«إمارة بالدم» على رمال متحركة
كيف يتمدد الإرهاب في الساحل الأفريقي بحثا عن الذهب وبسط النفوذ
«إمارة بالدم»
على رمال متحركة
كيف يتمدد الإرهاب في الساحل الأفريقي
بحثا عن الذهب وبسط النفوذ
تحقيق: جمال جوهر
في مدينة سبها الليبية، المعروفة بـ«عروس الجنوب»، جرت وقائع تفكيك ثلاث شبكات إرهابية أعلن عنها جهاز الاستخبارات العامة في أغسطس (آب) الماضي، كاشفاً عن خيوطها الممتدة من الساحل الأفريقي وإليه.
قبل هذه الواقعة بخمسة أشهر، تحديداً في مارس (آذار) 2025، كانت السلطات الأمنية في غرب ليبيا قد أعلنت عن ضبط «تنظيم إرهابي» آخر، وبثّت «اعترافات» لبعض أعضائه، قالوا إنهم يتبعون حركة جهادية تُسمى «نصر»، وتحدثوا عن «مخططات لتجنيد الشباب، وتصنيع المسيّرات».
هناك، وعلى طول الشريط الممتد لدول جنوب الصحراء الكبرى، وعبر بلدان تتراوح بينها المسافات لتصل أحياناً إلى 2300 كلم، تتصاعد ضربات التنظيمات الإرهابية في عمليات متسارعة يرى عمر المهدي بشارة، أحد المتمردين التشاديين القدامى، أنها «تستهدف إخضاعها لحسابات قوى دولية؛ واستخدام سكانها الذين يعانون الفقر والتخلّف».
ويتحدث بشارة، وهو رئيس «جبهة الخلاص التشادية» (MSNT) إلى «الشرق الأوسط» عن أن «المستعمر القديم يشرف من بعيد على رسم خريطة جديدة للساحل والصحراء بالدم، وعينه على مكامن الثروة».
وتمتد منطقة الساحل من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر.
واستناداً إلى الجغرافيا والمناخ، فإن مناطق الساحل الأفريقي تضم شمال السنغال، وجنوب موريتانيا، ومالي، وجنوب الجزائر، والنيجر، وتشاد، وجنوب السودان، وإريتريا.
وتميل منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى اعتماد تعريف أوسع يشمل موريتانيا والسنغال ومالي وبوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا والكاميرون وتشاد.
ولا تعني كلمة «الساحل» هنا «ساحل البحر»، بل «الحافة»، أي الشريط الجغرافي الممتد جنوب الصحراء الكبرى من المحيط الأطلسي غرباً (عند موريتانيا والسنغال) إلى البحر الأحمر شرقاً (عند السودان وإريتريا).
وبقدر ما تمددت التنظيمات الإرهابية على طول الساحل، بقدر ما تورّطت في إراقة الدماء عبر عمليات مسلّحة استهدفت عسكريين ومدنيين خلال العقد الماضي، قُدرت حصيلتها وفق «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأكثر من 150 ألف قتيل.
وقبل التطرق إلى خريطة هذه التنظيمات بالشكل الذي يلخّصه بشارة بأنه «كابوس يجثم على صدر منطقة منسية من التنمية»، لا بد من الإشارة إلى تطور نوعي في استخدام هذه الجماعات للتقنيات الحديثة بشكل متزايد، بجانب زحفها خارج حواضنها الريفية المهمشة إلى المدن.
فالتنظيمات التي طالما اقتاتت على جهل المجتمعات الفقيرة، بدأت تلجأ اليوم إلى الذكاء الاصطناعي، متجاوزةً قدرات بعض خصومها النظاميين المتمسكين بالبندقية والمدفع والطائرات الحربية التقليدية.
في مدينة سبها الليبية، المعروفة بـ«عروس الجنوب»، جرت وقائع تفكيك ثلاث شبكات إرهابية أعلن عنها جهاز الاستخبارات العامة في أغسطس (آب) الماضي، كاشفاً عن خيوطها الممتدة من الساحل الأفريقي وإليه.
قبل هذه الواقعة بخمسة أشهر، تحديداً في مارس (آذار) 2025، كانت السلطات الأمنية في غرب ليبيا قد أعلنت عن ضبط «تنظيم إرهابي» آخر، وبثّت «اعترافات» لبعض أعضائه، قالوا إنهم يتبعون حركة جهادية تُسمى «نصر»، وتحدثوا عن «مخططات لتجنيد الشباب، وتصنيع المسيّرات».
هناك، وعلى طول الشريط الممتد لدول جنوب الصحراء الكبرى، وعبر بلدان تتراوح بينها المسافات لتصل أحياناً إلى 2300 كلم، تتصاعد ضربات التنظيمات الإرهابية في عمليات متسارعة يرى عمر المهدي بشارة، أحد المتمردين التشاديين القدامى، أنها «تستهدف إخضاعها لحسابات قوى دولية؛ واستخدام سكانها الذين يعانون الفقر والتخلّف».
ويتحدث بشارة، وهو رئيس «جبهة الخلاص التشادية» (MSNT) إلى «الشرق الأوسط» عن أن «المستعمر القديم يشرف من بعيد على رسم خريطة جديدة للساحل والصحراء بالدم، وعينه على مكامن الثروة».
وتمتد منطقة الساحل من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر.
واستناداً إلى الجغرافيا والمناخ، فإن مناطق الساحل الأفريقي تضم شمال السنغال، وجنوب موريتانيا، ومالي، وجنوب الجزائر، والنيجر، وتشاد، وجنوب السودان، وإريتريا.
وتميل منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى اعتماد تعريف أوسع يشمل موريتانيا والسنغال ومالي وبوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا والكاميرون وتشاد.
ولا تعني كلمة «الساحل» هنا «ساحل البحر»، بل «الحافة»، أي الشريط الجغرافي الممتد جنوب الصحراء الكبرى من المحيط الأطلسي غرباً (عند موريتانيا والسنغال) إلى البحر الأحمر شرقاً (عند السودان وإريتريا).
وبقدر ما تمددت التنظيمات الإرهابية على طول الساحل، بقدر ما تورّطت في إراقة الدماء عبر عمليات مسلّحة استهدفت عسكريين ومدنيين خلال العقد الماضي، قُدرت حصيلتها وفق «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأكثر من 150 ألف قتيل.
وقبل التطرق إلى خريطة هذه التنظيمات بالشكل الذي يلخّصه بشارة بأنه «كابوس يجثم على صدر منطقة منسية من التنمية»، لا بد من الإشارة إلى تطور نوعي في استخدام هذه الجماعات للتقنيات الحديثة بشكل متزايد، بجانب زحفها خارج حواضنها الريفية المهمشة إلى المدن.
فالتنظيمات التي طالما اقتاتت على جهل المجتمعات الفقيرة، بدأت تلجأ اليوم إلى الذكاء الاصطناعي، متجاوزةً قدرات بعض خصومها النظاميين المتمسكين بالبندقية والمدفع والطائرات الحربية التقليدية.
«وكلاء الداخل»
وسط تنافس دموي على النفوذ والمجنّدين والموارد، بات يلاحظ اعتماد «داعش» في غزواته على ولايات غرب، ووسط أفريقيا، والصحراء الكبرى، بينما «القاعدة» يتحرك بمرونة عبر تحالفات محلية مع «نصرة الإسلام والمسلمين» و«أنصار الدين».
وهنا ينبّه الأستاذ بجامعتي «زايد» و«القاهرة»، الخبير في الشؤون الأفريقية، حمدي عبد الرحمن حسن، إلى أن «كثيراً من هذه الجماعات المتعولمة اتخذت طابعاً محلياً؛ وأصبح هناك خلط بينهما»، وهو ما أشار إليه أيضاً سكان محليون في حديثهم إلى «الشرق الأوسط».
فـ«القاعدة» و«داعش» بات لهما وكلاء محليون، ومع تصاعد «مظالم المواطنين» ضد النظم «الحاكمة الجديدة»، تمكّنت هذه التنظيمات من التغلغل في النسيج الاجتماعي واللعب على وتر الفقر، وهذا ما يفسّر جانباً من تناميها الملحوظ، حسبما يقول فارح والي من الصومال.
ويشرح فارح إن عناصر حركة «الشباب»، «يستميلون المواطنين لصالحهم بالمال، ومغازلة الشعور الوطني بأنهم يدافعون عن البلاد في مواجهة الحكومة الكافرة»، ويضيف في إفادة مكتوبة لـ«الشرق الأوسط»: «يستغلون جهل الناس وحاجتهم للمال وكرههم لمن في الحكم للتعاون معهم ويجنّدونهم؛ ومن يرفض يُخطف ويُقتل».
وأوقع «الشباب» في الصومال نحو 30 قتيلاً في هجومين على فندق «كايرو» في بليدوين، ومركز التجنيد العسكري بدامانيو في مارس (آذار) ومايو (أيار) 2025.
غير أن الخبير المصري حمدي عبد الرحمن وضع مجموعةً من الأسباب التي أدت إلى ازدياد نشاط التنظيمات الإرهابية، من بينها أن الحدود في هذه المنطقة يُطلق عليها «Porous»، بمنعى أنها «رخوة لا يمكن السيطرة عليها»، بالإضافة إلى «هشاشة الدولة الموروثة عن الاستعمار».
كما لفت عبد الرحمن إلى موجة الانقلابات التي شهدتها هذه المنطقة، وقال: «هذه التنظيمات وجدت فرصة للتمدد، خصوصاً في ظل غياب التنسيق الإقليمي».
وفي مناطق عدة بدول الساحل تتبنى «القاعدة»، وفق تقرير صادر عن «فريق الرصد الأممي» في يوليو (تموز) 2025، المظالم المحلية و«أقلمة سردياتها لتملّق المجتمعات المحلية، وساعدت هذه البراغماتية الآيديولوجية في توسيع رقعة الأراضي الخاضعة لها».
جانب من هذا التغلغل في المجتمع يرجعه أيضاً الدكتور رمضان قرني، الخبير في الشأن الأفريقي، إلى أن التنظيمات استغلت دخول أطراف دولية إلى الساحل، «في تعبئة الشعور المحلي لمواجهتها».
بجانب ما ذكره الصومالي فارح عن جذب المواطنين بالمال، تأتي «المظلوميات» باعتبارها من المبررات التي رسّخت لهذه التنظيمات وسط شعوب الساحل والصحراء في مواجهة «السلطة الجديدة» التي تولت إدارة البلاد عقب 8 انقلابات عسكرية متكررة.
ويرصد حمدي عبد الرحمن كيف أن «كتائب ماسينا»، التابعة لـ«نصرة الإسلام والمسلمين» التي تنشط وسط مالي ومنطقة الحدود مع بوركينا فاسو تستمد قوتها من «المظالم التاريخية» لعرقية الفولاني (الرعاة الرحل) الذين يتهمون السلطات المحلية وميليشيات الدوغو (المزارعين المستقرين) بارتكاب انتهاكات بحقهم، من بينها «القتل الجماعي».
عناصر من تنظيم «نصرة الإسلام» في مالي
عناصر من تنظيم «نصرة الإسلام» في مالي
ووفق هذا المبدأ، وسّع تنظيم «القاعدة» منطقة عملياته بواسطة ذراعه المحلية «نصرة الإسلام والمسلمين»، في موازاة نشاط محموم لـ«داعش» وأنصاره في الصحراء الكبرى.
«وكلاء الداخل»
وسط تنافس دموي على النفوذ والمجنّدين والموارد، بات يلاحظ اعتماد «داعش» في غزواته على ولايات غرب، ووسط أفريقيا، والصحراء الكبرى، بينما «القاعدة» يتحرك بمرونة عبر تحالفات محلية مع «نصرة الإسلام والمسلمين» و«أنصار الدين».
وهنا ينبّه الأستاذ بجامعتي «زايد» و«القاهرة»، الخبير في الشؤون الأفريقية، حمدي عبد الرحمن حسن، إلى أن «كثيراً من هذه الجماعات المتعولمة اتخذت طابعاً محلياً؛ وأصبح هناك خلط بينهما»، وهو ما أشار إليه أيضاً سكان محليون في حديثهم إلى «الشرق الأوسط».
فـ«القاعدة» و«داعش» بات لهما وكلاء محليون، ومع تصاعد «مظالم المواطنين» ضد النظم «الحاكمة الجديدة»، تمكّنت هذه التنظيمات من التغلغل في النسيج الاجتماعي واللعب على وتر الفقر، وهذا ما يفسّر جانباً من تناميها الملحوظ، حسبما يقول فارح والي من الصومال.
ويشرح فارح إن عناصر حركة «الشباب»، «يستميلون المواطنين لصالحهم بالمال، ومغازلة الشعور الوطني بأنهم يدافعون عن البلاد في مواجهة الحكومة الكافرة»، ويضيف في إفادة مكتوبة لـ«الشرق الأوسط»: «يستغلون جهل الناس وحاجتهم للمال وكرههم لمن في الحكم للتعاون معهم ويجنّدونهم؛ ومن يرفض يُخطف ويُقتل».
وأوقع «الشباب» في الصومال نحو 30 قتيلاً في هجومين على فندق «كايرو» في بليدوين، ومركز التجنيد العسكري بدامانيو في مارس (آذار) ومايو (أيار) 2025.
غير أن الخبير المصري حمدي عبد الرحمن وضع مجموعةً من الأسباب التي أدت إلى ازدياد نشاط التنظيمات الإرهابية، من بينها أن الحدود في هذه المنطقة يُطلق عليها «Porous»، بمنعى أنها «رخوة لا يمكن السيطرة عليها»، بالإضافة إلى «هشاشة الدولة الموروثة عن الاستعمار».
كما لفت عبد الرحمن إلى موجة الانقلابات التي شهدتها هذه المنطقة، وقال: «هذه التنظيمات وجدت فرصة للتمدد، خصوصاً في ظل غياب التنسيق الإقليمي».
وفي مناطق عدة بدول الساحل تتبنى «القاعدة»، وفق تقرير صادر عن «فريق الرصد الأممي» في يوليو (تموز) 2025، المظالم المحلية و«أقلمة سردياتها لتملّق المجتمعات المحلية، وساعدت هذه البراغماتية الآيديولوجية في توسيع رقعة الأراضي الخاضعة لها».
جانب من هذا التغلغل في المجتمع يرجعه أيضاً الدكتور رمضان قرني، الخبير في الشأن الأفريقي، إلى أن التنظيمات استغلت دخول أطراف دولية إلى الساحل، «في تعبئة الشعور المحلي لمواجهتها».
بجانب ما ذكره الصومالي فارح عن جذب المواطنين بالمال، تأتي «المظلوميات» باعتبارها من المبررات التي رسّخت لهذه التنظيمات وسط شعوب الساحل والصحراء في مواجهة «السلطة الجديدة» التي تولت إدارة البلاد عقب 8 انقلابات عسكرية متكررة.
ويرصد حمدي عبد الرحمن كيف أن «كتائب ماسينا»، التابعة لـ«نصرة الإسلام والمسلمين» التي تنشط وسط مالي ومنطقة الحدود مع بوركينا فاسو تستمد قوتها من «المظالم التاريخية» لعرقية الفولاني (الرعاة الرحل) الذين يتهمون السلطات المحلية وميليشيات الدوغو (المزارعين المستقرين) بارتكاب انتهاكات بحقهم، من بينها «القتل الجماعي».
عناصر من تنظيم «نصرة الإسلام» في مالي
عناصر من تنظيم «نصرة الإسلام» في مالي
ووفق هذا المبدأ، وسّع تنظيم «القاعدة» منطقة عملياته بواسطة ذراعه المحلية «نصرة الإسلام والمسلمين»، في موازاة نشاط محموم لـ«داعش» وأنصاره في الصحراء الكبرى.
لغة الدم والمصالح
مخاطر جمة تنذر بكارثة ليس فقط لكثرة الهجمات وارتفاع مؤشر القتل، لكن لأسباب تتعلق بـ«براغماتية» هذه التنظيمات التي تتحرك على رمال ساخنة مشحونة بالصراعات، في التعامل مع المواطنين، وكسب مجندين جدد في قتالها العنيف.
وبعكس المتوقع، تكشف تصرفات «داعش» و«القاعدة» آيديولوجيات متباينة، يراها الأكاديمي الموريتاني والباحث في شؤون الساحل والصحراء والجماعات المسلحة محمدن أيب، «خليطاً من السلفية الجهادية العالمية، والاستغلال المحلي للنزاعات العرقية والقبلية، ومصالح اقتصادية قائمة على التهريب والابتزاز».
ففي مقابل مَيل «القاعدة» وفروعها إلى التأقلم مع البيئة المحلية في دول الساحل وكسب ودّ القبائل، يرفض «داعش» المساومات الشعبية، ويتمسك بـ«الخلافة» والولاء المركزي، في إطار أكثر تشدداً ودموية.
ومن واقع معايشته في دول عدة بالساحل، يروي المواطن السوداني عبد الغني إسماعيل مشاهدته لتحركات التنظيمات الإرهابية، ويقول: «هم يحاولون فرض أنفسهم على أي جغرافيا يعيشون عليها، لتحقيق أهدافهم بالوصول إلى السلطة».
وإسماعيل - الذي ذهب إلى أوروبا عبر ليبيا - تحدث إلى «الشرق الأوسط» عن أن هذه الجماعات «تعيش معركة صراع من أجل البقاء، بفكر مغلوط، وكل من يقف في طريقها لا تتردد في تفجيره».
لغة الدم والمصالح
مخاطر جمة تنذر بكارثة ليس فقط لكثرة الهجمات وارتفاع مؤشر القتل، لكن لأسباب تتعلق بـ«براغماتية» هذه التنظيمات التي تتحرك على رمال ساخنة مشحونة بالصراعات، في التعامل مع المواطنين، وكسب مجندين جدد في قتالها العنيف.
وبعكس المتوقع، تكشف تصرفات «داعش» و«القاعدة» آيديولوجيات متباينة، يراها الأكاديمي الموريتاني والباحث في شؤون الساحل والصحراء والجماعات المسلحة محمدن أيب، «خليطاً من السلفية الجهادية العالمية، والاستغلال المحلي للنزاعات العرقية والقبلية، ومصالح اقتصادية قائمة على التهريب والابتزاز».
ففي مقابل مَيل «القاعدة» وفروعها إلى التأقلم مع البيئة المحلية في دول الساحل وكسب ودّ القبائل، يرفض «داعش» المساومات الشعبية، ويتمسك بـ«الخلافة» والولاء المركزي، في إطار أكثر تشدداً ودموية.
ومن واقع معايشته في دول عدة بالساحل، يروي المواطن السوداني عبد الغني إسماعيل مشاهدته لتحركات التنظيمات الإرهابية، ويقول: «هم يحاولون فرض أنفسهم على أي جغرافيا يعيشون عليها، لتحقيق أهدافهم بالوصول إلى السلطة».
وإسماعيل - الذي ذهب إلى أوروبا عبر ليبيا - تحدث إلى «الشرق الأوسط» عن أن هذه الجماعات «تعيش معركة صراع من أجل البقاء، بفكر مغلوط، وكل من يقف في طريقها لا تتردد في تفجيره».
خريطة التنظيمات والموارد
في هذا المشهد المتشظي أمنياً، يرصد محمدن أيب خريطة الجماعات الإرهابية في الساحل والصحراء، رابطاً بين تحركاتها في بعض المناطق وسعيها للاستحواذ على مناجم «الثروة الباطنية».
يحذر أيب من أن المخاطر التي باتت تشكلها هذه الجماعات اختلفت عمّا كانت عليه سابقاً، في ظل تصاعد الاقتتال في المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، المعروف تاريخياً بـ«ليبتاكو - غورما» وصنّفه «مؤشر الإرهاب العالمي» لعام 2024 ضمن أكثر عشر مناطق تضرراً من الإرهاب حول العالم.
ويقول أيب لـ«الشرق الأوسط» إن جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، فرع «القاعدة»، وتنظيم «داعش» (ولاية الساحل) «يحكمان قبضتيهما على هذه المنطقة الزاخرة بموردي الذهب واليورانيوم»، وباتت «الأذرع المحلية للتنظيمات القوة الضاربة في عملياتها النوعية»؛ يدلل أيب على ذلك بنشاط «داعش» في نيجيريا وموزمبيق والكاميرون وتوغو وبنين.
أما «القاعدة»، فـ«بالإضافة إلى تغوّله في مالي والنيجر، وبوركينا فاسو، فإنه موجود عبر الحدود الشمالية الغربية المحاذية لبحيرة تشاد؛ بالتداخل مع جماعات أخرى مثل (بوكو حرام)».
و«نصرة الإسلام والمسلمين» التي أعلن «القاعدة» عن تأسيسها في مارس (آذار) 2017 خليطٌ من 4 فرق رئيسية، وفق أيب، وهي: «أنصار الدين» (بقيادة الطوارقي إياد أغ غالي) و«كتائب المرابطون» (المنشقة عن تنظيم «المرابطون» بقيادة مختار بلمختار سابقاً)، و«جبهة تحرير ماسينا» (حركة ذات قاعدة اجتماعية في وسط مالي يقودها أمادو كوفا)، بالإضافة إلى «إمارة الصحراء الكبرى» (التي كانت تابعة لـ«القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي).
وبلغت «نصرة الإسلام والمسلمين» درجة جديدة من القدرة العملياتية التي تمكنها من شن هجمات معقدة على ثكنات جيدة التحصين باستخدام طائرات مسيّرة وأجهزة متفجرة يدوية الصنع وأعداد كبيرة من المقاتلين، حسب التقرير الأممي المقدّم إلى مجلس الأمن في يونيو (حزيران) 2025.
تنظيم «نصرة الإسلام» يحرق ناقلات نفط في كايس ونيورو ويغلق طرقاً مؤدية إلى باماكو
تنظيم «نصرة الإسلام» يحرق ناقلات نفط في كايس ونيورو ويغلق طرقاً مؤدية إلى باماكو
وكان الخلاف تصاعد في الأشهر الماضية بين «داعش» و«القاعدة» على مثلث «ليبتاكو - غورما»، وهو ما أرجعه أيب إلى أنه «غني بخام الذهب، ولكونه منطقة غابات؛ «لا يمكن الوصول إليها؛ لا من قوات برية أو عمليات إنزال جوية».
من هجوم «نصرة الإسلام» على شاحنات وقود كانت تحت بحراسة الجيش المالي منتصف سبتمبر 2025
من هجوم «نصرة الإسلام» على شاحنات وقود كانت تحت بحراسة الجيش المالي منتصف سبتمبر 2025
ووسّعت جماعات تابعة لـ«داعش»، مثل ذراعها في «ولاية غرب أفريقيا» وفي «ولاية الصحراء الكبرى»، من نطاق انتشارها و«إنتاجها الدعائي»، لتجنيد المقاتلين وجمع التبرعات، مع وجود مؤشرات على تدفق مقاتلين أجانب معظمهم من غرب أفريقيا خلال عام 2024.
محمدن أيب أكاديمي موريتاني وباحث في شؤون الساحل والصحراء والجماعات المسلحة
محمدن أيب أكاديمي موريتاني وباحث في شؤون الساحل والصحراء والجماعات المسلحة
ويضم «داعش» في غرب أفريقيا، حسب الأمم المتحدة، بين 8 آلاف و12 ألف مقاتل. وقال خبراؤها إن «نصرة الإسلام والمسلمين» وسَّعت أيضاً نطاق عملياتها، وتعمل «بحرّية نسبية» في شمال مالي ومعظم أراضي بوركينا فاسو. كما شهد نشاط «داعش» في منطقة الصحراء الكبرى «انتعاشاً»، «خصوصاً على طول الحدود بين النيجر ونيجيريا، حيث يسعى التنظيم لترسيخ وجوده».
آليات وأسلحة متنوعة استولى عليها مقاتلو تنظيم «داعش» في كمين قرب مدينة تيلابيري
آليات وأسلحة متنوعة استولى عليها مقاتلو تنظيم «داعش» في كمين قرب مدينة تيلابيري
خريطة التنظيمات والموارد
في هذا المشهد المتشظي أمنياً، يرصد محمدن أيب خريطة الجماعات الإرهابية في الساحل والصحراء، رابطاً بين تحركاتها في بعض المناطق وسعيها للاستحواذ على مناجم «الثروة الباطنية».
يحذر أيب من أن المخاطر التي باتت تشكلها هذه الجماعات اختلفت عمّا كانت عليه سابقاً، في ظل تصاعد الاقتتال في المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، المعروف تاريخياً بـ«ليبتاكو - غورما» وصنّفه «مؤشر الإرهاب العالمي» لعام 2024 ضمن أكثر عشر مناطق تضرراً من الإرهاب حول العالم.
ويقول أيب لـ«الشرق الأوسط» إن جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، فرع «القاعدة»، وتنظيم «داعش» (ولاية الساحل) «يحكمان قبضتيهما على هذه المنطقة الزاخرة بموردي الذهب واليورانيوم»، وباتت «الأذرع المحلية للتنظيمات القوة الضاربة في عملياتها النوعية»؛ يدلل أيب على ذلك بنشاط «داعش» في نيجيريا وموزمبيق والكاميرون وتوغو وبنين.
أما «القاعدة»، فـ«بالإضافة إلى تغوّله في مالي والنيجر، وبوركينا فاسو، فإنه موجود عبر الحدود الشمالية الغربية المحاذية لبحيرة تشاد؛ بالتداخل مع جماعات أخرى مثل (بوكو حرام)».
و«نصرة الإسلام والمسلمين» التي أعلن «القاعدة» عن تأسيسها في مارس (آذار) 2017 خليطٌ من 4 فرق رئيسية، وفق أيب، وهي: «أنصار الدين» (بقيادة الطوارقي إياد أغ غالي) و«كتائب المرابطون» (المنشقة عن تنظيم «المرابطون» بقيادة مختار بلمختار سابقاً)، و«جبهة تحرير ماسينا» (حركة ذات قاعدة اجتماعية في وسط مالي يقودها أمادو كوفا)، بالإضافة إلى «إمارة الصحراء الكبرى» (التي كانت تابعة لـ«القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي).
وبلغت «نصرة الإسلام والمسلمين» درجة جديدة من القدرة العملياتية التي تمكنها من شن هجمات معقدة على ثكنات جيدة التحصين باستخدام طائرات مسيّرة وأجهزة متفجرة يدوية الصنع وأعداد كبيرة من المقاتلين، حسب التقرير الأممي المقدّم إلى مجلس الأمن في يونيو (حزيران) 2025.
تنظيم «نصرة الإسلام» يحرق ناقلات نفط في كايس ونيورو ويغلق طرقاً مؤدية إلى باماكو
تنظيم «نصرة الإسلام» يحرق ناقلات نفط في كايس ونيورو ويغلق طرقاً مؤدية إلى باماكو
وكان الخلاف تصاعد في الأشهر الماضية بين «داعش» و«القاعدة» على مثلث «ليبتاكو - غورما»، وهو ما أرجعه أيب إلى أنه «غني بخام الذهب، ولكونه منطقة غابات؛ «لا يمكن الوصول إليها؛ لا من قوات برية أو عمليات إنزال جوية».
من هجوم «نصرة الإسلام» على شاحنات وقود كانت تحت بحراسة الجيش المالي منتصف سبتمبر 2025
من هجوم «نصرة الإسلام» على شاحنات وقود كانت تحت بحراسة الجيش المالي منتصف سبتمبر 2025
ووسّعت جماعات تابعة لـ«داعش»، مثل ذراعها في «ولاية غرب أفريقيا» وفي «ولاية الصحراء الكبرى»، من نطاق انتشارها و«إنتاجها الدعائي»، لتجنيد المقاتلين وجمع التبرعات، مع وجود مؤشرات على تدفق مقاتلين أجانب معظمهم من غرب أفريقيا خلال عام 2024.
محمدن أيب أكاديمي موريتاني وباحث في شؤون الساحل والصحراء والجماعات المسلحة
محمدن أيب أكاديمي موريتاني وباحث في شؤون الساحل والصحراء والجماعات المسلحة
ويضم «داعش» في غرب أفريقيا، حسب الأمم المتحدة، بين 8 آلاف و12 ألف مقاتل. وقال خبراؤها إن «نصرة الإسلام والمسلمين» وسَّعت أيضاً نطاق عملياتها، وتعمل «بحرّية نسبية» في شمال مالي ومعظم أراضي بوركينا فاسو. كما شهد نشاط «داعش» في منطقة الصحراء الكبرى «انتعاشاً»، «خصوصاً على طول الحدود بين النيجر ونيجيريا، حيث يسعى التنظيم لترسيخ وجوده».
آليات وأسلحة متنوعة استولى عليها مقاتلو تنظيم «داعش» في كمين قرب مدينة تيلابيري
آليات وأسلحة متنوعة استولى عليها مقاتلو تنظيم «داعش» في كمين قرب مدينة تيلابيري
لصوصية وسرقة ماشية
سبل عدة تتبعها التنظيمات الجهادية في الساحل تبرّرها دينياً للتزوّد بالسلاح والمال، من بينها «السرقة والسطو»، وهو ما يصفه الأكاديمي الموريتاني أيب بـ«براغماتية تحلّ وتحرّم وفقاً لمصالحها».
وتحدث التقرير المقدّم من «فريق الرصد الأممي» إلى مجلس الأمن عن ازدياد لجوء «داعش» إلى عمليات الخطف بشكل مباشر أو بواسطة شبكات إجرامية، بهدف الحصول على «فديات»، وقال إن هذه إحدى وسائله من أجل التجنيد والتسلّح؛ ما «قد يزيد من عملياته لكسر عزلته في منطقة الحدود الثلاثية بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر».
تنظيم «القاعدة» في الساحل يستولي على قرية دارغو القريبة من بوركينا فاسو
تنظيم «القاعدة» في الساحل يستولي على قرية دارغو القريبة من بوركينا فاسو
وتحدث بشارة لـ«الشرق الأوسط» عن «تعدد عمليات خطف السكان المحليين من قبل التنظيمات المسلحة بشكل واسع».
وأبلغت دول أعضاء في مجلس الأمن لجنة إعداد التقرير بأن «سرقة الماشية في (حوض بحيرة تشاد) وسيلة شائعة لتوليد الإيرادات بعد بيعها في الأسواق المحلية». كما أفاد التقرير بأن «بوكو حرام» تجمع الزكاة بمقدار 4 إلى 5 أبقار لكل 120 بقرة.
عمر المهدي بشارة رئيس حركة «الخلاص الوطني» التشادية
عمر المهدي بشارة رئيس حركة «الخلاص الوطني» التشادية
وبالنظر إلى مورد الأسلحة يعتمد «القاعدة» و«داعش» على «النوعية الصغيرة، والخفيفة المهربة أو المسروقة». ولاحظت الدول الأعضاء أن عملية نقل هذه النوعية من الأسلحة «تتم بالتنسيق بين الشبكات الإجرامية المنظمة».
وحذّر التقرير من أن كلتا الجماعتين «تسعى عملياً إلى تعزيز خبرتها في مجال الطائرات المسيّرة، من خلال تجنيد اختصاصيين».
لصوصية وسرقة ماشية
سبل عدة تتبعها التنظيمات الجهادية في الساحل تبرّرها دينياً للتزوّد بالسلاح والمال، من بينها «السرقة والسطو»، وهو ما يصفه الأكاديمي الموريتاني أيب بـ«براغماتية تحلّ وتحرّم وفقاً لمصالحها».
وتحدث التقرير المقدّم من «فريق الرصد الأممي» إلى مجلس الأمن عن ازدياد لجوء «داعش» إلى عمليات الخطف بشكل مباشر أو بواسطة شبكات إجرامية، بهدف الحصول على «فديات»، وقال إن هذه إحدى وسائله من أجل التجنيد والتسلّح؛ ما «قد يزيد من عملياته لكسر عزلته في منطقة الحدود الثلاثية بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر».
تنظيم «القاعدة» في الساحل يستولي على قرية دارغو القريبة من بوركينا فاسو
تنظيم «القاعدة» في الساحل يستولي على قرية دارغو القريبة من بوركينا فاسو
وتحدث بشارة لـ«الشرق الأوسط» عن «تعدد عمليات خطف السكان المحليين من قبل التنظيمات المسلحة بشكل واسع».
وأبلغت دول أعضاء في مجلس الأمن لجنة إعداد التقرير بأن «سرقة الماشية في (حوض بحيرة تشاد) وسيلة شائعة لتوليد الإيرادات بعد بيعها في الأسواق المحلية». كما أفاد التقرير بأن «بوكو حرام» تجمع الزكاة بمقدار 4 إلى 5 أبقار لكل 120 بقرة.
عمر المهدي بشارة رئيس حركة «الخلاص الوطني» التشادية
عمر المهدي بشارة رئيس حركة «الخلاص الوطني» التشادية
وبالنظر إلى مورد الأسلحة يعتمد «القاعدة» و«داعش» على «النوعية الصغيرة، والخفيفة المهربة أو المسروقة». ولاحظت الدول الأعضاء أن عملية نقل هذه النوعية من الأسلحة «تتم بالتنسيق بين الشبكات الإجرامية المنظمة».
وحذّر التقرير من أن كلتا الجماعتين «تسعى عملياً إلى تعزيز خبرتها في مجال الطائرات المسيّرة، من خلال تجنيد اختصاصيين».
«جهاد البحار»
في إطار حشد متزايد للعدة والعتاد، يتحدث الأكاديمي حمدي عبد الرحمن حسن، عن «تطور خطير»، يتمثل في أن هذه الجماعات «تتهيأ للانطلاق من الساحل غرباً باتجاه المحيط، في محاولة للسيطرة على البحار؛ لإحياء ما يُعرف لديهم بـ(جهاد البحار)، لاستهداف خطوط الغاز.
كما ينبّه إلى أن «داعش» بعد أن أعلن ولاية موزمبيق (وسط أفريقيا) يتجه لتوسيع نطاق حكمه بإنشاء ولاية بورنو النيجيرية (غرب أفريقيا).
وتشكّل هذه البقعة الجغرافية من المحيط غرباً إلى البحر الأحمر شرقاً شريطاً شبه صحراوي يفصل الصحراء الكبرى شمالاً عن المناطق الاستوائية جنوباً، ويبلغ طوله نحو 5400 كيلومتر.
و«ولاية موزمبيق» أصغر حجماً لكنها أشد وحشية، وتهدد مصالح اقتصادية دولية كبرى تتعلق بالغاز الطبيعي، ما يجعلها محط أنظار العالم.
«جهاد البحار»
في إطار حشد متزايد للعدة والعتاد، يتحدث الأكاديمي حمدي عبد الرحمن حسن، عن «تطور خطير»، يتمثل في أن هذه الجماعات «تتهيأ للانطلاق من الساحل غرباً باتجاه المحيط، في محاولة للسيطرة على البحار؛ لإحياء ما يُعرف لديهم بـ(جهاد البحار)، لاستهداف خطوط الغاز.
كما ينبّه إلى أن «داعش» بعد أن أعلن ولاية موزمبيق (وسط أفريقيا) يتجه لتوسيع نطاق حكمه بإنشاء ولاية بورنو النيجيرية (غرب أفريقيا).
وتشكّل هذه البقعة الجغرافية من المحيط غرباً إلى البحر الأحمر شرقاً شريطاً شبه صحراوي يفصل الصحراء الكبرى شمالاً عن المناطق الاستوائية جنوباً، ويبلغ طوله نحو 5400 كيلومتر.
و«ولاية موزمبيق» أصغر حجماً لكنها أشد وحشية، وتهدد مصالح اقتصادية دولية كبرى تتعلق بالغاز الطبيعي، ما يجعلها محط أنظار العالم.
بحيرة تشاد... اختبار الإمارة
ما يجري في الساحل لا ينفصل عن تشاد، التي وجّهت في 18 أغسطس الماضي ضربةً موجعةً لتنظيم «داعش» في غرب أفريقيا، باعتقال 6 من قادة خلية محلية تابعة له، من بينهم مسلم يوسف، النجل الأصغر لمؤسس جماعة «بوكو حرام» في نيجيريا.
وأفاد تقرير لـ«مركز الدراسات الاستراتيجية الأفريقية» (ACSS) بأن «بوكو حرام» وفصيلها «ولاية غرب أفريقيا» مسؤولان عن نحو 66 في المائة من الوفيات العنيفة في نيجيريا عام 2024.
ورغم أن تشاد تقع جغرافياً في وسط أفريقيا، فإن شمالها (إقليم بوركو - تبستي - إنيدي) يُعد امتداداً مباشراً للصحراء الكبرى، بينما جنوبها أقرب إلى أفريقيا الاستوائية، وهي عضو في «مجموعة دول الساحل الخمس (G5).
لذا تحوّلت منطقة بحيرة تشاد، كما يرصد الأكاديمي حمدي عبد الرحمن، إلى «ساحة اختبار لخلافة (داعش) الجديدة»، وهو تطور يصفه بأنه «يرسخ صورة قاتمة لصراع دموي تصاعد بهدوء ليصبح أعنف مسرح للجهاديين في العالم».
يقول: «(داعش) يسيطر على مساحات واسعة من الأراضي الريفية في المنطقة الأكثر فقراً واكتظاظاً بالسكان في نيجيريا»، كما يفرض «ضرائب يُقال إنها تُدر 190 مليون دولار سنوياً؛ سعياً لتوسيع نفوذه».
آلية أحرقها مقاتلو تنظيم «داعش» بالهجوم على قرية سابارا، في منطقة دوسو
آلية أحرقها مقاتلو تنظيم «داعش» بالهجوم على قرية سابارا، في منطقة دوسو
ويضيف أن «التنظيم بنى في غرب أفريقيا بنية تحتية موازية للدولة؛ وأنشأ إدارات تشرف على العمليات العسكرية، وجمع الضرائب وتطبق الشريعة».
وأدى الصراع بين وحركات التمرد الإسلامية في شمالها الشرقي إلى مقتل ما يقرب من 350 ألفاً حتى نهاية 2020، وتشريد أكثر من مليونين، حسب «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي».
بحيرة تشاد... اختبار الإمارة
ما يجري في الساحل لا ينفصل عن تشاد، التي وجّهت في 18 أغسطس الماضي ضربةً موجعةً لتنظيم «داعش» في غرب أفريقيا، باعتقال 6 من قادة خلية محلية تابعة له، من بينهم مسلم يوسف، النجل الأصغر لمؤسس جماعة «بوكو حرام» في نيجيريا.
وأفاد تقرير لـ«مركز الدراسات الاستراتيجية الأفريقية» (ACSS) بأن «بوكو حرام» وفصيلها «ولاية غرب أفريقيا» مسؤولان عن نحو 66 في المائة من الوفيات العنيفة في نيجيريا عام 2024.
ورغم أن تشاد تقع جغرافياً في وسط أفريقيا، فإن شمالها (إقليم بوركو - تبستي - إنيدي) يُعد امتداداً مباشراً للصحراء الكبرى، بينما جنوبها أقرب إلى أفريقيا الاستوائية، وهي عضو في «مجموعة دول الساحل الخمس (G5).
لذا تحوّلت منطقة بحيرة تشاد، كما يرصد الأكاديمي حمدي عبد الرحمن، إلى «ساحة اختبار لخلافة (داعش) الجديدة»، وهو تطور يصفه بأنه «يرسخ صورة قاتمة لصراع دموي تصاعد بهدوء ليصبح أعنف مسرح للجهاديين في العالم».
يقول: «(داعش) يسيطر على مساحات واسعة من الأراضي الريفية في المنطقة الأكثر فقراً واكتظاظاً بالسكان في نيجيريا»، كما يفرض «ضرائب يُقال إنها تُدر 190 مليون دولار سنوياً؛ سعياً لتوسيع نفوذه».
آلية أحرقها مقاتلو تنظيم «داعش» بالهجوم على قرية سابارا، في منطقة دوسو
آلية أحرقها مقاتلو تنظيم «داعش» بالهجوم على قرية سابارا، في منطقة دوسو
ويضيف أن «التنظيم بنى في غرب أفريقيا بنية تحتية موازية للدولة؛ وأنشأ إدارات تشرف على العمليات العسكرية، وجمع الضرائب وتطبق الشريعة».
وأدى الصراع بين نيجيريا وحركات التمرد الإسلامية في شمالها الشرقي إلى مقتل ما يقرب من 350 ألفاً حتى نهاية 2020، وتشريد أكثر من مليونين، حسب «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي».
من يدير البحيرة؟
تشترك أربع دول في إدارة بحيرة تشاد ومواردها، بدايةً من تشاد التي تضم معظم مساحة البحيرة، ونيجيريا من الغرب والجنوب الغربي، والنيجر من الشمال الغربي، أما الكاميرون فمن الجنوب الغربي.
ووفق عمر المهدي بشارة، رئيس حركة «الخلاص الوطني» التشادية وأحد المتمردين السابقين على الحدود التشادية - الليبية، فإن نحو 70 في المائة من مساحة البحيرة الممتدة عبر شمال شرق نيجيريا، وجنوب شرق النيجر، وشمال الكاميرون، وغرب تشاد، «باتت خارج سيطرة هذه الدول».
ويقول بشارة لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف، أصبحت هذه الجماعات الإرهابية تحظى بحاضنة شعبية واسعة بين السكان؛ وهو ما يفسر استمرار بقائها في معظم مساحة حوض تشاد».
وهذا يرجعه أيضاً سكان محليون مثل الصومالي فارح والي إلى «الاحتواء بالمال» لتنفيذ «أجندة التنظيمات»، لكن ذلك لا يغلّ يدها عن «البطش بفئات المجتمع الأضعف، لا سيما المرأة».
وتتحمل النساء والفتيات العبء الأكبر، كما تؤكد سيما بحوث، المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، خلال جلسة أمام مجلس الأمن في أغسطس 2025، وتضيف: «هذه منطقة تُمحى فيها النساء بالكامل من الحياة العامة».
وأشارت بحوث إلى أن أكثر من مليون فتاة خارج المدارس؛ 60 في المائة منهن لم يسبق لهن الالتحاق بالدراسة، وسط تفشي ظواهر زواج القاصرات والعنف الجنسي.
من يدير البحيرة؟
تشترك أربع دول في إدارة بحيرة تشاد ومواردها، بدايةً من تشاد التي تضم معظم مساحة البحيرة، ونيجيريا من الغرب والجنوب الغربي، والنيجر من الشمال الغربي، أما الكاميرون فمن الجنوب الغربي.
ووفق عمر المهدي بشارة، رئيس حركة «الخلاص الوطني» التشادية وأحد المتمردين السابقين على الحدود التشادية - الليبية، فإن نحو 70 في المائة من مساحة البحيرة الممتدة عبر شمال شرق نيجيريا، وجنوب شرق النيجر، وشمال الكاميرون، وغرب تشاد، «باتت خارج سيطرة هذه الدول».
ويقول بشارة لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف، أصبحت هذه الجماعات الإرهابية تحظى بحاضنة شعبية واسعة بين السكان؛ وهو ما يفسر استمرار بقائها في معظم مساحة حوض تشاد».
وهذا يرجعه أيضاً سكان محليون مثل الصومالي فارح والي إلى «الاحتواء بالمال» لتنفيذ «أجندة التنظيمات»، لكن ذلك لا يغلّ يدها عن «البطش بفئات المجتمع الأضعف، لا سيما المرأة».
وتتحمل النساء والفتيات العبء الأكبر، كما تؤكد سيما بحوث، المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، خلال جلسة أمام مجلس الأمن في أغسطس 2025، وتضيف: «هذه منطقة تُمحى فيها النساء بالكامل من الحياة العامة».
وأشارت بحوث إلى أن أكثر من مليون فتاة خارج المدارس؛ 60 في المائة منهن لم يسبق لهن الالتحاق بالدراسة، وسط تفشي ظواهر زواج القاصرات والعنف الجنسي.
الضرب بمسيّرات رخيصة
ينذر الفراغ الأمني في بعض مناطق الساحل، وتقاطع أجندات الإرهاب المحلي التدخلات الدولية، بتحوّل هذه المنطقة إلى بؤرة نزاعات طويل الأمد تهدد شمال أفريقيا وأوروبا، وذلك إثر تطورات ملحوظة في أساليب العمليات الإرهابية. ويحذر الخبير المصري حمدي عبد الرحمن من أن «موجات العنف الحالية ليست كسابقاتها، فقد طرأ تطور كبير على التكتيكات والقدرات».
فمنذ أبريل (نيسان) 2025، أطلق «داعش» في غرب أفريقيا حملة سُميت «إحراق المعسكرات»، استهدفت القواعد العسكرية المحصنة التي طالما اعتُبرت آمنة، ويقول: «قد يظن المراقبون أن هذه مجرد غارات عادية، لكن الواقع أكثر تعقيداً».
ويضيف أن «الإرهابيين تعلموا في بحيرة تشاد كيف يشنون هجمات ليلية باستخدام الطائرات المسيّرة والمناظير الليلية»، محذراً من أن المنطقة «تحوّلت إلى ساحة معركة رئيسية لـ(داعش) (ولاية غرب أفريقيا)، وفصيله المنافس (بوكو حرام). كما أن (داعش) اليوم يختلف عما كان عليه سابقاً؛ إذ حصل على معدات للرؤية الليلية مكنته من شن هجمات منسقة في ساعات الضعف الجوي النيجيري».
وبات التنظيم «يتسلح بمسيّرات تجارية رخيصة تُطلق من مسافات آمنة؛ وتلقي متفجرات صغيرة على معسكرات الجيش والقوى الأمنية» ما عدّه عبد الرحمن «تهديداً جوياً مستمراً يصعّب على الدفاعات التقليدية التصدي له».
وسجلت الأمم المتحدة أكثر من 400 هجوم إرهابي في بوركينا فاسو ومالي والنيجر فقط، ما بين أبريل ويوليو (تموز) 2025، خلّفت 2870 قتيلاً وفق ما نقله ليوناردو سيماو، رئيس مكتب المنطقة لغرب أفريقيا والساحل، أمام مجلس الأمن في 8 أغسطس 2025.
تنظيم «القاعدة» في الساحل يشن هجوما على الجيش البوركيني في غومبورو بمقاطعة سورو
تنظيم «القاعدة» في الساحل يشن هجوما على الجيش البوركيني في غومبورو بمقاطعة سورو
الضرب بمسيّرات رخيصة
ينذر الفراغ الأمني في بعض مناطق الساحل، وتقاطع أجندات الإرهاب المحلي التدخلات الدولية، بتحوّل هذه المنطقة إلى بؤرة نزاعات طويل الأمد تهدد شمال أفريقيا وأوروبا، وذلك إثر تطورات ملحوظة في أساليب العمليات الإرهابية. ويحذر الخبير المصري حمدي عبد الرحمن من أن «موجات العنف الحالية ليست كسابقاتها، فقد طرأ تطور كبير على التكتيكات والقدرات».
فمنذ أبريل (نيسان) 2025، أطلق «داعش» في غرب أفريقيا حملة سُميت «إحراق المعسكرات»، استهدفت القواعد العسكرية المحصنة التي طالما اعتُبرت آمنة، ويقول: «قد يظن المراقبون أن هذه مجرد غارات عادية، لكن الواقع أكثر تعقيداً».
