ضرورات المصالحة الفلسطينية... وألغامها

هل تنهي مصر عقداً من الانقسام والاتفاقات الفاشلة؟

ضرورات المصالحة الفلسطينية... وألغامها
TT

ضرورات المصالحة الفلسطينية... وألغامها

ضرورات المصالحة الفلسطينية... وألغامها

لا أحد يعرف بالضبط ما إذا كان الاتفاق المبدئي في القاهرة على إنهاء الانقسام الفلسطيني واستعادة الوحدة الوطنية، سيترجم على الأرض. فلقد اختبر الفلسطينيون عقدا من الاتفاقات، بدا أن كل واحد منها «مهم» بسبب طبيعة الدولة التي رعته وتوقيته وظروف موقعيه، لكن أياً منها لم يرَ النور على قاعدة واحدة فقط حفظها الفلسطينيون عن ظهر قلب، تقول إن «الشيطان يكمن في التفاصيل». واليوم يتربص «الشيطان» بالموقعين في قضايا صعبة ومعقدة ومتعددة، ربما تحول حلم إنهاء الانقسام إلى كابوس انفصال، أو في أحسن الأحوال استمرار إدارة الانقسام.

ليس سرا أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) أراد أن يذهب إلى مجلس الأمن الدولي ويطلب دولته، وهو يسيطر عليها فعلا. أي بالمعنى المجازي أن يكون رئيسا لكل الشعب الفلسطيني، وليس لنصفه فقط، كما تقول إسرائيل، وهي ترد على كل شخص يطلب منها عقد سلام مع الفلسطينيين.
بالنسبة لعباس، ما الأفضل من أن ينهي مرحلة مهمة وطويلة ومعقدة في تاريخه، منهيا عقدا من الانقسام ومستعيدا الوحدة الوطنية؟
ليس سرا أن حركة حماس التي خسرت حلفاء طالما كانوا مصدر تمويل كبير لها، وعزّزوا حكمها لقطاع غزة، لم تعد تستطيع تحمل عبء القطاع الذي يعاني يوميا من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، في حين لا يجد الناس كهرباء ووقودا وماء، وسط حصار صعب وخانق ومستمر يحول حياة الناس إلى كابوس لا يطاق.
قد يبدو ظاهريا أن هذه هي الأسباب التي حركت طرفي الانقسام من أجل إنهائه؛ لكن مراقبين يرون أن ثمة ما هو أكثر.

دوافع حماس
يقول المحلل السياسي والكاتب خليل شاهين لـ«الشرق الأوسط» خلال لقاء معه: «كل طرف له أسبابه. حماس وصلت إلى نقطة فشل ذريع في إدارة غزة، بسب الضغوط الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة في القطاع، وثانيا الإجراءات التي اتخذها الرئيس. خطة الرئيس كانت تهدف مع نهاية العام للوصول إلى (إنفاق صفر)، هذا الموضوع زاد الأعباء بشكل كبير. لم تستطع حركة حماس احتمال أن تعيش هذا المأزق في ظل أنها فقدت كثيرا من الموارد المالية الخارجية».
وأضاف شاهين: «العامل الثاني، أن حماس كانت تعتقد أن وثيقتها السياسية ستشكل مفتاح بوابة دخولها إلى حلقات إقليمية ودولية وهذا لم يتحقق. والثالث أن الحركة بالغت في النتائج المتوقعة من الانفتاح على مصر، واتضح أن مصر تتعامل بحذر... تختبر حركة حماس وتقابل كل خطوة تقوم بها حماس بخطوة مقابلة. تريد مصر عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة. وأصبح من الواضح بالنسبة لحماس أنه لا يمكن أن تستكمل العملية مع مصر إلا بدخول عباس إلى غزة». وأردف: «ثم إن حماس اكتشفت أن الرهان على تيار محمد دحلان، القيادي السباق في فتح، قد فشل. كان لا يمكن أن يُحمّل دحلان كل مشكلات قطاع غزة. وإنما مبالغ متواضعة موجهة إلى مشروعات صغيرة ومصالحة مجتمعية».
ثم تابع: «أيضا هناك قيادة جديدة، وهذه القيادة الجديدة محلية، ومركز الثقل فيها، أي القرار، عاد إلى غزة، وهذا مهم. القيادة الحالية لحماس أكثر حساسية للمشكلات التي يعيشها قطاع غزة، وهذا أصبح على رأس أولوياتها». ومن وجهة نظر شاهين، فإنه «بعد كل ذلك اقتنعت حماس بأن عليها أن تتوجه إلى العنوان الأول للمصالحة، وهو الرئيس عباس الذي ما زال يمسك بالنظام السياسي على مستوى منظمة التحرير والسلطة، وهي مؤسسات تسعى حماس أن تدخل إليها».
تفسر هذه الأسباب الإعلان المفاجئ من قبل حركة حماس، في العاصمة المصرية القاهرة الأسبوع الماضي، حول حل اللجنة الإدارية التي شكلتها الحركة قبل شهور لإدارة قطاع غزة، وقبول انتخابات عامة، بل تفسر أيضا دعوة حماس لحكومة التوافق بالحضور فورا إلى غزة. ولم تكتف حماس بإعلان حل اللجنة الإدارية التي شكلتها في القطاع، بل راحت أيضاً تمارس ضغوطا لاستعجالها، معلنة أن الوزارات الحكومية في القطاع باتت في حالة فراغ حكومي. وهذا الإعلان دليل واضح على أن الحركة تريد التخلص من عبء غزة اليوم قبل الغد.

