Sunrise
الحب ينقذ الرجل العنيف
(1927)
كان المنتج ويليام فوكس شاهد فيلم فردريك ولهلم مورناو الأسبق «نوسفيراتو» (1922) وأعجبه جداً. عندما وصل المخرج الألماني إلى هوليوود أبدى فوكس استعداده للعمل معه. النتيجة هذا الفيلم الكلاسيكي الصامت بعنوان «شروق». الفيلم الوحيد في التاريخ الذي فاز بأوسكار اسمه «أفضل فيلم فني». في العام التالي لفوز الفيلم تم إلغاء الجائزة.
لا اسم للرجل أو لزوجته، كذلك لا اسم للبلدة التي تقع فيها الأحداث. ففي البداية ترد مقدمه تقول إن الحكاية يمكن أن تقع في كل مكان. القصـة للكاتب الليتواني هرمان سودرمان والفيلم يبدأ بزيارة تقوم بها فتاة من المدينة (مرغريت ليفنغستون) إلى بلدة ريفية تتعرف خلالها على الفلاح البسيط المتزوج حدياً (جورج أوبرايان). توحي له ببيع مزرعته والهجرة معها إلى المدينة، وعندما يسألها، وهما ملتقيان تحت جنح الظلام، عن زوجته، توحي له بأن يغرقها وأن يتم الإغراق كما لو أنه نتيجة حادثة. الزوجة التي تعرف أن زوجها يخونها تحتضن طفلهما الصغير وتبكي، لكنها تفرح عندما يخبرها الزوج بأنهما سيمضيان يوماً في البحيرة.
لا يتكلـم الزوج لزوجته وتجلس هي في نهاية القارب مستاءة من انطوائه وتصرفه ثم تفاجأ به يوقف المركب وسط الماء ويتقدم صوبها يريد خنقها. تصرخ وتبكي ثم تترك المركب، وقد وصل إلى الشاطئ، وتركض هاربة. يفيق إلى وعيه ويركض وراءها طلباً المغفرة ومكرراً «لا تخافي» وعندما تمر حافلة في طريقها إلى المدينة تركب فيها، لكنه يلحق بها. يمر وقت طويل قبل أن تغفر له وتثق به. يقرر أن يحتفلا بذلك. يدخلان صالون حلاقة ومطعماً ومرقصاً وكارنفال ألعاب وكنيسة، حيث يتصرفان كما لو تزوجا من جديد ثم محل تصوير.
في نهاية الليل وبينما هما في المركب من جديد عائدان إلى القرية تهب عاصفة هوجاء وتقلب المركب الصغير. يبحث الزوج عن زوجته ويصدم يدرك أنها غرقت. تهرع القرية لمساعدته في البحث. حين يختلي بنفسه محبطاً يسمع صفير عشيقته يناديه. يخرج إليها ويطاردها بغية قتلها. لكن رجال القرية اكتشفوا الزوجة وهي على رمق الحياة. يترك العشيقة من بين يديه ويهرع إلى زوجته التي تفيق من الإغماءة لتجده قربها.
ورد هذا الفيلم في نهاية الحقبة الصامتة، وهو أقرب إلى احتفاء وداعي بتلك الحقبة؛ كونه عملا فنيا يرفض التنازل عن مستواه على الرغم من أن الحكاية تمر في منتصفها بمشاهد كوميدية التشكيل. لا يسقط الفيلم، بسبب هذه المشاهد وما يمنعه من السقوط هو معالجته الفنية الراقية وكيفية إدارته ممثليه بحيث لا يسقطان في المغالاة.
فصل المدينة هذا الذي نرى الزوجان يعيشان متعة الحياة رغم فقرهما، هو مقارنة دامغة بين عالمين مختلفين. المرأة الطيبة هي الزوجة وهي ريفية. المرأة الشريرة هي التي ترغب في رجولة الزوج وهي من المدينة. المدينة في فيلم مورناو قد تجلب السعادة. مبهجة. احتفائية. راقصة وفيها الكثير مما لا يمكن لحياة الريف أن تستوعبه. لكنها أيضاً أشبه بالحلم الذي ينتهي بكابوس.
في أحد المشاهد الأولى يوفر المخرج قدرته على ترجمة الحس الدرامي المطلوب بصرياً: نرى الزوج يركض لملاقاة عشيقته في الغابة ليلاَ. في البداية تلحق به الكاميرا. وفي الثانية تتابعه في «تراكينغ شوت» متوازيا مع حركته. في الثالثة - وقد أصبح قريباً من مناله - تسبقه. كذلك، فإن كل تلك اللقطات المتشابكة والممزوجة والمشهد الذي يصور فيه الزوجين وهما يمشيان متعانقين وسط ساحة المدينة من دون اكتراث للسيارات المتكاثرة (لقطتهما على خلفية لقطة منفصلة أخرى) ما هي إلا تعابير وليس وسائل للتعبير.
كان مورناو برهن على حسن استخدامه الظلال والإضاءة من قبل وهنا يوفر المستوى الجيد ذاته. كذلك يوظـف جرس الكنيسة لخدمة أحاسيس معيـنة. ليس على نحو ديني، فجرس الكنيسة لا يُـقرع على النحو المعهود، بل كرنين موسيقي شبيه بتلك التي استخدمها المخرج في رائعته «نوسفيراتو». انطلاقاً، فإن كل شيء معبر عنه من دون بطاقات الحوار المعتادة. حين يهم الزوج بالقتل يرخي يديه لجانبيه ويحني ظهره فيبدو كما لو كان زومبي أو مصاص دماء ما يوحي بأن هذا الرجل لديه استعداد للعنف فهو يهم بقتل زوجته أولاً ثم يتصدى لمن غازلها بسكين وبعد ذلك يهم بقتل عشيقته. لكنه الحب هو ما كان ينقذه من شروره.