«مهرجان قرية تونس»... وجبة فنية وثقافية في أحضان الريف المصري

تزينت بالرسومات الجدارية لاستقبال زوارها من الدول الأوروبية والعربية

سياح اجتذبهم الخزف والمعروضات اليدوية -  أحد النماذج اليدوية بالمهرجان.
سياح اجتذبهم الخزف والمعروضات اليدوية - أحد النماذج اليدوية بالمهرجان.
TT

«مهرجان قرية تونس»... وجبة فنية وثقافية في أحضان الريف المصري

سياح اجتذبهم الخزف والمعروضات اليدوية -  أحد النماذج اليدوية بالمهرجان.
سياح اجتذبهم الخزف والمعروضات اليدوية - أحد النماذج اليدوية بالمهرجان.

على بُعد نحو 60 كيلومتراً عن مدينة الفيوم (جنوب غربيّ القاهرة)، تعتلي قرية «تونس» ربوة عالية ترى بحيرة قارون الشهيرة، مما حوّلها إلى لوحة طبيعية في أحضان الريف المصري، وجعلها تنال لقب «سويسرا الشرق»، ليس لجمال طبيعتها فقط؛ بل لسمعتها الفنية أيضاً، حيث تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف والفخار الملون.
وخلال هذا الأسبوع استقبلت القرية زوارها من العديد من الدول الأوروبية والعربية، كونها تحتضن مهرجانها السنوي للخزف والفخار والحرف اليدوية، في نسخته السابعة، والذي يهدف إلى الترويج لمنتجات الخزف التي تُصنع في القرية، وذلك عبر العشرات من معارض المنتجين، وتشجيع ودعم القرى المنتجة، وفتح مزيد من فرص العمل والتسويق، لهذه المنتجات المتميزة بالسوق المحلية والأسواق الخارجية.
كما يهدف المهرجان إلى جذب السياحة الخارجية والداخلية لقرية «تونس»، حيث يضم المهرجان جانباً فنياً وثقافياً وسياحياً، ففعالياته تتضمن حضور ورش تعليم وتصنيع الفخار والخزف على الطبيعة، التي تتيح التعرف على مراحل صناعة الفخار الملون ابتداءً من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق.
ويضم برنامج المهرجان السنوي عرض أفلام وثائقية حول فن الخزف، وعروضاً لمسرح العرائس، كما يتضمن المهرجان معارض فنية تشكيلية، ومنتجات ومشغولات وملابس يدوية، تقدمها مجموعة كبيرة من الحرفيين والفنانين.
‏‎واستكمالاً للوحة الفنية؛ تمتلئ أجواء المهرجان بالتراث المصري الموسيقي، حيث يجتذب المهرجان فرقاً موسيقية من مختلف محافظات مصر، لنشر أجواء من البهجة والسعادة خلال فترة انعقاده، كما يتيح المهرجان فرص زيارة متحف الكاريكاتير، ومركز الفيوم للفنون، ومدرسة الفنانة السويسرية إيفلين بوريه لصناعة الفخار، التي أدخلت هذه الحرفة إلى القرية وأسست هذه المدرسة لتعليمها منذ سنوات.
ولم يغفل المهرجان جانب الترفيه، عبر ركوب الخيل، ومشاهدة الطيور على ساحل بحيرة قارون، والتجول بين بيوت القرية الريفية التي صُمم بعضها بطراز معماري يستخدم الطين والقِباب، إلى جانب تناول الطعام الريفي الذي تقدمه المطاعم بالقرية في جو هادئ بعيد عن صخب وضجيج المدينة.
وحسب محمود الشريف، منسق المهرجان وصاحب إحدى ورش تصنيع الخزف والفخار بها، فإن الجديد هذا العام هو مشاركة عدد كبير من الفنانين والحرفيين من دول مختلفة، وإقامة سمبوزيوم الخزف والفخار بمشاركة وفد من دولة ألمانيا وبعض الدول العربية، إلى جانب إدخال عروض ترفيهية جديدة لتلبية رغبات كل زوار المهرجان من جميع الفئات، كما تزينت قرية «تونس» بشكل جديد ومختلف، من خلال مشروع تجميل القرية بمساعدة «جمعية ألوان» (مؤسسة أهلية مهتمة بالفن والثقافة)، عبر تزيين الحوائط والمنازل برسومات مستوحاة من طبيعة محافظة الفيوم وفن الخزف والفخار وبكل ما له علاقة بتراث الفيوم.
ويلفت الشريف إلى أن المهرجان السنوي كان فكرة خزافي القرية منذ 7 سنوات، ومع نجاح فكرته واجتذابها عدداً كبيراً من الزوار، أصبح المهرجان تُشرف عليه الحكومة ممثلة في محافظة الفيوم، ووزارات التنمية المحلية والسياحة والثقافة، بالتعاون مع جمعية خزافي قرية تونس، ومبادرة «إبداع من مصر» المدعومة من بنك الإسكندرية، وبعض الفنانين ومنظمات المجتمع المدني وبعض السفارات الأجنبية.
كان وزير التنمية المحلية المصري هشام الشريف، قد شهد افتتاح المهرجان، الجمعة الماضية، مؤكداً أنه حرص على المشاركة في المهرجان في إطار تشجيع ودعم القرى المنتجة لكي تنتج وتصدر إنتاجها سواء إلى السوق المحلية أو إلى الأسواق الخارجية، وقال إن «قرية تونس هي نموذج للقرية النموذجية التي تنتج وتبدع، نجد فيها الفن والإبداع والتنسيق الحضاري بعيداً عن العشوائيات، وأهلها ينتجون فناً غير تقليدي وضعها على خريطة السياحة الجاذبة».


