أم البنين ووضاح اليمن... للعشق ثمنه الباهظ وللجمال بئره العميقة

قصتهما العاطفية أشبه بنسخة مأساوية معدلة عن قصة يوسف وزليخة

مشهد من حلقة «وضاح اليمن» من مسلسل «الشعر ديوان العرب»
مشهد من حلقة «وضاح اليمن» من مسلسل «الشعر ديوان العرب»
TT

أم البنين ووضاح اليمن... للعشق ثمنه الباهظ وللجمال بئره العميقة

مشهد من حلقة «وضاح اليمن» من مسلسل «الشعر ديوان العرب»
مشهد من حلقة «وضاح اليمن» من مسلسل «الشعر ديوان العرب»

قلّ أن حملت قصة من قصص الحب عند العرب من الوجوه والدلالات، ونفذت إلى المناطق المتداخلة للعلاقة بين العشق والموت، كما هو حال العلاقة التي جمعت بين وضاح اليمن وأم البنين زوجة الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك. ففي هذه القصة تحضر بكامل عدّتها، العناصر المتصلة بالغواية والافتتان بالحياة والشهوة المحرمة، فيما تظهر بالمقابل الكلفة الباهظة للجمال، والأنياب السوداء للموت المنتظر ضحاياه عند مفترقات الغفلة اللاهية.
ولد عبد الرحمن بن إسماعيل الحميري في منطقة خولان القريبة من صنعاء عام 708، وفيما يعيد البعض نسبه إلى الفرس، يؤكد آخرون أصله العربي الذي تعود سلسلة أنسابه إلى سبأ بن يعرب بن قحطان. والأرجح أن النزاع الحاد الذي دار حول نسبه، تسببت به الوفاة المبكرة لأبيه، حيث عمدت أمه إلى الزواج من رجل فارسي أراد أن ينسب الطفل إليه، فاحتج عمه وذووه على ذلك، وأقاموا البيّنة لدى حاكم البلاد آنذاك على أنه ابن إسماعيل الحميري دون سواه، فأقرّهم الحاكم على حجتهم، ثم مسح على رأس الطفل ذي الوسامة اللافتة وخاطبه قائلاً «اذهب فأنت وضاح اليمن، لا من أتباع ذي يزن». ثم علقت التسمية الجديدة في أذهان الناس إلى أن حلت عبر القرون محل الاسم الأصلي.
وقد بلغ جمال وضاح من الشهرة بين قبائل العرب، بما جعل نساء كثيرات يفتتنّ به ويتمنين اللقاء بصاحبه. ويذكر أبو الفرج الأصفهاني في كتاب «الأغاني» بأن وضاح اليمن والمقنّع الكندي وأبو زبيد الطائي كانوا يردون مواسم العرب مقنّعين، ويسترون وجوههم خوفاً من العين، وحذراً على أنفسهم من النساء. لكن الوسامة التي جعلت من هؤلاء الشعراء العشاق قبلة أنظار النساء، هي نفسها التي دفعت بعائلات حبيباتهن إلى الإحجام عن مصاهرتهم، ليس فقط بسبب تشبيبهم الصريح ببناتهم، بل إدراكاً منهم بأن من يملك جمالاً كهذا لا يمكن أن يُركن إلى وفائه.
والأدل على ذلك هو أن الشاعر الذي افتتن في مطالع شبابه بامرأة من كندة تسمى روضة، رُدّ على أعقابه خائباً حين تقدم لخطبتها من أهلها، بذريعة تشبيبه بها، قبل أن يسارعوا إلى تزويجها من شخص آخر. ومع أن بعض القصائد التي نظمها الشاعر في روضة، تلامس لهفة العذريين وتفطّر قلوبهم ولغتهم الحارة، فإن قسماً منها يقترب في طرافته العابثة وبنيته القصصية الحوارية، من تجربة عمر بن أبي ربيعة. وهو أمر تفسره القواسم المشتركة بين الشاعرين المتقاربين في الزمن، سواء من حيث الوسامة المفرطة، أو من حيث الأنا المتفاقمة والمتسمة بالتهور. ومما كتبه وضاح في روضة:
قالت ألا لا تلِجنْ دارنا
إن أبانا رجل غائرُ
قلتُ فإني طالبٌ غرّة
منه وسيفي صارمٌ باترُ
قالت فإن القصر من دوننا
قلتُ فإني فوقه ظاهرُ
قالت فإن البحر من دوننا
قلتُ فإني سابح ماهرُ
قالت فحولي إخوة سبعة
قلتُ فإني غالبٌ قاهرُ
لكن زواج روضة وابتعادها لم يكونا الفصل الختامي لقصة الطرفين، بل اكتشاف وضاح أنها مصابة بالجذام، لدى تعريجه على منزلها للوقوف على أحوالها، وبأنها نُقلت مع مجذومين آخرين إلى مكان معزول. ويشير الرواة إلى أن وضاحاً أصر على زيارتها في مكان العزل، وذرف عند رؤيتها الدموع، ومدّها بما تحتاجه من المال.
على أن النهاية المحزنة لعلاقة وضاح بروضة لم تثنه عن استثمار وسامته في مغامرات أخرى. وكغيره من شعراء عصره بدا له موسم الحج إلى مكة الفرصة النموذجية لنصب كمائن إغوائه، فتغزل بنساء عديدات بينهن حبّابة جارية الخليفة يزيد بن عبد الملك. وفي ذروة طيشه المتهور، كانت أقدار الشاعر تهيء له مصيره الفاجع، حين وضعته على طريق أم البنين، زوجة الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك. فقد قدمت أم البنين إلى مكة المكرمة للحج، ومعها ثلة من جواريها. ولأنها كانت فائقة الحسن فقد حذر الخليفة الشعراء من التشبيب بها، متوعداً إياهم إن فعلوا ذلك بأوخم العواقب. إلا أن الزوجة المزهوة بجمالها لم تتوان عن مراسلة الشعراء، وبينهم كثيّر عزة وعبيد الله بن قيس الرقيات ووضاح اليمن، طالبة منهم التغزل بها. فأما كثيّر فقد عدل عن الأمر خشية غضب الوليد، مكتفياً بالتغزل بجاريتها. وأما الرقيّات فقد نظم فيها أبياتاً غزلية، أسرّ بها إلى صديق له طالباً منه التكتم بشأنها خشية إغضاب الخليفة.
وأما وضاح الذي أعجبت أم البنين ببهاء طلعته، فبادلها الإعجاب بالمثل وراح يشبب بها بشكل علني، ثم تبعها بناء على رغبتها إلى دمشق، غير آبه بالنتائج الوخيمة لفعلته. ومما قاله فيها حين مرضت:
حتام نكتم حزننا حتّاما
وعلام نستبقي الدموع علاما
إن الذي بي قد تفاقم واعتلى
ونما وزاد وأورث الأسقاما
قد أصبحت أمّ البنين مريضة
نخشى ونشفق أن يكون حِماما
يا ربّ أمتعني بطول بقائها
واجبر بها الأرمال والأيتاما
واجبر بها الرجل الغريب
بأرضها قد فارق الأخوال والأعماما
وإذا كان من الطبيعي لهذه المغامرة الخطرة أن تؤول إلى نهاية مأساوية، إلا أن الطريقة التي لقي فيها الشاعر حتفه، هي التي رسخت حادثة قتله في الذاكرة العربية الجمعية بحيث تناقلها الناس جيلاً بعد جيل. فالخليفة المغتاظ كان قد همّ غير مرة بقتل وضاح، ولكنه تراجع عن قراره بعد أن قال له ابنه عبد العزيز «إن قتلته فضحتني وحققت قوله وتوهّم الناس أن بينه وبين أمي ريبة». إلا أن صبر الوليد نفد تماماً حين علم بأن تجرؤ الشاعر على بيت الخلافة قد تعدى أم البنين، ليطال سمعة أخته فاطمة بنت عبد الملك، التي كانت زوجة سلفه الراحل عمر بن عبد العزيز، فقرر التخلص منه بأسرع وقت ممكن.
وقد روى الأخفش في «كتاب المغتالين» أن أم البنين كانت تستقبل وضاحاً في بيتها، دون أن يعلم أحد بالأمر باستثناء خادم لها كانت تأمن جانبه، فإذا استشعرت قدوم أحد خبأته في صندوق فاخر للثياب، كان الخليفة قد أهداها إياه. وقد حدث أن طلب الخادم منها جوهرة أعجبته، فرفضت الأمر ووبخته على جرأته. فما كان منه إلا أن أعلم الخليفة بشأن وضاح، الذي كان لحظتئذ مختبئاً داخل الصندوق. وإذ سارع الخليفة إلى زيارة زوجته، أراد أن يستخدم دهاءه، وقد تذكّر رغبة ابنه في تجنب الفضيحة، فأعرب عن إعجابه بالصندوق وطلب استعادته من أم البنين، التي لم تملك خياراً سوى القبول. ثم عمد الخليفة إلى دفن الصندوق، دون أن يفتحه أو يعاين ما في داخله في بئر عميقة بجوار القصر. وينسب الأخفش إلى الخليفة مخاطبته للصندوق قائلاً «لقد بلغنا شيءٌ إن كان حقاً، فقد كفنّاك ودفنّاك ودفنّا ذكرك وقطعنا أثرك إلى آخر الدهر. وإن كان باطلاً فإنّا دفنّا الخشب وما أهون ذلك». وقيل إنه ما ظهرت منذ ذلك اليوم صورة لوضاح، ولا رأت أم البنين أثراً للحادثة في وجه الوليد حتى فرقهما الموت.
ولعل في هذه القصة المؤلمة ما يذكّر بقصة سحيم عبد بني الحسحاس، الذي راح يثأر لسواده المهان عبر جر نساء آسياده المتجبرين إلى مخدع الخطيئة، إلى أن أجمع هؤلاء على قتله حرقاً في نهاية الأمر. على أن كليهما، سحيماً بسواده الشهواني، ووضاحاً ببياضه المغوي، دفعا غالياً ثمن انتهاك حرمات المقامات العالية الممسكة بمقاليد الحياة والموت. كما لا تخفى على المتأمل وجوه الشبه العديدة التي تجمع بين قصتي يوسف الصدّيق ووضاح، سواء من ناحية الجمال الذكوري الذي لم تملك دفعاً له امرأة العزيز أو زوجة الخليفة، أو من حيث الكلفة الباهظة التي دفعها كل منهما جراء ما فعله. غير أن الفارق بين الحالتين تمثّلَ في خروج يوسف، وبتدخل إلهي مباشر، سالماً من بئر مكابداته المتلاحقة، في حين لم تتح لوضاح أي فرصة للخلاص، فظل يصرخ مختنقاً ودون جدوى في قيعان بئره المهلكة.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».