ويضيف أن «الإرهابيين تعلموا في بحيرة تشاد كيف يشنون هجمات ليلية باستخدام الطائرات المسيّرة والمناظير الليلية»، محذراً من أن المنطقة «تحوّلت إلى ساحة معركة رئيسية لـ(داعش) (ولاية غرب أفريقيا)، وفصيله المنافس (بوكو حرام). كما أن (داعش) اليوم يختلف عما كان عليه سابقاً؛ إذ حصل على معدات للرؤية الليلية مكنته من شن هجمات منسقة في ساعات الضعف الجوي النيجيري».
وبات التنظيم «يتسلح بمسيّرات تجارية رخيصة تُطلق من مسافات آمنة؛ وتلقي متفجرات صغيرة على معسكرات الجيش والقوى الأمنية» ما عدّه عبد الرحمن «تهديداً جوياً مستمراً يصعّب على الدفاعات التقليدية التصدي له».
وسجلت الأمم المتحدة أكثر من 400 هجوم إرهابي في بوركينا فاسو ومالي والنيجر فقط، ما بين أبريل ويوليو (تموز) 2025، خلّفت 2870 قتيلاً وفق ما نقله ليوناردو سيماو، رئيس مكتب المنطقة لغرب أفريقيا والساحل، أمام مجلس الأمن في 8 أغسطس 2025.
تنظيم «القاعدة» في الساحل يشن هجوما على الجيش البوركيني في غومبورو بمقاطعة سورو
تنظيم «القاعدة» في الساحل يشن هجوما على الجيش البوركيني في غومبورو بمقاطعة سورو
أمن الملاحة الدولية
القلق من توسّع استخدام الجماعات المتطرفة للتقنيات الحديثة طغى على جلسة مجلس الأمن الأخيرة في 8 أغسطس 2025، فقد حذر سيماو من «الاستخدام المتزايد للطائرات المسيّرة، وتقنيات الاتصالات المشفرة، والتعاون بين الجماعات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة العابرة للحدود».
وأبدى مخاوفه أيضاً على أمن الملاحة البحرية، وقال سيماو إنه «بات مهدداً»، كما أن «الشباب أصبحوا هدفاً رئيسياً للتجنيد».
وأمام هذا الخطر، تحدث «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» عن «تصاعد التعاون بين حركة (الشباب) في الصومال والحوثيين في اليمن»، محذراً من «تفاقم المخاطر على حركة الملاحة في البحر الأحمر، وخليج عدن، وغرب المحيط الهندي».
واستند المركز إلى تقرير أممي في فبراير (شباط) 2025 بـ«وجود أدلة على اتصالات بين الحوثيين وحركة (الشباب)، بل واجتماعات فعلية جرت في 2024، تتعلق بنقل العتاد العسكري والتدريب من الحوثيين إلى الحركة مقابل زيادة أنشطة القرصنة وتهريب الأسلحة».
وتحدث التقرير عن أن العلاقة بين الطرفين «قائمة على المنفعة وليس المذهبية»، وأفاد بتدفق أسلحة من اليمن إلى المناطق التي سيطر عليها «الشباب»، بين يونيو (حزيران) وسبتمبر (أيلول) 2024 ضمّت ذخائر ومتفجرات متنوعة عبر ميناءي مركا وبراوة في محافظة شبيلي السفلى. وأشار إلى أن «الشباب» كٌلِفت بزيادة عمليات القرصنة داخل خليج عدن وقبالة سواحل الصومال.
أمن الملاحة الدولية
القلق من توسّع استخدام الجماعات المتطرفة للتقنيات الحديثة طغى على جلسة مجلس الأمن الأخيرة في 8 أغسطس 2025، فقد حذر سيماو من «الاستخدام المتزايد للطائرات المسيّرة، وتقنيات الاتصالات المشفرة، والتعاون بين الجماعات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة العابرة للحدود».
وأبدى مخاوفه أيضاً على أمن الملاحة البحرية، وقال سيماو إنه «بات مهدداً»، كما أن «الشباب أصبحوا هدفاً رئيسياً للتجنيد».
وأمام هذا الخطر، تحدث «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» عن «تصاعد التعاون بين حركة (الشباب) في الصومال والحوثيين في اليمن»، محذراً من «تفاقم المخاطر على حركة الملاحة في البحر الأحمر، وخليج عدن، وغرب المحيط الهندي».
واستند المركز إلى تقرير أممي في فبراير (شباط) 2025 بـ«وجود أدلة على اتصالات بين الحوثيين وحركة (الشباب)، بل واجتماعات فعلية جرت في 2024، تتعلق بنقل العتاد العسكري والتدريب من الحوثيين إلى الحركة مقابل زيادة أنشطة القرصنة وتهريب الأسلحة».
وتحدث التقرير عن أن العلاقة بين الطرفين «قائمة على المنفعة وليس المذهبية»، وأفاد بتدفق أسلحة من اليمن إلى المناطق التي سيطر عليها «الشباب»، بين يونيو (حزيران) وسبتمبر (أيلول) 2024 ضمّت ذخائر ومتفجرات متنوعة عبر ميناءي مركا وبراوة في محافظة شبيلي السفلى. وأشار إلى أن «الشباب» كٌلِفت بزيادة عمليات القرصنة داخل خليج عدن وقبالة سواحل الصومال.
«شركات الشرّ»
زادت التخوفات الأممية من لجوء التنظيمات الإرهابية إلى استخدام تقنيات متطورة، من بينها الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي، وعدوا ذلك أمام جلسة لمجلس الأمن أغسطس الماضي «تحدياً جديداً».
وأكد على هذه المخاوف رامي شاهين، الخبير الدولي في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وقال: «تخيل مسرحاً جغرافياً يمتد عبر 10 دول أفريقية، تلتقي خلالها الرمال الحارقة بالتقنيات الأكثر برودة في عالم الذكاء الاصطناعي»؛ ويرى شاهين أن التنظيمات لم تعد مجرد ميليشيات مسلحة، «بل تحوّلت إلى شركات ناشئة للشّر تستثمر في أحدث التقنيات».
وتحدث شاهين إلى «الشرق الأوسط» عما سماه «التجنيد السائل» لافتاً إلى ما يعرف بـ«المحتويات المخصصة»، وهي أن «كل مُستهدف يتلقى رسائل ترويجية مصممة خصيصاً لضعفه وآماله». وضرب مثلاً على ذلك «بشاب في النيجر يتلقى مقطع فيديو معدلاً بالذكاء الاصطناعي يظهر مستقبلاً مزهراً مع الجماعة».
كما تطرق شاهين إلى ما سماه «التمويه الرقمي»، المتمثل في «شبكات اتصال ذاتية التدمير»، وقال إنها عبارة عن تطبيقات ترسل رسائل مشفرة تختفي بعد قراءتها في عملية وصفها بالانتقال «من البندقية إلى الخوارزمية» خصوصاً لجهة الاعتماد على التمويل عبر «عملات رقمية معقّدة» يصعب تتبعها.
ما طرحه شاهين أثاره أيضاً فلاديمير فورونكوف، رئيس مكتب مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة، أمام مجلس الأمن الدولي، أغسطس الماضي، ونقله مكتب الأمم المتحدة لدى ليبيا. وحذر من استخدام التنظيمات للتقنيات الجديدة والناشئة، وقال: «تواصل استخدام منصات الرسائل المشفرة لتأمين اتصالاتها، والاستفادة من أنظمة التمويل الجماعي لجمع التبرعات، وتجربة الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد لتعزيز دعايتها».
«شركات الشرّ»
زادت التخوفات الأممية من لجوء التنظيمات الإرهابية إلى استخدام تقنيات متطورة، من بينها الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي، وعدوا ذلك أمام جلسة لمجلس الأمن أغسطس الماضي «تحدياً جديداً».
وأكد على هذه المخاوف رامي شاهين، الخبير الدولي في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وقال: «تخيل مسرحاً جغرافياً يمتد عبر 10 دول أفريقية، تلتقي خلالها الرمال الحارقة بالتقنيات الأكثر برودة في عالم الذكاء الاصطناعي»؛ ويرى شاهين أن التنظيمات لم تعد مجرد ميليشيات مسلحة، «بل تحوّلت إلى شركات ناشئة للشّر تستثمر في أحدث التقنيات».
وتحدث شاهين إلى «الشرق الأوسط» عما سماه «التجنيد السائل» لافتاً إلى ما يعرف بـ«المحتويات المخصصة»، وهي أن «كل مُستهدف يتلقى رسائل ترويجية مصممة خصيصاً لضعفه وآماله». وضرب مثلاً على ذلك «بشاب في النيجر يتلقى مقطع فيديو معدلاً بالذكاء الاصطناعي يظهر مستقبلاً مزهراً مع الجماعة».
كما تطرق شاهين إلى ما سماه «التمويه الرقمي»، المتمثل في «شبكات اتصال ذاتية التدمير»، وقال إنها عبارة عن تطبيقات ترسل رسائل مشفرة تختفي بعد قراءتها في عملية وصفها بالانتقال «من البندقية إلى الخوارزمية» خصوصاً لجهة الاعتماد على التمويل عبر «عملات رقمية معقّدة» يصعب تتبعها.
ما طرحه شاهين أثاره أيضاً فلاديمير فورونكوف، رئيس مكتب مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة، أمام مجلس الأمن الدولي، أغسطس الماضي، ونقله مكتب الأمم المتحدة لدى ليبيا. وحذر من استخدام التنظيمات للتقنيات الجديدة والناشئة، وقال: «تواصل استخدام منصات الرسائل المشفرة لتأمين اتصالاتها، والاستفادة من أنظمة التمويل الجماعي لجمع التبرعات، وتجربة الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد لتعزيز دعايتها».