مقالات ذات صلة

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق لوحة ألوان زاهية (أ.ف.ب)

مناطيد الهواء الساخن تُزيِّن سماء النيبال

أطلقت بوخارا أول مهرجان لمناطيد الهواء الساخن يُقام في النيبال، إذ تحوّلت سماء المدينة لوحةً من الألوان الزاهية ضمن مشهد شكّلت ثلوج قمم «هملايا» خلفيته.

«الشرق الأوسط» (بوخارا (النيبال))
يوميات الشرق حوار ثقافي سعودي عراقي في المجال الموسيقي (وزارة الثقافة)

«بين ثقافتين» التقاء الثقافتين السعودية والعراقية في الرياض

يقدم مهرجان «بين ثقافتين» الذي أطلقته وزارة الثقافة في مدينة الرياض، رحلة ثريّة تمزج بين التجارب الحسيّة، والبصريّة.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق لقطة من فيلم «شرق 12» (الشركة المنتجة)

الفيلم المصري «شرق 12» يفتتح «أسبوع النقاد» في «مهرجان برلين»

عُرض «شرق 12» في السعودية والبرازيل وأستراليا والهند وشاهده جمهور واسع، ما تراه هالة القوصي غاية السينما، كونها تملك هذه القدرة لتسافر وتتفاعل مع مختلف الثقافات

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق المخرج شريف البنداري يتسلم جائزة «التانيت الفضي» لأفضل فيلم قصير (إدارة المهرجان)

السينما المصرية تقتنص 3 جوائز في «أيام قرطاج»

فازت السينما المصرية بـ3 جوائز في ختام الدورة الـ35 لـ«أيام قرطاج السينمائية» التي أقيمت مساء السبت على مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة بتونس.

انتصار دردير (القاهرة )

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك
TT

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

قليلاً ما يتحول حفل تكريم مبدع كبير إلى احتفاءٍ بكل الحلقة الخلاّقة التي تحيط به. هذا يتطلب رقياً من المكرّم والمنظمين، يعكس حالةً من التسامي باتت نادرة، إن لم تكن مفقودة.

