القروض الشخصية في أميركا تبلغ مستوى «الأزمة المالية»

قطاعا السيارات وبطاقات الائتمان يستحوذان على النصيب الأكبر

متعاملون في بورصة نيويورك (رويترز)
متعاملون في بورصة نيويورك (رويترز)
TT

القروض الشخصية في أميركا تبلغ مستوى «الأزمة المالية»

متعاملون في بورصة نيويورك (رويترز)
متعاملون في بورصة نيويورك (رويترز)

=عندما تبلغ قروض الأفراد والأسر في الولايات المتحدة، بنهاية الفصل الثاني من العام الحالي، القمة التي بلغتها في الفصل الثالث من عام 2008، الذي اندلعت فيه الأزمة المالية، فاتخاذ الحيطة والحذر لا بد منهما، خصوصا أن الأزمة المالية لم تضرب أميركا وحدها؛ إنما العالم.
حتى الآن تسير الأمور بشكل جيد نسبياً، لكن مؤشرات مالية بشأن تلك القروض أرست القلق في نفوس عدد من الاقتصاديين الأميركيين.
فقد أكدت إحصاءات مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي، أن تلك القروض وصلت في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، إلى 12.84 تريليون دولار، أي إنها تجاوزت ما كانت عليه أواخر 2008، عندما بلغت 12.68 تريليون دولار، واندلعت على أثر ذلك أزمة الرهون العقارية (سوبرايم).
وبين الفصلين الأول والثاني من العام الحالي، ارتفع الرصيد الائتماني الشخصي بنسبة 0.9 في المائة؛ أي نحو 114 مليار دولار، مقارنة مع ما كانت عليها في الفصل الثاني من 2013. على سبيل المثال، فإن نسبة الصعود زادت بأكثر من 15 في المائة، أي متوسط نمو سنوي بنسبة 4 في المائة.
وتشكل قروض الرهون، من حجم وقيمة قروض الأفراد والأسر، ما نسبته 67 في المائة من الإجمالي، وبواقع 8.69 تريليون دولار، أما قيمة القروض الممنوحة على أساس الرهون العقارية فقيمتها 452 مليارا.
وتشير إحصاءات مجلس الاحتياطي الفيدرالي، خلال النصف الأول من العام الحالي، إلى أن قروض السيارات زادت 23 ملياراً وبلغ رصيدها 1.19 تريليون دولار، وقروض بطاقات الائتمان صعدت 20 ملياراً في الفصل الثاني من عام 2017، واستقرت قروض الطلاب عند 1.34 تريليون دولار.
أما عن القروض المتعثرة، فبلغت نسبة 4.8 في المائة من إجمالي المحافظ الإقراضية للأفراد والأسر، وهذا يعني أن 612 مليار دولار عرضة لقضايا قانونية لأن معظمها توقفت أقساطها عن السداد فترة 90 يوما، وأعلن 224 ألف مقترض جديد عجزهم عن السداد أو الانتظام في السداد.
في المقابل، لم يدق مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، ناقوس الخطر بعد، مؤكداً أن نسبة الرهون العقارية في القطاع المصرفي، تبقى عند مستويات متدنية قياساً بما كانت بلغته تاريخياً، لكنه يعترف بارتفاع التعثر في قروض البطاقات الائتمانية، التي منحت لأصحاب جدارة ائتمانية منخفضة.
ويرى فريق من الاقتصاديين أنه ربما يعيد التاريخ نفسه، لأن القروض مستمرة بالتدفق إلى أفراد غير متمتعين بالملاءة الكافية، وأن القروض المتعثرة يعاد تجميعها في منتجات مهيكلة للتمويه، تماماً كما حدث مع قروض الرهون العقارية التي انفجرت فقاعتها قبل 10 سنوات. و«إن الكرَة تُعاد اليوم مع جملة قروض؛ أبرزها قروض السيارات. فمن أصل مائة مليون أميركي مقترض لشراء سيارات، هناك 6 ملايين في أوضاع صعبة لا يمكن التأكد معها من وفائهم بالتزاماتهم»، وفقاً لدراسة مستقلة قدمت إلى بنك «ويلز فارغو».
وتضيف الدراسة أن عودة الازدهار إلى قطاع تصنيع السيارات وبيعها، تُفسَر بإطلاق العنان لمنح القروض الميسرة جداً. وإذا تفاقم تعثر المقترضين، فإن هذا القطاع الأساسي في الاقتصاد الأميركي سيتلقى لطمة يدفع ثمنها النمو الذي تنشده الإدارة الأميركية لخلق مزيد من الوظائف، علما بأن الاتجاه إلى مزيد من ارتفاعات للفائدة سيكون له أيضاً بالغ الأثر في زيادة عدد المثقلين بالديون.
وأكد مسؤول ائتمان في أحد المصارف الأميركية الناشطة في القروض الشخصية، أن بعض البنوك والمؤسسات المالية تعي المخاطر التي تواجهها، «لذا نراها تبالغ في فرض فوائد باهظة تصل إلى 20 في المائة على قروض، مثل السحب على المكشوف ببطاقات الائتمان، وثمة مصارف ومؤسسات مقرضة تلجأ إلى هيكلة معقدة لمحافظ ائتمانية متعسرة وتطرحها بوصفها منتجات مالية سواء في صناديق، أو أدوات مالية أخرى تباع في أسواق لا تعرف الكثير عنها، وهذا يشبه إلى حد بعيد ما حدث في قروض الرهون العقارية (سيئة الذكر)»، على حد قوله.
لكن دراسة أخرى تقلل من شأن تلك التحذيرات حتى الآن، لأن أرقام تلك الدراسة التي يذكرها مجلس الاحتياطي الفيدرالي عن منتجات القروض المهيكلة تشير إلى أن قيمة «المنتجات المسمومة» لا تتجاوز حتى الآن مبلغ 50 مليار دولار مقابل 450 ملياراً في 2008.
ويربط محللون اقتصاديون العجز التجاري الأميركي المتفاقم، بالنزعة الاستهلاكية المفرطة في المجتمع الأميركي. فما يشكو منه الرئيس الأميركي دونالد ترمب لجهة ذلك العجز الذي زاد على 500 مليار دولار العام الماضي، لا يمكن علاجه بإعادة النظر باتفاقيات التبادل التجاري الحر؛ بل بجعل الاقتصاد الأميركي منتجاً أكثر ليستطيع خلق وظائف مستدامة يستطيع معها أصحاب الرواتب الوفاء بالتزاماتهم.



