الموصل بعد «داعش»... المنازل مقابر لأصحابها

روايات مؤلمة للعائدين إلى المدينة التي تحولت إلى أنقاض بسبب الغارات والقصف والعمليات الانتحارية المريعة

جانب من الدمار الذي حلّ بالموصل (واشنطن بوست)
آية تبكي بجانب أشلاء أختها التي جمعت في كيس
جانب من الدمار الذي حلّ بالموصل (واشنطن بوست) آية تبكي بجانب أشلاء أختها التي جمعت في كيس
TT

الموصل بعد «داعش»... المنازل مقابر لأصحابها

جانب من الدمار الذي حلّ بالموصل (واشنطن بوست)
آية تبكي بجانب أشلاء أختها التي جمعت في كيس
جانب من الدمار الذي حلّ بالموصل (واشنطن بوست) آية تبكي بجانب أشلاء أختها التي جمعت في كيس

عثرت آية أبوش على شقيقتها في المنزل الذي قضت فيه لحظات عمرها الأخيرة، محاصرة برفقة صغارها أثناء سقوط القذائف من السماء ونفاذها عبر السقف.
كانوا يرقدون هناك، وسط بقايا البطانيات والقضبان الحديدية الملتوية. وتعرف حمودي، كما قالت، بطريقة ما على ابن شقيقه محمود البالغ من العمر 6 سنوات. وتجمع عمال الإنقاذ حولها محاولين العثور على مفتاح لحقيبة الجسد لجمع البقايا البشرية التي شوهتها الصدمات والشمس والزمن.
كانت ساجدة، شقيقة آية، تبلغ من العمر 28 عاما وملتزمة دينيا، كما قالت أختها. وكان ابنها الآخر يدعى بكر ويبلغ من العمر 9 سنوات. وفي خضم الحرارة العالية والرائحة المقيتة والغبار الكثيف، نظرت آية بهدوء إلى الجثث قبل أن ينتقل عمال الإنقاذ بهم إلى مكان بعيد. كان الوقت لا يزال مبكرا، وكانت هناك المزيد من الجثث لم يُكشف عنها بعد في المدينة القديمة بالموصل العراقية.
كان ذلك هو موقع الانتصار العراقي الكبير المعلن عنه إعلاميا منذ أسابيع قليلة الذي أنهى احتلال تنظيم داعش الإرهابي لمدينة الموصل وأدى إلى انهيار تام لطموحات التنظيم في منطقة الشرق الأوسط، كما قال حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي من قبل. وكانت هناك احتفالات صاخبة رافقها التلويح بالأعلام العراقية، حتى مع تذكير رئيس الوزراء بلاده بحجم الدماء والتضحيات التي بُذلت هناك حتى تحقيق الانتصار.
لم تظهر التكاليف الحقيقية للانتصار العراقي إلا الآن، في الأحياء المدمرة من المدينة القديمة التي تحولت مساكنها إلى أنقاض بسبب الغارات الجوية والقصف الشديد والعمليات الانتحارية المريعة. وتحت وابل القصف والنيران تحطمت الآلاف من المنازل والمساكن التي كانت مليئة بالأسر والسكان، ثم تحولت مئات المنازل إلى قبور للأحياء والأموات على حد سواء.
ووفق التقديرات التقريبية لأعداد القتلى داخل ذلك الحي التي تبلغ الآلاف من السكان، تساءل الأقارب عن الطريقة الوحشية التي أديرت بها المعارك من قبل القوات العراقية وشركائهم في التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية التي نفذت الغارات الجوية المساندة للعمليات العسكرية على الأرض. وأصبحت المخاوف بشأن الخسائر البشرية بين صفوف المدنيين أكثر إلحاحا مع مضاعفة القوات المدعومة من الولايات المتحدة جهودها لهزيمة تنظيم داعش في المعاقل الأخيرة التي تحصن بها المتطرفون في العراق وسوريا.
ومرة تلو الأخرى في الموصل، يتعرض المدنيون للقتل بطريقة مماثلة وباعثة على الإزعاج: اختطاف العائلات واستخدامهم دروعا بشرية من قبل عناصر «داعش» المتطرفين داخل المنازل التي تحولت أثناء القتال إلى حاميات لعناصر التنظيم. واتخاذ قناصة التنظيم مواقعهم أعلى المنازل وإطلاقهم النار على القوات العراقية أو على طائرات قوات التحالف. ثم يأتي الرد بقصف تلك المنازل، وفي بعض الأحيان بواسطة وحدات المدفعية أو بالغارات الجوية ومع القليل من الاعتبار للسكان العزل في الداخل، كما قال الناجون وأقارب الضحايا. وكانت أقبية المنازل تستخدم كملاجئ من القصف والقنابل.
لم يخبرنا أحد حتى الآن عن أعداد القتلى في العمليات. حتى إن التقديرات لا تزال سرية، وتحتفظ بها الحكومة بشكل وثيق بسبب حساسية الاتهامات بأنها هاجمت الأحياء السكنية بقوة غاشمة ومرعبة وبالحد الأدنى من الاعتبار والاهتمام. ولكن هناك أدلة شديدة القتامة على الأوضاع هناك.