فمن جماليات حفل تكريم الشاعر الفذّ طلال حيدر على «مسرح كركلا»، برعاية وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري وحضوره، الأحد الماضي، هذا التحلق اللافت لجمع من الشعراء وأهل الفكر والثقافة والفنانين والإعلاميين، حول شاعرهم الذي رفد الأغنية اللبنانية بأجمل القصائد، وأغنى الشعر بصوره المدهشة وتعابيره المتفجرة.

طلال حيدر قبل التكريم مع الفنان عبد الحليم كركلا ووزير الإعلام زياد المكاري

طربيه ودور البطل

قدم الحفل الممثل القدير رفعت طربيه الذي هو نفسه قيمة فنية، معتبراً أن حيدر «كان دائماً البطل الأول على (مسرح كركلا). فهو ابن الأرض، وابن بعلبك، لكنه في الوقت عينه واكب الشعر العالمي ودخل الحداثة فكراً وصورةً وإيقاعاً، راكباً صهيل الخيل». فليس شائعاً أن يترجم شاعر بالعامية إلى لغات أجنبية كما هي دواوين المكرّم وقصائده.

عبد الحليم كركلا مع الشاعر نزار فرنسيس (خاص - الشرق الأوسط)

ومن أرشيف المايسترو عبد الحليم كركلا، شاهد الحضور فيلماً قصيراً بديعاً، عن طلال حيدر، رفيق طفولته ودربه طوال 75 عاماً. قال كركلا: «لقاؤنا في طفولتنا كان خُرافياً كَأَسَاطِيرِ الزَمَان، غامضاً ساحراً خارجاً عن المألوف، حَصَدنَا مَواسم التراث معاً، لنَتَكَامل مع بعضنا البعض في كل عمل نبدعه».

فيلم للتاريخ

«طلال حيدر عطية من عطايا الله» عنوان موفق لشريط، يظهر كم أن جيل الستينات الذي صنع زهو لبنان ومجده، كان متآلفاً متعاوناً.

نرى طلال حيدر إلى جانبه كركلا، يقرآن قصيدة للأول، ويرسمان ترجمتها حركةً على المسرح. مارسيل خليفة يدندن نغمة لقصيدة كتبها طلال وهو إلى جانبه، وهما يحضّران لإحدى المسرحيات.

لقطات أثيرة لهذه الورشات الإبداعية، التي تسبق مسرحيات كركلا. نمرّ على مجموعة العمل وقد انضم إليها سعيد عقل، ينشد إحدى قصائده التي ستتحول إلى أغنية، والعبقري زكي ناصيف يجلس معه أيضاً.

عن سعيد عقل يقول حيدر: «كنا في أول الطريق، إن كان كركلا أو أنا، وكان سعيد عقل يرينا القوى الكامنة فينا... كان يحلم ويوسّع حلمه، وهو علّمنا كيف نوسّع الحلم».

في أحد المشاهد طلال حيدر وصباح في قلعة بعلبك، يخبرها بظروف كتابته لأغنيتها الشهيرة «روحي يا صيفية»، بعد أن دندن فيلمون وهبي لحناً أمامه، ودعاه لأن يضع له كلمات، فكانت «روحي يا صيفية، وتعي يا صيفية، يا حبيبي خدني مشوار بشي سفرة بحرية. أنا بعرف مش رح بتروح بس ضحاك عليي».

في نهاية الحوار تقول له صباح: «الله ما هذه الكلمات العظيمة!»، فيجيبها بكل حب: «الله، ما هذا الصوت!» حقاً ما هذا اللطف والتشجيع المتبادل، بين المبدعين!

كبار يساندون بعضهم

في لقطة أخرى، وديع الصافي يغني قصيدة حيدر التي سمعناها من مارسيل خليفة: «لبسوا الكفافي ومشوا ما عرفت مينن هن»، ويصرخ طرباً: «آه يا طلال!» وجوه صنعت واجهة الثقافة اللبنانية في النصف الثاني من القرن العشرين، تتآلف وتتعاضد، تشتغل وتنحت، الكلمة بالموسيقى مع الرقصة والصورة. شريط للتاريخ، صيغ من كنوز أرشيف عبد الحليم كركلا.