«موديز» ترفع توقعاتها لنمو الصين في 2025 رغم التحديات التجارية

العلم الوطني الصيني أمام منطقة الأعمال المركزية في هونغ كونغ (رويترز)
العلم الوطني الصيني أمام منطقة الأعمال المركزية في هونغ كونغ (رويترز)
TT

«موديز» ترفع توقعاتها لنمو الصين في 2025 رغم التحديات التجارية

العلم الوطني الصيني أمام منطقة الأعمال المركزية في هونغ كونغ (رويترز)
العلم الوطني الصيني أمام منطقة الأعمال المركزية في هونغ كونغ (رويترز)

رفعت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي للصين لعام 2025 إلى 4.2 في المائة من 4 في المائة، حيث توقعت استقرار ظروف الائتمان، وأن تؤدي جهود التحفيز التي بذلتها بكين منذ سبتمبر (أيلول) إلى التخفيف من بعض التأثيرات المحتملة للزيادات في التعريفات الجمركية الأميركية.

في المقابل، أظهرت بيانات وزارة المالية أن الإيرادات المالية للصين في أول 11 شهراً من عام 2024 انخفضت 0.6 في المائة مقارنة بالعام السابق، مما يمثل تحسناً طفيفاً عن الانخفاض بنسبة 1.3 في المائة في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى أكتوبر (تشرين الأول). من ناحية أخرى، نما الإنفاق المالي بنسبة 2.8 في المائة في الفترة نفسها، مقارنة بزيادة قدرها 2.7 في المائة في أول 10 أشهر من العام.