ففي المشرحة المحلية، يقول أحد المسؤولين، إن نحو 900 اسم مذكورين في سجل أسماء الجثث التي خرج معظمها من تحت أنقاض المدينة القديمة حتى تاريخ 24 يونيو (حزيران) الماضي. ويملك العاملون في الدفاع المدني قائمة تضم 300 موقع تنتظر سحب جثث الضحايا منها، ولقد تمكنوا من الوصول إلى ما يزيد بقليل على ثلث هذه المواقع حتى الآن.
وفي بعض هذه المنازل، هناك جثة واحدة فقط، وفي البعض الآخر، هناك عشرات الجثث. وقام أقارب الضحايا بدفن جثث ذويهم بأنفسهم أثناء القتال في الحدائق أو المقابر المؤقتة التي حفروها في الأماكن البعيدة الخاوية. وتعتبر ثلاجات حفظ الموتى في المشرحة المحلية بالموصل إلى جانب مقطورات الجرارات المتوقفة في الحدائق مملوءة عن آخرها بالجثث.
جاء محمد علي محمود لزيارة مشرحة الموصل في وقت سابق من الشهر الحالي، مختلطا بالسكان الآخرين الذين يحملون حكاياتهم الخاصة حول المأساة المروعة في المدينة. ولكن قصته كانت مختلفة: فلقد لقي 17 فردا من أسرته الكبيرة مصرعهم فيما وصفها بأنها غارة جوية على المدينة القديمة.
وقال أثناء دخول رجل آخر إلى المشرحة محاولا استخراج شهادات الوفاة لـ15 شخصا من أسرته كانوا ضحايا غارة جوية أخرى: «لا يعرفون الرحمة. يمكن القضاء على القناص برصاصة أو ربما بصاروخ، ولكنهم للقضاء على قناص واحد كانوا يدمرون 7 منازل بمن فيها دفعة واحدة».
وإن كانت معاناة الموصل تحمل في طياتها درسا لأحد، فهو أن الحكومة العراقية لم تكن قادرة على تحمل نتائج خيبة أمل سكان المدينة مرة أخرى وإثارة الشكاوى القديمة نفسها التي استغلها المتطرفون من أفراد «داعش». ولكن في المشرحة، بدا الأمر وكأن القتلى والضحايا منسيين تماما في خضم الحديث عن الانتصار المظفر، ومع عودة مظاهر الحياة التدريجية إلى الأحياء الأكثر حظا من مدينة الموصل المنكوبة. فلقد كان الناجون يكافحون أيضا هناك من أجل استخراج المستندات للحصول على مستحقات الوفاة، وللحصول على الرعاية الطبية للإصابات التي لحقت بهم، ولنزع وصمة الشكوك بالتعاطف مع عناصر «داعش» التي قالوا إنها متعلقة بأهل وسكان المدينة القديمة في الموصل.
وقال الجيش العراقي إنه وضع حماية المدنيين على رأس الأولويات في كل مرحلة من مراحل المعركة الشاقة والصعبة التي استمرت قرابة تسعة أشهر لتحرير الموصل التي كانت تضم نحو مليونين من السكان مما تسبب في تأخير شن الهجمات تحت دواعي الحرص الزائد على أرواح المدنيين. كان شعار القوات هو «تحرير الشعب قبل تحرير الأرض».
ولكن كانت هناك إشارات تحذيرية بأن تكون القوات العراقية والأميركية أقل تقييدا بتلك المعايير مع وصولهم إلى الجيوب الضيقة من غرب الموصل التي شكلت المعقل الأخير لعناصر تنظيم داعش، حتى بعد أن أصبح من الواضح أن المتطرفين يحتمون خلف المدنيين العزل من سكان المدينة.
وفي أواخر مارس (آذار) الماضي، شنت قوات التحالف غارة جوية ضد تنظيم داعش على حي الموصل الجديد بغرب المدينة التي أسفرت عن مصرع ما لا يقل عن مائة مواطن. وقال السكان إنهم تجمعوا في أحد المنازل التي تعرضت للهجوم بسبب أنه أحد المنازل القليلة في المنطقة الذي يوجد به قبو سفلي.
ويبدو أن المخاوف المتزايدة بشأن أعداد القتلى في صفوف المدنيين غير مقتصرة على مدينة الموصل وحدها. فلقد كانت أعداد الضحايا المدنيين في ارتفاع مستمر عبر المعارك الدائرة ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا بسبب غارات قوات التحالف الجوية، وذلك وفقا لشبكة «الحروب الجوية - إير وارز» المعنية بمتابعة أعداد الضحايا، حيث قالت إن أعداد الضحايا المدنيين قد تضاعف تقريبا منذ تولي الرئيس دونالد ترمب مهام منصبه.
وصرح العقيد ريان ديلون المتحدث الرسمي باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق وسوريا بأن «هدف قوات التحالف دائما هو عدم سقوط الخسائر البشرية. وإننا نطبق المعايير الصارمة على عمليات الاستهداف العسكري لدينا».
وعزا العقيد ديلون المزاعم المتعلقة بارتفاع أعداد الضحايا في صفوف المدنيين في العراق إلى تحول العمليات من شرق الموصل إلى المناطق المكتظة بالسكان في غرب المدينة، بدلا من أي تغيير حقيقي في الاستراتيجية. وأردف العقيد الأميركي يقول: «لم يكن هناك هجوم عسكري على مدينة حضرية مثل الموصل منذ الحرب العالمية الثانية، والطريقة الوحيدة لتحرير المدينة كانت عبر القتال منزلا بمنزل وشارعا بشارع».