... وأسباب عباس
في المقابل، إذا كانت هذه أسباب حماس وسر استعجالها الحكومة، فإن لعباس أيضا أسبابه وتكتيكاته. وهنا يرى شاهين أنه «بالنسبة لأبو مازن، فقد اكتشف أن الرهان على نتائج سريعة لخطته لإجبار حماس على التخلي عن الحكم لم يكن بمكانه، وأيضا لقد أدرك أن إجراءاته تسببت في خسارته لبعض القاعدة الفتحاوية في غزة، وأصبح جزء منها يتوجه إلى تيار دحلان. وفتح تدرك أنه لا يمكن أن تتحدث عن انتخابات وهي تخسر قاعدتها في غزة». وأضاف أن الأهم هو أن الرئيس عباس يعرف أن هذا الحراك السياسي لن يقود إلى شيء، ولن يجلب له الحد الأدنى من المطالب. وفي الحالتين «فشلت هذه الجهود أو نجحت يحتاج الرئيس إلى أن يظهر كقائد شرعي للشعب الفلسطيني ويقود نظاما موحدا، ويسحب الذرائع الإسرائيلية بعدم وجود شريك». ويرى شاهين أن استعادة مصر لدورها صعّب على عباس وحماس رفض هذا الدور.
صحيح أن الحركتين رحبتا بالدور المصري واتفقتا على تفعيل «اتفاق 2011» في القاهرة، الذي ينص على تشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وانتخابات للمجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، إضافة إلى إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، واتفقتا على حوارات قريبة في القاهرة من أجل ترجمة الاتفاق على الأرض؛ لكن كل ذلك لم يبعث الأمل الكافي لدى الفلسطينيين.

