عند التجول بين المناطق المحررة من تنظيم داعش في الرقة، تبدو مظاهر الدمار التي حلت بها واضحة جراء المعارك العنيفة، إذ يمكن رؤية بعض المنازل التي غادرها أصحابها لتصبح أثراً بعد عين ولم يتبقَ منها سوى الأطلال؛ أما التي نجت من القصف، فلم تسلم من تكسير زجاج أبوابها ونوافذها جراء ضغط الانفجارات في المناطق المحيطة بها.
ولا تزال الكثير من كتابات التنظيم منتشرة على جدران المنازل والمرافق العامة، تذكر أبناءها بحقبة سوداء. ويسود شعور بين الأهالي أن إعادة الاستقرار والأمن إلى المناطق التي تخرج عن سيطرة «داعش» ونشر الطمأنينة والسلام بين الأهالي؛ تتوقف إلى حد بعيد على انضباط قوات الأمن الداخلي، ومدى قدرتها على الدفاع عن هذه المناطق، إلى جانب وجود إدارة مدنية تحظى بقبول أبنائها.
وفي المبنى المؤلف من طابقٍ واحد وسط بلدة عين عيسى الواقعة غربي مدينة الرقة (شمال سوريا)، يعمل أعضاء مجلس الرقة المدني الذي تشكل منتصف شهر أبريل (نيسان) العام الحالي، في اجتماع ضم مائة شخصية اجتماعية وعشائرية من أبناء المدينة، وانتخب مجلساً مدنياً لإدارة المحافظة بعد طرد عناصر تنظيم داعش منها، وانتخبوا الشيخ محمود شواخ البرسان والمهندسة ليلى مصطفى للرئاسة المشتركة، إلى جانب 3 نواب و10 شخصيات في عضويته الرئاسية، ثمانية منهم عرب واثنان من الأكراد.
ثلاث مهمات رئيسية
يتألف المجلس من 14 لجنة تخصصية، ومن بين أبرز التحديات التي تواجه عمله، إزالة الألغام وتفكيك المفخخات التي زرعها عناصر التنظيم، وكذلك رفع الأنقاض جراء الحرب المحتدمة في شوارع المدينة، أما المهمة الثالثة فهي إعادة عملية التربية والتعليم. وتقع مدينة الرقة على الضفة الشرقية لنهر الفرات، وتبلغ مساحتها نحو 27 ألف كيلو متر مربع، وكان يسكنها قبل اندلاع الحرب قرابة 300 ألف نسمة، فرَ غالبيتهم ونزحوا إلى مخيم عين عيسى والمناطق المجاورة، وتحتاج المدينة إلى خدمات وجهاز شرطة وغيرها من الأمور الأساسية، ليتمكن هؤلاء من العودة إلى ديارهم.
غير أن منسق العلاقات الخارجية في المجلس المدني للرقة عمر علوش، اعتبر أن البنية التحتية في الرقة قد انهارت بشكل شبه كلي نتيجة الحرب، الأمر الذي قد يؤخر عودة النازحين إلى ديارهم. وقال: «عودة الناس إلى ديارهم ليس بالأمر السهل، فالحرب لم تنته بعد، ونحن نتطلع قريباً لبدء الأعمال والأشغال ضمن مدينة الرقة بعد طرد (داعش)، وهناك لجان فنية تدرس عملية إعادة إعمار المدينة بعد التحرير».
وسيطر تنظيم داعش على مدينة الرقة بداية عام 2014، وعمد خلال فترة حكمه إلى تحويل المدارس والأبنية العامة لمقرّات أو سجون له، كما منع تدريس التلاميذ وفق المنهاج الرسمي المعتمد في سوريا، وفرض على الطلاب والشباب الخضوع إلى دورات تعليم دينيّة. وستواجه الإدارات المقبلة إشكالية التعامل مع الأطفال دون سن 18، لا سيما الذين خضعوا إلى تلك الدورات الشرعيّة. يقول رئيس لجنة القضاء بالمجلس المدني المحامي إبراهيم الفرج، إنهم يتابعون الآن حالة أكثر من 700 شاب. ويتابع: «كان بينهم متطوعون في جهاز الحسبة، وسائقون أو موظفو حراسة عملوا في مقرات التنظيم، ونظراً لأنهم غير مقاتلين ولم تتلطخ أياديهم بالدماء أفرجنا عن 300 شخص حتى اليوم، وبعد استكمال التحقيقات حولهم». وأضاف أن المجلس خصص برامج وأنشطة خاصة لإعادة دمج هؤلاء في المجتمع لممارسة حياتهم الطبيعية.
وبين أبرز العقبات التي واجهت عمل مجلس الرقة المدني أيضاً، في مجال التعليم، اعتماد منهاج دراسي، وتأمين الكتب المدرسية. وشرح رئيس لجنة التربية والتعليم في المجلس غازي مضحي الحمد، كيف أنه تقدم باقتراح لرئاسة وأعضاء المجلس، يتضمن اعتماد المنهاج الحكومي الحالي، والبحث عن حلول لاستجلاب الكتاب المدرسي من مديرية تربية النظام. وكشف غازي المضحي «الشرق الأوسط» أن المجلس وافق على إبقاء المنهاج الحكومي، وبادر بالاتصال مع مسؤولين من مديرية التربية في الرقة، ليكونوا وسطاء بين المجلس المدني ووزارة التربية في حكومة النظام.
