«المحكمة الأوروبية» تدين باريس «لانتهاكها شرعة حقوق الإنسان»

إلزام الحكومة الفرنسية إعادة النظر في رفضها استعادة عائلتي «داعشيين»

مسلحون أكراد عند أحد مداخل «مخيم الهول»... (رويترز)
مسلحون أكراد عند أحد مداخل «مخيم الهول»... (رويترز)
TT

«المحكمة الأوروبية» تدين باريس «لانتهاكها شرعة حقوق الإنسان»

مسلحون أكراد عند أحد مداخل «مخيم الهول»... (رويترز)
مسلحون أكراد عند أحد مداخل «مخيم الهول»... (رويترز)

في 5 يوليو (تموز) الماضي عمدت السلطات الفرنسية إلى استعادة 35 قاصراً و16 امرأة (والدة) من المخيمات الواقعة شمال شرقي سوريا ويديرها الأكراد، وذلك في بادرة استثنائية شكلت انقطاعاً عن السياسة التي تتبعها باريس منذ سنوات، والقائمة على دراسة كل حالة على حدة.
ومنذ هزيمة «داعش» في عام 2019، طرحت على السلطات الفرنسية (وعلى السلطات الأوروبية وغيرها عبر العالم) إشكالية تتعلق بكيفية التعاطي مع النساء والأطفال من عائلات «داعش» الذين قبض عليهم وَزُجّ بهم في مخيمين رئيسيين هما «الهول» و«روج». النساء التحقن بالمقاتلين الذين قضى منهم كثيرون، فيما قبض على المئات، ومن بقي حياً اختفى في الصحراء السورية. وتقوم سياسة باريس بالنسبة إلى الرجال، على ضرورة محاكمتهم حيث ارتكبوا أفعالهم الإرهابية والجرمية.
لكن الصعوبة تكمن في أن الإدارة الكردية ليس معترفاً بها دولةً، وبالتالي ليست لديها محاكم وقوانين. وسعت باريس إلى نقلهم إلى العراق للمحاكمة وهو ما حدث لـ13 فرداً، فيما بقي الآخرون في معتقلاتهم. أما بالنسبة إلى النساء والقاصرين والأطفال، فإن الخط الذي لم تحد عنه باريس يقوم على دراسة فردية لوضع كل امرأة وقاصر، ورفض العودة الجماعية لهم رغم الضغوطات التي تتعرض لها منذ عام 2019، أي منذ سقوط «داعش».
ورغم الدعاوى المقامة ضد الحكومة أمام المحاكم الفرنسية والأوروبية و«مجلس حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة، فإن باريس لم تغير سياستها لسببين رئيسيين؛ الأول: سياسي؛ إذ إن الرأي العام الفرنسي الذي يميل يميناً، لا يتقبل عودة «داعشيات» تركوا بلادهن للالتحاق بـ«داعشيين»، وبعضهن حارب وعمل لصالح «داعش». والثاني: أمني بسبب المخاوف من أعمال إرهابية يمكن أن تقوم بها بعض من تقبل الحكومة استعادتهن.
ومنذ عام 2016، عمدت باريس إلى استعادة 126 طفلاً وقاصراً وعشرات النساء. ووفق أرقام وزارة الخارجية، فإن مخيمي «الهول» و«روج» يضمان ما لا يقل عن 200 طفل وقاصر ونحو 80 امرأة. وأصبح واضحاً للجميع أن الظروف الصحية والحياتية والأمنية في هذين المخيمين بالغة القسوة. وذهبت لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة، في تقرير نشرته في شهر فبراير (شباط) الماضي، إلى التنديد بـ«انتهاك حقوق الأطفال الفرنسيين المحتجزين في سوريا عبر الامتناع عن إعادتهم إلى وطنهم». كذلك نددت بظروف احتجاز وصفتها بـ«المروعة، كما أنها تعرض حياتهم للخطر منذ سنوات...».
وحتى اليوم، امتنعت باريس عن اللحاق بألمانيا وبلجيكا اللتين استعادتا كل مواطنيهما من النساء والأطفال. من هنا؛ فإن العودة الجماعية التي أقدمت عليها باريس قبل شهرين تعدّ سابقة.
يذكر أن السلطات تعمد، لدى عودة النساء وبعضهن بوسائلهن الخاصة، إلى تسليمهن إلى الأجهزة القضائية المختصة. أما بالنسبة إلى القاصرين والأطفال، فإنه يعهد بهم إلى الهيئات الناشطة في رعاية الطفولة. وإذا كانت الجمعيات التي تضم عائلات النساء والأطفال في فرنسا عبرت عن ارتياحها للعودة الجماعية، إلا إن التساؤل جاء حول المعايير التي تتبعها السلطات بين من يحق له العودة ومن يحرم منها. وعبر «تجمع العائلات المتحدة» الذي يضم عائلات الفرنسيين والفرنسيات الذين التحقوا بتنظيمات إرهابية في سوريا والعراق، في بيان، عن أمله في أن تكون العودة الجماعية «مؤشراً لنهاية سياسة (كل حالة على حدة) الكريهة، القائمة على التمييز بين الأطفال وانتزاعهم من أحضان أمهاتهم...». وفي العبارة الأخيرة إشارة إلى أن باريس كانت تبدي استعدادها لاسترجاع أطفال شرط قبول انفصالهم عن والداتهم.
إزاء تشدد السلطات الفرنسية، لجأت بعض العائلات إلى القضاء لإرغام السلطات على استعادة النساء والأطفال. ولأن هذه العائلات عدّت أن القضاء الفرنسي لم ينصفها، فإنها استدارت نحو العدالة الأوروبية؛ وتحديداً نحو «المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان»، التي نظرت في شكوى قدمتها عائلتان فرنسيتان ترغبان في أن تعمد السلطات إلى ترحيل ابنتيهما من مخيمات الأكراد مع 3 من أولادهما.
وتفيد المعلومات المتوافرة بأن العائلتين طلبتا منذ عام 2018 من وزارة الخارجية ومن الرئيس ماكرون التدخل؛ ولكن دون طائل. وكانت هاتان البنتان قد التحقتا في عامي 2014 و2015 بمقاتلين من «داعش» وهناك أنجبتا 3 أطفال؛ أكبرهم اليوم في سن السابعة. وفشلت العائلتان عن طريق المحاكم الإدارية في الحصول على جواب إيجابي، مما دفع بهما إلى الاستعانة بـ«المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان» التي أصدرت حكمها أمس. وتبين القراءة الدقيقة للحكم أن «المحكمة الأوروبية» عدّت أن فرنسا انتهكت «الشرعة الأوروبية لحقوق الإنسان»؛ وتحديداً المادتين «الثانية» و«الثالثة» من «البروتوكول الرابع» الذي ينص على أنه «لا يجوز أن يحرم أي فرد من العودة إلى بلده». ورغم أن المحكمة المذكورة تعدّ أن القانون الدولي «لا يجبر الدول على استعادة مواطنيها»، فإنها في المقابل، تشير إلى الظروف الاستثنائية الحياتية المهيمنة على مخيمات الاحتجاز، والتي لا تتوافق مع القانون العالمي الإنساني؛ حيث الأطفال يعانون سوء المعاملة وسوء التغذية والحر والبرد... والأهم من ذلك أن المحكمة تدعو باريس إلى «الكف عن السياسة التمييزية والكيفية». لكنها لم تأمر بإعادة الأشخاص الخمسة؛ بل أدانت فرنسا؛ لأنها «لم تدرس بطريقة مناسبة» طلبات العائلتين؛ أي ما يعني أن حكمها جاء «غير مبرر»، ودعتها إلى «إعادة النظر فيه خلال أقرب وقت ممكن»؛ خصوصاً مع «توفير ضمانات مناسبة ضد التعسف».
وجاء في حرفية الحكم أن المحكمة تعدّ أنه «يتعين على الحكومة الفرنسية أن تنظر مجدداً في طلبات المدعين في أقرب وقت مع التحوط بالضمانات المناسبة لتجنب الأحكام الاعتباطية». وتعني العبارة الأخيرة عملياً أن السطات الفرنسية المختلفة لم تكن منصفة في قرارات رفض الاستجابة لطلبات العائلتين. ومن جهة ثانية؛ فإن أهمية الحكم تكمن أيضاً في أنه صادر عن «الغرفة الكبرى» في المحكمة؛ أي أعلى هيئة يمكن اللجوء إليها على المستوى الأوروبي.
وأمرت المحكمة أيضاً بدفع تعويضات للعائلتين (18 ألفاً و13 ألف يورو) لتغطية تكاليف الدعوى.


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


السوداني: لا مجال لربط التغيير في سوريا بتغيير النظام السياسي في العراق

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (رويترز)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (رويترز)
TT

السوداني: لا مجال لربط التغيير في سوريا بتغيير النظام السياسي في العراق

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (رويترز)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (رويترز)

أكد رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني اليوم (السبت) ضرورة ترك الخيار للسوريين ليقرروا مصيرهم.

وقال السوداني في كلمة خلال مشاركته اليوم في الحفل التأبيني الذي أقيم في بغداد بمناسبة ذكرى مقتل الرئيس السابق لـ«المجلس الأعلى في العراق» محمد باقر الحكيم: «حرصنا منذ بدء الأحداث في سوريا على النأي بالعراق عن الانحياز لجهة أو جماعة».

وأضاف: «هناك من حاول ربط التغيير في سوريا بالحديث عن تغيير النظام السياسي في العراق، وهو أمر لا مجال لمناقشته».

وأوضح أن «المنطقة شهدت منذ أكثر من سنة تطورات مفصلية نتجت عنها تغيرات سياسية مؤثرة».

وتابع السوداني، في بيان نشره المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي على صفحته بموقع «فيسبوك»: «نمتلك نظاماً ديمقراطياً تعددياً يضم الجميع، ويضمن التداول السلمي للسلطة، ويسمح بالإصلاح وتصحيح الخلل تحت سقف الدستور والقانون، وليس من حق أحد أن يفرض علينا التغيير والإصلاح في أي ملف، اقتصادياً كان أم أمنياً، مع إقرارنا بوجود حاجة لعملية الإصلاح في مختلف المفاصل».

ولفت إلى إكمال «العديد من الاستحقاقات المهمة، مثل إجراء انتخابات مجالس المحافظات، والتعداد السكاني، وتنظيم العلاقة مع التحالف الدولي، وتأطير علاقة جديدة مع بعثة الأمم المتحدة»، مشيراً إلى أن «الاستحقاقات من إصرار حكومتنا على إكمال جميع متطلبات الانتقال نحو السيادة الكاملة، والتخلص من أي قيود موروثة تقيد حركة العراق دولياً».

وأكد العمل «على تجنيب العراق أن يكون ساحة للحرب خلال الأشهر الماضية، وبذلنا جهوداً بالتشاور مع الأشقاء والأصدقاء، وبدعم متواصل من القوى السياسية الوطنية للحكومة في هذا المسار»، مشدداً على استعداد بلاده «للمساعدة في رفع معاناة أهل غزة، وهو نفس موقفنا مما تعرض له لبنان من حرب مدمرة».

ودعا السوداني «العالم لإعادة النظر في قوانينه التي باتت غير قادرة على منع العدوان والظلم، وأن يسارع لمساعدة المدنيين في غزة ولبنان، الذين يعيشون في ظروف قاسية».