الأسئلة الصعبة واللغم المرتقب
في هذه الأثناء، يتساءل المواطنون الفلسطينيون العاديون إذا ما كان يمكن إنهاء الانقسام فعليا، بمعنى توحيد السلطة والوزارات وأجهزة الأمن تحت راية واحدة. ويقود هذا التساؤل الكبير إلى تساؤلات فرعية أخرى أكبر: هل تتنازل حماس عن دخولها المالية في قطاع غزة؟ هل تتنازل عن قبضتها الأمنية؟ هل تسمح للسلطة بالعمل بحرية وستعطي أجهزتها الأمنية القوة اللازمة؟ هل يمكن ذلك أصلا في ظل وجود آلاف المقاتلين للحركة من كتائب القسام؟ هل ستسمح حماس بأي نقاش حول سلاح القسام؟
وفي المقابل، هل ستسمح السلطة لحماس بشراكة بالطريقة التي تفكر فيها حماس؟ هل ستسمح لها بدخول منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني؟ هل ستغامر بالسلطة كلها في انتخابات عامة؟
لقد بنت حماس في غزة دولة - إذا جاز التعبير - يقابلها في الضفة دولة من نوع آخر، وكلا «الدولتين» تحت الاحتلال. وهنا يقول المحلل السياسي أكرم عطا الله: «الأهم في ملف المصالحة وصعوبة تحققها هو أن غزة التي أضحت محل الخلاف ومدخل المصالحة، خرجت منذ زمن من عباءة السلطة. وما نشأ هنا من بنية مدنية وعسكرية وثقافية في حالة تضاد تام مع بنية السلطة، ولا أحد يعتقد أن حركة حماس مستعدة لمناقشة ما تم بناؤه، ولا أحد يعتقد أيضاً بقبول الرئيس أبو مازن بما أنشأته حركة حماس».
وفي حواره مع «الشرق الأوسط»، قال عطا الله إن «الأمور ليست سهلة، لم يناقشا أي شيء بالآونة الأخيرة»، وأضاف: «هناك مشكلة. هناك ألغام. الرئيس لن يقبل بهذا الوضع في قطاع غزة. لن يقبل الخروج عن الاتفاقيات، أشك في قبوله بهذا الوضع القائم، إذا لم يتسلم سلطة بكل الصلاحيات فإني أشك بأنه سيقبل». وتابع: «هناك عقدة وهو الواقع في غزة. أنا أتحدث هنا عن سلاح الفصائل».
وتساءل عطا الله: «هل سيقبل أبو مازن أن يحكم في منطقة لا تدار بنموذج السلطة في الضفة؟ وهل تقبل حركة حماس النقاش بهذا الموضوع؟». وأضاف: «أعتقد أن المشكلة حقيقية... إنها أزمة الأزمات، واللغم الذي قد يفجر حوارات المصالحة، إنه لغم كبير»، واضعاً عملياً يده على واحد من أعقد الملفات التي يعتقد أنها سترحل لمرحلة لاحقة.
حالياً ترفع السلطة شعار «سلطة واحدة وسلاح واحد ومؤسسات واحدة»، وحتى في الضفة الغربية فككت السلطة في السنوات السابقة كل المجموعات المسلحة، بما في ذلك المجموعات التي تتبع حركة فتح؛ لكن هل هذا

