أويحيى «رجل المهام» في الجزائر

النظام يقرّبه ويبعده بحسب المتغيّرات وجدل حول فرص بلوغه «المنصب الكبير»

أويحيى «رجل المهام» في الجزائر
TT

أويحيى «رجل المهام» في الجزائر

أويحيى «رجل المهام» في الجزائر

التغيير الذي طال رئاسة الحكومة الجزائرية يوم الثلاثاء الماضي حَمَل دلالتين بارزتين؛ الأولى أشّرت على وجود أزمة في أعلى هرم السلطة ترتبط بصراع قوي بين أهل السياسة و«لوبي المال»، والثانية جدّدت الفضول حول الدور المستقبلي لأحمد أويحيى الذي أوكلت إليه مهمة قيادة الطاقم الحكومي للمرة الرابعة في حياته، وفرص خلافته الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، سواء في انتخابات 2019 أو في حال حدوث شغور.

بيان رئاسة الجمهورية أعاد «الجوكر السياسي» أويحيى، إلى «قصر الدكتور سعدان» بعد أزمة صامتة دامت أسابيع قليلة بين سلفه المقال عبد المجيد تبون الذي أراد «تطهير العمل السياسي من نفوذ رجال المال» ومجموعة قريبين من محيط الرئيس تصدّوا بقوة لهذا التوجه.
هذه الأزمة بدت، في نظر كثيرين، خصوصاً وسط المعارضة، مؤشراً على مشاكل كبيرة يعانيها النظام، ذلك أنها كشفت عن وجود «صراع سياسات» وتضارب في مستويات اتخاذ القرار ومحدودية في الخيارات للتعامل مع القرارات الاقتصادية التي اتخذها تبون خلال المدة القصيرة التي رأس فيها الحكومة ولم تتجاوز الأشهر الثلاثة. تبون خلال محاولته تنفيذ أجندته الجريئة أظهر رغبة في إبعاد رجل الأعمال النافذ علي حداد، إلا أن الأخير وجد سنداً قوياً لدى السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس، الذي يعتقد على نطاق واسع أنه الحاكم الفعلي في البلاد. وبرز شبه إجماع داخل البلد، أن علي حداد والسعيد بوتفليقة، ليسا سوى رمزين لـ«لوبي» قوي أزعجته التوجهات التي أبداها تبون وأبرزها تهديده الشركات المتأخرة في تنفيذ المشاريع الموكلة إليها بسحب تلك الأعمال منها، ومحاولته وضع حد لاستيراد السلع الخارجية من أجل حماية المنتجات الوطنية، خصوصاً في ظل أزمة تدني الاحتياطات المالية الناجم عن هبوط أسعار النفط.
وعلى مدى أسابيع، ظل الجزائريون وغيرهم مشدودين لمتابعة فصول الصراع الجديد و«الشيّق»، لأنه أظهر وجود «خلل ما» في سلطة القرار، ذلك أن تبون بدا للناس صاحب «ضوء أخضر» من جهات عليا لانتهاج سياسة التصدي لـ«الفاسدين»، وفي الوقت نفسه، كان الجميع يدرك أن حداد يحظى بدعم من قوي من محيط الرئيس.
وعليه، جاء خبر التغيير الحكومي الأخير حاملاً لمفاجأتين: انتصار لوبي المال، واختيار هذا اللوبي لشخص أويحيى ليدافع عن مصالحه. ورأى سفيان جيلالي زعيم حزب «جيل جديد» المعارض، أن ما انتهت إليه الأزمة الأخيرة لا يعني أن «لوبي المال كسب المعركة بشكل نهائي»، مرجّحاً أن الأطراف التي راهن عليها تبون «ربما تنازلت بشكل تكتيكي». وأضاف جيلالي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «الرأي العام لا يعرف طبيعة الملفات المطروحة بين الجانبين في الصراع، ومن المحتمل أن تراجعاً تكتيكياً حدث في انتظار الحلقات المقبلة». ورأى أن تبون الذي اشتغل في مناصب بالدولة لمدة 40 عاماً وهو صاحب الـ72 عاماً من العمر، ليس من النوع الذي يغامر ويفتح المعركة مع رجال الأعمال من تلقاء نفسه. ورجّح أن يكون تبون استند إلى تحالف قِوى في الجيش والإدارة وبعض المؤسسات، لكن هذه القوى وجدت في الأخير أنها لا تملك الإمكانات الكافية لدعم تبون تجاه تنفيذ إصلاحاته. وحذر جيلالي من أن اختيار أويحيى ليحل مكان تبون سيزيد «أزمة الثقة الموجودة بين السلطة والشعب تعقيداً»، لأن القادم الجديد «كان قاد حكومات على مدى سنوات في السابق ولم يقدم للبلاد سوى الأخطاء الفادحة في المجال الاقتصادي وتسيير الشأن العام».
