للمرة الثالثة في غضون أشهر، تعتقل الزوارق الحربية الإسرائيلية الصياد الفلسطيني محمد السلطان (23 عاماً) قبالة سواحل شمال غربي قطاع غزة، بعد أن هاجمت المركب الذي كان على متنه، ومعه شقيقه الآخر عمرو واقتادتهما معاً إلى ميناء أسدود، وتحفظت على المركب من جديد كما فعلت في المرات السابقة.
ولم تكتفِ الزوارق الحربية الإسرائيلية بمهاجمة المركب، من خلال دفعه بقوة ومحاولة إغراق محمد وعمرو، بل أطلقت النار باتجاهه، وكادت أن تتسبب بإصابتهما. ثم طلب طواقمها من الشقيقين أن يخلعا ملابسهما كاملة، ويقفزا إلى المياه، ثم يصعدا على متن الزورق الحربي لتقييدهما واعتقالهما.
يتكرر هذا المشهد في بحر غزة كثيراً، ودائماً يبدأ بالاعتداء على الصيادين، وغالباً ما ينتهي بسقوط قتيل أو وقوع إصابات أو اعتقال.
وتختصر قصة محمد حكايات الصيادين في غزة، مع بحر تضيق مساحات الصيد فيه، ويتعمد الاحتلال الإسرائيلي الذي يحاصر أجواء غزة وبرها وجوها التنغيص على حياتهم وحرمانهم من الصيد وكسب قوت يومهم، وسد احتياجات عوائلهم التي تنتظرهم بفارغ الصبر، تعد أنفسها بما سيعودون محملين به من كميات الأسماك لبيعها في الأسواق، أملاً في الحصول على قليل من الدخل يعينهم على ظروف الحياة الصعبة في قطاع غزة.
ويأمل الصيادون الذين يلاحقون لقمة عيشهم ويخاطرون بأرواحهم لتأمينها، في أن تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية بحقهم.
يقول الصياد صالح أبو ريالة، إن بوارج الاحتلال الإسرائيلي الحربية، لا تكف عن مهاجمة الصيادين في عرض البحر، سواء بإطلاق النار تجاههم، أو اعتقالهم، أو محاولة إغراق مراكبهم، أو مصادرتها من دون أي سبب.
ويضيف: «نخرج من أجل البحث عما يعيننا على الحياة، لكن الاحتلال يعمل للتنغيص علينا ويغمس لقمة عيشنا بالدم».
وتحدث أبو ريالة عن استهداف ممنهج للصيادين داخل المساحة المسموح لهم فيها بالصيد على الرغم من صغرها، وقال: «إنهم يمنعوننا من الدخول لمسافات أبعد، وفقاً لما اتفق عليه في اتفاق أوسلو، أي الصيد حتى مساحة 12 ميلاً بحرياً. وهذا يحرمنا من صيد أسماك أكثر وأفضل، وبيعها في الأسواق عادة ما يكون أسهل».
ولا تلتزم إسرائيل بالمساحة المتفق علها، وجزأت السلطات البحرية الإسرائيلية، في الفترة الأخيرة، المساحات المسموح فيها بالصيد، حيث يسمح الصيد في شمال القطاع لـ6 أميال فقط، بينما يسمح في الوسط والجنوب بـ9 أميال، تقلص أحياناً، إلى 6، قبل أن يسمح بالصيد لـ9 أميال مجدداً.
ويحرم هذا التحديد، وحصر عمليات الصيد في المساحة المذكورة، من وصول الصيادين إلى الأسماك الأفضل التي يرغبها السكان، مثل الطرخونة، والدينيس، والصلفوح، وغيرها من الأنواع التي يمكن اصطيادها بوفرة في مساحة تزيد على 10 أميال كما كان الحال عليه قبل الحصار.
وأدى هذا الوضع، وتراجع كميات الصيد عموماً، إلى ارتفاع أسعار السمك، بشكل متواصل منذ 7 أعوام. ومع ذلك، تبقى أسعارها أقل مقارنة بما يباع في الضفة الغربية، الذي يجري استيراده من إسرائيل.
ويقول الصياد محمد مقداد، إنه يضطر وزملاؤه من الصيادين إلى العمل في كل الظروف. ويضيف: «نغامر بحياتنا أحياناً، من أجل ملاحقة لقمة العيش وكسب الرزق».
ويشرح مقداد ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي، ويقول إن جنود بحريته لا يكتفون بالاعتداءات العسكرية كإطلاق الرصاص والقذائف وغيرها، لكنهم يعمدون إلى تخريب معدات الصيد، لزيادة معاناة الصيادين الذين يخرجون في ساعات الفجر الباكر ويمضون الليل كله باحثين عن لقمة عيشهم.
وقد نددت مراكز حقوقية فلسطينية بمواصلة الاحتلال الإسرائيلي مراراً انتهاكاته المنظمة لحقوق الصيادين خلال مزاولتهم أعمالهم. وعدت تلك الانتهاكات «جسيمة ومنظمة»، وهي استمرار إيقاع عقوبات جماعية بالفلسطينيين، والمساس بحقهم في الحياة وسلامتهم البدنية وكرامتهم الإنسانية، وانتهاك حقهم في العمل لتأمين مستوى معيشي مناسب.
ودعت المراكز الحقوقية المجتمع الدولي، لا سيما الدول الأطراف الموقعة على اتفاقية جنيف الرابعة، إلى القيام بواجبه الأخلاقي والقانوني، واتخاذ خطوات عملية لحماية المدنيين الفلسطينيين، خصوصاً الصيادين، ورفع الحصار المفروض على قطاع غزة، الذي يمثل جريمة حرب مستمرة.
صيادو غزة يعملون في مساحات ضيقة محاصرة ويواجهون خطر الموت
أفضل الأسماك لا تصل إليها القوارب دائماً ولا تطالها الشباك المحاصرة
صيادو غزة يعملون في مساحات ضيقة محاصرة ويواجهون خطر الموت
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة