الشيخ عبد الله آل ثاني استنهض تاريخاً ناصعاً لقطر

سيرة وطن من «قصر الريان» إلى «حضن طهران»

الشيخ عبد الله آل ثاني استنهض تاريخاً ناصعاً لقطر
TT

الشيخ عبد الله آل ثاني استنهض تاريخاً ناصعاً لقطر

الشيخ عبد الله آل ثاني استنهض تاريخاً ناصعاً لقطر

وضع الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني عبر بيانه الذي أعلنه يوم الأحد 17 سبتمبر (أيلول) الحالي، قيادة بلاده قطر أمام المحك، وجاءت لغة البيان خالية من الطرح العاطفي والابتزاز السياسي والانفعال. إذ حذر الشيخ عبد الله في البيان من المغامرات غير المحسوبة للقيادة القطرية، بل انطلق فيه من عاطفة وطنية صادقة وحسّ عروبي عالٍ. ومن ثم، دعا إلى اجتماع أخوي وعائلي ووطني للتباحث حول كل ما يتعلق بالأزمة الحالية وإعادة الأمور إلى نصابها، مبدياً تألّمه الكبير وهو يرى الوضع في بلاده قطر يمضي إلى الأسوأ بعدما بلغ حد التحريض المباشر على استقرار الخليج العربي والتدخل في شؤون الآخرين، ومؤكداً في البيان أنه وجد الأبواب مشروعة خلال لقائه مرتين بخادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، ووجد حرصه الشديد على سلامة قطر وأهلها، معتبراً في بيانه أنه لم يتجه إلى هذا الأمر ادعاء واستعراضاً.

جاء حرص الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني، على دعوة القطرين إلى اجتماع «لإعادة الأمور إلى نصابها» لخوفه من تورّط بلاده قطر وجرّها على أيدي قيادتها إلى وضع كارثي من خلال اللعب بالنار بأوراق لا تجيد طرحها على طاولة السياسة، وذلك وسط مواصلة هذه القيادة عنادها وعزفها على أوتار مهترئة، وتعمدها تجاهل الأسباب الحقيقية للأزمة الحالية. إذ رغم يقين المراقبين التام بأن حل الأزمة بيد قادتها، فإن إصرار القيادة الحالية على موقفها أجبر الشيخ عبد الله على إصدار مثل هذا البيان.
الواقع، أن الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني، ليس معارضاً قطرياً، بل هو رجل وطني يحب بلاده وشعبها، ويكنّ كل المحبة لجيرانه وأشقائه في دول مجلس التعاون الخليجي، قيادات وشعوباً، كما يتمتع بحس عروبي عالٍ... وهذه أمور لا تقبل المساومة، وبخاصة أن مطلق البيان سليل ملوك وحكام، أبرزهم والده علي بن عبد الله آل ثاني، الذي حكم قطر بين عام 1949 وحتى تنازله عام 1960.