نمو صناعي وتراجع استهلاكي

كما شهد الناتج الصناعي في الصين نمواً طفيفاً في نوفمبر (تشرين الثاني)، بينما جاءت مبيعات التجزئة مخيبة للآمال، مما عزز الدعوات إلى زيادة التحفيز الذي يركز على المستهلكين. وتعكس البيانات المتباينة التحديات الكبيرة التي يواجهها قادة الصين في تحقيق تعافٍ اقتصادي مستدام قبل عام 2025 في وقت قد تشهد فيه العلاقات التجارية مع أكبر سوق تصدير للصين تدهوراً، في حين يبقى الاستهلاك المحلي ضعيفاً، بحسب وكالة «أسوشييتد برس».

وأوضح المحللون أن تعهد ترمب بفرض تعريفات تصل إلى 60 في المائة على السلع الصينية قد يدفع بكين إلى تسريع خططها لإعادة التوازن إلى اقتصادها البالغ حجمه 19 تريليون دولار، وهو ما يعكس أكثر من عقدين من النقاشات حول التحول من النمو المدفوع بالاستثمار في الأصول الثابتة والصادرات إلى نموذج اقتصادي يعتمد بشكل أكبر على الاستهلاك.

وأظهرت بيانات المكتب الوطني للإحصاء أن الناتج الصناعي نما بنسبة 5.4 في المائة في نوفمبر مقارنة بالعام السابق، متجاوزاً التوقعات التي كانت تشير إلى نمو قدره 5.3 في المائة. ومع ذلك، سجلت مبيعات التجزئة، التي تعد مقياساً رئيساً للاستهلاك، أضعف زيادة لها في ثلاثة أشهر بنسبة 3 في المائة، وهو ما جاء أقل من الارتفاع المتوقع بنسبة 4.6 في المائة، وأقل من معدل النمو في أكتوبر البالغ 4.8 في المائة.

وأشار دان وانغ، الخبير الاقتصادي المستقل في شنغهاي، إلى أن السياسات الاقتصادية الصينية كانت تروج بشكل مستمر للمصنعين على حساب المستهلكين، على الرغم من مؤشرات الضعف المستمر. وأضاف أن بكين قد تتجه نحو تعزيز القدرة الإنتاجية، مما قد يفاقم مشكلة فائض الطاقة الإنتاجية، ويحفز الشركات الصينية للبحث عن أسواق جديدة خارجية.

كما شهد الاستثمار في الأصول الثابتة نمواً أبطأ بنسبة 3.3 في المائة في الفترة بين يناير ونوفمبر، مقارنة بتوقعات كانت تشير إلى نمو بنسبة 3.4 في المائة.

وفيما يتعلق بالسياسات المستقبلية، عبر صناع السياسات عن خططهم لعام 2025، مع الأخذ في الاعتبار أن عودة ترمب إلى البيت الأبيض قد تضع ضغوطاً كبيرة على الاقتصاد الصيني. وقال مسؤول في البنك المركزي الصيني إن هناك مجالاً لمزيد من خفض الاحتياطيات النقدية، رغم أن التيسير النقدي السابق لم يحقق تعزيزاً كبيراً في الاقتراض.

من ناحية أخرى، يواصل قطاع العقارات معاناته من أزمة طويلة الأمد تؤثر على ثقة المستهلكين، حيث تُعد 70 في المائة من مدخرات الأسر الصينية مجمدة في هذا القطاع. وفي الوقت نفسه، لا يزال من المبكر الحديث عن تعافٍ حقيقي في أسعار المساكن، رغم وجود بعض الإشارات المشجعة مثل تباطؤ انخفاض أسعار المساكن الجديدة في نوفمبر.

