سيل من التساؤلات مع فتح تحقيق حول الهجمات الإرهابية في إسبانيا

المنفذون من أصول مغربية تمكنوا من ضرب أهداف في ثلاثة مواقع مختلفة في تتابع سريع

TT

سيل من التساؤلات مع فتح تحقيق حول الهجمات الإرهابية في إسبانيا

بعد يومين من وقوع هجوم مدمر بسيارة ضد واحدة من أبرز المقاصد السياحية على مستوى أوروبا، تبقى الكثير من علامات الاستفهام قائمة في وقت تستمر جهود السلطات الإسبانية في البحث عن عنصر مفقود من الخلية الإرهابية المشتبه بضلوعها في الهجوم الوحشي الذي خلف 14 قتيلاً وأصاب أكثر عن 100 شخص.
وعلى خلاف الحال مع الهجمات التي وقعت بمركبات في أوروبا على مدار العامين الماضيين - في نيس وبرلين وستوكهولم ولندن - عكس الهجوم الذي وقع في برشلونة وآخر في وقت مبكر من الجمعة بمدينة كمبريلس الساحلية القريبة من برشلونة، درجة غير معتادة من التعقيد والتنسيق. وتجري السلطات تحقيقاً حول ما تعتقد أنه خلية إرهابية تضم 12 عضواً على الأقل لهم قواعد محتملة في مواقع مختلفة عبر إقليم كاتالونيا.
ومع هذا، سارعت الحكومة الإسبانية، السبت، للتأكيد على أن الوضع تحت السيطرة. وأعلن وزير الداخلية خوان إغناسيو زويدو ألفاريز أن خلية مؤلفة من 12 شخصاً جرى «تفكيكها»، في الوقت الذي رفضت الحكومة رفع مستوى الخطر الوطني من أربعة إلى خمسة، المستوى الأكبر.
من ناحية أخرى، صرح المحقق ألبرت أوليفا، المتحدث الرسمي باسم الشرطة الكاتالونية الوطنية، بأن قوة من الشرطة المحلية تتولى قيادة التحقيق الجاري هنا، وأثار الشكوك حول صحة البيان الحكومي. وأضاف خلال مؤتمر صحافي: «يجب أن نتذكر من يتولى قيادة التحقيق»، مؤكداً أن ثمة جهوداً لا يزال من الضروري بذلها. وأوضح أوليفا أن الغارات التي شنتها قوات شرطية ضد منازل أخفقت في العثور على المشتبه به المفقود. ولدى سؤاله عن مدى إمكانية وقوع هجوم آخر، قال إن هذا الأمر غير محتمل، لكنه غير مستبعد تماماً. ورغم نجاح الشرطة في قتل خمسة مشتبه بهم في الساعات الأولى من صباح الجمعة، وإلقائها القبض منذ ذلك الحين على أربعة آخرين، فإن الكثير من علامات الاستفهام تبقى دونما إجابة.
على سبيل المثال، ثمة اتساق اجتماعي نادر الحدوث في خلفيات المشتبه بهم: غالبية المشتبه بهم الـ12 ينتمون إلى ذات المدينة الصغيرة الواقعة قرب الحدود الفرنسية، والتي ينتمي جميع سكانها تقريبا إلى أصول مغربية، وجميعهم أقل عن 35 عاماً.
وهناك أيضاً مسألة اللوجيستيات المثيرة للحيرة، ذلك أن المشتبه بهم تمكنوا من ضرب أهداف في ثلاثة مواقع مختلفة في تتابع سريع. يذكر أن قذائف بروبان وبوتان تعتقد الشرطة أن المشتبه بهم كانوا ينوون تفجيرها في برشلونة، انفجرت الأربعاء قبل الموعد المحدد لها داخل مدينة الكنتار، مما أسفر عن مقتل اثنين على الأقل وجرح 16.
أيضاً، تمكن السائق الذي نجح بصورة ما في مهاجمة أشهر منطقة للتنزه في برشلونة، الخميس، من الفرار من مسرح الجريمة على قدميه. وقد يكون المشتبه ذاته من بين الخمسة الذين نفذوا هجوماً آخر بمركبة في غضون ساعات في كمبريلز، حسبما تعتقد الشرطة - وتقع المدينة الثانية على بهد نحو 70 ميلاً إلى الجنوب الغربي.