منهاج رسمي وعودة المدرسين
وقال المضحي: «قلنا للوسطاء إننا سنلغي كل الدروس والصفحات التي تدعو إلى التطرف الديني، وتمجيد الأشخاص، وتقديس الحزب الحاكم. أوضحنا لهم أن هدفنا منح الطالب كتاباً مدرسياً وقراءة منهاج سوري».
بدوره، أكد مصدر مسؤول من مديرية التربية في مدينة الرقة، طلب عدم الكشف عن هويته ولا يزال على رأس عمله، أنّ رد وزارة التربية في دمشق كان إيجابياً، ورحبوا بفكرة عودة الطاقم التدريسي لأبناء الرقة إلى مدارس المدينة، وتدريس الكتاب المدرسي الرسمي في الرقة وريفها.
وقال المصدر: «بحسب خطة الوزارة، سيعاد كل المدرسين والمعلمين المسجلين في قوائم وزارة التربية إلى مدارس ومعاهد الرقة وبلداتها كما كانت قبل عام 2011، باستثناء بلدتي تل أبيض وسلوك»، ونقل المصدر عن وزارة تربية النظام، أن رواتب المعلمين ونفقات المدارس والمجمعات التربوية، ستوزع بدءاً من العام الدراسي الجديد (2017 / 2018). وأخبر المضحي أنّ المدرسين والعاملين في المعاهد الدينية والدعوية التابعة لتنظيم داعش، سيخضعون إلى اختبارات وتقييم، وقال: «من كان غير متأثر بدعاية التنظيم، ولا يحمل فكره وعقيدته التكفيرية، سيعاد إلى التدريس».
إعادة هيكلة ما بعد التحرير
ولا تزال الكثير من كتابات التنظيم منتشرة على جدران المنازل والمرافق العامة، تذكر أبناءها بحقبة سوداء في تاريخ مدينتهم، فإعادة الاستقرار والأمن إلى المناطق التي تخرج عن سيطرة «داعش»، ونشر الطمأنينة والسلام بين الأهالي؛ يتوقف ذلك إلى حد بعيد على انضباط قوات الأمن الداخلي، ومدى قدرتها على الدفاع عن هذه المناطق، إلى جانب وجود إدارة مدنية تحظى بقبول أبنائها.
وذكرت ليلى مصطفى رئيسة المجلس لـ«الشرق الأوسط»، أنّ قوات سوريا الديمقراطية؛ تعهدت بتسليم إدارة المدينة بعد تحريرها للمجلس المدني. وأضافت: «اتخذنا من بلدة عين عيسى مقراً مؤقتاً لعملنا، لكن بعد التحرير سنقوم بإعادة هيكلية المجلس ليضم جميع أبناء المحافظة من ذوي الكفاءات والاختصاصات دون تهميش أحد، لتصبح الرقة نموذجاً للتفاهم والعيش المشترك».
وفي بداية شهر يونيو (حزيران) الماضي، بدأت قوات سوريا الديمقراطية معركة تحرير مدينة الرقة من قبضة عناصر التنظيم، حيث باتت تسيطر على أكثر من 60 في المائة من مساحتها، وحررت الكثير من أحيائها وشوارعها.
وتابعت المهندسة ليلى حديثها بقولها: «تمت دراسة ومسح كل المناطق المتضررة من الناحية التعليمية والصحية وكذلك الخدمية، وجميع النواحي التي تخص الحياة المعيشية لمحافظة الرقة، وبناءً عليها قمنا بوضع الحلول والخطط الاستراتيجية وبرامج قيد التنفيذ».
تدريب ثلاثة آلاف شرطي
وأفاد المحامي إبراهيم الحسن نائب الرئاسة المشتركة للمجلس المدني، أنّ التحالف الدولي والقوات الأميركية تقوم بتدريب قوات الأمن الداخلي لتنتشر في مدينة الرقة بعد التحرير، وأشار إلى أنّ: «الخطة تشمل تدريب ثلاثة آلاف شرطي من أبناء الرقة وريفها لحفظ الأمن والسلام في المحافظة بعد طرد مقاتلي التنظيم».
وقد بدأ الجهاز عمله بشكل فعلي وانتشرت عناصر الشرطة في معظم القرى والبلدات والمناطق المحررة، حيث تلعب دوراً رئيسياً في عملية إعادة الأمان والاستقرار، وأضاف الحسن: «يجري تدريب 50 شاباً بمعدل أسبوعي لهذا الغرض، إلى أن يتم الانتهاء من تدريب العدد المطلوب وفق الخطة المعتمدة للتحالف الدولي والمجلس المدني».