الانتهاكات ضد حقوق الإنسان في جنوب السودان، ولكن الضحايا لا سيما النساء يفضلن الحديث إلى الأجانب والمنظمات الدولية بدلاً من التحدث إلى الحكومة وأجهزتها حول هذا الانتهاكات التي تقع على الضحايا»، مشيراً إلى أن الحكومة لا يمكنها محاسبة مرتكبي الجرائم.
وقال واناويلا إن فشل الضحايا في تبليغ الحكومة حول هذه الانتهاكات هو الذي يؤخر تحقيق العدالة وإنصافهم، وأضاف «إذا أبلغ الضحايا الحكومة من المؤكد أن يتم تحقيق العدالة... على الضحايا التوجه إلى أجهزة الحكومة حتى تتمكن من منع وقوع الانتهاكات ومساءلة المتورطين وتقديمهم إلى العدالة».
وطالب مجلس السلم والأمن الأفريقي مفوضية الاتحاد الأفريقي وحكومة جنوب السودان بتوقيع مذكرة تفاهم لإنشاء المحكمة المختلطة للتحقيق حول انتهاكات حقوق الإنسان بحلول ديسمبر (كانون الأول) القادم وتقديم المتورطين إلى المحاكم التي سيتم تشكيلها، وقد نص اتفاق السلام الذي وقعته الحكومة والمعارضة المسلحة في أغسطس (آب) 2015 على تشكيل محكمة مختلطة من الاتحاد الأفريقي للنظر في الجرائم المرتكبة خلال الحرب الأهلية.
إلى ذلك جدد رئيس جنوب السودان سلفا كير خلال تسلمه أوراق سفراء السعودية، وبريطانيا، والنرويج، ألمانيا وجنوب أفريقيا الدعوة لقيادات المعارضة إلى نبذ العنف والعودة إلى البلاد، مؤكداً أن الانتخابات التي أعلن عن إجرائها العام القادم هي وحدها التي ستمنح الشعب فرصة اختيار قادته وممثليه، وقال إن الانتخابات التي سيتم إجراؤها بعد انتهاء الفترة الانتقالية في أبريل (نيسان) القادم ستعطي شعب بلاده فرصة اختيار قادتهم وممثليهم، وجدد دعوته للمعارضة بالعودة وبنبذ العنف ووقف التحريض ضد الدولة، وأوضح أن قرارات العفو العديدة التي أصدرها من قبل لحملة السلاح لم يستجب منهم إلا القليل منهم، وتابع: «نحن ندعم كل المبادرات التي يمكن أن تحقق السلام والاستقرار».
وانفصلت جنوب السودان عن السودان، في يوليو 2011. عبر استفتاء شعبي، لكن الدولة الحديثة دخلت في موجات من المواجهات المسلحة بين القوات التابعة للرئيس سلفا كير ميارديت والمعارضة المسلحة التي يقودها نائبه السابق ريك مشار، واتخذت الحرب طابعاً إثنياً، ولم يفلح اتفاق سلام، وقع في 2015، في وقف النزاع المسلح بين الأطراف.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.