وكانت مسؤولية جنود الجيش العراقي إنقاذ المدنيين هناك، الذين كان أملهم الوحيد هو وصول تلك القوات إليهم في أي وقت، واستطرد العقيد الأميركي يقول: «بسرعة كافية قبل سقوطهم صرعى بسبب الجوع الشديد أو تعرضهم للقتل على أيدي عناصر (داعش) أثناء محاولتهم الهرب».
وفي أواخر يوليو (تموز) الماضي، وردا على ما قيل وقتها بأنه «التكهنات الخاطئة بشأن ارتفاع أعداد الضحايا»، أصدر الجيش العراقي بيانا جزئيا بأعداد القتلى في غرب الموصل بأنها تبلغ نحو 1429 قتيلا. ومن غير الواضح ما إذا كان ذلك الرقم يضم ضحايا المدينة القديمة، كما أنه لم يتم تحديث هذا البيان الموجز منذ ذلك الحين.
أما بالنسبة للأقارب الناجين، فقد كانت مشاعر الغضب والألم الشديدة قد أعقبتها محاولات شاقة وموجعة لاستخراج الجثث من تحت الأنقاض. وطالب الأقارب عمال الإنقاذ المنهكين الذين يتقاضون أجورا متدنية للمساعدة أو إرشادهم عبر شوارع المدينة. وليست هناك شبكة بحث موحدة في المكان كما لا توجد فرق إنقاذ من الكلاب المدربة كذلك. بدلا من ذلك، وعندما يتوفر الوقت لعمال الدفاع المدني، فإنهم ينتقلون برفقة الأقارب إلى منازلهم، ويقفون معهم فوق الأنقاض، وبين صناديق الذخيرة وجثث عناصر «داعش» المضمخة بالمتفجرات.
وذات يوم من الشهر الحالي، اضطر الأقارب للمساعدة في أعمال الحفر بأنفسهم. إذ لم يدفع أحد أجرة سائق الحفار، ونتيجة لذلك تغيب عن العمل لمدة أربعة أيام، وفقا للعقيد ربيع حسن رئيس فريق الدفاع المدني في غرب الموصل. ولم يكن الخطأ من سائق الحفار، الذي كان يدفع ثمن أغلب عمليات استعادة الجثث من جيبه الخاص، كما قال العقيد حسن الذي أضاف: «لم يكن أحد يهتم، ولم يكن أحد يسأل». كان عمل الأقارب بأنفسهم شاقا ومضنيا وخطيرا. ففي إحدى المراحل، ارتفعت الأدخنة من أحد الانفجارات في الجوار، ثم واصل الجميع الحفر رغم كل شيء.
جلست آية أبوش بجوار سيارات الإنقاذ، وكانت أكياس الجثث عند قدمها، وكانت تبكي بمرارة أثناء وقوف الأقارب الآخرين وانتظارهم لدورهم. وكان منزل محمد طه يقع قريبا من هناك، وفي داخل المنزل كانت جثث ابنه البالغ من العمر عامين اثنين وزوجته ووالدته. وكانت المرة الأخيرة التي شاهدهم فيها قبل بضعة شهور، حينما غادر المدينة القديمة لمتابعة قطيع الماشية الذي يملكه. ثم تحولت خطوط المعركة نحو غرب الموصل، ولم يتمكن من العودة إلى منزله مرة أخرى.
وعلى مدى أسابيع، حاول يونس صلوح استخراج جثة عمه وثلاثة من أبناء عمه، الذين كانوا قابعين داخل منزل أجداده. ومع الحفر في الصخور بيديه وبالمعاول الصغيرة في الأسبوع الماضي، كانت رائحة الجثث تنبعث من مكان ما بعيد للغاية لا يمكنه الوصول إليه.
وكانت حلا خميس قد نجحت في الفرار من إحدى الغارات الجوية بأكثر من شهر مضى برفقة ثلاث من بناتها ولكن من دون ولدها جاسم البالغ من العمر 10 سنوات الذي كان موجودا في غرفة مجاورة وقت القصف. ثم عادت حلا إلى المنزل بصحبة عمال الإنقاذ الأسبوع الماضي وهي تحمل صورة لولدها وعلبة من مزيل الروائح لتفادي الرائحة الكريهة المنبعثة من المنزل.
وقالت السيدة حلا وهي ترش مزيل الروائح على ملابس عمال الإنقاذ لعل ذلك يساعد في الإسراع من عملهم: «بكل صراحة، لست متأكدة من أنه هنا. ربما تمكن من الفرار مثلنا». ولكن تم العثور على جثة ما، ولكنها كانت لإرهابي انتحاري متمنطق بحزام ناسف حول خصره. ووقفت السيدة حلا بجوار المنزل داعية عمال الإنقاذ لمواصلة العمل والمحاولة. ولكن كانت هناك كثير من الصخور ومن دون ماكينات لرفعها وإزاحتها. وكان لزاما عليهم العودة في وقت آخر».
كانت الغارة الجوية التي قتلت 17 فردا قد استثنت ثلاثة أفراد فقط من العائلة نفسها. وأحدهم، وهو علي حسين علي (23 عاما)، كان خارج الغرفة التي تجلس فيها العائلة عندما هوى على رؤوسهم السقف. وأمضى علي حسين 22 ساعة تحت الأنقاض وهو يسمع أصوات أنين أقاربه، ثم توقفت الأصوات تماما قبل نصف ساعة فقط من إنقاذه.
*خدمة {واشنطن بوست}