ممكن في غزة؟
لقد استبق قادة حماس الأمر وقالوا إن سلاح المقاومة ليس للنقاش. وتوجد اليوم في غزة مجموعات مسلحة تابعة لحماس وللجهاد الإسلامي وللجبهتين الشعبية والديمقراطية، وحتى لحركة فتح. كما يوجد متشددون وجماعات مسلحة أخرى. وحول هؤلاء قال عطا الله: «هذا لغم كبير. لاحظ الاتفاقات السابقة لم تتطرق له. إنهم لن يتفقوا على أي قصية سياسية أو أمنية وإنما إدارية. اتفاقات الحكومة على معابر ورواتب وأشياء إدارية أخرى».
وحدة أم انفصال أم إدارة انقسام؟
يكفي تتبع ردة فعل حماس بعد خطاب الرئيس الفلسطيني في الأمم المتحدة قبل أيام، لاكتشاف أن الأطراف الفلسطينية متفقة في القضايا الإدارية فقط، وليس حول البرنامج السياسي. إذ هاجمت حماس خطاب عباس قائلة إنه «يحمل روح الإقرار بفشل مشروع التسوية والمفاوضات مع الاحتلال، ويحمل منطق استجداء حقوق الشعب الفلسطيني المقاوم الذي يرنو للانعتاق من الاحتلال بكل الوسائل المشروعة». وأضافت الحركة: «للأسف فإن أبو مازن لم يفرّق في خطابه بين مقاومة الشعب الفلسطيني باعتبارها حقاً أصيلاً في ظل الاحتلال... وبين الإرهاب المدان من قبل كل القوانين والأعراف الدولية؛ بل إن الاحتلال أحد أبرز أشكال الإرهاب».
إلا أن حماس رحبت بما أعلنه أبو مازن عن قدوم «حكومة الوفاق» إلى غزة؛ مؤكدة أنها ستعمل على إنجاح مهمتها وستستمر في خطوات المصالحة حتى تصبح واقعا ملموساً «كي يتفرغ الجميع للنهوض بالمشروع الوطني ومواجهة الاحتلال». لكن هل يعني الاتفاق على شؤون إدارية من دون الاتفاق على مسائل سياسية، أن الطرفين ماضيان في إدارة الانقسام؟
يرى عطا الله أن الأمر هذه المرة مختلف. وفي رأيه لم يعد ممكنا الاستمرار في إدارة الانقسام... «هذا التدخل المصري القوي سيكون حاسما، إما إنهاء الانقسام أو الانفصال». وحقاً، فالانفصال هو أحد أخطر الكوابيس التي تقض مضاجع الفلسطينيين. وهذا الهاجس حمله عباس إلى الأمم المتحدة حين كان يعلن للعالم أن عودة غزة لحضن الشرعية باتت قريبة. إذ قال عباس: «لا أحد أحرص منا على شعبنا في القطاع. لا دولة فلسطينية في غزة، ولا دولة فلسطينية دون قطاع غزة». وأضاف: «واليوم أعبر عن ارتياحي للاتفاق الذي تم التوصل إليه في القاهرة بجهود مصرية مشكورة. وفي نهاية الأسبوع المقبل ستذهب حكومتنا لممارسة مهامها في غزة».
لكن في مرة سابقة ذهبت الحكومة فعلا لممارسة مهامها في قطاع غزة، فاكتشفت «حكومة ظل» تسيطر عليها حماس، واكتشفت أنها لا تسيطر على القرار والمال ولا على المعابر، أو حتى على حاجز عسكري صغير. وبسبب هذه التجربة السيئة، طلبت فتح من مصر ضمانات. وقررت مصر إرسال وفد لمراقبة تطبيق انتقال السلطة. وأكد عزام الأحمد، مسؤول ملف المصالحة في حركة فتح، أن وفداً مصرياً سيصل إلى غزة قريباً لمراقبة تطبيق انتقال السلطة من حركة حماس إلى الحكومة الرسمية. وقال إن التفاهمات التي توصل إليها وفد فتح مع الجانب المصري نصت على أن ترسل مصر وفداً رسمياً إلى غزة لمراقبة تطبيق الاتفاق. وأضاف: «سيكون المصريون معنا في كل خطوة، وفي حال تراجع أي طرف عن التفاهمات، فإن مصر ستحمله المسؤولية».
هل يكفي هذا التهديد المصري لضمان تنفيذ الاتفاق؟ تثير العقبات الكثيرة كثيرا من الأسئلة والشكوك والتمنيات.

العقبات الأبرز
ملف الأمن هو واحد من أعقد الملفات التي لم تستطع الحركتان الاتفاق حوله حتى الآن. ويمكن وصف ملف الأجهزة الأمنية وفرض الأمن في غزة بالمشكلة الأكثر تعقيدا. وخلال سنوات طويلة من الانقسام عززت كل من فتح وحماس من قبضتها الأمنية في الضفة وغزة، ووظفتا عشرات الآلاف من الرجال الجدد، وفق تعليمات وعقيدة أمنية مختلفة تماما.
وفي الوقت الذي تفهم الحركتان فيه أهمية الأمن لأي نظام... تبدو الشراكة الأمنية شبه مستحيلة في المدى القريب أو حتى المتوسط. وفي سنوات سابقة ومفاوضات متقدمة، عندما طرح هذا الملف، اشترطت حماس من أجل أي ترتيبات أمنية، التبادل والتزامن، أي العمل على ترتيب الأوضاع في غزة والضفة معا، بمعنى أن عودة قوات الرئيس الفلسطيني إلى غزة تتطلب دمج حماس في الأجهزة الأمنية في الضفة. وهذه المسألة هي في حقيقة الأمر أكثر تعقيدا وأكبر مما تتمناه حماس وفتح حتى.
عملياً لا يمكن لعناصر من حماس العمل في أجهزة أمن الضفة... ولا عناصر من فتح العمل في أجهزة الأمن التي تديرها حماس في غزة، بسبب التعقيدات السياسية والأمنية والحزبية كذلك. ثم إن السلطة لن تتحمل تفريغ آلاف جدد يضافون إلى عشرات الآلاف من عناصر الأمن الذين يعملون في الضفة الغربية، وآلاف آخرين لا يعملون في قطاع غزة ويتلقون رواتب. ومن جهتها تريد حماس فورا تفريغ نحو 9000 عنصر أمن جديد تابعين لها، وهو ما ترفضه السلطة الفلسطينية.
ثم إنه لا يمكن إحكام القبضة الأمنية بالشكل الصحيح على قطاع غزة، في ظل وجود جيش كبير من كتائب القسام. وتمثل القسام درة التاج بالنسبة لحماس. ولا يوجد عدد دقيق لعناصر القسام؛ لكن تقديرات إسرائيلية تقول إنهم يفوقون 10 آلاف مقاتل. وراهناً تتحكم القسام في الحدود مع مصر وفي الحدود مع إسرائيل، وكذلك في الأجهزة الأمنية التي تحكم قطاع غزة الآن. كذلك فالقسام هي القوة المهابة رقم 1 في قطاع غزة، وهي التي ستقرر في نهاية المطاف إلى أي حد يمكن أن تعمل السلطة في غزة.
وكانت فتح قد طرحت سابقا أن تحتفظ القسام بسلاحها لكن من دون أن يكون ظاهرا، ورفضت حماس مناقشة سلاح المقاومة من أساسه. وبعد مفاوضات صعبة ومعقدة وطويلة سابقة تدخلت مصر وطلبت بقاء الوضع الأمني كما هو عليه لمرحلة لاحقة.