ويقرّ كثيرون أن أصحاب القرار لجأوا إلى أويحيى في اللحظة الأخيرة باعتباره «الخيار الضرورة». وفعلاً كانت رئاسة الجمهورية على الدوام تقرّب الرجل مرات وتبعده مرات أخرى، وفقاً لحسابات متداخلة.
يقول المناصرون لأويحيى (65 عاماً) إن زعيم «التجمع الوطني الديمقراطي»، الحزب الثاني المحسوب على السلطة والقوة السياسية الثانية في البرلمان «رجل دولة» و«صاحب نداء الواجب». يشيدون بكفاءاته السياسية والدبلوماسية والإدارية. ولا يجدون صعوبة في تبرير قدرات الرجل الذي شغل مناصب دبلوماسية عدة في دول أفريقية ومجلس الأمن الدولي وقاد وساطتين كبيرتين لحل أزمتين دوليتين، كما أن عمله المتواصل في مواقع رفيعة في عهد الرئيس السابق ليامين زروال والرئيس الحالي بوتفليقة يدل على المهارات العالية التي يحوزها.
وعلّق صديق شهاب المتحدث باسم «التجمع الوطني الديمقراطي» على التغيير الأخير بقوله إن تعيين أويحيى على رأس الوزارة الأولى (الحكومة) دليل على ثقة رئيس الجمهورية فيه «بسبب صرامته وتفانيه في عمله وامتلاكه لإمكانات كبيرة في تسيير الشأن العام»، مضيفاً أن أويحيى «رجل واجب لا يتأخر ثانية لتلبية نداء الوطن».
في المقابل، تَحمِل المعارضة على الرجل أخطاءه في التعاطي مع الملفات الاقتصادية، وتبنيه لسياسات قاسية تجاه الفئات العمالية تماشيا مع شروط صندوق النقد الدولي في التسعينات من القرن الماضي. وقال زعيم معارض إن أويحيى «لا يحظى بشعبية» في الشارع الجزائري، وإن حزب «التجمع» الذي يقوده «غائب تماماً عن الواقع وهو في الحقيقة لا يعدو أن يكون جهازاً مسيّراً بشكل مباشرة من الإدارة»، في إشارة إلى أن الحزب أداة بأيدي جهات عليا نافذة في الدولة.
وحاول السياسي المعارض تفنيد ما يروّج عن الرجل بكونه «صاحب المهام الكبرى»، بقوله إن أويحيى «ليس سوى رجل يطبق الأوامر، ولم يكن في الحقيقة يوماً من المقررين» داخل النظام الجزائري. ويضيف أن «أويحيى شخصية تنفيذية تتبع الواقف» في إشارة إلى اصطفافه الدائم مع الجهة القوية في المشهد السياسي.
لكن رغم ذلك، لم يستبعد جيلالي سيناريو ترشيح أويحيى في انتخابات الرئاسة عام 2019 للمنصب الكبير الذي يجعله «صاحب قرارات»، معتبراً أن «البلاد دخلت منذ انتخاب بوتفليقة لعهدة رابعة عام 2014 مرحلة من الفوضى أصبح معها كل شيء ممكناً». ورأى أن «النظام فقد البوصلة وبات بالإمكان أن يصبح أويحيى رئيساً كما بات بالإمكان أن يصبح السعيد بوتفليقة أو (قائد الأركان) قائد صالح رئيساً». وواصل جيلالي تقديم نظرة تشاؤمية جداً للمشهد قائلاً إنه لا يستبعد أيضاً حدوث «هزة على مستوى الشارع وربما حدوث انهيار مفاجئ للنظام».