من ناحية أخرى، أفاد مسؤولون بالشرطة الكاتالونية في تصريحات لوسائل الإعلام بأن المشتبه فيه المفقود يدعى يونس أبو يعقوب، وتعتقد الشرطة أنه ترك ضاحية لا رامبلا بعد الهجوم، واختطف سيارة بعد قتل سائقها، وقادها إلى خارج المدينة. وبالفعل، عثرت الشرطة على جثة لشخص تعرض لطعنات عدة في سيارة مهجورة طراز «فورد»، وتعتقد الشرطة أن لهذا الحادث علاقة بالهجومين الإرهابيين.
وأخيرا، هناك مسألة الدافع. في أعقاب الهجومين الإرهابيين بفترة وجيزة، أعلن تنظيم «داعش»، عبر وكالة أنباء أعماق التابعة به، مسؤوليته عن الهجومين، مشيداً بمنفذي الهجومين باعتبارهم من بني «جنوده». إلا أن التنظيم أصدر السبت بياناً ثانياً موسعاً تضمن أخطاء فادحة في الوقائع. وفسر الكثير من المحللين الأمنيين الأخطاء باعتبارها دليلا على أن التنظيم في خضم الخسائر الكبرى التي يمنى بها في الشرق الأوسط، قد يحاول التضخيم من تصوير نفوذه بالخارج.
حتى هذه اللحظة، لا تزال درجة تورط التنظيم فعلياً في الهجومين يكتنفها الغموض. جدير بالذكر أنه خلال الشهور الأخيرة أكد «داعش» على مسؤوليته على عدد من الهجمات الدولية التي لم يكن له علاقة بها، مثلما خلص المحققون فيما يتعلق بحادث الهجوم ضد كازينو في مانيلا في مطلع يونيو (حزيران).
على سبيل المثال، في ثنايا البيان الثاني حول هجمات برشلونة، ذكر النص أن المهاجمين «اقتحموا حانة بأسلحة خفيفة قرب ميدان لا رامبلا، وتمكنوا من تعذيب وقتل الصليبيين واليهود الموجودين بالداخل». في الواقع، لم يتم اقتحام أية «حانة»، أما «السلاح» المستخدم في الهجوم فكان شاحنة عمدت إلى دهس حشد من المارة دونما تمييز، ولم تحاول اختيار الضحايا على أساس الدين أو العرق.
ومن وجهة نظر بعض المحللين، تشير هذه الأخطاء إلى أن تنظيم «داعش» ربما ليست له علاقة مباشرة بالهجوم. وأشار آخرون إلى أن التنظيم سبق وأن وقع في أخطاء حاول إصلاحها لاحقاً، الأمر الذي ربما حدث مجدداً فيما يتعلق ببرشلونة. اللافت أن المحققين الإسبان عثروا على آثار من مادة بيروكسيد الأسيتون، المادة المتفجرة التي اشتهر التنظيم باعتماده عليها، في موقع التفجير الذي وقع الأربعاء في الكنتار. من جانبه، قال جان تشارلز بريسار، المحلل الأمني البارز ومدير «مركز تحليل الإرهاب» ومقره باريس، إن النقطة الأهم هنا تكمن في إمكانية أن يعمل «داعش» كمصدر إلهام لهجمات مستقبلية حتى في وقت تتضاءل المساحات التي يسيطر عليها على الأرض. وقال خلال مقابلة أجريت معه: «تكشف هجمات برشلونة أمامي أن الوضع على الأرض داخل سوريا والعراق منفصل بوضوح عن قدرة تنظيم داعش وأتباعه بالخارج. ليست هناك علاقة طردية بين الاثنين. إنما ما نعاينه في إسبانيا لا يقتصر على إسبانيا، وإنما يكشف لنا أن التهديد خطير بالنسبة لأوروبا بأسرها».
*خدمة «واشنطن بوست»
- خاص بـ {الشرق الأوسط}



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.