الشيخ علي آل ثاني
في كتاب عن سيرة الشيخ علي بن عبد الله بن قاسم آل ثاني (والد الشيخ عبد الله، صاحب البيان الشهير الذي حرّك المياه الداخلية في قطر)، وقفات مهمة لحاكم نادر وفريد، يُعد من أولئك الرجال الذين تُقرأ سيرتهم، فتغرس في نفس قارئها أروع القصص والمواقف، وتستعيد مشهداً جميلاً قبل عقود عدة عن بلاده قطر وعلاقتها بجيرانها وحضورها الخليجي والعربي، في ظل ظروف الاستعمار والوصاية من قبل الأجنبي، وما بعدها. وكيف كانت قطر تنعم بالاستقرار والأمان وتغرّد منسجمة والسرب الذي كانت تطير معه برفقة جيرانها في فضاء خليجها وعروبتها، بخلاف المشهد المؤسف الذي نرى اليوم.
وللعلم، فإن الشيخ عبد الله بن علي بن عبد الله بن قاسم بن محمد آل ثاني، هو النجل الثاني عشر لوالده الشيخ علي الذي تولى الحكم عام 1949م خلفاً لوالده الشيخ عبد الله بن قاسم الذي تنازل عن الحكم بعدما تولاه لمدة 37 سنة هي أطول مدة حكمها حاكم من آل ثاني. ولقد ولد الشيخ عبد الله بن علي عام 1957م، ويعتبر المؤسس لاتحاد الفروسية في قطر، الذي ترأسه منذ بداية عهده عام 1979م حتى العام 1988م، وحقق في هذه الفترة الكثير من الإنجازات، وحصد الاتحاد ميداليات. أيضاً يعد من أبرز المهتمين والمحبين لرياضة الهجن، فضلاً عن أنه من الشخصيات اللامعة في الأعمال الحرة والعقارات، وله من الذرية أربعة من الأبناء، هم: علي ومحمد وسعود وحمد.
كان الشيخ علي قد أصبح ولياً للعهد عام 1948م، في أعقاب وفاة أخيه الشيخ حمد بن عبد الله آل ثاني، ولقد طلب الشيخ عبد الله بن قاسم يومذاك من السلطات البريطانية أن تعترف بولاية العهد لابنه الشيخ علي. وفي العام التالي، كما سبقت الإشارة، خلف الشيخ علي أباه في الحكم. وبناءً عليه، فإن الشيخ عبد الله بن علي بن عبد الله آل ثاني (صاحب البيان)، الذي ولد عام 1957م، ابن بيت مُعرق في السياسة، له أيادٍ بيضاء على قطر، في عهود والده الشيخ علي، وجدّه الشيخ عبد الله (الذي سُمي تيمناً به)، والشيخ قاسم بن محمد والد جده عبد الله، والشيخ محمد بن ثاني جد جده عبد الله.. كل هؤلاء كان لهم حضورهم المتميز في سجل الحكم على مدى عشرات العقود.
والجدير بالذكر، أن فترة الشيخ علي آل ثاني (المولود عام 1894م والمتوفى عام 1974) حكم قطر لمدة 12 سنة كانت كلها سنوات خير عليها، وحظي بحب الشعب القطري نظراً لعلاقته الوثيقة به وأمره بمجانية التعليم والصحة والكهرباء والماء. وفي رجعة تاريخية نشير إلى أنه في أعقاب معركة الشيخ قاسم بن ثاني - وهي المعركة الذي قادها الشيخ قاسم مع الأتراك بقيادة الوالي محمد حافظ باشا عام 1892م - انتهت فترة الاضطراب والحروب والغزوات في قطر، وحل محلها استقرار النظام إلى أن برزت الأزمة القطرية الحالية التي تفاقمت وباتت تنذر بما لا تحمد عقباه، بسبب عناد القيادة القطرية الحالية وإصرارها على المغامرة بمصالح قطر وشعبها، ناهيك من تهديد أمن جيرانها والدول العربية الأخرى. وهذا الوضع بالذات هو ما دفع الشيخ عبد الله إلى إصدار بيانه الشهير (الأحد 17 سبتمبر)، ومناشدة مواطنيه وأبناء الأسرة والأعيان، التواصل معه وتحديد مكان وزمان موعد الاجتماع لاحقاً. وهو بحدسه وبروح المسؤولية التي يتحلّى بها يحرص على ألا تنزلق بلاده إلى مصير دول دخلت إلى نفق المغامرة وانتهت إلى الفوضى والخراب والشتات وضياع المقدّرات.