وفي إطار هذه التطورات، أفادت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) أن الصين ستعزز من النمو المستدام في دخل الأسر خلال عام 2025 من خلال تكثيف الدعم المالي المباشر للمستهلكين، وتعزيز الضمان الاجتماعي. وقد حددت الصين توسيع الطلب المحلي بصفته أولوية رئيسة لتحفيز النمو في العام المقبل، في ظل استمرار التحديات الكبيرة التي تواجه قطاع العقارات المتضرر من الأزمة، والتي تعرقل الانتعاش الكامل.

ونقلت الوكالة عن مسؤول في اللجنة المركزية للشؤون المالية والاقتصادية قوله إن الصين ستزيد بشكل كبير من الأموال المخصصة للسندات الخاصة طويلة الأجل في العام المقبل، لدعم الترقيات الصناعية، وتعزيز نظام مقايضة السلع الاستهلاكية، بهدف تحفيز الاستهلاك. وأوضحت أن هذه الخطوات ستتركز على تعزيز دخل الأسر من خلال زيادة الإنفاق الحكومي على الاستهلاك، وتحسين الضمان الاجتماعي، وخلق مزيد من فرص العمل، وتطوير آليات نمو الأجور، بالإضافة إلى رفع معاشات التقاعد للمتقاعدين، ودعم التأمين الطبي، وتنفيذ سياسات تهدف إلى تشجيع الإنجاب.

وقال المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، لوكالة «شينخوا»: «من خلال متابعة الوضع الاقتصادي الحالي، نتوقع أن يكون النمو الاقتصادي السنوي نحو 5 في المائة». كما توقع المسؤول أن تشهد سوق الإسكان مزيداً من الاستقرار، ودعا إلى اتخاذ تدابير سياسية ذات تأثير مباشر على استقرار القطاع العقاري في أقرب وقت، مع منح الحكومات المحلية مزيداً من الاستقلالية في شراء المخزون السكني.

من جانبه، أعرب جوليان إيفانز بريتشارد، رئيس قسم الاقتصاد الصيني في «كابيتال إيكونوميكس»، عن اعتقاده بأن التحفيز الاقتصادي في نوفمبر من المرجح أن يكون مؤقتاً، مع احتمالية تعافي النمو في الأشهر المقبلة بفضل الدعم السياسي الزائد. ولكنه أشار إلى أن هذا التحفيز لن يحقق أكثر من تحسن قصير الأمد، خاصة أن القوة الحالية للطلب على الصادرات من غير المرجح أن تستمر بمجرد أن يبدأ ترمب في تنفيذ تهديداته بشأن التعريفات الجمركية.

تراجع الأسواق الصينية

وفي الأسواق المالية، انخفضت الأسهم الصينية بعد أن أظهرت البيانات ضعفاً غير متوقع في إنفاق المستهلكين، في حين راهن المستثمرون على مزيد من الدعم السياسي لتحفيز النمو الضعيف. وفي فترة استراحة منتصف النهار، تراجع مؤشر «سي إس آي 300» للأسهم القيادية الصينية بنسبة 0.37 في المائة، ليضيف إلى التراجع الذي شهده الأسبوع الماضي بنسبة 1 في المائة.

في المقابل، سجل مؤشر «شنغهاي المركب» ارتفاعاً طفيفاً بنسبة 0.1 في المائة ليصل إلى 3395.11 نقطة. وانخفض قطاع السلع الاستهلاكية الأساسية بنسبة 1.04 في المائة، في حين خسر مؤشر العقارات 1.41 في المائة وضعف مؤشر الرعاية الصحية الفرعي بنسبة 0.94 في المائة. كما تراجع مؤشر «هانغ سنغ» في هونغ كونغ بنسبة 0.57 في المائة ليغلق عند 19856.91 نقطة.

وعلى الصعيد الإقليمي، تراجع مؤشر «إم إس سي آي» للأسواق الآسيوية باستثناء اليابان بنسبة 0.20 في المائة، بينما انخفض مؤشر «نيكي» الياباني بنسبة 0.18 في المائة. أما اليوان، فقد تم تسعيره عند 7.2798 مقابل الدولار الأميركي، بانخفاض بنسبة 0.09 في المائة مقارنة بإغلاقه السابق عند 7.2731.