البرهان يصدر مرسوماً بالعودة إلى النظام الفيدرالي في السودان

حمدوك لإصلاح الأجهزة الأمنية وبناء مخابرات محترفة بكفاءة عالية

رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان (أ.ب)
رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان (أ.ب)
TT

البرهان يصدر مرسوماً بالعودة إلى النظام الفيدرالي في السودان

رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان (أ.ب)
رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان (أ.ب)

أصدر رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، عبد الفتاح البرهان، أمس المرسوم الدستوري «رقم 6» لإنشاء نظام الحكم الإقليمي «الفيدرالي» بالبلاد، الذي كان معمولاً به حتى عام 1985.
وينص المرسوم على تطبيق نظام حكم الأقاليم «الفيدرالي» عقب انعقاد مؤتمر نظام الحكم في السودان الذي يحدد الأقاليم، وعددها، وحدودها، وهياكلها، واختصاصاتها، وسلطاتها، ومستويات الحكم والإدارة، بما لا يتعارض مع اتفاق جوبا لسلام السودان. واتفقت الحكومة والحركات المسلحة خلال المفاوضات التي جرت بعاصمة جنوب السودان على العودة لنظام الحكم القديم في البلاد، الذي يقسم البلاد إلى 6 أقاليم، وإعطائها سلطة واختصاصات فيدرالية حقيقية.
وجاء صدور المرسوم بناء على المرسومين الدستوريين 38 و39 لسنة 2019. وعملاً بأحكام المادة 79 من الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية.
وكان من المقرر عقد مؤتمر الحكم والإدارة الذي سيحدد مستويات الحكم الاتحادي، وهياكل الحكم الإقليمي، وسلطات الحكومات المحلية، وترسيم الحدود بين الأقاليم، عقب شهر من توقيع اتفاق السلام. ويحتوي اتفاق جوبا على 8 بروتوكولات تناقش قضايا تقاسم السلطة، والثروة، والترتيبات الأمنية، والعدالة والمحاسبة، والتعويضات، وجبر الضرر، والرُّحل والرعاة، والأرض.
من جهة ثانية، قال رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، إن حكومته تطمح في بناء جهاز مخابرات باحترافية وكفاءة عالية، للتواصل مع كل أجهزة المخابرات في العالم، مشيراً إلى أن انفتاح البلاد بعد شطبها من قائمة الإرهاب، فرصة تؤهلها لأن تصبح أفضل دولة في المنطقة.
وسجل حمدوك أمس زيارة إلى مقر رئاسة جهاز المخابرات العامة بالخرطوم، التقى خلالها بقادة إدارات الجهاز. وتواجه الحكومة الانتقالية بانتقادات حادة لضعف ولايتها على الأجهزة الأمنية (الشرطة والأمن) على إثر تكرار حوادث التفلتات الأمنية في عدد من مناطق البلاد، والاستجابة المتأخرة من السلطات الأمنية لاحتوائها. وكانت العاصمة الخرطوم ومدن أخرى شهدت في يناير (كانون الثاني) العام الماضي، أحداث تمرد لقوات هيئة العمليات التابعة لجهاز المخابرات العامة، روّعت المواطنين، وسيطرت على مقار الجهاز وسط الأحياء السكنية، ما اضطر السلطات لاستخدام الأسلحة الثقيلة لإجبارها على الاستسلام.
وقال حمدوك إن من أولويات الحكومة في الفترة الانتقالية إصلاح الأجهزة الأمنية، وبناء جهاز المخابرات العامة باحترافية وكفاءة عالية. وقال حمدوك إن الانتقال الديمقراطي في البلاد معقد بسبب قضاياه الكثيرة، وإن الأجهزة الأمنية تلعب دوراً مهماً في الأنظمة الديمقراطية وبسط الاستقرار. وأضاف أن شعارات ثورة ديسمبر (كانون الأول) المجيدة المتمثلة في «الحرية والسلام والعدالة»، تمثل البوصلة التي تقود الانتقال، موضحاً أن النموذج السوداني للانتقال يقوم على التفهم والرؤية الموحدة بين المدنيين والعسكريين وقوى الشعب.
وأكد حمدوك أن الحكومة وضعت أولوياتها الخمس بعد نقاش مستفيض عقب تشكيل الحكومة الحالية، على رأسها الاقتصاد والسلام وإصلاح الأجهزة الأمنية بكل فصائلها.
من جانبه، قال مدير المخابرات العامة، جمال عبد المجيد، إن زيارة رئيس الوزراء لإدارة المخابرات العامة، تأتي في وقت تشهد فيه البلاد تحولاً كبيراً.
وأكد جاهزية المخابرات العامة للقيام بالدور الوطني لدعم التغيير وتحقيق أهداف الثورة المجيدة والاستقرار والالتزام بالواجبات المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية.
وقال مدير المخابرات: «عكفنا على هيكلة الجهاز وتدريب كوادره لتحقيق الأمن والاستقرار وفق المهام الموكلة له بحسب الوثيقة الدستورية»، مضيفاً: «ظللنا نعمل بتنسيق وانسجام تام مع منظومة الدولة ضد الإشكالات كافة».
وتحت الضغط الشعبي المتزايد، سارع المجلس العسكري الانتقالي (المنحل) بحل جهاز الأمن والمخابرات الوطني، الذي لعب دوراً أساسياً في قمع الاحتجاجات التي اندلعت في ديسمبر (كانون الأول) 2018، وأدت إلى الإطاحة بالبشير في أبريل (نيسان) 2019.
وفي يوليو (تموز) 2020، غيّر المجلس العسكري اسم جهاز الأمن والمخابرات الوطني الذي استخدمه البشير لقمع معارضيه، واعتمد اسم جهاز المخابرات العامة، وجرّده من سلطات القبض والتفتيش. وتتعالى الأصوات لبناء جهاز أمن داخلي تحت إمرة الحكومة التنفيذية مباشرة لمواجهة التحديات الأمنية في البلاد.
ويطالب شركاء الحكم في الفترة الانتقالية بإعادة هيكلة جهاز الأمن والمخابرات، وحل ميليشيات النظام، من كتائب ظل، ودفاع شعبي، وإصلاح قوات الشرطة والأمن وفقاً لما نصت عليه الوثيقة الدستورية.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم