حمّلت السلطة الفلسطينية حركة «حماس» المسؤولية القانونية عن قمع الشعب في قطاع غزة، بعد استخدام أجهزة أمنية ومسلحين مدنيين تابعين للحركة، القوة المفرطة لليوم الثالث على التوالي في مواجهة متظاهرين خرجوا احتجاجاً على الغلاء والضرائب، فيما شهد القطاع إضراباً عاماً تنديداً بالقمع. وشوهد مسلحون من الأجهزة الأمنية التابعة لـ«حماس» يطلقون النار صوب متظاهرين ويستخدمون العصي والهراوات في ضربهم إضافة إلى سحلهم واعتقالهم في مواجهة داخلية غير مسبوقة منذ سيطرت الحركة على قطاع غزة بالقوة قبل 12 عاماً. وبث كثير من المتظاهرين صوراً لهم أو لأصدقائهم بعد تعرضهم للضرب المبرح الذي أدى في كثير من الحالات إلى إسالة الدماء وتكسير أطرافهم. وهتف أحد المتظاهرين الذي غطّى الدم وجهه: «بدنا نعيش بكرامة يا...».
وتكرر المشهد القاسي في الأيام الثلاثة الماضية، ما أدى إلى حالة من الغليان لم يعهدها القطاع ضد «حماس»، فيما أدانت السلطة الفلسطينية القمع الذي تستخدمه «حماس» ضد الفلسطينيين وطلبت من دول عربية التدخل. وقال الوزير حسين الشيخ عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح»، إن القيادة أجرت «عدة اتصالات مع دول شقيقة مؤثرة للتدخل فوراً والضغط على حركة (حماس) لوقف إجراءاتها القمعية ضد المواطنين الأبرياء الذين يطالبون بالعيش الكريم وإلغاء الضرائب غير القانونية». وحمّلت السلطة «حماس» المسؤولية القانونية عن قمع الفلسطينيين.
وقال وزير العدل، علي أبو دياك، إن حركة «حماس» تتحمل المسؤولية القانونية عن قمع المواطنين، داعياً الحركة إلى الإصغاء لصوت الشعب، والتخلي عن سياسة القهر والخنق والتنكيل بأبناء الشعب المكبلين بقيود الفصل والانعزال الذي تفرضه «حماس» على قطاع غزة. وأضاف أبو دياك في بيان إن «(حماس) قررت التخلي عن القدس، والانقلاب على مشروع الدولة الفلسطينية الواحدة الموحدة، والانفصال عن الوطن، وتقسيم الشعب، وإقامة إمارتها الإخوانية الظلامية في قطاع غزة منذ انقلابها على الشرعية والقانون واستيلائها بالقوة على مؤسسات السلطة الوطنية في الرابع عشر من يونيو (حزيران) 2007». وتابع: «إن (حماس) قد وأدت كل مبادرات استعادة الوحدة وإنهاء الانقسام، وتمترست خلف راية حكمها الأخرق وأصرت على مواصلة انقلابها وخروجها عن القانون، وأحكمت قبضتها بالقوة والقمع على غزة، ومنعت حكومة الوفاق الوطني منذ تشكيلها في الثاني من يونيو 2014 من بسط ولايتها القانونية وتسلم مهامها في قطاع غزة، حتى وصلت بها إلى طريق مسدود وأوصدت أمامها كل الأبواب، حيث أرادت أن تستخدمها لإطالة أمد الانقلاب، وأن تستبدل الانقسام بالتقاسم، وأن تكون حكومة إنفاق لا حكومة وفاق».
واتهم أبو دياك «حماس»، «بتكرار أساليبها القمعية العدوانية ضد أبناء شعبنا الذين خرجوا من بين أنقاض الحصار وجدار العزلة وطوق الانفصال، يطالبون بحقوقهم المنهوبة وحرياتهم المسلوبة، وترفض (حماس) المرة تلو الأخرى أن تسمع إلا صوتها الأصم، وأن ترى سوى مشروع إمارتها الجوفاء».
