النزاع الدبلوماسي حلقة جديدة من التوتر بين موسكو وواشنطن

العلاقات بين القوتين النوويتين في أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة

الدخان يتصاعد من مدخنة القنصلية الروسية في سان فرنسيسكو في ما يعتقد أنه حرق بعض الوثائق قبل إغلاقها وإمكانية تفتيشها من قبل السلطات الأميركية (أ.ف.ب)
الدخان يتصاعد من مدخنة القنصلية الروسية في سان فرنسيسكو في ما يعتقد أنه حرق بعض الوثائق قبل إغلاقها وإمكانية تفتيشها من قبل السلطات الأميركية (أ.ف.ب)
TT

النزاع الدبلوماسي حلقة جديدة من التوتر بين موسكو وواشنطن

الدخان يتصاعد من مدخنة القنصلية الروسية في سان فرنسيسكو في ما يعتقد أنه حرق بعض الوثائق قبل إغلاقها وإمكانية تفتيشها من قبل السلطات الأميركية (أ.ف.ب)
الدخان يتصاعد من مدخنة القنصلية الروسية في سان فرنسيسكو في ما يعتقد أنه حرق بعض الوثائق قبل إغلاقها وإمكانية تفتيشها من قبل السلطات الأميركية (أ.ف.ب)

يشكل النزاع الدبلوماسي الحالي حلقة جديدة في العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وروسيا، والتي شهدت تراجعا إلى أدنى مستوى منذ الحرب الباردة بعد ضم روسيا للقرم من أوكرانيا في 2014، وفرض الغرب عقوبات ضد روسيا لتدخلها في أوكرانيا، مما استدعى فرض روسيا حظرا انتقاميا على المنتجات الزراعية. وارتفع منسوب التوتر العام الماضي بعد اتهام وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتخطيط لعملية اختراق إلكتروني والتأثير على الانتخابات الرئاسية الأميركية لمصلحة ترمب.
وأمس اتهمت روسيا مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) بأنه ينوي تفتيش مقر القنصلية الروسية في سان فرنسيسكو؛ وأمهلت السلطات الأميركية موسكو حتى السبت (أمس) لإغلاقها مع ملحقيتين دبلوماسيتين في واشنطن ونيويورك تضمان البعثة التجارية. وشوهد دخان أسود يتصاعد من مدخنة القنصلية أول من أمس، فيما أكدت فرق الإطفاء أن سببه قيام شاغلي القنصلية بحرق أشياء عشية إغلاق المقر.
وهرع عمال الإطفاء إلى القنصلية الروسية بعد تلقيهم اتصالات من مواطنين رأوا الدخان يتصاعد منها، إلا أن أجهزة الإطفاء أوضحت فيما بعد أنه لا شيء يدعو للقلق.
وأعلنت ميندي تالمادج، المتحدثة باسم أجهزة الإطفاء في سان فرنسيسكو، لوكالة الصحافة الفرنسية أنه «لا بد» من أن موظفي القنصلية يحرقون أغراضا ما.
وعلى أثر هذه الاتهامات استدعت وزارة الخارجية الروسية دبلوماسيا أميركيا لتسليمه مذكرة احتجاج. وجاء في بيان وزارة الخارجية الروسية بهذا الصدد: «تم اليوم استدعاء الوزير المفوض بالسفارة الأميركية في موسكو، أنتوني جودفري، إلى وزارة الخارجية الروسية. وتم تسليمه مذكرة احتجاج على النوايا الأميركية لإجراء تفتيش في الممثلية التجارية لروسيا الاتحادية في واشنطن، التي تم منعنا من الوصول إليها، على الرغم من أن هذا المبنى يعد ملكا للدولة الروسية ويتمتع بالحصانة الدبلوماسية»، بحسب وكالة «سبوتنيك».
ويشكل الخلاف بين القوتين النوويتين ضربة جديدة لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي كان تعهد بالعمل على تعزيز العلاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، ماريا زاخاروفا، في بيان إن مكتب التحقيقات الفيدرالي يعتزم إجراء تفتيش للقنصلية الروسية في سان فرنسيسكو؛ «بما في ذلك شقق الموظفين الذين يقطنون المبنى ويتمتعون بالحصانة» بعد إجبارهم على مغادرتها مع عائلاتهم لفترة تصل إلى 12 ساعة.
وأوضحت زاخاروفا: «نحن نتحدث عن غزو قنصلية ومساكن بعثة دبلوماسية». وأضافت المتحدثة أن «مطالبة السلطات الأميركية تشكل تهديدا مباشرا لأمن مواطنين روس».
وتابعت زاخاروفا: «نعترض بشدة على تصرفات واشنطن التي تتجاهل القانون الدولي»، مؤكدة أن موسكو «تحتفظ بالحق في اتخاذ تدابير انتقامية».
ويأتي الإجراء الأميركي ردا على قرار خفض عدد الدبلوماسيين في البعثات الأميركية لدى روسيا إلى 455 شخصا في مهلة انتهت يوم الجمعة.
في المقابل، أكدت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية هيذر ناورت، في بيان، أن «الولايات المتحدة نفذت بشكل كامل قرار الحكومة الروسية بتقليص حجم بعثتنا لدى روسيا».
وأعربت واشنطن عن أملها بتمكن الجانبين من «تفادي مزيد من الأعمال الانتقامية» وتحسين الروابط بينهما، محذرة في المقابل من أنها «جاهزة لمزيد من التحرك إذا اقتضى الأمر».
وتفادى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف توجيه اللوم إلى الإدارة الأميركية في التوترات الأخيرة، بل حمل الرئيس السابق باراك أوباما المسؤولية المباشرة عن ذلك.
وقال لافروف الجمعة: «نحن منفتحون، حتى في هذا الوقت، على تعاون بناء فيما يتوافق مع المصالح الروسية». وأضاف لافروف أنه لا أحد يستطيع التحرك من دون تعاون مع الآخرين، مستعينا بمقولة «رقصة التانغو تحتاج إلى شريكين»، موضحا أن «شريكنا يؤدي مرة بعد مرة منفردا رقصة البريك (بريك دانس)». ومن المقرر أن يلتقي لافروف في نيويورك نظيره الأميركي ريكس تيلرسون في سبتمبر (أيلول) الحالي.
وكان أوباما في آخر أيام عهده أمر بطرد 35 دبلوماسيا روسيا وإغلاق مجمعين دبلوماسيين تابعين لموسكو على خلفية هذه الاتهامات. وامتنعت موسكو عن الرد على الخطوة الأميركية، إلا أنها وبعد إقرار الكونغرس عقوبات جديدة ضدها، قرر الكرملين الرد، طالبا تقليص حجم البعثة الدبلوماسية الأميركية لدى روسيا. وبات أي انطباع بتقرب ترمب من روسيا مؤذيا له بعد فتح تحقيقات بحدوث تواطؤ بين فريق عمله والكرملين.
وعينت موسكو سفيرا جديدا في واشنطن هو أناتولي أنتونوف المعروف بنهجه المتشدد والذي يبدي ارتيابا شديدا حيال مفاوضيه الأميركيين. ودعا السفير الروسي الذي وصل إلى واشنطن الخميس الماضي، في اليوم الذي طلبت فيه الخارجية الأميركية من روسيا إغلاق قنصليتها في سان فرنسيسكو، إلى «درس الوضع بهدوء». واستشهد أنتونوف بقول لينين إن «الاندفاعات الهستيرية لا تفيدنا». وكان السفير الروسي السابق في واشنطن سيرغي كيسلياك أحد أقطاب الفضيحة المتعلقة بحدوث تدخل روسي في الانتخابات الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي من أجل مساعدة ترمب في الفوز على المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».