من أفريقيا إلى الهول في سوريا
فككت السلطات في ليبيا «ثلاث خلايا إرهابية»، معلنة عن العثور على «كميات ضخمة ومتنوعة من الأسلحة، مدفونة في مخازن تحت أحد المنازل في مدينة سبها، من بينها قذائف وقنابل وعبوات ناسفة وذخائر متوسطة وثقيلة ومدافع مضادة للطائرات».
ودلت التحريات على أن الخلية الأولى كانت مكلفة بتجنيد العناصر وتيسّر تنقلهم من شمال أفريقيا إلى الصومال ومنطقة الساحل وتزويدهم بجوازات سفر مزورة ومساكن مؤمنة.
أما الخلية الثانية «فكانت تغسل الأموال من خلال شركات تمويهية لمساعدة المقاتلين وعائلاتهم على الهرب من مخيم الهول في سوريا، والانتقال إلى ليبيا بحيث يتم إيواؤهم في مساكن ممولة من (داعش)»، وسعت هذه الخلية أيضاً إلى القيام باستثمارات في دول المنطقة.
وكانت الخلية الثالثة مسؤولة عن تحويل الأموال إلى «داعش» باستخدام العملات المشفرة.
وأطلع مصدر من النيابة العامة الليبية «الشرق الأوسط» على مجريات التحقيقات الجارية مع عناصر تلك الخلايا، وقال إنها «أثبتت تلقيهم دعماً لوجستياً من تنظيمات في الساحل الأفريقي، وبعض الدول العربية المجاورة».
وتحدث المصدر عن تفكيك خلية في يوليو 2024 يقودها ليبي كانت على علاقة بـ«نصرة الإسلام والمسلمين»، وقال إنها متورطة في توريد أجهزة اتصالات تعمل عبر الأقمار الاصطناعية.
وفي «اعترافات» لأحد المتهمين أوردها جهاز أمني بغرب ليبيا، تحدث عن «التخطيط لمهاجمة مواقع عسكرية وأمنية حساسة، والتواصل مع جزائريين لتدريب أفراد التشكيل على تصنيع المسيرات».
من أفريقيا إلى الهول في سوريا
فككت السلطات في ليبيا «ثلاث خلايا إرهابية»، معلنة عن العثور على «كميات ضخمة ومتنوعة من الأسلحة، مدفونة في مخازن تحت أحد المنازل في مدينة سبها، من بينها قذائف وقنابل وعبوات ناسفة وذخائر متوسطة وثقيلة ومدافع مضادة للطائرات».
ودلت التحريات على أن الخلية الأولى كانت مكلفة بتجنيد العناصر وتيسّر تنقلهم من شمال أفريقيا إلى الصومال ومنطقة الساحل وتزويدهم بجوازات سفر مزورة ومساكن مؤمنة.
أما الخلية الثانية «فكانت تغسل الأموال من خلال شركات تمويهية لمساعدة المقاتلين وعائلاتهم على الهرب من مخيم الهول في سوريا، والانتقال إلى ليبيا بحيث يتم إيواؤهم في مساكن ممولة من (داعش)»، وسعت هذه الخلية أيضاً إلى القيام باستثمارات في دول المنطقة. وكانت الخلية الثالثة مسؤولة عن تحويل الأموال إلى «داعش» باستخدام العملات المشفرة.
وأطلع مصدر من النيابة العامة الليبية «الشرق الأوسط» على مجريات التحقيقات الجارية مع عناصر تلك الخلايا، وقال إنها «أثبتت تلقيهم دعماً لوجستياً من تنظيمات في الساحل الأفريقي، وبعض الدول العربية المجاورة».
وتحدث المصدر عن تفكيك خلية في يوليو 2024 يقودها ليبي كانت على علاقة بـ«نصرة الإسلام والمسلمين»، وقال إنها متورطة في توريد أجهزة اتصالات تعمل عبر الأقمار الاصطناعية
وفي «اعترافات» لأحد المتهمين أوردها جهاز أمني بغرب ليبيا، تحدث عن «التخطيط لمهاجمة مواقع عسكرية وأمنية حساسة، والتواصل مع جزائريين لتدريب أفراد التشكيل على تصنيع المسيرات».
طرد القوات الفرنسية
تعددت التفسيرات لما يجري في الساحل الأفريقي. فعلى المستوى الأممي، يعتقد السنغالي عبد الله مار ديي، منسق الأمم المتحدة الخاص في منطقة الساحل، أن «تدمير ليبيا غذّى تحديات مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل»، مستبعداً أن تكون الأزمة نتاج الأحداث التي شهدها شمال مالي منذ نحو 13 عاماً.
وفي تصريحات نقلتها وسائل إعلام سنغالية عن ديي، مطلع أغسطس الماضي، قال: «العالم لديه دين ضخم تجاه دول الساحل، وهذا الدين لم يُسدّد بعد».
بموازاة ذلك، يرى سكان محليون في بعض دول الساحل، تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، أن ما حلّ ببلادهم كان نتيجة حتمية للأداء الحكومي الضعيف، وهو ما يلفت إليه بشارة، ويقول إن التوترات العرقية أدت إلى «تأجيج الصراعات وفتح الطريق أمام النمو الجهادي العابر للحدود».
لكن هناك من يرى أن طرد القوات الفرنسية من عدة دول في الساحل فتح الباب أمام تغوّل الإرهاب. ويشير الدكتور قرني إلى أن «استهداف التنظيمات العديد من الزعماء والقادة الشعبيين أدى إلى إضعاف الحكم المحلي».
ولفت إلى أن «غياب الأطر التنموية الحقيقية وحشد الموارد الوطنية لصالح الجهود العسكرية أدى أيضاً إلى تفاقم الظاهرة الإرهابية».
ما ذهب إليه قرني، الخبير في الشأن الأفريقي، عدّه بشارة من أهم الأسباب التي تدعم تغوّل الإرهابيين، مرجعاً فشل حكومات حوض تشاد في مواجهة التنظيمات إلى «عدم إشراك المجتمعات المحلية في التنمية والأمن»، لكنه يقول: «إنجامينا جعلت الأمن مسؤولية السكان أنفسهم».
عمر المهدي بشارة رئيس حركة «الخلاص الوطني» التشادية
عمر المهدي بشارة رئيس حركة «الخلاص الوطني» التشادية
وتواجه مالي أزمة أمنية عميقة منذ عام 2012، يغذيها التمرد المسلح. ومع ذلك، طالبت بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، في نهاية 2023، بمغادرة البلاد، بعد عقد كامل من دعم الحكومة.
وظلّت فرنسا اللاعب الأمني والعسكري الرئيسي في مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، ثم موريتانيا بدرجة أقل، وقدمت لها دعماً عسكرياً واستخباراتياً قبل أن يتم إخراجها من هناك. وحلّت روسيا «بديلاً جديداً» سعياً لملء الفراغ.
طرد القوات الفرنسية
تعددت التفسيرات لما يجري في الساحل الأفريقي. فعلى المستوى الأممي، يعتقد السنغالي عبد الله مار ديي، منسق الأمم المتحدة الخاص في منطقة الساحل، أن «تدمير ليبيا غذّى تحديات مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل»، مستبعداً أن تكون الأزمة نتاج الأحداث التي شهدها شمال مالي منذ نحو 13 عاماً.
وفي تصريحات نقلتها وسائل إعلام سنغالية عن ديي، مطلع أغسطس الماضي، قال: «العالم لديه دين ضخم تجاه دول الساحل، وهذا الدين لم يُسدّد بعد».
بموازاة ذلك، يرى سكان محليون في بعض دول الساحل، تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، أن ما حلّ ببلادهم كان نتيجة حتمية للأداء الحكومي الضعيف، وهو ما يلفت إليه بشارة، ويقول إن التوترات العرقية أدت إلى «تأجيج الصراعات وفتح الطريق أمام النمو الجهادي العابر للحدود».
لكن هناك من يرى أن طرد القوات الفرنسية من عدة دول في الساحل فتح الباب أمام تغوّل الإرهاب. ويشير الدكتور قرني إلى أن «استهداف التنظيمات العديد من الزعماء والقادة الشعبيين أدى إلى إضعاف الحكم المحلي».
ولفت إلى أن «غياب الأطر التنموية الحقيقية وحشد الموارد الوطنية لصالح الجهود العسكرية أدى أيضاً إلى تفاقم الظاهرة الإرهابية».
ما ذهب إليه قرني، الخبير في الشأن الأفريقي، عدّه بشارة من أهم الأسباب التي تدعم تغوّل الإرهابيين، مرجعاً فشل حكومات حوض تشاد في مواجهة التنظيمات إلى «عدم إشراك المجتمعات المحلية في التنمية والأمن»، لكنه يقول: «إنجامينا جعلت الأمن مسؤولية السكان أنفسهم».
عمر المهدي بشارة رئيس حركة «الخلاص الوطني» التشادية
عمر المهدي بشارة رئيس حركة «الخلاص الوطني» التشادية
وتواجه مالي أزمة أمنية عميقة منذ عام 2012، يغذيها التمرد المسلح. ومع ذلك، طالبت بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، في نهاية 2023، بمغادرة البلاد، بعد عقد كامل من دعم الحكومة.
وظلّت فرنسا اللاعب الأمني والعسكري الرئيسي في مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، ثم موريتانيا بدرجة أقل، وقدمت لها دعماً عسكرياً واستخباراتياً قبل أن يتم إخراجها من هناك. وحلّت روسيا «بديلاً جديداً» سعياً لملء الفراغ.
الذهب قبل الآيديولوجيا
يرى المنسق الخاص للأمم المتحدة في منطقة الساحل، ديي، أن هدف التنظيمات المتقاتلة لا يرتبط بالبعد الديني بقدر ما يسعى لتحقيق مكاسب اقتصادية. إذ قال مطلع أغسطس الماضي: «كل ما نراه من إرهاب ليس له علاقة بالآيديولوجيا؛ بل هو اقتصادي بحت».