روح البيان التاريخي
الشيخ عبد الله في بيانه التاريخي، كأنه يستحضر تاريخ بلاده جيداً ويعيد قراءة مشهد قطر في عقودها الماضية وواقعها الحالي. ويخرج عن الصمت حفاظاً على تحقيق الاستقرار والنظام الذي كان سمة الماضي القريب، وخصوصاً إبان عهد والده الشيخ علي. وهنا يمكن القول إن النجل عبد الله، أخذ الكثير من صفات والده الشيخ علي - رابع حكام قطر من آل ثاني - التي تميز واشتهر بها. ولقد لخّص محمد شريف الشيباني، أحد معاصري الشيخ علي، هذه الصفات بقوله «هو مجموعة من الفضائل والمواهب. رجولة يخالطها الورع والتقوى، وعصامية فطرية عالية، وشمائل غراء، وروح وثابة، تنشد الخير والإصلاح، والرخاء والازدهار، ونفس كبيرة تسعى إلى البر والإحسان، ضمن نطاق من الزهد ونكران الذات، ذلك هو سمو الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني».
من جانب آخر، عُرف عن الشيخ علي التدين والورع والكرم والجود، وكذلك الحرص على صلة القرابة والجيرة. وهو إضافة إلى تمتعه بالتواضع والحلم، كان صاحب هيبة ووقار، كما اشتهر بروح الفكاهة والملاطفة. وهنا قول الشيباني «أرى أن للفكاهة نسباً وألف سبب مع الأريحية. والرجال العظماء عندما يصنعون الفكاهة يتوخّون من ورائها إعطاء الفرصة الكافية لحضّار دواوينهم ومجالسهم لممارسة الحرية المعقولة في الكلام أخذاً ورداً. وبعبارة أخرى إن هيبة الحكم والسلطان تهيمن على الحضور، وتقطع الألسنة، فتأتي الفكاهة من الحاكم بمثابة الإذن في مبادلة الكلام، وبمثابة السماح لأخذ الحريات الخاصة. وسمو الحاكم يركن أحياناً لملاطفة حاشيته وقصّاده، ليشعرهم بأنه وإياهم سواسية أمام الله تعالى».
أيضاً عُرف عن الشيخ علي آل ثاني، تفقده أحوال مَن حوله وحرصه على مصلحة وطنه ومواطنيه، فكان شديد التتبع لأخبارهم والسؤال عن أحوالهم، كما اشتهر بذمه الغيبة والنميمة. ومن يعرف ابنه الشيخ عبد الله عن كثب يؤكد أن كل هذه الصفات ورثها الابن من الأب، فهو يتميز مثل أبيه بطيب الأخلاق والكرم، ومحبته لوطنه وشعبه وجيرانه، خصوصاً الجارة الكبرى المملكة العربية السعودية.
وما يستحق الذكر، أن خالد بن محمد بن غانم بن علي آل ثاني، أحد أحفاد الشيخ علي، أنجز كتاباً أسماه «الحلي الداني في سيرة الشيخ علي آل ثاني». وطاف بالقارئ، حيث طاف والد جده الشيخ علي - رحمه الله، فرصد حياته السياسية والاجتماعية، وكشف عن شمائله وأخلاقه، ومآثره وأسفاره، وعلاقته بمن حوله، وجهوده في نهضة بلاده، ووضعه لبناتها الأولى، وكيف استطاع أن يجمع بين العلم والحكم، دون إفراط وتفريط. وفي هذا الكتاب تذكير ضمني بالحكمة التي كان يتمتع بها حكام قطر الأوائل، ولا سيما، لجهة الحرص على مصلحة وطنهم ووحدته وعلاقتهم بالجيران وحل المشاكل بالتعقل والشفافية والوضوح، بعيداً عن المغامرات والانفعالات التي لا تورث سوى الضغائن والأحقاد.
ويقول المؤلف خالد بن محمد آل ثاني، في تناوله سيرة الشيخ على آل ثاني: «كان الشيخ علي، رحمه الله، حريصاً على الحرص على كل شبر وحق لبلاده وشعبه، ويسير في جميع هذه المواقف والحوادث بهدوء وإتقان، بعيداً عن العنف والانفعالات، مدركاً مصالح الإنجليز ومكائدهم، التي كان أبرز نتائجها مسائل الحدود العالقة بين البلاد العربية التي خضعت لاحتلالها أو لاتفاقيات الحماية». وأورد المؤلف في هذا السياق نماذج لذلك، منها: مسألة الحدود بين قطر والسعودية، التي ابتدأت المفاوضات بشأنها بشكل متقطع في جدة والرياض ولندن بين عامي 1934م و1938م، ثم توقفت طوال السنوات العشر بسبب الحرب العالمية الثانية، وعندما انتهت الحرب طرح الموضوع مرة أخرى، واتفق البريطانيون في عام 1951م مع الملك فيصل بن عبد العزيز (رحمه الله) – وزير خارجية السعودية آنذاك – على عقد مؤتمر طاولة مستديرة يحضره الأفرقاء المعنيون. ولقد افتتح مؤتمر المائدة المستديرة في الدمام على الساحل العربي السعودي للخليج في 28 يناير (كانون الثاني) 1952م، وكان الأمير (الملك) فيصل يرأس الوفد السعودي الذي ضم الشيخ يوسف ياسين نائب وزير الخارجية والأمير سعود بن جلوي أمير الأحساء، والشيخ حافظ وهبة سفير السعودية في لندن. وكان حاضراً المقيم البريطاني السير روبرت هاو، وفي صحبته الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني، والشيخ شخبوط بن سلطان حاكم أبوظبي، ونوقش – في حينه – موضوع الحدود بين السعودية وبين كل من قطر وأبوظبي، من جانب رئيسي الوفدين وأعضائهما في سبع جلسات مهمة، كما ناقشها نائباهما في خمس جلسات غير رسمية. وتأخر المؤتمر إلى منتصف فبراير (شباط) دون الوصول إلى اتفاقية.
وتابع المؤلف في هذا الصدد «وحدّثني غير واحد أن الشيخ علياً - رحمه الله - عندما دارت هذه الجلسات رأى أن النقاش وطريقة إدارته لن توصل إلى نتيجة، بل ستورث الضغائن والأحقاد بين الأحبة ولن تحل المشكلة، وما هذه الدول إلا دولة واحدة وأمة واحدة، فقال: «ما أرى في هذه الاجتماعات فائدة، وأما بالنسبة لحدود السعودية فهي في قصري في الريان». فقال الملك فيصل «وكذا يقول والدي الملك عبد العزيز: إن حدود آل ثاني في قصر المربّع في الرياض». وصدق حدس الشيخ علي، حيث إن هذه النقاشات انتهت بلا أي نتيجة إلى أن تم لاحقاً الاتفاق ودياً بين قطر والسعودية على تعيين الحدود بينهما.