وهاجمت، أمس، الأجهزة الأمنية التابعة لحركة «حماس» بالقوة المفرطة مجدداً، مظاهرات ضد الغلاء في مناطق مختلفة من قطاع غزة. وتتركز المظاهرات منذ 3 أيام في مخيمات جباليا ودير البلح وانضم إليها البريج ثم توسعت إلى خان يونس والشجاعية في ردة فعل على قمع «حماس» المفرط للمتظاهرين. وتحولت المظاهرات إلى ساحات مواجهة أشعل فيها المتظاهرون الغاضبون الإطارات المطاطية وقابلتهم أجهزة «حماس» بإطلاق النار والاعتقالات وضرب وسحل وتكسير العظام. وهتف المتظاهرون من أجل العدالة ورفعوا شعارات من بينها «نريد أن نعيش مثل أبناء المسؤولين» و«لا للغلاء» و«نريد أن نعيش بكرامة»، بينما رد مسلحو «حماس» بالنار والهراوات.
وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن «حماس» استنفرت على نطاق واسع أجهزتها الأمنية كافة وكذلك كتائب القسام -الذراع المسلحة للحركة- والتي جابت الشوارع في رسالة تحدٍّ وشاركت -حسب تقارير حقوقية- في مهاجمة متظاهرين. وأضافت المصادر: «تشعر (حماس) بخطر يهدد حكمها لأول مرة، وهناك قرارات بقمع المظاهرات وإنهائها مهما كلف الثمن».
وفوجئ الفلسطينيون بما في ذلك الشارع الغزّي من طبيعة رد «حماس» على المظاهرات بعد أن اقتحم عناصر أجهزتها الأمنية مئات البيوت وحطموا أبوابها والأثاث واعتدوا على شبان ونساء وأطفال بالضرب إلى حد تكسير عظامهم. وأظهرت صور مصابين كيف استخدمت «حماس» قوة غير مسبوقة في أثناء قمع متظاهرين أو اعتقالهم. وشملت عمليات الضرب والاعتقالات ناشطين ونساء وحقوقيين وصحافيين ومحامين وطلاب جامعة ينتمون أو شاركوا ضمن حراك «بدنا نعيش» الذي أطلقه ناشطون ضد الغلاء في غزة، وللمطالبة بوقف الضرائب على جميع السلع والخدمات التي ترهق المواطن وتثقل عليه وتشقّ عليه حياته اليومية.
- لا تعقيب من «حماس»
ولم تعقّب «حماس» على الانتقادات الواسعة والاتهامات التي طالتها من السلطة وفصائل فلسطينية ومنظمات حقوقية ولا حتى على العاصفة التي خلّفتها مشاهد الضرب والتكسير على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن ناطقاً باسم شرطتها قال إنهم تصدوا «لمجموعة من المواطنين سعوا إلى إغلاق الطرق وإشعال الإطارات». واتهمت فصائل فلسطينية، «حماس» باستخدام القوة، وطالبتها بسحب مسلحيها والاعتذار للشعب. وأعلنت جميع الفصائل الفلسطينية، باستثناء حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، دعمها للحراك الشبابي في غزة، وتأييدها للمطالب العادلة للحراك. وأكدت الفصائل، والقوى الوطنية والإسلامية في بيان بعد اجتماع طارئ في غزة قاطعته «حماس» و«الجهاد»، «احترامها المطلق للحقوق والحريات الفردية والجمعية وحق التظاهر السلمي للناس»، مؤكدةً «إدانتها لكل أشكال القمع والتعدي على الحريات والحقوق، سواء بالملاحقة أو الاعتقال أو الاستخدام والشيطنة»، داعيةً «الجميع إلى الالتزام باستمرار سلمية التظاهر وحماية الحقوق والممتلكات العامة».
ودعت الفصائل الفلسطينية، حركة «حماس» والمسؤولين في غزة إلى سحب الأجهزة الأمنية والمسلحين من الشوارع والساحات العامة، وإطلاق سراح المعتقلين كافة على خلفية الحراك الأخير. وأكدت الفصائل في بيان للرأي العام، وقّعت عليه «فتح، والجبهتان، والمبادرة الوطنية، وحزب الشعب، وجبهة التحرير العربية، وجبهة التحرير الفلسطينية، والجبهة العربية الفلسطينية، وجبهة النضال الشعبي، والجبهة الشعبية - القيادة العامة والاتحاد الوطني الفبسطيني (فدا)... ضرورة محاسبة كل من تورط بالاعتداء على المتظاهرين»، كما دعت الفصائل حركة «حماس» إلى الاعتذار عن هذه «الاعتداءات»، والجهات المسؤولة في غزة إلى وقف كل أشكال الجباية والضرائب على السلع، وتحديد حاجات السوق من السلع المصدّرة، والعمل على توفيرها وتصدير الفائض عن حاجة السوق في إطار ضبط الأسعار، وتحديد سقف أسعار الخضر المُصدّرة في السوق المحلية، ووقف حملات الجباية وتحديد أسعار السلع وعدم تركها لتلاعب التجار، بما يتناسب مع دخل الفرد في غزة». لكن «حماس» رفضت بيان الفصائل الفلسطينية وعدّته انتهازاً سياسياً.
واستنكرت شبكة المنظمات الأهلية «حملة الاعتقالات والاستدعاءات التي شنتها الأجهزة الأمنية على المواطنين على خلفية الدعوة لتجمع سلمي مطلبي لتحسين الأوضاع الحياتية في قطاع غزة». وأكد بيان «ضرورة الإفراج الفوري عن المعتقلين كافة ووقف الاستدعاءات على خلفية الحق في التعبير والتجمع السلمي المكفول وفقاً للقانون». ونظرت الشبكة بخطورة بالغة تجاه استخدام القوة المفرطة في تفريق المتظاهرين واقتحام عدد من المنازل والاعتداء بالضرب على المتظاهرين بمن فيهم حقوقيون واعتقال عدد من الصحافيين والمواطنين. وشددت الشبكة على أن قمع المظاهرات والاعتداء على المشاركين فيها هو انتهاك فاضح لمبادئ حقوق الإنسان والحريات العامة وفي مقدمتها الحق في التجمع السلمي وحرية الرأي والتعبير. كما أدانت مؤسسة «الحق» استمرار الجرائم التي ترتكبها السلطة القائمة في غزة بحق المتظاهرين سلمياً المطالبين بتحسين ظروفهم المعيشية، والاعتداءات التي طالت المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين خلال قيامهم بممارسة مهامهم الحقوقية والإعلامية.
وحذرت من استمرار تلك الجرائم، وانعكاساتها الخطيرة على السلم الأهلي وحالة حقوق الإنسان في قطاع غزة، وطالبت «الحق» بالوقف الفوري لتلك الجرائم وفتح تحقيق بشأنها، ومحاسبة كل مَن يثبت تورطه باقترافها ومَن أصدر لهم الأوامر وإنصاف الضحايا وضمان عدم التكرار. ووثقت «الحق» اعتداءات قوات كبيرة من الشرطة الخاصة بالزي الرسمي، وعناصر من المباحث والأمن الداخلي بملابس مدنية، على المتظاهرين سلمياً بالضرب بالهراوات، كما اعتدوا بالضرب على عدد من الصحافيين، وقاموا بمصادرة الهواتف الخلوية والمعدات من بعض الصحافيين وهواتف عدد من المواطنين خلال تصويرهم للأحداث وإطلاق النار في الهواء، وملاحقة المتظاهرين في الشوارع الفرعية، ومداهمة عدد من المنازل. كما وثقت مشاركة عناصر من كتائب القسام في الاعتداء على المتظاهرين. وأكدت «الحق» وجوب صيانة وتعزيز حالة حقوق الإنسان.
أما المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان فقال إنه يتابع بقلق بالغ استمرار اعتداءات أجهزة الأمن والشرطة في غزة على المشاركين في المسيرات السلمية بما في ذلك الاعتداءات بالضرب والاعتقال وإطلاق النار في الهواء، ومداهمة البيوت. وأكد المركز أن الاعتداء على المتظاهرين السلميين يعد جريمة وانتهاكاً وفق القوانين المحلية والدولية، مطالباً أجهزة الأمن باحترام الحق في التجمع السلمي وحق حرية التعبير. وإضافة إلى المنظمات الأهلية، فقد أدانت أيضاً نقابة الصحافيين الفلسطينيين مواصلة أجهزة «حماس» اعتداءاتها وقمعها للصحافيين والمتظاهرين ضد الغلاء والقهر. واعتبرت النقابة أن ما يجري «يعكس سلوكاً بوليسياً في التعامل مع نبض الشارع، ويشيطن عمل الصحافيين الذين يغطون بمهنية مجريات الأحداث». وأكدت النقابة أن الاعتداءات واعتقال الصحافيين في غزة «علامة سوداء جديدة تضاف إلى سجل القمع والاعتداءات المدانة على حرية الرأي والتعبير وحرية العمل الصحافي». وفي محاولة للالتفاف على الحراك، أخرجت «حماس»، أمس، مسيرات ضد الرئيس الفلسطيني محمود عباس.