تنازلات أميركية لروسيا في «هدنة الجنوب» السوري

«مرونة» إزاء انسحاب ميليشيات إيران... واستمرار المحادثات حول المعبر الأردني

تنازلات أميركية لروسيا في «هدنة الجنوب» السوري
TT

تنازلات أميركية لروسيا في «هدنة الجنوب» السوري

تنازلات أميركية لروسيا في «هدنة الجنوب» السوري

قدمت واشنطن تنازلات إضافية لموسكو خلال المحادثات العسكرية والدبلوماسية في عمّان قبل أيام إزاء جنسية مراقبي تنفيذ «هدنة الجنوب» في درعا والقنيطرة وجزء من السويداء، وعمق ابتعاد «القوات غير السورية»، في إشارة إلى ميليشيات إيران، من حدود الأردن، وخط فك الاشتباك في الجولان المحتل.
ومن المقرر عقد اجتماع أميركي - روسي - أردني لوضع اللمسات أخيرة على تفاصيل إضافية لاتفاق «هدنة الجنوب» بما في ذلك شروط إعادة فتح معبر الحدود بين الأردن وسوريا في منتصف سبتمبر (أيلول) بالتزامن مع استضافة آستانة الاجتماع الثلاثي الروسي - التركي - الأردني لبحث مصير إدلب وتفاصيل أخرى لمناطق «خفض التصعيد».
في التفاصيل، اجتماع مسؤولون أميركيون وروس في العاصمة الأردنية قبل أيام لبحث مسائل تتعلق بانتشار مراقبين لمراقبة «هدنة الجنوب» التي أنجزت في بداية يوليو (تموز) الماضي وعمق انسحاب ميليشيات إيران وفتح معبر الرمثا، إضافة إلى تشكيل خلية ثلاثية للرقابة. لكن المحادثات أظهرت أن واشنطن تركز على «خفض التصعيد ووقف القتال بين قوات النظام والمعارضة وتحقيق مناطق استقرار تسمح بمساعدات إنسانية وعودة نازحين» إلى مناطقهم، مقابل التركيز على قتال «داعش»، الأمر الذي انعكس «مرونة أميركية» في 3 نقاط:
أولا: قبل الجانب الأميركي انتشار مراقبين روس في مناطق «هدنة الجنوب»، علما بأن موسكو أعلنت نيتها نشر ألف من الشرطة العسكرية الروسية (شيشان) في سوريا وحددت نقاطا لها جنوب البلاد، خصوصاً في محافظتي درعا قرب الأردن، والقنيطرة في الجولان المحتل. لكن هذا الموقف أغضب بعض المسؤولين الأميركيين وحلفاءهم لـ«قناعتهم بضرورة وجود مراقبين محايدين وليسوا داعمين لدمشق وطهران». كما أعرب مسؤولون إسرائيليون أن وجود الروسي «سيقيد قدرتهم على شن غارات ضد أهداف في سوريا».
ثانياً: كانت واشنطن تعتقد أنها «نجحت في جر موسكو إلى قبول فقرة في اتفاق الهدنة نصت على عدم وجود مقاتلين غير سوريين ضمن مناطق الهدنة»، في إشارة إلى «حزب الله» و«حركة النجباء» اللذين تدعمهما إيران. واختلفت روسيا وأميركا والأردن على عمق انسحاب «المقاتلين غير السوريين»؛ بين موقف واشنطن بأن يكون 20 ميلاً، وموقف موسكو في أن يكون 10 أميال. غير أن الاجتماع الأخير، أدى إلى قبول الوفد الأميركي اقتراح روسيا بالابتعاد بخطوط متأرجحة من الأردن والجولان بحدود 10 أميال وقد تصل أحياناً إلى 5 أميال.
بناء عليه، جرى تشكيل الخلية الثلاثية في العاصمة الأردنية لمراقبة وقف النار. ولم يعرف ما إذا كان تنفيذ إعادة انتشار الميليشيات قد بدأ فعلاً، وما إذا كان يشمل تنظيمات سورية ومحلية تدعمها إيران، أم إنه يقتصر على غير السوريين، في وقت تحدثت فيه مصادر عن وجود «مكاتب إدارية ومدنية» لمجموعات غير سورية جنوب البلاد.