ملف موظفي حماس
وتريد حماس تفريغ نحو 43 ألف موظف مدني وعسكري فورا في حكومة رامي الحمدالله، عندما تتسلم قطاع غزة، لكن حركة فتح رفضت بذريعة أنه لا يمكن للحكومة استيعابهم دفعة واحدة. وتم التوافق سابقا على تشكيل لجنة إدارية لمعالجة هذا الملف. واقترح رئيس الحكومة الحمدالله على حماس لاحقا أن تسمح لموظفي السلطة بالعودة إلى أعمالهم، ثم يتم بعد ذلك حصر الشواغر في كل الوزارات، على أن تكون الأولوية في التوظيف لموظفي الحركة، ويتم صرف مكافآت للباقين؛ لكن حماس رفضت. وهاجم موظفو حماس بنوكا دفعت الرواتب لموظفي السلطة، ثم حاصروا وزراء جاؤوا من رام الله إلى غزة من أجل معالجة أمر الموظفين. وظلت السلطة تدفع رواتب لموظفيها وحماس تدفع رواتب لموظفيها.
منظمة التحرير والمجلس الوطني
ملف آخر شائك ومعقد، هو ملف منظمة التحرير والمجلس الوطني. وجدير بالذكر أن مسألة دخول حماس إلى المنظمة، ليست جديدة؛ إذ سبق أن عرض الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، الأمر على حماس حتى قبل إقامة السلطة، ووافقت حماس؛ لكن الخلاف الرئيسي كان يتمثل في حصتها آنذاك. إذ تريد حماس إجراء انتخابات المجلس الوطني، وتقول فتح إن انتخابات المجلس تحتاج إلى ترتيبات أوسع، ومع دول عربية وإسرائيل، وإنه يمكن البدء بانتخابات تشريعية ورئاسية أولاً.
ثم هناك برنامج حكومة الوحدة، وعنه تقول فتح إن البرنامج يجب أن يرتكز إلى برنامج منظمة التحرير الفلسطينية لكي تصبح الحكومة مقبولة لدى العالم. وترفض حماس ذلك، وتقول إنه يجب أن يستند إلى المقاومة.

