«داعش» يحاصر مائة ألف مدني في تلعفر لإعاقة تحريرها

القوات الأمنية «جاهزة للمعركة»... ومطالبات بـ«ممرات آمنة» للنازحين

طفل نازح من الموصل في مخيم قرب بلدة مخمور شمال العراق أمس (أ.ف.ب)
طفل نازح من الموصل في مخيم قرب بلدة مخمور شمال العراق أمس (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يحاصر مائة ألف مدني في تلعفر لإعاقة تحريرها

طفل نازح من الموصل في مخيم قرب بلدة مخمور شمال العراق أمس (أ.ف.ب)
طفل نازح من الموصل في مخيم قرب بلدة مخمور شمال العراق أمس (أ.ف.ب)

باتت مدينة تلعفر، غرب الموصل، والمدنيون المحاصرون فيها والذين تُقدّر المصادر العراقية عددهم بنحو مائة ألف، على موعد مع عملية عسكرية وشيكة تستعد لها القوات العراقية منذ أشهر بهدف طرد تنظيم داعش من آخر معاقله في محافظة نينوى. وفي وقت يتواصل فيه حشد القوات استعداداً لبدء التحرير، يُشدد مجلس محافظة نينوى على ضرورة التعامل بحذر مع المدنيين وفتح «ممرات آمنة» لتسهيل خروجهم بسلام من تلعفر ومحيطها.
وواصلت القوات العراقية، ممثلة بالجيش الوطني والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب، استعداداتها لعملية تحرير تلعفر. ويشير قادة أمنيون عراقيون إلى مشاركة نحو 40 ألفا من القوات الأمنية في معركة التحرير، بإسناد من طيران الجيش والتحالف الدولي، مؤكدين جهوزيتهم للمعركة بعد وصول كتائب الصواريخ الموجهة ومدفعية الميدان إلى مشارف تلعفر.
وقال عضو مجلس محافظة نينوى، بنيان الجربا، لـ«الشرق الأوسط»: «معنويات مسلحي تنظيم داعش منهارة بعدما فقدوا كثيرا من قادتهم ومسلحيهم خلال المعارك التي خاضوها خلال السنوات الثلاث الماضية مع قوات البيشمركة وقوات الجيش العراقي والقوات الأمنية الأخرى». ولا يخفي الجربا مخاوفه على المدنيين المحاصرين داخل تلعفر جراء المعارك التي ستنطلق على الأرجح خلال أيام. وأردف قائلاً: «هناك كثافة سكانية عالية في تلعفر؛ حيث تقدر أعداد المدنيين المحاصرين من قبل مسلحي (داعش) بنحو مائة ألف شخص، يستخدمهم التنظيم دروعاً بشرية لحماية عناصره أثناء المعارك وإعاقة تقدم القوات الأمنية». وطالب القطعات العسكرية بأخذ حياة المدنيين في الاعتبار خلال الهجوم، وبأن يكون الحفاظ على أرواح هؤلاء من أولويات الجنود، مفضلاً أن تكون هناك استعانة بإمكانات التحالف الدولي والتقنيات العالية المتطورة الموجودة في حوزته للمساعدة في توجيه ضربات دقيقة لمواقع «داعش» وتجمعاته وتجنّب وقوع ضحايا مدنيين.
واقترح الجربا أن تخاض المعارك خارج المناطق السكنية، قائلاً: «من الأفضل أن يستدرج مسلحو التنظيم إلى مناطق مفتوحة، تجنباً لإصابة المدنيين والبنية التحتية والمباني والمؤسسات خلال المعارك»، داعياً القوات الأمنية إلى تأمين «ممرات آمنة» لخروج المدنيين من مناطق سيطرة «داعش».
وتنتشر ميليشيات «الحشد الشعبي» منذ قرابة 8 أشهر حول قضاء تلعفر بعدما تقدمت نحوه مع انطلاق عمليات تحرير الموصل. ورغم إعلان «الحشد» أنه فرض طوقاً حول تلعفر، فإن مصادر أمنية عراقية تقول إن «داعش» تمكن من كسر هذا الطوق أكثر من مرة وأخرج مسلحين وعوائلهم من تلعفر وهرّبهم عبر الصحراء إلى الأراضي السورية. وتفيد تقديرات القوات الأمنية العراقية بأن عدد مسلحي «داعش» المحاصرين في تلعفر يُقدّر بأكثر من ألفين؛ بينهم أجانب وعرب غير عراقيين، إلى جانب مسلحين من سكان تلعفر التي تتكون من غالبية تركمانية نصفها شيعي ونصفها الآخر سني. وكانت تلعفر على مدى السنوات التي أعقبت سقوط نظام حزب البعث في العراق عام 2003 وحتى الآن معقلاً رئيسياً لجماعات متطرفة. وتمكن «داعش» في يونيو (حزيران) 2014 من السيطرة عليها.
وهرب مئات من سكان قضاء تلعفر خلال الأيام الماضية في اتجاه مواقع القوات الأمنية المتمركزة في أطرافه. وأوضح النائب في مجلس محافظة نينوى، عبد الرحمن الوكاع، لـ«الشرق الأوسط» أن «القوات الأمنية وبالتنسيق مع وزارة الهجرة والمهجرين نقلت العوائل النازحة من تلعفر إلى مخيمات حمام العليل في جنوب الموصل، لأن المناطق المحاذية لتلعفر مناطق صحراوية وهي محررة حديثاً، ومن الصعب إنشاء مخيمات فيها في الوقت الحالي»، مشيراً إلى أن الجهات المعنية تواصل العمل بـ«خطة مدنية» مزامنة للعمليات العسكرية بهدف إنقاذ النازحين.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.