المقطع الأخير جوهرة الفيلم، طلال حيدر يرتجل رقصة، ويترجم بجسده، ما كتبه في قصيدته ومعه راقصو فرقة كركلا، ونرى عبد الحليم كركلا، أشهر مصمم رقص عربي، يرقص أمامنا، هذه المرة، وهو ما لم نره من قبل.

عبد الحليم كركلا يلقي كلمته (خاص - الشرق الأوسط)

روح الألفة الفنية هي التي تصنع الإبداع. يقول حيدر عن تعاونه مع كركلا: «أقرأه جيداً، قرأنا معاً أول ضوء نحن وصغار. قبل أن أصل إلى الهدف، يعرف إلى أين سأصل، فيسبقني. هو يرسم الحركة التصويرية للغة الأجساد وأكون أنا أنسج اللغة التي ترسم طريق هذه الأجساد وما ستذهب إليه. كأن واحدنا يشتغل مع حاله».

طلال حيدر نجم التكريم، هو بالفعل بطل على مسرح كركلا، سواء في صوغ الأغنيات أو بعض الحوارات، تنشد قصائده هدى حداد، وجوزف عازار، وليس أشهر من قصيدته «وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان» التي غنتها فيروز بصوتها الملائكي.

أعلن رئيساً لجمهورية الخيال

طالب الشاعر شوقي بزيع، في كلمته، بأن ينصّب حيدر «رئيساً لجمهورية الخيال الشعري في دولة لبنان الكبير» بصرف النظر عمن سيتربع على عرش السياسة. ورغم أن لبنان كبير في «الإبداعوغرافيا»، كما قال الشاعر هنري زغيب، فإن طلال حيدر «يبقى الكلام عنه ضئيلاً أمام شعره. فهو لم يكن يقول الشعر لأنه هو الشعر».

وقال عنه كركلا: «إنه عمر الخيام في زمانه»، و«أسطورة بعلبك التي سكبت في عينيه نوراً منها، وجعلت من هيبة معابدها حصناً دفيناً لشعره». وعدَّه بطلاً من أبطال الحضارة الناطقين بالجمال والإبداع. سيعيش دوماً في ذاكرة الأجيال، شعلةً مُضيئةً في تاريخ لبنان.

الفنان مارسيل خليفة الذي تلا كلمته رفعت طربيه لتعذّر حضوره بداعي السفر، قال إن «شعره مأخوذ من المتسكعين والباعة المتجولين والعاملين في الحقول الغامرة بالخير والبركة». ووصفه بأنه «بطل وصعلوك في آن، حرّ حتى الانتحار والجنون، جاهليّ بدويّ فولكلوريّ خرافيّ، هجّاء، مدّاح، جاء إلى الحياة فتدبّر أمره».

وزير الإعلام المكاري في كلمته توجه إلى الشاعر: «أقول: طلال حيدر (بيكفّي). اسمُك أهمّ من كلّ لقب وتسمية ونعت. اسمُك هو اللقب والتسمية والنعت. تقول: كبروا اللي بدهن يكبروا، ما عندي وقت إكبر. وأنا أقول أنتَ وُلِدْتَ كبيراً»، وقال عنه إنه أحد أعمدة قلعة بعلبك.

أما المحامي محمد مطر، فركزّ على أن «طلال حيدر اختار الحرية دوماً، وحقق في حياته وشعره هذه الحرية حتى ضاقت به، لذا أراه كشاعر فيلسوف ناشداً للحرية وللتحرر في اشتباكه الدائم مع تجليات الزمان والمكان».

الحضور في أثناء التكريم (خاص - الشرق الأوسط)

وفي الختام كانت كلمة للمحتفى به ألقاها نجله علي حيدر، جاءت تكريماً لمكرميه واحداً واحداً، ثم خاطب الحضور: «من يظن أن الشعر ترف فكري أو مساحة جمالية عابرة، إنما لا يدرك إلا القشور... الشعر شريك في تغيير العالم وإعادة تكوين المستقبل».