مقالات ذات صلة

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

الولايات المتحدة​ أحمد الشرع مجتمعاً مع رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد الجلالي في أقصى اليسار ومحمد البشير المرشح لرئاسة «الانتقالية» في أقصى اليمين (تلغرام)

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

وجهت الإدارة الأميركية رسائل سريّة الى المعارضة السورية، وسط تلميحات من واشنطن بأنها يمكن أن تعترف بحكومة سورية جديدة تنبذ الإرهاب وتحمي حقوق الأقليات والنساء.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي مواطنون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

ممثلة «مسد» في واشنطن: «هيئة تحرير الشام» «مختلفة» ولا تخضع لإملاءات تركيا

تقول سنام محمد، ممثلة مكتب مجلس سوريا الديمقراطي في واشنطن، بصفتنا أكراداً كنا أساسيين في سقوط نظام الأسد، لكن مرحلة ما بعد الأسد تطرح أسئلة.

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي مقاتلون من المعارضة في حمص يتجمعون بعد أن أبلغت قيادة الجيش السوري الضباط يوم الأحد أن حكم بشار الأسد انتهى (رويترز)

«داعش» يعدم 54 عنصراً من القوات السورية أثناء فرارهم

أعدم تنظيم «داعش» 54 عنصراً من القوات الحكومية في أثناء فرارهم في بادية حمص وسط سوريا، تزامناً مع سقوط الرئيس بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عنصر من المعارضة السورية المسلحة في حمص يحتفل بدخول العاصمة دمشق (إ.ب.أ)

الأردن ومخاوف من خلط أوراق المنطقة والخشية من فوضى سوريا

يبدي أمنيون أردنيون مخاوفهم من عودة الفوضى لمناطق سورية بعد الخروج المفاجئ للأسد إلى موسكو، وان احتمالات الفوضى ربما تكون واردة جراء التنازع المحتمل على السلطة.

محمد خير الرواشدة (عمّان)

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».