ثالثاً: فتح معبر الحدود السورية - الأردنية بين مدينة درعا والرمثا. وقد استعجل الجانب الروسي إعادة التبادل التجاري «عربون ثقة» لدمشق بعد تعاونها في تنفيذ «هدنة الجنوب». لكن الجانبين الأميركي والأردني يتريثان إلى حين وفاء القوات النظامية بباقي الالتزامات، وتشمل السماح بمجالس محلية وبالانتعاش والتنفس وإيصال مساعدات إنسانية وعودة اللاجئين إلى ديارهم، إضافة إلى الاتفاق على حصص التبادل التجاري، والوجود الرمزي أو الحقيقي للنظام أو الجيش الروسي على الحدود وسط مخاوف أردنية من ظهور «أمراء حرب» في حال سمح لهم بالإفادة من العائدات التجارية.
وإذ لوحظ تراجع في القصف على مناطق «هدنة الجنوب»، سجل أمس بدء «الجيش الحر» هجمات ضد «جيش خالد» التابع لتنظيم داعش جنوب شرقي البلاد، وذلك ضمن بنود اتفاق الهدنة الذي نص على «قتال «داعش» فكريا وعسكريا وإبعاد «جبهة النصرة» بالتزامن مع تقدم قوات النظام وحلفائها إلى حدود الأردن من الطرف الشرقي لمحافظة السويداء.
وبات الخطاب الأميركي يبالغ في وصف «هدنة الجنوب» بأنها «منطقة خفض التصعيد» أو «منطقة الاستقرار». وبدا أن أولوية إدارة الرئيس دونالد ترمب التركيز على محاربة «داعش»، والدفاع عن حلفائها على الأرض بما في ذلك معسكر التنف في زاوية الحدود العراقية - السورية - الأردنية وسط استعجال قوات النظام وميليشيات تدعمها روسيا لمنع الربط بين التنف و«قوات سوريا الديمقراطية» في الرقة والوصول إلى دير الزور.
وواصل التحالف الدولي بقيادة أميركا ضد «داعش» تقديم الدعم لفصائل «الجيش الحر» في معسكر التنف ضمن خطة للتقدم شمالاً لخوض معركة «وادي الفرات». لكن تقدم قوات النظام وحلفائها بدعم روسي باتجاه دير الزور عرقل خطط التحالف الأميركي. وباتت بعض الدول الحليفة في معسكر التنف تبحث الانسحاب من العمليات العسكرية.
في موازاة ذلك، تراجع الاهتمام السياسي بالملف السوري على هامش اجتماعات الجمعية العامة في الأمم المتحدة مع وضع الجانب الروسي ملف إعادة الإعمار على الطاولة، عدا اقتراحين: الأول، مشروع مسؤولة الشؤون الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني لعقد مؤتمر متابعة لمؤتمر المانحين في نيويورك في حدود 20 سبتمبر المقبل لبحث موضوع إعادة الإعمار، وشروطها السياسية. الثاني، اقتراح الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون تشكيل «مجموعة اتصال» من اللاعبين الرئيسين في الموضوع السوري؛ بينهم الدول الخمس دائمة العضوية ودول إقليمية أخرى، وعقد مؤتمر في نيويورك لتقديم تصور سياسي وشد الاهتمام الأميركي والروسي.
لكن لا يزال المقترح الفرنسي يواجه عقبات شكلية وإجرائية؛ إحداها دعوة طهران للمشاركة في المجموعة بسبب اعتراض واشنطن على مشاركة إيران، إضافة إلى قناعة دول أخرى أن إيران دعيت إلى «المجموعة الدولية لدعم سوريا» نهاية 2015 من دون أن تقدم أي تنازل سياسي لقبول الانتقال السياسي.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.