بارزاني: فات الأوان لتأجيل الاستفتاء ومستعدون لدفع أي ثمن للحرية

وفد كردستاني إلى بغداد اليوم وسليماني ينقل تحذيراً إيرانياً

تجمع انتخابي مؤيد لاستقلال إقليم كردستان في أربيل أمس (رويترز)
تجمع انتخابي مؤيد لاستقلال إقليم كردستان في أربيل أمس (رويترز)
TT

بارزاني: فات الأوان لتأجيل الاستفتاء ومستعدون لدفع أي ثمن للحرية

تجمع انتخابي مؤيد لاستقلال إقليم كردستان في أربيل أمس (رويترز)
تجمع انتخابي مؤيد لاستقلال إقليم كردستان في أربيل أمس (رويترز)

اختتم رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني أمس، جولاته لدعم الاستفتاء على الاستقلال في مدينة أربيل عاصمة الإقليم، وشدد في خطاب ألقاه أمام حشد ضخم ضم عشرات الآلاف على أن الوقت فات لتأجيل الاستفتاء، مؤكداً أن الكُرد مستعدون لدفع «أي ثمن من أجل الحرية» وماضون للتصويت يوم الاثنين، لكنه عرض بدء مفاوضات مع بغداد والمجتمع الدولي، ولكن بعد ظهور نتيجة الاستفتاء.
جاء ذلك في وقت تصاعدت فيه الضغوط على الإقليم لإلغاء الاستفتاء، وكان آخرها من تركيا أمس ومن مجلس الأمن مساء أول من أمس، فيما وردت معلومات عن وصول قائد «فليق القدس» في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني إلى إقليم كردستان ناقلاً تحذيراً من مغبة الخطوة الكردية التي أعلنت طهران صراحة معارضتها لها. ويتوجه اليوم (السبت) وفد رفيع المستوى من المجلس الأعلى للاستفتاء في كردستان إلى بغداد لتوضيح موقف القيادة السياسية الكردستانية، وتأتي زيارة الوفد بعدما قرر المجلس في اجتماعه الأخير أول من أمس إبقاء أبواب المفاوضات مفتوحة مع بغداد وإعطاءها الوقت اللازم والمطلوب.
وقال بارزاني في خطابه في أربيل أمس: «لقد فات أوان التأجيل، ولست ذلك الشخص الذي يحبط آمال شعبه». وطالب الشعب الكردي بالتوجه إلى صناديق الاقتراع يوم الاستفتاء والتصويت بنعم للاستقلال. وأضاف أنه «خلال السنوات الماضية توصلنا إلى قناعة أننا لا نستطيع أن نعيش مع بغداد مرة أخرى». وأردف بالقول: «حاولنا كثيراً مع كل الأطراف ومع بغداد نفسها أن نجد حلاً للمشكلات الموجودة وأن تلتزم (الحكومة المركزية) بالدستور وتقبل بالشراكة كما اتفقنا عليها، لكن مع الأسف لم تبقَ هناك شراكة ولا دستور»، لافتاً إلى أن قرار الاستفتاء اتخذ قبل 7 يونيو (حزيران) الماضي «لكنهم كانوا يظنون أنه مجرد ورقة ضغط ومخرج من الأزمات الداخلية وعولوا على انقسام كردستان، لكن الاستفتاء خرج عن كونه قرار حزب أو جهة واحدة وأصبح بأيديكم»، في إشارة إلى شعب كردستان.
وأضاف: «نحن نقول إننا مستعدون لحوار جدي وبعقلية متفتحة مع بغداد، ولكن بعد 25 سبتمبر (أيلول)، لأن الوقت فات».
وأوضح بارزاني أنه سأل الأطراف التي تدعو إلى تأجيل الاستفتاء عن سبب محاولاتها منعه لكنه لم يحصل على جواب، مضيفاً: «يريدون تأجيل الاستفتاء لكسر إرادة وكرامة شعب كردستان، وإلا ما الضير في تحديد الشعوب لمصيرها!». وأكد أن «البيشمركة لن تسمح بأن تقع كردستان بأيدي الأعداء».
وتوجّه بارزاني للجهات والدول التي تهدد كردستان، وقال: «منذ مائة عام وأنتم تعاقبوننا، ألم تشبعوا من معاقبة شعبنا؟». وأضاف: «إذا شئتم أن تعاقبوا أحداً فتعالوا وعاقبوني شخصياً لا شعب كردستان». وشدد على استعداد الأكراد «لدفع أي ثمن مقابل الحرية».
وكان المجلس الأعلى للاستفتاء في كردستان أكد أول من أمس تمسك الإقليم بإجراء استفتاء الاستقلال في موعده المحدد، مبيناً أن البدائل والمقترحات والضمانات التي ترضي الشعب الكردي لم تصل حتى الآن إلى كردستان.
ومن المفترض أن يعلن رئيس إقليم كردستان العراق في مؤتمر صحافي السبت في أربيل، رسمياً موقفه النهائي من الضغوط لإرجاء الاستفتاء.
وتزامناً مع ذلك، تتواصل المفاوضات مع بارزاني لإقناعه بالعدول عن رأيه، بحسب ما قال مسؤولون مقربون من الملف لوكالة الصحافة الفرنسية.
وقال أحد المسؤولين طالباً عدم نشر هويته إن «شيئاً لم يتوقف، ما زال النقاش جارياً سعياً لتقديم ضمانات جدية تقنعه (بارزاني) بالعدول عن رأيه».