وبين المؤيدين بقوة لأويحيى والمناوئين له بشدة، يقول كثيرون إن الرجل أظهر على مدى السنوات الطويلة التي شغلها في الدولة، قدرات على فهم التوازنات المعقّدة في المشهد السياسي الجزائري، وإنه على الرغم من الاتهامات الكثيرة التي طالته فإن له بشرة سميكة جعلته «يتحمّل سهام النقد خدمة للوطن». اتُّهم مراراً بالاصطفاف في التسعينات إلى جانب العسكر وانتهاج السياسات الاقتصادية القاسية تجاه الفئات العمالية، كما اتُّهم بكونه «رجل المخابرات في المجتمع السياسي والمدني» بسبب ارتباطاته القوية مع القائد السابق لجهاز الاستخبارات توفيق مدين. لكن الرجل واجه كل ذلك بالتجاهل ومواصلة مهامه الحكومية مما أسهم في تلاشي الكثير من الانتقادات الموجّهة له مع الوقت.
قبل بزوغه نجماً سياسياً عام 1994 كان أويحيى قد تدرّج طويلاً في دهاليز وزارة الخارجية بعد تخرجه عام 1975 من «المدرسة الوطنية للإدارة» الخزان الرئيسي لكوادر الدبلوماسية الجزائرية. عمل في الثمانينات من القرن الماضي، في السفارة الجزائرية بأبيدجان ثم ممثلاً مساعداً بمجلس الأمن الدولي قبل أن يعود مستشاراً بوزارة الخارجية في الجزائر. ثم في عامي 1992 و1993 عُيّن سفيراً بمالي، قبل أن يعود للخارجية مجدداً وزير دولة مكلفاً الشؤون المغاربية بين عامي 1993 و1994، وتفيد تقارير إعلامية جزائرية بأن الفضل في صعود نجم أويحيى إلى رجل عسكري كان يشغل منصب قائد المنطقة العسكرية الخامسة التي تشمل مناطق الجنوب. الجنرال فوضيل سعيدي. ففي منتصف التسعينات أعجب الجنرال فوضيل سعيدي بقدرات وكفاءة أويحيى بعدما اشتغل معه على الملفات الأمنية في منطقة الأزواد بشمال مالي، فاقترحه على الرئيس زروال.
الرأي العام الجزائري تعرف على أويحيى في منتصف التسعينات في أوج الأزمة السياسية-الأمنية التي كانت تعصف بالبلاد، وتحديدا عام 1994 عندما تصدّي في لقاء تلفزيوني مطوّل للدفاع عن سياسات السلطة في مواجهة الاتهامات التي كانت توجه إليها آنذاك. بعدها بعام، وإثر انتخاب ليامين زروال رئيساً للدولة في أول انتخابات رئاسية تعددية، عيّن رئيساً للحكومة حتى عام 1998، كانت رئاسته لتلك الحكومة، أسوأ تجربة على ما يبدو بالنسبة له.
حينها، قاد إصلاحات تقشف قاسية طالب بها صندوق النقد الدولي، وطالت تسريح الآلاف من الموظفين الحكوميين.
وأمام انتقادات و«أوصاف» طالته من مناوئيه، خرج أويحيى قائلاً إنه يعترف بكونه «رجل المهام القذرة». بقي ذلك الوصف يلازمه بطريقة سلبية ويُطلق عليه من قبل مناوئيه في كل مناسبة إلى يومنا هذا.
