إذا كان نمو الاقتصاد الأميركي مرتبط بنسبة 30 في المائة فقط بالطلب والاستهلاك والاستثمار الخارجي، فإن مؤشر «إس آند بي 500» الذي يقيس أداء شركات بورصة وول ستريت مرتبط بالخارج بنسبة أعلى من ذلك، وبالتالي مرتبط بسعر صرف الدولار أمام سلة العملات الدولية. وإذا كان هذا الارتباط قد تراجع قليلاً خلال السنوات الماضية فقد عاد هذه السنة ليترسخ أكثر بحسب جملة تقارير درست علاقة سعر الصرف بنمو أرباح الشركات.
وللمثال، أكد تقرير صادر عن مجموعة «إس آند بي غلوبال» أن شركات ذلك المؤشر تحقق 43.16 في المائة من إيراداتها من الخارج.
جغرافيا، تحصل الشركات الأميركية من آسيا على إيرادات نسبتها 8.46 في المائة من الإجمالي، ومن أوروبا (بريطانيا ضمناً) 8.13 في المائة، وكندا 3.3 في المائة، وأفريقيا 3.97 في المائة، والشرق الأوسط 2 في المائة، وأميركا الجنوبية 1.6 في المائة... ودرس ذلك التقرير ميزانيات أكبر 257 شركة مدرجة في مؤشر «إس آند بي 500» لاستنتاج متوسط ارتباط تلك الشركات الأميركية بالخارج.
وبلغ ذلك الارتباط ذروته في عام 2014، عندما وصل إلى نسبة 47.82 في المائة، لكنه تراجع قليلاً لأن نمو الاقتصاد الأميركي في السنوات القليلة الماضية كان جيدا، وبالتالي استفادت الشركات الأميركية من ذلك النمو لتعزيز إيراداتها من الداخل في ظل تباطؤ النمو الصيني والخروج «البطيء» للاقتصاد الأوروبي من أزمته، علماً بأن الإيرادات الأوروبية للشركات الأميركية كانت وصلت في 2010 إلى نحو 13.48 في المائة من الإجمالي، وهبطت في عام 2012 إلى 9.69 في المائة، ثم تراجعت قليلا بعد ذلك.
وهنا يذكر أن الإيرادات من بريطانيا كانت 2.39 في المائة، وهي الآن 1.1 في المائة فقط بسبب تداعيات «بريكست»، أي إطلاق عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي. ومن التحديات التي تواجهها الشركات البريطانية الآن تعزيز علاقتها مع نظيرتها الأميركية لتعويض جزء مما قد تفقده أوروبياً، لا سيما التعاملات التي يقدمها حي المال اللندني المهدد بفقدان جزء من دوره كمركز مالي أوروبي وعالمي.
وتظهر المؤشرات الأولى لعام 2017 أن إيرادات الشركات الأميركية من الخارج ترتفع لعدة أسباب، أبرزها أن الفارق بين نمو الاقتصاد الأميركي والاقتصادات الكبرى الأخرى يضيق، وأن نمو اقتصادات الدول الناشئة يتسارع.
لكن التقرير يلقي الضوء أكثر على أهمية ارتباط إيرادات الشركات الأميركية بالخارج في ظل تراجع الدولار بنسبة 9.73 في المائة أمام سلة العملات العالمية منذ بداية العام. هذا التراجع يعطي دفعة للشركات الأميركية المصدرة ويحفز نموها، وبالتالي أرباحها.
وأكدت مصادر متابعة أن «هذه الدفعة مرحب بها من جانب الشركات، لأن الإصلاح الضريبي الذي تنتظره من إدارة الرئيس دونالد ترمب يتأخر، كما يتأخر إطلاق برنامج استثمارات بمئات المليارات في البنى التحتية، فضلاً عن أن أرباح الشركات قد يتأثر بارتفاع أسعار بعض المواد الأولية وصعود الرواتب».
على صعيد متصل، أشار تقرير صادر عن بنك «كريديه سويس» إلى أن هبوط الدولار بنسبة 10 في المائة يرفع مباشرة الربح الصافي لكل سهم من أسهم الشركات الأميركية 4 نقاط مئوية، يضاف ذلك إلى الاستفادة التي يجنيها من الناتج الأميركي بفعل النمو، وتنعكس هي الأخرى أيضاً على مبيعات المجموعات الأميركية المتوسعة في الخارج. وأكد تقرير «كريديه سويس» وجود علاقة عضوية بين هبوط الدولار وإعادة قراءة توقعات الأرباح باتجاه الأعلى.
وفي قراءة لنتائج شركات «مؤشر إس آند بي 500» في النصف الأول، أكد محللون أن «الأرباح بصحة جيدة. وبالنسبة للرئيس الأميركي فإن صحة وول ستريت الجيدة مؤشر على صوابية السياسة الاقتصادية التي يتبعها. وبالفعل فإن مؤشر «إس آند بي» صعد بنسبة 11.5 في المائة منذ انتخاب ترمب رئيساً، وجدد المؤشر شبابه مع إعلانات النتائج النصف سنوية.
فأرباح شركات المؤشر ارتفعت نحو 10 في المائة بنهاية يونيو (حزيران) الماضي على أساس سنوي، وتخطت توقعات المحللين بنحو 3 نقاط مئوية. وبين الأسباب الأساسية، لذلك كان انخفاض الدولار الذي نفع الشركات المتوسعة عالميا، لكن هناك استثناء خاص بشركات النفط». وبالفعل، سجل مؤشر «إس آند بي إنرجي» هبوطاً الشهر الماضي، كان السابع على التوالي، ولامس أحد أدنى مستوياته منذ ديسمبر (كانون الأول) عام 2015، وتأثر ذلك المؤشر هذه السنة حتى نهاية أغسطس (آب) الماضي بهبوط أسعار النفط بنسبة 14 في المائة، الذي جر وراءه هبوط مؤشر «إنرجي» بنسبة 17 في المائة.
وأضاف المحللون أن «هبوط الدولار يعزز الصادرات ويخفف الاستيراد. وهذا ما يريده الرئيس الأميركي الذي يذكر دائماً بضرورة إلغاء أو إعادة النظر بالاتفاقات التجارية الأميركية مع دول العالم لأنها، بنظره، فاقمت العجز التجاري الأميركي كثيراً».
ويذكر أن هبوط الدولار بدأ يؤثر في الواردات بحسب وزارة التجارة الأميركية التي كشفت عن هبوط العجز التجاري في يونيو (حزيران) الماضي إلى أدنى مستوى منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2016 لأسباب كثيرة، بينها هبوط الدولار بطبيعة الحال الذي جعل فاتورة المستورد أعلى من السابق، وعزز تنافسية بعض المنتجات الأميركية المحلية.
تبقى الإشارة إلى أن العجز التجاري الأكبر تسجله الولايات المتحدة الأميركية في تجارتها مع الصين، والذي بلغ في عام 2016 نحو 347 مليار دولار، أي ما نسبته 60 في المائة من إجمالي العجز التجاري الأميركي مع العالم.
ضعف الدولار يعزز مكاسب شركات وول ستريت
أكثر من 43 % من إيرادات مؤشر «إس آند بي 500» خارجية
ضعف الدولار يعزز مكاسب شركات وول ستريت
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة