معرض «نحن لسنا وحدنا» المشروع الأول لـ6 منسقات سعوديات

تلقين تدريباً أعده الملحق البريطاني ويحلمن بإطلاق حوارات مع الآخر

داليا فطاني  -  رنين بخاري  -  ريم الجلهمي
داليا فطاني - رنين بخاري - ريم الجلهمي
TT

معرض «نحن لسنا وحدنا» المشروع الأول لـ6 منسقات سعوديات

داليا فطاني  -  رنين بخاري  -  ريم الجلهمي
داليا فطاني - رنين بخاري - ريم الجلهمي

تبنى الملحق الثقافي البريطاني نهجاً ثقافياً وتعليمياً في المنطقة العربية لعقود طويلة، أثمر عن اكتساب مهارات لغوية هامة وتجارب ثقافية متميزة لأجيال كثيرة. ويكمل الجهاز التعليمي الهام مهمته برعايته لدورات فنية لرعاية المواهب السعودية، آخرها دورة لتعليم فن «التنسيق الفني» لواعدات سعوديات، وهو ما سيترجم في معرض ضخم يقام في غاليري أثر بجدة، في 17 من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، تحت عنوان «نحن لسنا وحدنا».
وفي لقاء مع ريحانة موغال، رئيس البرامج الثقافية والرياضية لمنطقة الخليج في الملحق البريطاني، تناولت المشروع الأخير لمجموعة المنسقات السعوديات، اللواتي أطلقن على أنفسهن اسم «كونتمبراري كوليكتيف»، وبرامج التدريب التي وفرها الملحق البريطاني للسيدات السعوديات اللواتي انضممن لبرنامج التدريب.
تبدأ موغال حديثها بسرد سريع لعمل الملحق البريطاني في الخليج، وتحديداً في السعودية، مشيرة إلى أن عمل الملحق البريطاني في مجالات الثقافة والتعليم بالسعودية عمره أكثر من 50 عاماً. وبالنسبة لمشروع تدريبات سعوديات على مهارات التنسيق الفني وإعداد المعارض، تقول موغال: «كان هناك إدراك لأهمية التعليم الفني الممنهج، خصوصاً مع قلة المؤسسات التي تقدم ذلك في المملكة. ومن خلال مناقشات متنوعة، وجدنا أن هناك حاجة لمثل هذا النوع من التعليم والتدريب، فقمنا بتكليف وحدات من المكتب الرئيسي للملحق البريطاني بلندن لإجراء الأبحاث والاستبيانات حول ما يمكن تقديمه في هذا المجال».
وتؤكد على أن الملحق البريطاني يختلف عن غيره من المؤسسات في أنه يعتمد على العمل داخل المجتمع لإقامة الفعاليات، بدلا من أن يحضر المعارض الجاهزة من الخارج، التي قد لا تناسب المجتمع: «أردنا أن نوفر فعاليات مناسبة لطبيعة البلد، وأن نسهم في إقامة حوار بين العاملين في المجال الفني». بداية، رأى مسؤولو الملحق البريطاني أن أفضل وسيلة لإقامة معارض فنية عالمية في المملكة هي عن طريق تدريب الكوادر المؤهلة، من النساء خاصة. «لماذا النساء دون الرجال؟» أسألها، وتجيب: «السبب تنظيمي بحت، حيث لن يمكننا تنظيم دورات مختلطة، هناك أيضاً سبب آخر، وهو أننا أردنا أن نشجع السعوديات على الالتحاق بالدورات دونما أي ضغط أو حرج».
من نحو 59 متقدمة، تم اختيار 6 متقدمات لخوض الدورة التدريبية، وهن ريم الجلهمي وداليا فطاني ورنين بخاري ومريم بلال وسلافة رواس وذهب العصيمي.
وتؤكد أن الدورة تم تصميمها خصيصاً لتتلاءم مع احتياجات كل متدربة والمجتمع الذي تعيش فيه، وتصف المشاركات بأنهن «ملتزمات بشدة، ويؤمن بضرورة استخدام الفن للحوار مع الآخرين، والتعلم منهم».
ومن خلال البرنامج التدريبي، الذي شمل رحلات خارجية لبريطانيا والإمارات العربية المتحدة، تعرفت المتدربات على عملية إقامة المعارض وتفاصيلها.
وخلال زيارة بريطانيا، فتح الملحق الثقافي البريطاني أبواب مجموعته الفنية المميزة أمامهن، وقمن باختيار عدد منها لمعرضهن المقبل في جدة. كذلك قمن بزيارة معارض فنية مختلفة من خلال بينالي لفربول، كما التقين بفريق من المنسقين الفنيين المسؤولين عن إقامة المعارض في البرلمان الإنجليزي، وحضرن دورة في المتاحف العالمية لمدة أسبوعين في وايت تشابل غاليري، بلندن.
ومن الأعمال التي اختارتها مجموعة «كونتمبراري كوليكتيف»، التي تعبر فيما بينها عن التعدد الثقافي في بريطانيا، أعمال للفنان البريطاني من أصل نيجيري ينكا شونيبير، والفنان الهندي البريطاني آنيش كابور، والفنانة الإيرانية البريطانية شيرزا هوشياري. والهدف من اختيار تلك الأعمال إبراز التنوع الإيجابي في بريطانيا المعاصرة. كما يتناول موضوعات أخرى، مثل الخوف من المجهول. وتشير موغال إلى أن عدداً كبيراً من الأعمال التي سيتضمنها المعرض الأول للمنسقات السعوديات لم يعرض من قبل في السعودية.
والتدريب شمل جوانب هامة في إقامة المعارض الفنية، مثل: جذب اهتمام المتفرج، وكيف يتم تعليق الأعمال الفنية، ووسائل الدعاية الناجحة، والطرق التي يمكن بها الحصول على دعم مادي، وغيرها من المهارات اللازمة.
الرحلة للمنشآت الفنية في بريطانيا كانت المدخل لهن لتكوين فكرة عن المعرض الأول لهن، وقد بذلن جهداً كبيراً في الاستقرار على موضوع للمعرض، والأعمال التي ستعرض فيه. والأعمال التي اختيرت للعرض تم اختيارها من خلال أعين سعودية، معظمها أعمال من المجموعة الدائمة للملحق البريطاني.
ومن جانبها، قالت ريم الجلهمي، إحدى منسقات المعرض: «(نحن لسنا وحدنا) يستخدم الفن لبداية حوارات حول الخوف والقلق، وهي مشاعر مشتركة، سواء في السعودية أو حول العالم. نتمنى أن يترك الزوار المعرض وقد أحسوا بأهمية الحوارات المشتركة في مساعدة الآخرين، واستخدام الفن كوسيلة للتعبير عن أنفسهم في المستقبل».
- - معرض «لسنا وحدنا» يقام في أثر غاليري بجدة في الفترة ما بين 17 أكتوبر و16 نوفمبر 2017



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.