تاريخ من الاتفاقات التي لم تر النور
> اتفاق مكة عام 2007: وقعت الحركتان اتفاق تشكيل حكومة وحدة في ظل اقتتال داخلي، وبعد شهور سيطرت حماس على قطاع غزة، وتعمق الانقسام.
> اتفاق اليمن 2008: وضع الطرفان وثيقة مصالحة؛ لكنهما اختلفا على تفسيرها ولم ينجحا في تنفيذ أي بند.
> حوار دكار 2008: اتفقا على بدء حوار أخوي بإشراف الرئيس السنغالي؛ لكنهما لم يتابعا ذلك وظل الأمر إعلاناً فقط.
> اتفاق القاهرة 2009: بعد سلسلة لقاءات، طرحت مصر ورقة مصالحة تدعو إلى انتخابات، وبعد خلاف حول الورقة تم تجميدها.
> لقاء دمشق 2010: أعلن الفصيلان أنهما قريبان من اتفاق جديد، وجلسا مرات ولم يعلناه.
اتفاق المصالحة 2011: أعلن الفصيلان من القاهرة الاتفاق على تشكيل حكومة مستقلين، وإجراء انتخابات عامة، لكن لم يتم تشكيل الحكومة بسبب خلافات حول قضايا جوهرية متعلقة بالحكومة وعملها وبرنامجها وأجهزة الأمن... إلخ.
> إعلان الدوحة 2012: الرئيس عباس ومسؤول حماس خالد مشعل يعلنان اتفاقاً بتشكيل حكومة وانتخابات؛ لكنه لم ير النور بسبب استمرار الخلافات.
> لقاء القاهرة 2012: لبحث وضع آلية تطبيق لاتفاق الدوحة.
> اتفاق القاهرة 2013: تم فيه إعلان تطبيق اتفاق المصالحة، وبعد اختلاف في التفسيرات لم يحصل التقدم.
> اتفاق الشاطئ في غزة 2014: إعلان تشكيل حكومة مستقلين وإجراء انتخابات، وتم إثره إعلان اتفاق حكومة الوفاق التي ترأسها رامي الحمدالله، وبعد نحو شهرين بدأت الاتهامات بين الحكومة وحماس، إذ اتهمت الحكومة حماس بتشكيل حكومة ظل، واتهمت حماس الحكومة بتهميش غزة.
اتفاق القاهرة 2017 (الحالي): الاتفاق على تنفيذ اتفاق 2011، وتشكيل حكومة وحدة، والذهاب إلى انتخابات.



«قمة فلسطين» محطة أولى في مسار طويل لصد التهجير

من القمة (رويترز)
من القمة (رويترز)
TT

«قمة فلسطين» محطة أولى في مسار طويل لصد التهجير

من القمة (رويترز)
من القمة (رويترز)

الدورة غير العادية من اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة، عقدت في القاهرة، بناء على طلب دولة فلسطين، لمواجهة تحدي «التهجير» الذي زادت خطورته مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن مقترح لتهجير سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي. ولقد أعقبه كلام عن عزمه على السيطرة على القطاع وتحويله إلى ما وصفه بـ«ريفييرا الشرق الأوسط»، وهو المقترح الذي قوبل بانتقادات عربية ودولية واسعة.

تنسيق عربي واسع

ورغم الرفض العربي الواضح منذ اليوم الأول لمقترح ترمب، فإن انعقاد القمة استدعى كثيراً من التحضيرات والاتصالات بدأت باجتماع «خماسي عربي» في القاهرة مطلع فبراير (شباط) الماضي، شارك فيه وزراء خارجية المملكة العربية السعودية ومصر والأردن ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والأمين العام لجامعة الدول العربية، وخلصت الجهود العربية إلى توجيه رسائل عدة إلى ترمب على رأسها «رفض التهجير».

لم تتوقف الأمور هنا، بل استمرّت البيانات والمباحثات بشأن مستجدات القضية الفلسطينية مع تفاقم «تحدي التهجير»، حتى أعلنت وزارة الخارجية المصرية عن «اتصالات مكثفة مع دول عربية عدة لبحث مستجدات القضية الفلسطينية».

وتلا ذلك الإعلان عن استضافة القاهرة قمة عربية «طارئة» هدفها بحث التطورات «المستجدة والخطيرة» للقضية الفلسطينية. وكان مقرراً عقدها في 27 فبراير الماضي، لكنها أرجئت إلى 4 مارس (آذار) الحالي لـ«استكمال التحضير الموضوعي واللوجيستي»، بحسب إفادة رسمية للخارجيّة المصرية.

التحضير لـ«القمة الطارئة»

تطلّب التحضير تنسيقاً للمواقف العربية - العربية واتصالات واجتماعات على مدار الساعة، كان أبرزها لقاء أخوي تشاوري جمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر، الشهر الماضي في الرياض، رحّب بعقد «القمة العربية الطارئة». وجرى خلاله تبادل وجهات النظر حيال مختلف القضايا الإقليمية والدولية، خصوصاً الجهود المشتركة الداعمة للقضية الفلسطينية، وتطورات الأوضاع في قطاع غزة.

التزام بدعم القضية

وتأكيداً على قضية العرب المركزية حملت هذه الدورة غير العادية اسم «قمة فلسطين»، وعكست كلمات القادة والزعماء المشاركين فيها موقفاً موحداً رافضاً للتهجير داعماً لإعادة إعمار قطاع غزة، والأهم كونه مؤيداً لخيار السلام، مع توجيه دعوات للرئيس الأميركي لدعم مسار السلام، استناداً إلى مبدأ «حل الدولتين».

وجاء «بيان القاهرة» في ختام فعاليات القمة الطارئة متضمناً 23 بنداً، من بينها «اعتماد الخطة المقدّمة من مصر، بالتنسيق الكامل مع دولة فلسطين والدول العربية واستناداً إلى الدراسات التي أُجريت من قبل البنك الدولي والصندوق الإنمائي للأمم المتحدة، بشأن التعافي المبكّر وإعادة إعمار غزة باعتبارها خطة عربية جامعة». وأيضاً، حمل البيان تحذيراً واضحاً من «أي محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني»، وعدّها «تهديداً لأسس السلام في الشرق الأوسط، وينسف آفاقه المستقبلية ويقضي على طموح التعايش المشترك بين شعوب المنطقة».

لبّت مخرجات «قمة فلسطين» العربية الطارئة، الكثير من «التطلعات والآمال التي كانت معقودة عليها»، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط».

إذ قال السياسي والحقوقي الجزائري، محمد آدم المقراني، إنها «عكست التزاماً عربياً جماعياً بدعم القضية الفلسطينية». ورأى الدكتور عبد الحكيم القرالة أستاذ العلوم السياسية بالأردن أنها كانت «متوائمة مع حجم الظرف الطارئ الذي تمر به القضية الفلسطينية من أطروحات للتهجير وتصفية القضية». وبينما ذكر السياسي الفلسطيني الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أنها تضمنت «حلولاً سياسية وأمنية عملية تلبي كثيراً من التطلعات»، لفت أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور، أحمد يوسف أحمد، إلى أن قرارات القمة جاءت «متناسبة مع التحديات، لا سيما تبنيها الخطة المصرية لإعادة الإعمار وتصورها لإدارة وحكم قطاع غزة وطرحها لقضية الإصلاح الداخلي الفلسطيني».

معضلة «حماس»

في بيانها الختامي، أكدت القمة أن خيار العرب الاستراتيجي هو «تحقيق السلام العادل والشامل». ودعت إلى «تكثيف التعاون مع القوى الدولية والإقليمية، بما في ذلك مع الولايات المتحدة، من أجل تحقيق السلام». ولكن بعد ساعات من اعتماد جامعة الدول العربية خطة مصر لإعادة إعمار قطاع غزة في اليوم التالي للحرب، رفضت كل من أميركا وإسرائيل المقترح. وفي حين ادعى البيت الأبيض أن الخطة «لا تعالج الأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع»، عدّت إسرائيل عبر وزارة خارجيتها أن القمة «لم تعالج واقع ما بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

في المقابل، بينما حثّت القمة على توحيد الصف الفلسطيني، ورحبت بـ«تشكيل لجنة إدارة غزة تحت مظلة الحكومة الفلسطينية» و«بجهود دولة فلسطين المستمرة في إطار الإصلاح الشامل»، لم يشر البيان الختامي إلى مصير حركة «حماس» في قطاع غزة، وهذه «معضلة» وضعتها إسرائيل والولايات المتحدة شرطاً لأي اتفاق مستقبلي، كما شددت دول أوروبية عدة في أعقاب اجتماع لمجلس الأمن الدولي، الأربعاء الماضي، على رفض أن يكون لـ«حماس» أي دور في قطاع غزة مستقبلاً.

غير أن رئيس الوزراء وزير الخارجية الفلسطيني، محمد مصطفى، أبدى تفاؤلاً إزاء هذه النقطة، وقال في مؤتمر صحافي ختامي للقمة: «لا نريد أن نعطي لأحد الذرائع... مطلوب من الجميع تقديم أفضل ما عنده لتجاوز العقبات... والمسؤول الأول عن الوضع الحالي هو إسرائيل». وأضاف مصطفى: «ضمن التوافقات الفلسطينية نحن كفيلون بتجاوز هذه القضايا ونعتمد على وطنية الجميع لحل أي خلاف».

من جهة ثانية، مع تأكيد الدكتور أحمد أن تحقيق وحدة الصف الفلسطينية «أمر ليس بالسهل»، لفت إلى «مؤشرات إيجابية» من بينها ترحيب «حماس» بقرارات القمة، وتحميل إسرائيل المسؤولية. واتفق معه الدكتور الرقب بقوله إن «المؤشرات الحالية توحي بقدر من البراغماتية الفلسطينية في التعامل مع الموضوع ورغبة في حل القضايا الداخلية العالقة».

بالتوازي، وفق أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، قدمت القمة «بديلاً واضحاً وعملياً وواقعياً لمقترح إخراج الفلسطينيين من أراضيهم». وأشار في مؤتمر صحافي في ختام أعمال القمة، إلى أن الخطة «ليست فنية فقط، بل ترسم مساراً لسياق أمني وسياسي جديد في غزة، يتضمن تشكيل لجنة تكنوقراط غير فصائلية، تتولى إدارة القطاع لمدة 6 أشهر تحت إشراف السلطة الفلسطينية... وهذه خطة مرنة وقابلة للتطوير حسب مقتضيات الواقع».

التحدي الصعب

في المقابل، عدّ الرقب أنه بقدر قوة قرارات القمة فإنها «تحتاج إلى خطوات إجرائية لتنفيذها على أرض الواقع... ومعظم القرارات بما في ذلك إعادة الإعمار تتطلب التزاماً إسرائيلياً بمراحل اتفاق وقف إطلاق النار وانسحاباً كاملاً من قطاع غزة». وأكد السياسي الفلسطيني «ضرورة تحرك الدبلوماسية العربية للتأثير على الإدارة الأميركية وإقناعها بالخطة المصرية لإعادة الإعمار... كيلا تكون قرارات القمة ككثير من القرارات السابقة حبراً على ورق». وأردف: «نحتاج لخطوات إجرائية فعلية وعمل دؤوب كيلا نكون أمام خيارات صفرية». وفي هذا السياق، دعا الدكتور القرالة لحشد الدعم الدولي من أجل أفق سياسي واضح للقضية الفلسطينية... «لأن مخرجات القمة تحتاج إلى دعم وإسناد خلال الأيام المقبلة، بهدف البناء على الرؤية العربية والموقف الجامع لحل القضية الفلسطينية وانتشال المنطقة من براثن العنف».

من زاوية أخرى يبدو أن وضع مقررات القمة موضع التنفيذ «هو التحدي الأساسي الأصعب أمام القمة»، بحسب الدكتور أحمد، لا سيما مع رفض إسرائيل والولايات المتحدة لها، إذ قال: «القمة خطوة أولى تستتبعها خطوات أكثر صعوبة». وهذا تحد أشار إليه أيضاً أبو الغيط بقوله إن «القمة محطة أولى في مسار طويل أتمنى ألا يكون شاقاً». أما المقراني فرهن فعالية مخرجات القمة بـ«مدى التنسيق المستقبلي بين الدول العربية، وقدرتها على تجاوز الخلافات وتوحيد الصفوف في مواجهة التحديات المشتركة».

الواقع أن البيان الختامي يشير إلى «التنسيق في إطار اللجنة الوزارية العربية - الإسلامية المشتركة لإجراء الاتصالات والقيام بالزيارات اللازمة للعواصم الدولية من أجل شرح الخطة العربية لإعادة إعمار قطاع غزة، والتعبير عن الموقف المتمسك بحق الشعب الفلسطيني بالبقاء على أرضه وحقه في تقرير مصيره». لكن الدكتور يوسف يلفت إلى «سير الإدارة الأميركية الحالية في اتجاهات متضاربة»، ويقول: «هذا لا يعني أنه لا مجال للتحرك، ولكن تبقى مواقف الإدارة الأميركية الحالية صعبة وتحتاج إلى مجهود لتغييرها ودفعها لدعم الخطة العربية».

وهكذا، انتهت القمة لكن العمل العربي لمواجهة تحدي «التهجير» وتصفية القضية لم ينته بعد، وهو ما يستدعي البدء في «مرحلة كسب المزيد من الدعم للخطة العربية».