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر رفيع المستوى في السليمانية أن قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني عاد إلى إقليم كردستان لعقد لقاءات مع مسؤولين في الإقليم. وأشار المصدر إلى أن سليماني كان موجوداً أمس في السليمانية وسيتوجه بعد ذلك إلى أربيل، لافتاً إلى أن «هذه الزيارة تعتبر الأخيرة لسليماني قبل الاستفتاء لتحذير القيادات الكردية من إجراء الاستفتاء». وأضاف أن «سليماني وعد في زيارته السابقة بأن تضغط إيران على القيادات العراقية في بغداد للاستجابة لمطالب الأكراد لحل خلافاتهم العالقة حول مواضيع ميزانية الإقليم، ومشكلة رواتب البيشمركة، والمناطق المتنازع عليها».
ولفتت الوكالة الفرنسية إلى أنه في عام 2014، وبسبب النزاع على صادرات النفط، قررت بغداد ألا تدفع ميزانية الإقليم التي تشكل 17 في المائة من الموازنة الوطنية، أي 12 مليار دولار. ويشكل هذا المبلغ 80 في المائة من موازنة الإقليم، بما يشمل رواتب قوات البيشمركة.
والمناطق المتنازع عليها هي مناطق تخضع دستورياً لبغداد وتطالب بها سلطات كردستان، على غرار كركوك الغنية بالنفط، ومناطق في شمال ووسط البلاد.
وأبدى مجلس الأمن الدولي الخميس معارضته الاستفتاء المرتقب الاثنين، محذراً من أن هذه الخطوة الأحادية من شأنها أن تزعزع الاستقرار، ومجدداً تمسكه بـ«سيادة العراق ووحدته وسلامة أراضيه». وشدد المجلس على أن أعضاءه «يدعون إلى حل أي مشكلة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان في إطار الدستور العراقي عبر حوار منظّم وحلول توافقية يدعمها المجتمع الدولي».
وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أعلن الثلاثاء رفضه الاستفتاء بكل أشكاله، حتى لو أشار الأكراد إلى أنه لا يعني إعلان الاستقلال. وقال العبادي خلال لقاء مع صحافيين في بغداد إن «الاستفتاء مرفوض، سواء حصل الآن أم في المستقبل. ومرفوض سواء حصل في الإقليم (...) أو في المناطق المتنازع عليها».
وعلاوة على ذلك، فقد أجمعت كل من تركيا وإيران والعراق، رغم الخلافات، على رفض عملية التصويت.
وكان رئيس إقليم كردستان أعلن الخميس رفضه «مبادرة» من الرئيس العراقي الكردي فؤاد معصوم الذي اقترح في وثيقة اطلعت عليها وكالة الصحافة الفرنسية بدء «مفاوضات دون شروط مسبقة» وبدعم من الأمم المتحدة. وبغية إنجاز هذه المبادرة، اقترح الرئيس العراقي تشكيل لجنة عليا برئاسته وتضم رئيس الحكومة العراقية ورئيس حكومة الإقليم ورئيس مجلس النواب العراقي.
وأشارت وكالة الصحافة الفرنسية إلى أنه فيما تتواصل الحرب ضد تنظيم داعش، يشهد التوتر بين كردستان وبغداد تصعيداً، خصوصاً في المناطق المتنازع عليها، حيث تسعى سلطات الإقليم لشمولها في الاستفتاء.
ويقول مسؤول «الحشد الشعبي» في قضاء طوزخرماتو عاطف النجار لوكالة الصحافة الفرنسية إن الأكراد يحاولون إجراء الاستفتاء «في مناطقنا. الاستفتاء هنا لن يحصل. لن ندعه يحصل. ما الذي يملكه الأكراد هنا؟».
وقال مسؤول محلي أمس إن إصابات عدة وقعت في اشتباكات بين جماعة إيزيدية عراقية يدعمها حزب العمال الكردستاني وفصيل شيعي قرب حدود سوريا.
وأوردت وكالة «رويترز» من نيويورك أن بريت ماكغورك، المبعوث الأميركي الخاص إلى التحالف المناهض لتنظيم داعش، قال للصحافيين أمس، إن الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان «ينطوي على مخاطر كثيرة». وأضاف: «الاستفتاء ينطوي على قدر هائل من المخاطر ولا يمكن للولايات المتحدة السيطرة على هذا... فيما يتعلق بعواقب الاستفتاء فهي ليست أمراً يمكننا السيطرة عليه بشكل كامل... إنه ينطوي على مخاطر كثيرة».
وفي موسكو، أوردت وكالة «رويترز» أن وزارة الخارجية الروسية قالت إن الوزير سيرغي لافروف أبلغ نظيره العراقي إبراهيم الجعفري أمس (الجمعة) دعم موسكو لسيادة العراق ووحدته. وقالت الوزارة في بيان: «أكد الجانب الروسي دعمه الثابت لوحدة العراق وسيادته وسلامة أراضيه».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».