ويتفق الخبير الموريتاني أيب مع المنسّق الأممي: «البعد المادي لهذه الجماعات دائماً أولوية»، مفسراً ذلك بأن «نيجيريا بلد الغاز، والنيجر منطقة اليورانيوم، ومالي منطقة الذهب؛ وبالتالي ما تعانيه هذه الدول مرتبط بمواردها». وهنا يتحدث بشارة عن أن «مناجم الذهب في شمال مالي تشرف عليها جماعات إرهابية».
وسبق لوزير المعادن في الحكومة الانتقالية المالية أمادو كيتا الكشف عن أن عائدات الذهب من عمليات التنقيب غير الشرعي «تسهم بشكل كبير في تمويل شبكات إرهابية وإجرامية».
ويشير معهد الدراسات الأمنية بجنوب أفريقيا إلى أن الجماعات الجهادية مثل «ولاية الساحل» التابعة لـ«داعش» تفرض ضرائب على المنقّبين، وتسيطر على طرق التهريب.
الذهب قبل الآيديولوجيا
يرى المنسق الخاص للأمم المتحدة في منطقة الساحل، ديي، أن هدف التنظيمات المتقاتلة لا يرتبط بالبعد الديني بقدر ما يسعى لتحقيق مكاسب اقتصادية. إذ قال مطلع أغسطس الماضي: «كل ما نراه من إرهاب ليس له علاقة بالآيديولوجيا؛ بل هو اقتصادي بحت».
ويتفق الخبير الموريتاني أيب مع المنسّق الأممي: «البعد المادي لهذه الجماعات دائماً أولوية»، مفسراً ذلك بأن «نيجيريا بلد الغاز، والنيجر منطقة اليورانيوم، ومالي منطقة الذهب؛ وبالتالي ما تعانيه هذه الدول مرتبط بمواردها». وهنا يتحدث بشارة عن أن «مناجم الذهب في شمال مالي تشرف عليها جماعات إرهابية».
وسبق لوزير المعادن في الحكومة الانتقالية المالية أمادو كيتا الكشف عن أن عائدات الذهب من عمليات التنقيب غير الشرعي «تسهم بشكل كبير في تمويل شبكات إرهابية وإجرامية».
ويشير معهد الدراسات الأمنية بجنوب أفريقيا إلى أن الجماعات الجهادية مثل «ولاية الساحل» التابعة لـ«داعش» تفرض ضرائب على المنقّبين، وتسيطر على طرق التهريب.
أسلحة القذافي
ما يحدث في الساحل الأفريقي، حسب رؤية خبراء في الشأن الأفريقي، لا ينفصل عن توجهات القوى الدولية «صاحبة المصلحة والإرث التاريخي» في هذه المنطقة التي تعاني الفقر والحروب، رغم ما تمتلكه من ثروات.
ويرى عمر المهدي بشارة أن «المستعمر الفرنسي لن يترك مستعمراته بهذه السهولة، معتقداً أن دول الساحل الأفريقي الغنية بالثروات تُعتبر ضمن المخزون الاستراتيجي له ولأجياله من بعده».
ويوجّه بشارة اتهامات إلى فرنسا التي سبق أن أُخرجت قواتها من دول الساحل، قائلاً: «نعتقد أنها تحرّك أذرعها المتمثلة في الجماعات المتطرفة وعملاءها في المنظمات لزعزعة استقرار الدول التي طُردت منها بالأمس قواعدها العسكرية».
وعقب الانقلابات العسكرية التي وقعت في مالي (2021) وبوركينا فاسو (2022) والنيجر (2023)، جرى إخراج القوات العسكرية الفرنسية من هذه الدول تباعاً، لتفقد باريس نفوذها التاريخي في مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
وسريعاً دخلت موسكو عبر بوابة ليبيا الجنوبية إلى الساحل، خصوصاً مالي، مستخدمةً عناصر قواتها التي أطلقت عليها «الفيلق الأفريقي»، لتملأ فراغاً أمنياً، إلى جانب تنامي نفوذ الصين وتركيا أيضاً في المنطقة.
وسبق أن تحدثت مجلة «منبر الدفاع الأفريقي»، التابعة لـ«أفريكوم»، عن تحركات روسيا في الساحل. ونقلت عن الباحث في الشأن العسكري أندرو ماكريغور، من مؤسسة «جيمستاون» البحثية، في يوليو 2025، أن روسيا باتت تستخدم قاعدة «الخادم» الجوية «منصة متقدمة لعملياتها في المنطقة».
وتقع قاعدة «الخادم» على بُعد نحو 100 كيلومتر شرق بنغازي، ويعتقد ماكريغور أن هذه القاعدة تحوّلت إلى «مركز لتخزين الأسلحة وتهريب الموارد ذهاباً وإياباً من منطقة الساحل الأفريقي».
وأضاف: «روسيا تكرر إخفاقات معمر القذافي في ثمانينات القرن الماضي، عندما حاول استخدام السلاح السوفياتي لبسط نفوذه في منطقة الساحل؛ الكرملين يعيد الآن استثمار القاعدة نفسها التي استخدمها القذافي للهجوم على تشاد».
وروسيا، الساعية لنسج تحالفات جديدة في أفريقيا، وقّعت مذكرة تفاهم دفاعية مع النيجر ومالي وبوركينا فاسو، أُعلن عنها في 14 أغسطس 2025.
غير أن «مركز أبحاث التسلح في النزاعات»، المعني بتتبع إمدادات الأسلحة التقليدية والمواد العسكرية، قال في نهاية أبريل 2025 إن الأسلحة القادمة من ليبيا إلى الساحل الأفريقي «لا تمثل سوى 7 في المائة من إجمالي الأسلحة المتداولة هناك».
وهكذا، يكشف المشهد في الساحل الأفريقي عن معادلة معقدة تتصاعد فيها العمليات الإرهابية مع تشابك النفوذ والتدخلات الدولية، حسب أصحاب الأرض، فيما يظل الصراع على الموارد هدفاً محورياً تسعى التنظيمات المسلحة إلى السيطرة عليه.
أسلحة القذافي
ما يحدث في الساحل الأفريقي، حسب رؤية خبراء في الشأن الأفريقي، لا ينفصل عن توجهات القوى الدولية «صاحبة المصلحة والإرث التاريخي» في هذه المنطقة التي تعاني الفقر والحروب، رغم ما تمتلكه من ثروات.
ويرى عمر المهدي بشارة أن «المستعمر الفرنسي لن يترك مستعمراته بهذه السهولة، معتقداً أن دول الساحل الأفريقي الغنية بالثروات تُعتبر ضمن المخزون الاستراتيجي له ولأجياله من بعده».
ويوجّه بشارة اتهامات إلى فرنسا التي سبق أن أُخرجت قواتها من دول الساحل، قائلاً: «نعتقد أنها تحرّك أذرعها المتمثلة في الجماعات المتطرفة وعملاءها في المنظمات لزعزعة استقرار الدول التي طُردت منها بالأمس قواعدها العسكرية».
وعقب الانقلابات العسكرية التي وقعت في مالي (2021) وبوركينا فاسو (2022) والنيجر (2023)، جرى إخراج القوات العسكرية الفرنسية من هذه الدول تباعاً، لتفقد باريس نفوذها التاريخي في مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
وسريعاً دخلت موسكو عبر بوابة ليبيا الجنوبية إلى الساحل، خصوصاً مالي، مستخدمةً عناصر قواتها التي أطلقت عليها «الفيلق الأفريقي»، لتملأ فراغاً أمنياً، إلى جانب تنامي نفوذ الصين وتركيا أيضاً في المنطقة.
وسبق أن تحدثت مجلة «منبر الدفاع الأفريقي»، التابعة لـ«أفريكوم»، عن تحركات روسيا في الساحل. ونقلت عن الباحث في الشأن العسكري أندرو ماكريغور، من مؤسسة «جيمستاون» البحثية، في يوليو 2025، أن روسيا باتت تستخدم قاعدة «الخادم» الجوية «منصة متقدمة لعملياتها في المنطقة».
وتقع قاعدة «الخادم» على بُعد نحو 100 كيلومتر شرق بنغازي، ويعتقد ماكريغور أن هذه القاعدة تحوّلت إلى «مركز لتخزين الأسلحة وتهريب الموارد ذهاباً وإياباً من منطقة الساحل الأفريقي».
وأضاف: «روسيا تكرر إخفاقات معمر القذافي في ثمانينات القرن الماضي، عندما حاول استخدام السلاح السوفياتي لبسط نفوذه في منطقة الساحل؛ الكرملين يعيد الآن استثمار القاعدة نفسها التي استخدمها القذافي للهجوم على تشاد».
وروسيا، الساعية لنسج تحالفات جديدة في أفريقيا، وقّعت مذكرة تفاهم دفاعية مع النيجر ومالي وبوركينا فاسو، أُعلن عنها في 14 أغسطس 2025.
غير أن «مركز أبحاث التسلح في النزاعات»، المعني بتتبع إمدادات الأسلحة التقليدية والمواد العسكرية، قال في نهاية أبريل 2025 إن الأسلحة القادمة من ليبيا إلى الساحل الأفريقي «لا تمثل سوى 7 في المائة من إجمالي الأسلحة المتداولة هناك».
وهكذا، يكشف المشهد في الساحل الأفريقي عن معادلة معقدة تتصاعد فيها العمليات الإرهابية مع تشابك النفوذ والتدخلات الدولية، حسب أصحاب الأرض، فيما يظل الصراع على الموارد هدفاً محورياً تسعى التنظيمات المسلحة إلى السيطرة عليه.