بعد قدوم بوتفليقة للرئاسة عام 1999، أسندت إلى أويحيى حقيبة وزارة العدل حتى عام 2002، قبل أن يعين في منصب وزير دولة، ثم رئيساً للحكومة بين عامي 2003 و2006 وبعدها بين عامي 2008 و2012، وفي كلتا الحالتين كان يبعد عن رئاسة الحكومة وسط شبهات بأنه صار مغضوباً عليه من قبل الرئيس. لكن النظام كان يجد نفسه مضطراً للعودة إليه سواء مخيراً أو مضطراً.
وعلى غرار عودته ومغادرته الحكومة، كان الأمر كذلك على مستوى «حزب التجمع الديمقراطي» الذي شارك في تأسيسه عام 1997. فقد تقلد رئاسة الحزب لأول عام 1999 إلى أن غادره عام 2003 فيما يشبه «انقلاباً أبيض»، ثم عاد إلى رئاسته عام 2015 إلى يومنا هذا. وفي أبريل (نيسان) الماضي، قاد حملة كبيرة للانتخابات التشريعية جعلت حزبه يرفع عدد مقاعده في البرلمان بـ27، محققاً بذلك أكبر زيادة في عدد المقاعد بين كل الأحزاب المشاركة.
وعلى المستوى الخارجي، تحمل السيرة الذاتية لأويحيى تحقيق إنجازين دوليين كبيرين؛ توسّطه باسم الجزائر لحل أزمة شمال مالي عام 1992 ثم توسطه باسم منظمة الوحدة الأفريقية (قبل تحوّلها إلى الاتحاد الأفريقي) لحل النزاع بين إثيوبيا واريتريا بين عامي 1999 و2000.
ولد أويحيى عام 1952 في بلدة بوعدنان بولاية تيزي وزو، عاصمة القبائل الكبرى، قبل أن تنتقل عائلته إلى العاصمة وبالضبط إلى حي المدنية. وتعتبر عائلة أويحيى من أتباع «زاوية أث أويحي» (مدرسة قرآنية) المنبثقة من الطريقة الرحمانية في المنطقة.
وهذه الخلفية العائلية الدينية جعلت أويحيى يرد على من ينتقدون معاداته للتيار الإسلامي بقوله إنه لا يقبل المزايدة عليه وبأنه «ابن زاوية».
أويحيى متحدث جيّد بالعربية والفرنسية، وعادة ما تكون مؤتمراته الصحافية «ثرية»، لكنه مقلّ في إعطاء المقابلات الصحافية الخاصة. يذكر المعجبون بأويحيى دعوته في يناير (كانون الثاني) 2012 لرجب طيب إردوغان رئيس الوزراء التركي (آنذاك) بـ«الكف عن المتاجرة بدماء الجزائريين»، وذلك رداً على اتهام إردوغان حينها فرنسا بارتكاب «إبادة» في الجزائر.
يحمل أويحيى أفكاراً ليبرالية تعادي التيار الإسلامي لكن من دون أن يصل إلى مستوى الدعوة إلى إقصاء هذا التيار من العمل السياسي. فخلال الأزمة الدموية التي شهدتها الجزائر في التسعينات، كان واحداً من أقطاب النظام الذين مزجوا بين الحل الأمني والسياسي، وعندما قدم بوتفليقة للحكم في 1999 وانتهج سياسة المصالحة الوطنية، لعب أويحيى دوراً كبيراً في الترويج لتلك السياسة الجديدة. كان ينتقل إلى المدن ويحث السكان على دعوة أبنائهم المنخرطين في الإرهاب إلى «التوبة» والعودة إلى أحضان المجتمع.
وربما كان أويحيى أكثر مسؤول تجرأ وصارح الرأي العام بمصير آلاف المختفين خلال الأزمة الأمنية (غالبيتهم إسلاميون خطفوا) بقوله «المختفون الله يرحمهم». وفي العهدتين الأوليين لبوتفليقة، اشتغل أويحيى باعتباره ممثلاً لـ«التيار الديمقراطي» مع ممثلي التيار الوطني (جبهة التحرير) والتيار الإسلامي (حركة مجتمع السلم) في «التحالف الرئاسي» وأظهر عن «تعاون براغماتي» لافت مع خصومه الآيديولوجيين.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».