تونس: «النهضة» تتفادى مواجهة مع السبسي حول مبادرة «المساواة في الميراث»

TT

تونس: «النهضة» تتفادى مواجهة مع السبسي حول مبادرة «المساواة في الميراث»

لاحظ متابعون للشأن السياسي التونسي أن حركة «النهضة» الإسلامية اختارت عدم الدخول في مواجهة مع المبادرة التي طرحها الرئيس الباجي قائد السبسي حول المساواة في الميراث وزواج التونسية المسلمة من أجنبي على غير دينها. وأثارت مبادرة رئيس الجمهورية التي أطلقها يوم 13 أغسطس (آب) الحالي، بمناسبة احتفال المرأة التونسية بعيدها الوطني، جدلاً سياسياً واجتماعياً ودينياً واسعاً، وكان مراقبون يتوقعون أن تترك تداعيات على علاقة التحالف القوية بين «النهضة» بزعامة راشد الغنوشي، وحزب «النداء» الليبرالي الذي يرأسه شرفياً الرئيس السبسي.
وفسّر بعض الأوساط في تونس المقترح الرئاسي بمحاولة جذب تيارات إسلامية إلى ملعب الجدل السياسي وإظهارها في مظهر غير المواكب للعصر وفتح أبواب الجدل بين الإسلاميين والمجتمع التونسي، فيما رأى آخرون أن الرئيس التونسي قدّم اقتراحه المثير للجدل لغايات انتخابية بحتة بعد ظهور ملامح طموحات لديه للترشح مجدداً في الانتخابات الرئاسية المقررة سنة 2019، ويعتبر أصحاب هذا الرأي الأخير أن مبادرة السبسي محاولة مبكرة منه لاستمالة نساء تونس اللاتي صوّتن بكثافة له خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2014، ومن ثم قطع الطريق أمام أي مرشح إسلامي، خاصة إثر دعوة الغنوشي الصريحة ليوسف الشاهد، رئيس الحكومة الحالية، لإعلان عدم نيته الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. بيد أن حركة «النهضة» لم تنسق، كما يبدو، إلى الجدل حول مسألة المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة وزواج المسلمة بغير المسلم، ما خيّب توقعات متابعين للشأن السياسي التونسي بانفراط عقد التحالف بين «النهضة» - التي لم تدعم المبادة الرئاسية بشكل حاسم ولم ترفضها بشكل واضح - وبين حزب «النداء» الذي يحاول الاستفادة من تعثر شركائه الإسلاميين قبل أشهر قليلة من إجراء الانتخابات البلدية يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وتفادت «النهضة»، في مواقفها الرسمية، الرد بوضوح على مبادرة الرئيس التونسي حول الميراث وزواج التونسية من أجنبي غير مسلم، واكتفت بـ«المتابعة والمراقبة». وهي قالت في بيان إن كل المبادرات لا تصبح سارية المفعول إلا بعد مرورها بمختلف أطوار النقاش والمصادقات داخل المؤسسات الدستورية، وبخاصة تحت قبة البرلمان.
وفي هذا الشأن، قال المحلل السياسي التونسي محمد بوعود لـ«الشرق الأوسط» إن قيادات «النهضة»، المتمرسة بالعمل السياسي، استطاعت أن تُسقط المراهنات على انشقاق بينها وبين «النداء»، وأن تدفع بعضاً من حلفائها وخصومها أيضاً إلى إعادة حساباتهم السياسية في ظل احتدام المنافسة، سواء فيما يتعلق بإدخال تحويرات على التركيبة الحكومية أو الاستعدادات للانتخابات البلدية.
ولم يقدّم نور الدين البحيري، رئيس الكتلة البرلمانية لـ«النهضة»، موقفاً واضحاً من مبادرة الرئيس حول الميراث والزواج بغير المسلم، لكنه أبدى احتراماً كاملاً لرئيس الجمهورية ودعم حقه في تقديم أي مبادرة يراها صالحة لتطوير حياة التونسيين. وأكد أن كل مبادرة ليس لها طابع إلزامي ولا قانوني حتى تمر بكل المراحل التي تسبق إقرارها كمشروع قانون قابل للتنفيذ. كما أشار إلى مشاركة «النهضة» لرئيس الجمهورية في الانضباط التام بأحكام الدستور التونسي وتعاليم الإسلام والاحتكام إلى ما جاء في القرآن الكريم بأحكام واضحة وقاطعة. وأكد البحيري أن حركة «النهضة» حزب مدني له مرجعية إسلامية وليست الطرف الوحيد المكلّف بالدفاع عن قضايا الدين في تونس، موضحاً أن نواب حزبه سيصوتون وفق أحكام الإسلام وتعاليمه ولن يتجاوزوا حدوده.
وعلى المستوى الرسمي، استدعت وزارة الخارجية التونسية سفير تركيا في تونس واحتجت على استغلال الشيخ المصري وجدي غنيم الأراضي التركية للتهجم على تونس واتهام قياداتها السياسية وبرلمانها بالكفر في تناوله مقترح المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة.
وفي مقابل الموقف «المتأني» لحركة «النهضة»، تباينت آراء التونسيين حول المقترح الرئاسي، وانقسموا بين مؤيد له بقوة ورافض له بقوة أكبر. وفي هذا الشأن، أكدت النقابة الأساسية للوعاظ (نقابة مهنية تابعة للاتحاد العام التونسي للشغل) على أن موقف مهدي بوكثير، رئيس الجمعية التونسية للوعاظ والمؤدبين والإطارات الدينية، المؤيد للدعوة إلى المساواة التامة في الميراث بين الذكر والأنثى وزواج التونسية المسلمة من غير المسلم، هو «رأي شخصي لا يلزم سلك الوعاظ ولا الأئمة والمؤدبين». وذكرت النقابة أن كلاً من النقابة العامة للشؤون الدينية والنقابة الأساسية للوعاظ كانتا قد عبّرتا في بيان سابق عن موقف الوعاظ والأئمة والمؤدبين الرافض لمثل هذه الدعوات التي أطلقها رئيس الجمهورية. واعتبرت أن المساواة في الميراث بين الجنسين مضبوطة بآيات قرآنية لا مجال للاجتهاد فيها، وأن الدعوة إلى إمكان زواج المسلمة بغير المسلم مردودة شرعاً بصريح النصوص التأسيسية قرآناً وسنة، وشددت على أن «مثل تلك الدعوات من شأنه أن يغذّي التطرف والإرهاب وأن يُتخذ مدخلاً لاستدراج العامة والشباب المتدين لتكفير المجتمع والدولة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».