روابط محبة وإخاء
من ناحية ثانية، تكشف سيرتا آل سعود وآل ثاني منذ عهد مؤسسي الدولتين – السعودية وقطر - بأن ما بين البلدين وأسرتيهما الحاكمتين من روابط المحبة والإخاء ما يقصّر عنه الوصف. وتجسد ذلك في الكلمة السامية التي وجهها عام 1956 الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني - وكان حاكماً قطر يومذاك – إلى الشعب السعودي عبر الإذاعة السعودية بمناسبة مغادرته الرياض بعد انتهاء زيارته للسعودية في عهد الملك سعود بن عبد العزيز (رحمه الله) ثاني ملوك الدولة السعودية الحديثة. وأشاد الشيخ علي في كلمته بما بين البلدين وأسرتيهما الحاكمتين من روابط المحبة والإخاء. ونوّه بما شاهده في المملكة من مظاهر الرقي والإخاء، معتبراً أن «الروابط التي تربط أسرتينا لا تزداد مع مرور الأيام إلا قوة ومتانة»، علماً بأن راديو مكة أذاع في التاريخ نفسه كلمة ترحيبية بالشيخ علي، جاء فيها «لقد كان قدوم الشيخ علي إلى السعودية، التي وصلها من الدمام إلى الرياض في قطار ملكي خاص، يوماً مشهوداً احتفلت به الرياض، ورحّبت الأسرة السعودية، وشارك فيه الشعب من أعماق قلبه، وتجلت فيه عواطف الصداقة والود والإخاء. تلك العواطف التي تنبثق من قلوب اجتمعت على صعيد العروبة وائتلفت في ظل الإسلام، وآخى بينها ماض زاهر وحاضر لامع، بل إن الروابط لهي أوثق من كل ذلك، فإن بين أسرة آل ثاني وآل سعود روابط من الدم والقرابة ظلله تاريخ عريق وضّاء».
كذلك، يذكر أن حاكم قطر الشيخ علي بن ثاني كان دائماً الزيارة للسعودية، تربطه بملوكها وأمرائها وعلمائها أواصر النسب والدم والمحبة الصادقة المتينة، وكان عندهم وكانوا عنده محل كل احتفاء وتقدير وتبجيل، فكان لا يمر عام إلا وقد زار المملكة إما للحج والعمرة، أو الجلوس في الأحساء، حيث مزرعته التي كان يحب المقام فيها.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».